مُصطلح الغَرْب بين النّشأة الأسطوريَّة والنّهاية الكوسموبوليتيَّة

مكي سعد الله

 

توطئة:

"L'Occident médiéval est né sur les ruines du monde romain. Il y a trouvé appui et handicap à la fois. Rome a été sa nourriture et sa paralysie."([1])

الغَرْبُ: من المَفاهيم المُلتبسة في المَنظومة الفكريَّة والمعرفيَّة الإنسانيَّة عامَّةً، والأوروبيَّة خاصَّةً؛ بسبب خروج المُصطلح من الدَّلالة اللُّغويَّة البَسيطة المُختزلة في "غروب الشَّمس" إلى سياقاتٍ مشحونةٍ بمفاهيم عقائديَّة وأسطوريَّة وإيديولوجيَّة.

وقد انشَغلَ العُلماء بالبحث في ماهيَّته، وعلى رَأسهم مفكّري الغرب أنفسهم، الّذين تساءلوا عن إشكاليَّة مُصطلح الغرب "هل هو مكانٌ أو منطقةٌ من العالم؟ هل هو أوروبا أو أمريكا أم الاثنين معًا؟ أو هو مجموع الدول الغربيَّة؟ هل الغرب مرحلةٌ من التّاريخ أم نظامٌ اقتصاديّ؟ هل هو خُلقٌ أم دينٌ أو طريقةُ عيشٍ وحالةٌ فكريَّةٌ وذهنيَّةٌ؟"([2])

وتمكَّنت المركزيَّة الغربيَّة من شحن مَفهوم الغرب بدلالات سياسيَّة وثقافيَّة ودينيَّة، حتّى انحرف عن المعنى الأصليّ، وأصبح معادلًا موضوعيًّا لنموذجٍ ثقافيّ/ سياسيّ/ إيديولوجيّ مُحدّد "الغرب مفهومٌ إيديولوجيّ أكثر منه جغرافيّ"([3]).

ومع تحوّل المفهوم من المعنى الجغرافيّ إلى الكيان الدّينيّ والإثنيّ والثّقافيّ، شرع المشتغلون بالتّنظير للمفهوم في البحث عن سياقات وأنساق ثقافيَّة ودينيَّة/ أسطوريَّة لبلورة نظريّةٍ تُميّز مُصطلح الغرب وتعطيه هويَّةً خاصَّةً.

لم تكن كَلمة غرب - في البداية - إلّا مَعنى بسيط يوحي بغروب الشَّمس وأُفولِها؛ "الغَرْبُ والمَغْرِبُ: بمعنى واحد، قال ابن سيده: الغَرْبُ خلاف الشَّرْقِ، وهو المَغْرِبُ، وقوله تعالى: ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَينِ﴾([4])، أحد المَغربين؛ أقصى ما تنتهي إليه الشَّمس في الصَّيف، والآخر أقصى ما تنتهي إليه الشَّمس في الشِّتاء، وأحد المَشرقين؛ أقصى ما تشرق منه الشَّمس في الصَّيف، وأقصى ما تشرق منه في الشِّتاء، وبين المَغرب الأقصى والمَغرب الأدنى مائة وثمانون مغربًا"([5])، وذهب الخليل بن أحمد إلى تأكيد ذات المعنى؛ حيث قال: "والغَرْبُ، المَغْرِبُ والغُرُوبُ، غيبوبة الشّمس"([6]).

انساقت المعاجم العربيّة كلّها إلى درب رواد المعجميّة العربيّة الكلاسيكيّة، في جعل لفظ "الغرب" مرادفًا لغروب الشمس وزواله، قال الفيروز أبادي: "ومَغْرِبَانِ الشّمس؛ حيث تَغْرُبُ، ولقيته مَغْرِبِهَا ومُغَيْرِبَانِهَا ومُغَيْرِبَانَاتِهَا: عند غروبها، وتَغرَّب: أتى من الغَرْبِ"([7]).

وأجمعت المعاجم - الغربيَّة والأجنبيَّة - حول هذا المعنى؛ فذهب مُعجم الأكاديميَّة الفرنسيَّة إلى الإقرار بأنَّ "الغَرْبَ" هو: "أحد الاتّجاهات الأربعة، ويعني؛ غروب الشَّمس، ويقابل الشَّرق"([8])، والمقصود بالشَّرق - هنا - شروق الشّمس ومَطلعها، وتداول معجم (لاروس) الموسوعيّ (Larousse encyclopédique) الَمعنى ذاته, لكن المُعجمَيْن أضافا أنَّ من دلالات الغرب أيضًا: "الدُّول الغربيَّة وأممها وشعوبها"([9])، والدُّول الغربيَّة - حسب المُعجميْن - هي؛ دول محدَّدة وفقًا لمعايير النّظام الاقتصاديّ اللّيبراليّ والِانتماء السّياسيّ لمعسكر مناهض للمعسكر الشّرقيّ بمفهوم الحرب الباردة وثقافتها، فيصبح الغرب: "مجموعة شعوب تَسْكُنُ دول أوروبا الغربيّة, كما تطلق اللّفظة - أيضًا - على حضارة هذه الشّعوب ودولهم"([10]).

خرج مصطلح الغرب من المعنى الجغرافيّ ليحمل دلالة فكريَّة وثقافيَّة وسياسيَّة، فلم يَعُدْ البُعد الجغرافي سوى جزئيّة بسيطة تحتلّ حجمًا ضئيلًا في المعاجم اللّغويّة والاصطلاحيّة؛ فقد تشبَّع بالدّلالات, حتّى عُدَّ من أكثر المصطلحات خضوعًا لِلأدْلجَة في الفكر المعاصر، "هذه المصطلحات الثّلاثة: (الإسلام، أوروبا، الغرب) تعرَّضت لأَدْلَجَةٍ مهووسةٍ ومبالغ فيها، ولهذا السّبب؛ ينبغي أن نُعِيدَ التّفكير فيها كي نُحِلَّ الصّورة التّاريخيّة (أو الواقعية) مَحلَّ الصّورة الإيديولوجيّة"([11]).

الانسلاخ من عباءة الدّلالة اللّغوية، طرح إشكاليّة انفلات المصطلح من التّحديد، وأصبح وِعاءً لمضامين التّاريخ والجغرافيا، وابتعد - بذلك - عن إمكانات الصّياغة الدّقيقة؛ لأنّه تجاوز الفضاءات الجغرافيَّة والفكريَّة - وحتى الإيديولوجيَّة - ودخل دائرة الصّورة المُتخيَّلة، وحول هذه الإشكاليَّة؛ تساءل مُؤَلِّفا كتاب "والله خلق الغرب": "ما هو الفضاء الجغرافيّ للغرب؟" كمفهوم يصعب تحديده؛ لأنَّه لا حدود واقعيّة له، فهو اختراع خياليٌ أكثر منه حقيقة جغرافيَّة محدَّدة...، فالغرب هو ما نُريده نحن أن يَكون"([12]).

الغرب: أسطورة النّشأة والتّأسيس:

تَطرح الكتابات والدِّراسات المُتعلقة بالغرب جُملةً من الإشكالات الفلسفيَّة والمعرفيَّة - وحتى الأبستيمولوجيَّة - حول نشأة مفهوم الغرب، ليس ككيانٍ جغرافيّ تحتلُّه وتشغله مجموعة من الشُّعوب والقوميّات الّتي تنتمي إلى دول تقع في أوروبا أو القارّة العجوز([13])، لكن بجملةٍ أخرى من المحاور الثّقافيَّة والحضاريَّة المُتعلقة بعلاقة الغرب بأوروبا, ومنها: أيّهما أسَبق في الظّهور؟ وأيّهما أشمل؟ ومن يحتوي الآخر؟ ومن له الفضل على الآخر؟

هكذا، وضمن سِلسلة الإشكالات المَطروحة يتداول أطروحتين على المُستوى الأكاديميّ: الأولى تتعلق بالأسُّس والمُرتكزات التَّأسيسيَّة لمفهوم الغرب، والثّانية مرتبطةٌ بتاريخ نشأته وبدايته.

عند استعراض مُختلف المقاربات الّتي تناولت البُعد الزّمنيّ لنشأة الغرب، نُلاحظ إقرار الباحثين بصعوبة إيجاد تاريخٍ موحَّدٍ يُكوِّن فرضيَّةً ثابتةً يمكن اعتمادها كإطارٍ مرجعيٍّ تاريخيّ، فأغلب الدّارسين يُعيدون نشأة الغرب إلى أحداث تاريخيَّة، توظَّف وتُأوَّل وفق المَحمولات الثَّقافيَّة والسِّياسيَّة الّتي ارتبطت بمفهوم الغرب.

تقترح الباحثة صوفي بسيس(Sophie Bessis) ([14]) سنة 1492م، كسنة تأسيسيَّة لنشأة الغرب السّياسيّ والثّقافيّ، ويرتبط هذا التّاريخ بحدثين مهمّين وأساسيَّن في التّاريخ الإنساني عامَّةً.

والحدثان يكرِّسان فِكرة التَّفوق العرقيّ وتفاوت الأجناس؛ فالنّخب الثّقافيَّة والكنيسة سارعت إلى مباركة الحملات وتزكيتها من خلال خطاب استعلائيّ وعنصريّ.

الأوّل: اكتشاف([15]) أمريكا من قبل كريستوف كولومبس (1451 - 1506)Christophe Colomb)، والثّاني: طرد المسلمين من إسبانيا "فَلْنَخْتَرْ عام 1492 سنة تأسيسيَّة (لارتباطها)... باكتشاف أمريكا وطرد اليهود والمسلمين من إسبانيا (الحدثان)، يشكِّلان في الواقع حدود الغرب الحديث الّذي نراه يولّد عند حافة القرن السّادس عشر تحت شعار مزدوج هو الاستيلاء والطّرد"([16]).

وفِكرتَيْ الاحتواء والإقصاء وما يُصاحبهما من أفعال وخطابات تتعلّق باختزال "الآخر" من قواعد وأدبيّات تأسيس المركزيَّة الغربيَّة الّتي تسعى إلى تحقيق فكرة النَّقاء الثّقافيّ والعرقيّ.

وإذا كانت صوفي بسيس عدّت سنة 1492م، سنة نشأة الغرب؛ فإنَّ الباحث أنريك دوسال (Enrique Dussel/ 1934م)، يرى أنَّ السّنة ذاتها هي سنة نشأة الحداثة الغربيّة "ولدت الحداثة الأوروبيَّة في العصر الوسيط...، هذه النّشأة مُرتبطةٌ بالصّدام مع "الآخر"، هذا الآخر الّذي وَجَدَتْ (أوروبا) نفسها في مواجهته، والانتصار عليه وتعنيفه، ومع هذا الاكتشاف تعرّفت أوروبا على "أَنَّاهَا" الغازية المستعمرة"([17]).

فالحداثة الأوروبيَّة وليدة الغيريَّة، لكنّها مغايرة الاستيعاب الّتي تختلف عن مغايرة المُثاقفة النِّديَّة، الّتي تبيح التّبادل المعرفيّ والحضاريّ بين الشّعوب والحضارات والثّقافات، دون إقصاءٍ أو تهميشٍ؛ فالمُثاقفة المتوازنة تُجسّد قيم التّسامح والحوار، وتتجاوز الصّدام ومظاهر تجليّاته.

وبين ظهور اللَّفظ كصوتٍ واصطلاحٍ (terme)، وتجلياته كفكرةٍ ذهنيّةٍ وتصوُّرٍ أيّ ميلاد المفهوم (concept)، تباينت الآراء والرُّؤى؛ فاللَّفظ "غرب"، ولا يمكن فصله عن "الشَّرق" - بإجماع الباحثين - سواء بالمعنى المعجميّ أو الإيديولوجيّ؛ فاللّفظتان مقترنتان لغةً ودلالةً، وقد يعود ظهورهما تاريخيًّا إلى "ظهور لفظ الشَّرق في الاستعمال والتّداول اللُّغويّ سنة 1080م، وكلمة غرب سنة 1120م، بمعنى؛ أنَّ الكلمتين ظهرتا عَقب الانقسام الكبير للشَّرق والحروب الصّليبيَة"([18]).

فالحداثة الأوروبيَّة وليدة الغيريَّة، ولكنّها مغايرة ترتكز على تجسيد ثقافة الاستيعاب، وتستبعد مغايرة المُثاقفة الإراديّة النِّديَّة الّتي تبيح التّبادل الثّقافيّ والحضاريّ والمعرفيّ، وتتجاوز الإقصاء والتّهميش باعتبارهما أدوات وآليّات للصّدام، وإذكاء للتّوترات الهوياتيَّة والثَّقافيَّة.

أصبحت مَسْألةُ المغايرة واكتشاف الآخر/ المختلف معيارًا لنشأة مفهوم الغرب؛ حيثُ غدا الاختلاف حاضنةً مركزيَّةً لتكوين وتشكيل الغرب، ففي مرآة الغيريَّة تتجلّى تمظهرات "الأنا"، لكنّها أنا غربيَّة تستجيب لمرجعيَّةٍ أسطوريَّةٍ تجسِّد أفكار الهيمنة والتَّفوق.

يرى جورج قرم أنَّ فكرة بداية ظهور الغرب - كنسقٍ ثقافيٍ ووجودٍ سياسيّ وإيديولوجيّ - بدأ مع الاستعمار حين خرجت شعوب القارّة الأوروبيَّة باحثةً عن التّوسّع والمجد، "وكلّما غزت الأمم الأوروبيَّة الكبرى العالم، محطمةً الحدود الجغرافيَّة واللُّغويَّة والإنسانيَّة الّتي تفصل بين القارات وشعوبها، كلّما تَصَلّبتْ حدود العقل وآفاق الفكر في مواطن الخيال الأسطوريّ والانفعاليّ المُسمَّى (غربًا)"([19]).

تحت أقنعة إنقاذ العالم وبثِّ القيم الإنسانيّة السّاميَّة والنّبيلة، سعت المنظومة الفكريَّة الغربيَّة إلى الانتقائيَّة في تعاملها مع الأحداث التّاريخيَّة، باختيار المشاهد الوظيفيَّة الّتي تؤدّي مهامّ مقصودةً ومُحدَّدةً تتمثل في ترسيخ مفهوم تفوّق "الأنا" الغربيَّة، وتخلُّف "الآخر" البربريّ المتوحّش.

ومع ارتباط مفهوم الغرب بالقيم الحضاريَّة والإنسانيَّة والمنجزات الثَّقافيَّة، بدأت الدّراسات والأبحاث تقدّم قراءةً جديدةً للنّشأة في محاولة للكشف عن الجوهر والمقصد؛ فيرى حسن حنفي أنَّ "الغرب لفظٌ سياسيّ يوضع - عادةً - في مُقابل الشَّرق؛ سواء من النّاحية السّياسيَّة أو من ناحية الطّابع الفكريّ العامّ"([20]).

والحقيقة؛ أنَّ لفظ "الغرب" وبإقرار علمائه، مُجرّد وعاءٍ للمحمولات الفكريَّة الغربيَّة "الغرب مفهومٌ إيديولوجيّ أكثر منه جغرافيّ"([21])، و"هو مفهومٌ ثقافيّ وليس جغرافيّ"([22])، والثَقافة تشمل الإيديولوجيا والأنثربولوجيا الّتي تتحكّم في مناهج التّنظير لرؤيةٍ تؤطّر الفكر المركزيّ، المُرَوِّجِ لتفوُّق "الأنا" الغربيّة، وتهميش "الآخر" المختلف/ غير الأوروبيّ.

والمستعرض لهذا الخطاب المركزيّ يلاحظ إنكار منجزات الحضارات الأخرى، وإلحاق إنتاجاتهم المعرفيّة والثّقافيّة بالتّاريخ والحضارة الإغريقيّة؛ فلا يعثر الباحث - إلّا نادرًا - بإقرار واعتراف بآثار حضارات ما بين النّهرين وحضارات الهند ومصر والصّين والمسلمين، وإنْ وُجِدَتْ بعض الإشارات؛ فَيَتِمُّ هيكلتها لتناسب الفكر الغربيّ بالادّعاء بِأنّ أصحابها وظّفوا للمناهج العقلانيّة الغربيّة, للوصول إلى نتائج حضاريّة.

وفي السّياق ذاته؛ يحتكر الفكر المركزيّ الغربيّ كتابة التّاريخ، باختيار الأحداث وانتقاء الصّور الّتي تتجاوز ما يُشَوِّهُ صورة المركزيّة الغربيّة، ومرجعيّات النّشأة والتّأسيس؛ فمن الصّعوبة والنَّدْرة أن نعثر على كتابات تصوّر مجازر وإبادات الشّعوب الأصيلة أثناء حملات فتح أمريكا، وما صاحبها - أيضًا - من تبشيرٍ ونهبٍ وسرقة "ذَهَبُكَ في مقابل إلهيّ، أعطني الدّراهم وإليك المطلق، إنّني أنهب، لكنّني - في الوقت نفسه - أَهْدِي للحقّ"([23]).

وبهذه المفاهيم يكون الغرب - كمُصطلحٍ - فكرة حديثة النّشأة حتّى وإن كانت مُكوِّناته وأُسسه أسطوريَّةٌ ودينيَّةٌ، تعودُ إلى أحقابٍ تاريخيَّةٍ غابرةٍ "الغرب لم يطغَ في الاستعمال العامّ إلَّا عبر القرنين المنصرمين، بوصفه التّكوين الرّئيس لأوروبا الغربيّة الّتي صار يُنْظَرُ إليها باعتبارها كلّيّة الحضور في السّيطرة الاستعماريّة على عموم أرجاء العالم"([24]).

ويطرح مُشكل ميلاد الغرب إشكاليّة أخرى تتعلّق بجغرافيا الفضاء الغربيّ - وبعبارة أخرى؛ هل أوروبا هي الغرب؟ وأيّ أوروبا؟

تَضاربت الآراء والقراءات حول هذه المسالة؛ حيث ترى المعاجم اللُّغويَّة أنَّ الغرب ينحصر في دول أوروبا الغربيَّة، بمعنى الارتباط السّـياسيّ الّذي يجعل "الغربويّة" l'occidentalisation)) صفةً معياريَّةً تميُّز بين نوعين من الدُّول الأوروبيَّة، تلك المنتميَّة للقطب اللّيبراليّ والأخرى المرتبطة، المنتمية للنّظامين الشّيوعيّ والاشتراكيّ سابق.

يحاول حسن حنفي أن يُفرّق بين الغرب وأوروبا في المضمون - الفكريّ والسّياسيّ - لكلّ مصطلح؛ فيرى أنَّ لفظ (أوروبيّ)، فإنَّه يدلُّ على المعنى (التّاريخيّ الحضاريّ)، وليس على المَوقع الجغرافيّ السّياسيّ، كما يدلُّ على ذلك لفظ (غربيّ)"([25]).

وقد شاع في الاستعمال الأكاديميّ نسبةُ العلوم والفلسفات والحضارات والاختراعات إلى مُصطلح أوروبا بالمعنى الجغرافيّ؛ فيقال الدُّول الأوروبيَّة والعلوم الأوروبيَّة والتّقنيّة الأوروبيَّة، في حين يتِّم نسبة "الغرب" لكلِّ ما هو مركزيٌّ وإيديولوجيٌّ، فيٌقال: الغرب الصّليبيّ والمسيحيّ والمركزيَّة الغربيّة وهكذا.

وبعد التّحوّلات العالميَّة والثّورات التّقنيّة في ميدان المعلوماتيَّة، بدأ الغربيّون يتساءلون عن الحيّز الّذي يحتلّه مفهوم "الغرب"، فرأوا أنَّ الغرب ليس أوروبا؛ فهو يتَّسع بقيمه وأفكاره، ليشمل فضاءات أكثر شموليَّةً من القارة الأوروبيَّة، فارتحال المُصطلح ودخوله حقول الفلسفة والسّياسة والمعرفة حمَّله أبعادًا جغرافيَّةً جديدةً، فأصبح دالًّا على كلِّ منظومةٍ أو سياقٍ يؤمن بأفكار ومعتقدات المركزيَّة الغربيَّة؛ كأستراليا وأمريكا وغيرهما([26]).

وظاهرة التَّوسع والامتداد من صِفات الغرب ومميّزاته؛ فالمنظومة الفكريَّة الغربيَّة تجتهد في البحث عن فضاءاتٍ جديدة، سواء للتَّوسع الاقتصاديّ أو السّياسيّ، وقد تسنّى لها في المُستعمرات، وبعد موجات الاستقلال، تسعى من جديدٍ إلى التّوسع الثّقافيّ والانتشار القيميّ، بتبنّي القيم الإنسانيّة والحضاريّة، وكلّ آليّات التّطوّر والنّهضة في إنتاجها لقيم التّنوير ومناهج التّحليل، وطرائق البناء العقلانيَّة والموضوعيَّة الموظَّفة في المشاريع النهضويَّة.

النّشأة الأسطوريّة لمفهوم الغرب:

تُجمع الدّراسات الّتي تناولت تأسيس فكرة "الغرب" - بكياناته المختلفة الجغرافيَّة والمعرفيَّة والإثنيَّة - على ربط المَولد والنّشأة بالأصول الإغريقيَّة واليهوديَّة/ المسيحيَّة، للتّأكيد على نقاء حضارته، وتجرّدها من دخيل فاسد يُعكّر صفو النَّقاء أو مُساهمةٍ خارجيّةٍ تكشف الضّعف والحاجة إلى الآخرين؛ "فالغرب بناءٌ أسطوريّ حديثٌ بكلِّ ما في الكلمة من معنى"([27]).

ويوظّف أغلب الباحثين مفهوم "الأسطُورة" عندما يتعلّق الأمر بنشأة الغرب، فيقولون: أسطورة بناءِ وتشكيلِ الغرب، الغرب الأسطوريّ، فهل يتعلّق الشّأن بكيان وهميٍّ تخيليٍّ أم بالمرجعيّات المُؤسِّسة للمنظومة الفكريَّة والعقائديَّة الغربيَّة.

الرّاجح؛ أنَّ ارتباط الغرب بالأسطورة يعود إلى مرتكزات النّشأة والتّكوين، الّتي تعتقد بأنَّ الغرب وريث الحضارة الإغريقيَّة والدّيانتين - اليهوديَّة والمسيحيَّة - ونتج عن لبنات البناء فكر غربي، يتَّسم بالأنا المُتضخّمة الّتي تعتقد بصفاء الأصل ونقاء العرق([28]).

وتُشكِّل الأسطورة الإغريقيَّة نواةً لتكوين ثقافة المركز، المُتسامي بجذوره وموروثاته؛ فالبروميثية رسالةٌ لإخراج الإنسانيَّة من مرحلة الوحشيَّة إلى دائرة التّنوير الّتي كُلِّفَ بها الإنسان الغربيّ، ووضعت المنظومة الغربيّة - وفق هذا المنظور - استراتيجيَّةً للتعامل مع الآخر/ الهامش.

وقد تبنى الغرب الأساطير الإغريقيَّة أداة تأسيسيَّة لما تحمله من مضامين ودلالات حول الكون والإنسان وصراع العقل والعَاطفة، ومن هذه المُكوّنات؛ استطاع الفكر الغربيّ استلهام الموروث الدّينيّ، لأنَّهم يؤمنون ويعتقدون بفضلهم في تطوير الدّيانة المسيحيَّة نفسها والتّعريف بها، فالتّحوُّل المَعرفيّ المنبثق من المُنجز الأسطوريّ الإغريقيّ، سَاهم في تطوير العقيدة المسيحيَّة، بإنشائه الدّراسات التّيولوجيَّة (les études théologiques)، وعلم الأديان ومقارنتها "إنَّ مفهوم الدّين نفسه وطبيعته وتعريفه وأصُوله ظهرت في الغرب، وهو الّذي نقلها إلى الحضارات والثّقافات الأخرى"([29]).

وتقرُّ المَنظومة الفكريَّة الغربيَّة باستحالة الفصل بين مفهومَي الغرب والدّين؛ فالمنظّرون يجمعون على ارتباطهما، فالمسيحيَّة مكوّنٌ أساسيٌّ ومركزيٌّ في نشأة الغرب، والغرب هو الفضاء الذي احتوى الدّين ونشره باستعمال المناهج العقلانيَّة، الّتي ساهمت في ظهور فلسفة الأديان والأنثربولوجيا، وقد أدار الغرب كلَّ حروبه وغزواته، تحت شعار الدّين لإضفاء القداسة على فتوحاته، يقولُ كريستوف كولومبس في يوميّات الرِّحلة الثّالثة: "يعلم ربُّنا حقَّ العلم أنَّني لا أتحمَّل هذه المُعاناة، كي أحقِّق الثَّراء لنفسي؛ لأنَّني أعرف عن يقينٍ أنَّ كلَّ شيءٍ في هذا الزَّمن زائلٌ إلّا ما يجري عمله لوجه الرَّبِّ"([30]).

وقد أثبتت الدِّراسات تَعانق الحركات الاستعماريَّة والحركات التَّبشيريَّة الّتي تُبارك الفتوحات وتبيح القتل خدمةً للرَّبِّ؟ وباستقراء حركة الكشوف الجغرافيَّة التي قادها الإسبان والبرتغاليّون يُعثر على أوامر بابويَّة تمنح للجيوش الحقَّ في استغلال أراضي الكفرة، والتَّصدي لهم في حالة الرَّفض والمُقاومة([31]).

وإمكانيَّة التَّواجد الأحاديِّ مسألةٌ غير عقلانيةٍ بالنِّسبة إلى الفكر الغربيّ؛ فالدِّين والغرب شيئان متناظران ومتساويان، حيث إنَّ "الغرب أنشأ الدِّين وعاش تحت عقده وعقيدته، وهو (أي الغرب) الذي أثار القضايا الميتافيزيقيَّة، وحاول فهم العالم وتكيَّف مع الكيانات المتخيَّلة من (آلهة وأرواح وشياطين...)([32])، وبارتباط مفهوم الغرب بالجذور الأسطوريَّة للحضارة الإغريقيَّة والرُّومانيَّة؛ فإنَّه يمنح نفسه قوَّة المَعرفة وسُلطتها، وبانتمائه للدّيانتين اليهوديَّة والمسيحيَّة، فإنَّه يُضفي على وجوده طابع القداسة.

وقد صنعت هذه المُكوِّنات هويَّة جديدة للغرب، جعلته يعتقد ويؤمن بأداء مهمَّتين رئيستين؛ الأولى: تنوير الآخر وتحريره من أغلال الوحشيَّة والبربريَّة، والثَّانية: إثبات نقاء الحضارة الغربيَّة من مُساهمات الحضارات الأخرى([33]).

وحول فكرة النَّقاء والصَّفاء النَّاتجة عن فكرة الاستعلاء العرقيّ، الذي يعدّ كلَّ تفاعلٍ ثقافيٍّ أجنبيٍّ تشويهًا للهوية الصَّافية، وقد استندت هذه الفكرة إلى مقاربة تعتقد بأنَّ الغرب وريث اليونان القديمة الّذي أنجب روما، وتوَّلد عن روما ميلاد أوروبا المسيحيَّة الّتي أنجبت - بدورها - عصر النَّهضة وفكر الأنوار الّذي أشاع في العالم القيم الحضاريَّة السَّاميَّة؛ فالحضارة النّاتجة عن سلسلة النَّسب العريق والنَّقيّ لا يُمكن إلّا أنْ تكون صافيةً ونزيهةً وخاليةً من الغريب والدَّخيل([34]).

تشهدُ الثَّقافة الغربيَّة المُعاصرة سلسلة من الدَّراسات والمُناقشات تتعلَّق بثقافة المراجعات، وهي عبارةٌ عن أطروحات نقديَّة ومعرفيَّة تُحاول تفكيك مضامير راسخة في المرجعيَّات، منها؛ ما تعلَّق بجذور الحضارة الغربيَّة ونقائها وحتَّى أصل شعوبها.

وعلى الرَّغم من عراقيل وتشكيك المنظومة المركزيَّة الغربيَّة في علميَّة ومصداقيَّة هذه الدِّراسات، إلّا أنَّ بعضها يُحاول تصحيح بعض المعارف المبثوثة والمنشورة في المعاجم والموسوعات العلميَّة، ومنها؛ دراسة الباحث جون بول ديمول (Jean Paul Demoule)، الّتي أثار فيها إشكاليَّة الأصول والجذور العامَّة للشّعوب الأوروبيَّة.

تساءل الباحث في دراسة عدّت من الأبحاث الجريئة والمحطِّمة للأصنام والمقدّس (Iconoclaste)، عن الأصول الهندوأوروبيَّة للحضارة الغربيَّة، وكيف تجاهل هذه الأصول والجذور؟ وهل التَّهميش الّذي طال هذا البعد التّاريخيّ متعمّدٌ أم أنَّ وجود الشُّعوب الهندوأوروبيَّة مجرّد تخيّلٍ وهميٍّ لانتماءٍ لم يتجاوز المِخيال الجمعيّ؟

وتدخل هذه الدِّراسة ضمن سلسلةٍ من الأبحاث والمناقشات الّتي تُحاول تفكيك المرجعيّات المُصطنعة الّتي شكَّلت أسطورة الغرب.

جاء في مقدِّمة الكتاب؛ إنَّ الشُّعوب الهندوأوروبيَّة "هم أجدادنا، فهم شعبٌ صغيرُ العدد، حكم أوروبا وجزءًا من آسيا حتَّى إيران والهند، ونتكلّم - اليوم - اللُّغات الهندوأوروبيَّة الّتي منها اللُّغات الرّومانيَّة التي تشمل الفرنسيَّة واللُّغات السّلافيَّة، ومنها؛ الرّوسيَّة واللُّغات الجرمانيُّة، ومنها؛ الألمانيَّة، وهكذا"([35]).

ويتعرَّض أصحابُ هذه الدِّراسات إلى حملات وعراقيل من المركزيَّة الغربيَّة تشكِّك في مصداقيَّة الأطروحات ومناهجها وموضوعيَّتها، إلّا أنَّ الباحثين يواصلون المراجعات لإيمانهم بأنَّ هذه الدِّراسات خطوةٌ مضيئةٌ على طريق بناء الهويّة الأوروبيَّة الصَّحيحة، لتتكَّيف مع تحوّلات العولمة الثَّقافيَّة، ولإدراكهم أنَّ عالم اليوم أصبح مفتوحًا فكريًّا ومعرفيًّا، وعلى المركزيَّة أن تبدأ في النَّقد الذّاتيّ للأنا المُتضخّمة، قبل أن يبحث "الآخر" المُستضعف في التّراكمات التّاريخيَّة عن حقيقة الأنا الّتي استضعفته وأذلَّته عبر مراحل التّاريخ الطّويل.

عمومًا؛ فإنَّ هذه المراجعات والتَّصورات المعرفيَّة والتّاريخيَّة الجديدة تسعى إلى تجاوز الدّراسات النَّمطيَّة، التي أَسَرَتْ الغرب وسجنته ضمن هياكل تكوينيَّة جوفاء لم يقم عليها دليلٌ علميّ([36])، كما أنَّها تحاول أن تسبق مراجعات المدارس النقديَّة والفكريَّة الحداثيَّة (دراسات التَّابع وما بعد الكولونياليَّة) الّتي تقدِّم قراءات تفكيكيَّة للأسُّس الأسطوريَّة لتأسيس مفهوم الغرب.

وبهذا المُنجز النَّقدي تكون المركزيَّة الغربيَّة قد حقَّقت هدفين أساسيّين: الأوّل؛ تثبيت الفكر النَّقدي الّذي تتبناه العقلانيَّة الأوروبيَّة، كأداةٍ معرفيَّةٍ واستراتيجيَّة لبناء المفاهيم، حتّى تتماشى مع نظريّات التَّلقي والصَّدى، وتتناسب مع رهانات العولمة، والثّاني؛ تهيئة مفهوم الغرب ليدخل سياق النّهايات، بالتّالي، التّنبؤ بموته اصطلاحيًّا؟

"الغرب" نهاية المفهوم:

ولئن كان مفهوم الغرب قد فرض نفسه بقوَّةٍ في الحقل التَّداوليِّ المعرفيِّ والإيديولوجيِّ؛ فيبدو أنَّ سياق النِّهايات الّذي سيطر على الفكر الإنسانيّ منذ نهاية القرن التَّاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الّذي تنبّأ بنهاية كلِّ الأنساق والقيم والسَّرديات والمرويّات.

فمن نهاية التَّاريخ عند هيجل (Fredrich Hegel/ 1770 - 1831م)، الّذي اعتقد بنهاية التَّاريخ بعد انتصار الثَّورة الفرنسيَّة ومبادئها، إلى نهاية الدّين بعد موت الإله عند نيتشه (Friedrich Nietzshe/ 1844 - 1900م)، ونهاية الإيدولوجيا عند ستيوارت هيوز (Stuart Hughes/ 1916 - 1999م)، ونهاية الحداثة عند فرانسوا ليوتار (Jean - François Lyotard/ 1924 - 1998م)، وهكذا ساد حديث النِّهايات الخطاب النّخبويّ العالميّ لينتهي بتنبؤ موت الغرب، ونهايته أمام فتوحات العولمة والتّحديّات الكوكبيَّة الجديدة بعد ثورة عالم الاتّصالات والسّبرناتيَّة.

أفرزت المُتغيِّرات والتَّحولات التقنيَّة مراكز قوَّةٍ جديدةٍ بدأت تُبَشِّرُ بنهاية "الغرب"، وتقويض هيمنته وانتشار نموذجه الثّقافيِّ والمعرفيِّ والإيديولوجيِّ، وانتقلت مراكز القيادة من مركزيِّة الغرب/ الأوروبيّ إلى سُلطة الغرب/ الأمريكيّ.

وبناءً على آثار العَولمة وانعكاساتها السّلبيَّة على الغرب الأوروبيّ؛ بدأت الدّراسات الاستشرافيَّة تُحذِّر أوروبا من نهاية أسطورة الغرب، وتنَّبه من تعميم النّموذج الأمريكيّ على الثَّقافة والفنِّ والسّياسة، ممَّا يهدِّد الوجود الغربيّ ويحدُّ من نفوذه([37]).

 وتغلب على هذه الدِّراسات الاستشرافيَّة نظرات سوداويَّةٌ ورُؤى مُتشائمةٌ حول زوال الغرب التّقليديِّ الذي ساد ثقافيًّا وسياسيًّا، وذلك لأسباب موضوعيَّة، منها؛ شيخوخة المُجتمع الغربيّ، وتقلّص نسبة الولادات، وتزايد حركة الهجرة من الجنوب "الغرب يموت، لقد توقّفت أممه عن التَّكاثر، وتوقّف نموّ سكانه وبدأ انكماشهم، ولم يقم - منذ الموت الأسود الّذي حصد أرواح ثلث سكّان أوروبا في القرن الرّابع عشر - تهديدًا أخطر لبقاء الحضارة الأوروبيَّة من هذا الخطر الماثل، ويوجد - اليوم - سبعة عشر بلدًا أوروبيًّا فيها جنازاتُ دفنٍ أكثر من احتفالات الولادة، وهناك أكفانٌ أكثر من المُهود"([38]).

وفوبيا الانقراض الحضاريّ وفقدان النُّفوذ والسِّيادة وما يترتب عليها من تراجعٍ في قيادة قاطرة العالم، جَعل الغربيّين يبحثون عن أسباب التَّقهقر والنُّفور العالميِّ من النَّموذج الأوروبيِّ والارتماء في النّموذَجين الأمريكيِّ والآسيوي؛ فرأى هيرفي كيمف (Hervé Kempf) أنَّ الغرب بدأ ينتهي، ويحلُّ محلَّه عالمٌ جديدٌ يولد من رحمه، بعد أن تمادى في الاستهلاك والإفراط في استخدام وسائل الطّاقة المُلوثة للبيئة، والمؤثّرة في الصّحّة البشريَّة؛ فالبديل - في اعتقاده - قد ينتج من فقدان "الغرب" لأدواره الرّئيسة في التّنوير، وتطرّفه في المساس بالبيئة والطَّبيعة، ممَّا يدفع النّاس إلى البحث عن نماذج عالميَّة تنوب عن الغرب الّذي خسر رسالته([39]).

والغرب مُهدَّدٌ في كيانه، الثَّقافي والاجتماعيّ، وفي مناطق نفوذه؛ بسبب هيمنة النَّموذج الأمريكيّ، وثقافة العولمة التي تسعى - بمختلف مُرَكَّبَاتِها - إلى تجاوز الفضاءات المغلقة والمنظومات الفكريَّة والمركزيَّة، المُتخندقة وراء مرجعيات الإقصاء والتَّهميش، وتدعو إلى التَّكيف والتَّفاعل مع المُتغيرات الجديدة الثـَّقافيَّة والجيوسياسيَّة.

وموت الغرب من الأفكار والتيمات التي طفت على سطح الفكر الغربيّ المعاصر، بسلسلةٍ من المُناقشات والمُناظرات الّتي قاد الكاتب الفرنسيّ ريجيس دوبريه (Régis Debray/ 1940م)([40]) بعضها، وقد قَدَّمَ مقاربات علميَّة ومنهجيَّة حول مستقبل الغرب (l'occident) والغربويَّة (l'occidentalisation)، مُوجِّهًا مجموعةً من الانتقادات والتّحذيرات الّتي تهدِّد الغرب في هويَّته، وربما في وجوده ككيانٍ ثقافيٍّ وسياسيٍّ، ومنها؛ تزايد النُّفوذ الأمريكيّ وسيطرة اللُّغة الإنجليزيَّة على مراكز البحوث العلميَّة والأكاديميَّة، وبالتّوازي مع هذا الخطر؛ يسير خطر بدأ يتشكَّل تدريجيًّا مع الزَّمن يتمثَّل في صعود القوى الماليَّة والتقنيَّة في آسيا، الّتي تسعى إلى أنَّ يواكب نموذجها - الثَّقافيّ والعقائديّ - نجاحها التّقنيَّ والاقتصاديَّ([41]).

وتعودُ أسباب انهيار الغرب بكلِّ منظوماته - حسب بعض الباحثين - إلى دواعٍ موضوعيَّةٍ مرتبطةٍ بالجُمود وعدم التجديد، ووصول النَّموذج الثقافيِّ الغربيِّ إلى نهايته؛ لأنَّه تأسَّس على أساطير وهميَّةٍ، ومع الصَّيرورة الزَّمنيَّة؛ افتقد النَّموذج للفاعليَّة التّاريخيَّة الّتي تؤهّله ليكون نموذجًا وتصوّرًا عالميًا، وهو الأمر الذي أشار إليه صامويل هنتغتون (Samuel Huntington/ 1927 - 2008م) في إحدى مقالاته، مؤكّدًا أنَّ الغرب فريدٌ ومتميِّزٌ في نموذجه، لكن يفتقد للقدرة على الانتشار العالميّ، ليكون نموذجًا إنسانيًّا بالمفهوم الكوسموبوليتيّ([42])، بينما يُرجع آخرون موت الغرب لفقدان "الغرب/ النَّموذج" (l'occident modèle) روح التّجديد والنّجاعة، إضافة إلى التّناقضات الّتي تحتويها وتعتمدها المَنظومة الفكريَّة الغربيَّة، ممّا أدّى إلى فشلها شرقًا وغربًا، "يعود استيقاظ الهويّات والمُعتقدات في الشَّمال إلى فشل مشاريع التَّنميَّة والنَّماذج الثَّقافيَّة المُقترحة، أمَّا في الغرب؛ فإنَّ الإفراط الاقتصاديَّ والتَّبذير الماليّ، وطغيان التقنيَّة، والمبالغة في الاستهلاك، كلّ ذلك أنتج فراغًا اجتماعيًّا وخلقيًّا ودينيًّا، شجّع على ظهور الأصُوليّات"([43]).

وبفشل المَشروعِ الأحاديِّ؛ يكون التَّنوّع الَّثقافيُّ واللُّغويّ والإثنيُّ بديلًا للأحاديَّة، ودعوةً للاعتراف بالآخر - المُختلف ثقافيًّا - لتحقيق مَنظومةٍ فكريَّةٍ وثقافيَّةٍ إنسانيَّةٍ، تتقلّص فيها المَسافةُ والفجوة بين المركز والهامش.

إنَّ انعدام التَّنوع والتَّعدُّد والاعتراف بالخصوصيّات، مع فشل مشاريع التّنميَّة في الشَّمال وهيمنة النَّماذج المركزيَّة، واللّاتوازن في توزيع الثَّروات، ساعدَ وشَجَّعَ على البحث عن البدائل، وقد وجدت الشُّعوب - وحتَّى النُّخب - البديل في العودة إلى المنابع الثَّقافيَّة والمَوروثات الحضاريَّة التَّاريخيَّة، وبدأ يتعمّق وعيها مع الأيّام بمحدوديَّة النَّموذج الحداثيّ الغربيّ، الّذي يشتكي أنصاره ومريدوه من العجز عن مقاومة المدِّ العولميِّ، المتمثِّل في تدفق الثَّقافة الأمريكيَّة وسيطرتها على العالم، وبمعنى آخر؛ "أمركة الغرب"، "فالأمركة تعميمٌ لنمطِ معيشة حضارة نشأت وراء المُحيط الأطلسيّ ...)، وتهدف إلى تصدير طرائق الإنتاج ونماذج الاستهلاك والمُمارسات السّوسيو - ثقافيَّة إلى أوروبا الغربيَّة"([44]).

فكرةُ موت الغرب؛ هي أطروحة، حتَّى وإِنْ أَصَّلَتْ لها دراسات علميَّة ومنهجيَّة، إلّا أنَّها تبقى ضمن ما اصطُلح عليه بالدِّراسات الاستشرافيَّة، لهذا؛ فإنَّ الموت ليس الموت الجغرافيّ أو انتهاء الحدود الدّوليَّة، كما لا تعني النِّهاية، نهاية حضارةٍ وتقنيةٍ؛ إنَّما المقصود بفكرة النّهاية: نهاية يوتوبيا الكونيَّة والعالميَّة لفكرة النَّموذج الغربيّ الأوحد، الّذي يهيمن ويسيطر على العالم في أزليَّة لا متناهيَّة.

تأثيرات الغرب ستظلّ حاضرةً ومستمرّةً ومتواصلةً عبر الأزمان والأجيال على اختلاف اللُّغات والثَّقافات والعقائد، لكنّ إعادة تشكيل العالم وصهره وفق النظريَّة الغربيَّة رهانٌ صعبٌ - إن لم يكن مستحيلًا - خاصّةً بعد دخول فاعلين جدد بفضل العولمة، كما أنَّ إعادة اكتشاف الذّات والآخر في دراسات التَّابع وما بعد الكولونياليَّة أفرز مراكز وهوامش جديدة، بالتّالي، خرائط حضاريَّة وثقافيَّة جديدة، لكنّ الغرب يبقى - بالنّسبة إلى الأنا العربيَّة، عالم التّطوّر والحداثة والغرابة، وكما يقول مُترجم موسوعة لالاند (André Lalande/ 1867 - 1963م): "تذهب إلى الغرب طَالِبَ علمٍ، فتصيبك الحداثة أو الغرابة (...)، كنت أعدّ - دومًا - أنَّ (التّغريب) مجرّد أسطورةٍ سياسيَّةٍ، مجرّد شعارٍ لا واقع له"([45]).


[1]- Jacques Le Goff (1924-2014) La Civilisation de l'Occident medieval, p, 11.

[2]- Roger-Pol Droit, l'Occident expliqué à tout le monde, Edition du Seuil, Paris, 2008, p, 10.

[3]- Serge Latouche, l'Occidentalisation du monde, essai sur la signification, la portée et les limites de l'uniformisation planétaire, la découverte, Paris, 2005, p, 11.

[4]- [سورة الرّحمن: الآية (17)].

[5]- ابن منظور، لسان العرب، المجلّد الأوّل، مرجع سابق، ص 638.

[6]- الخليل بن أحمد الفراهيديّ، كتاب العين، مرجع سابق، الجزء الرّابع (باب الغين والرّاء والباء معهما)، ص 410.

[7]- مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، المتوفَّى سنة (817ھ)، القاموس المحيط، مؤسّسة الرّسالة، ط 2، 1426ھ/ 2005م، بيروت، ص 120.

[8]Dictionnaire de l'académie Française, tome premier(A.K) Dupont, imprimeur-libraire, 1832, p, 181.

[9]- المرجع نفسه، ص 181.

[10]- http: //www.larousse.fr//francais/occident/55482

[11]- محمّد أركون، الإسلام- أوروبا- الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، ترجمة: هاشم صالح، دار السّاقي، ط 2، 2001م، ص 5.

[12] Hakim Karki et Edgar Radelet, Et Dieu créa l'Occident, la place de la religion dans la conceptualisation de la notion de l'Occident, l'Harmattan, Paris, 2001, p, 26.

[13]- لا تنفي الوحدة الاقتصاديّة الأوروبيّة وجود خصوصيّات ثقافيّة وهويّات متنوعة، لكن التّنوّع الثّقافيّ والإثنيّ واللّغويّ، احتُوِي في الغرب الأوروبيّ بواسطة ثقافة المواطنة والعدالة الاجتماعيّة وتجريم العنصريّة، هذه العوامل ساعدت على إدارة التّنوّع والتّعدّد، فأصبح مصدر ثراء وخصوبة للدّولة الوطنيّة؛ ففي ميدان اللّغة- مثلًا- تتكلّم بلجيكا في أقاليمها ومقاطعاتها أربع لغات، هي: الفرنسيّة والهولنديّة والألمانيّة، إضافة إلى بعض اللّغات المحلّيّة.

[14]- باحثة فرنسيّة من مواليد تونس سنة 1947م، تولَّت رئاسة تحرير مجلّة جون أفريك (Jeune Afrique)، وترأّس- حاليًّا- معهد العلاقات الدّوليّة والاستراتيجيّة في باريس.

[15]- يستعمل لفظ "الاكتشاف" تعبيرًا شائعًا فقط؛ فالمراجعيّات التّاريخيّة أثبتت أنّ هذه الحملة صاحبتها إبادة جماعيّة للسّكان الأصليّين، وطمس متعمّد لثقافاتهم وهوياتهم، وبالتّوازي مع القتل؛ ساد خطاب دينيّ وثقافيّ يكرّس دونيّة هذا "الآخر"، ويشرعن ويبيح القتل والنّهب والسّلب، "ولم يكن البحارة وحدهم هم الّذين كانوا يأملون في أن يصبحوا أغنياء؛ ذلك أنّ مساندي الحملة أنفسهم، حكّام اسبانيا، ما كان يمكن لهم أن يغامروا ويشرّعوا هذا المشروع دون الأمل في الحصول على مكسب"، تزيفيتان تودوروف، فتح أمريكا، مسألة الآخر، ترجمة: بشير السّباعي، سينا للنّشر، القاهرة، ط 1، 1992م، ص 15.

[16]- صوفي بسيس، الغرب والآخرون، قصّة هيمنة، ترجمة: نبيل سعد، سلسلة كتب عربيّة، www.Kotobarabia.com (د ت).

[17]- Enrique Dussel, 1492 L'occulturation de l'autre, traduit de l'Espagnol par, Christian Rudel, Editions ouvrières, Paris, 1992, p, 5.

[18] Hakim Karki et Edgar Radelet, Et Dieu créa l'Occident, la place de la religion dans la conceptualisation de la notion de l'Occident, l'Harmattan, Paris, 2001, p, 25.

[19]- جورج قرم، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب، ترجمة: رلى ذبيان، دار الفارابي، بيروت، ط 1، 2011م، ص 40.

[20]- حسن حنفي، مقدّمة في علم الاستغراب، مرجع سابق، ص 113.

[21]- Serge Latouche, l'Occidentalisation du monde, essai sur la signification, la portée et les limites de l'uniformisation planétaire, p, 11.

[22]- Dubois Claude-Gilbert, Mythologies de l'Occident: les bases religieuses de la culture Occidentale, Editeur, Ellipses marketing, Paris, 2007, p, 8.

[23]- ريجيس دوبريه، زائر الفجر، كريستوفر كولومبس، مكتشف أم قرصان، ترجمة: ليلى غانم، الدّار الجماهيريّة للنّشر، طرابلس، 1994، ص 33.

[24]- طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاهيم اصطلاحية جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ترجمة: سعيد الغانمي، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، لبنان، ط 1، 2010م، ص 523.

[25]- حسن حنفي، مقدّمة في علم الاستغراب، مرجع سابق، ص 113.

[26]- Allemand Sylvain, Dagorn René- Eric et Vilaça Olivier, l'Occident c'est l'Europe + l'Amérique du nord, la géographie contemporaine, collection Idées reçues, Ne, 102, cavalier bleu, Paris, 2005, p, 70.

[27]- طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاهيم اصطلاحية جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، مرجع سابق، ص 523.

[28]- Jacques Attali, Pierre Henry- Salfati, l'Invention de l'Occident, documentaire, ARTE, réalisé par, Pierre Henry- Salfati, 2015.

[29] -Daniel Dubuisson, l'Occident et la religion, mythes, science et idéologie, Editions complexe, Bruxelles, 1998, p, 17.

[30]- تزيفيتان تودوروف، فتح أمريكا، مسألة الآخر، مرجع سابق، ص 16.

[31]- أصدر البابا نيقولا الخامس مرسومًا في عام 1454م، يعطي البرتغاليّين حقًّا في أراضي الكفرة على السّاحل الغربي لإفريقيا، وأكّد ذلك البابا كالكستس الثّالث عام 1456م، ثمّ أصدر البابا إسكندر الثّالث في عام 1493م، مرسومًا يمنح التّاجر الإسبانيّ الحقّ المطلق في المتاجرة مع البلاد الّتي اكتشفت، على شرط، وهو أن تدخل تلك الشّعوب إلى المسيحيّة وتعتنقها. ينظر كتاب، عبد الرّحمن حسن حنبكه الميدانيّ، أجنحة المكر الثّلاثة وخوافيها، التّبشير- الاستشراق- الاستعمار، دار القلم، دمشق، ط 8، 1420ھ/ 2000م.

[32]- Daniel Dubuisson, l'Occident et la religion, mythes, science et idéologie, Ibid, p, 22.

[33]- تذهب المركزيّة الغربيّة في خطابها إلى مقاربة نقاء الحضارة الغربيّة من المؤثّرات الأجنبيّة، خاصّة تأثير الحضارات الشرقيّة، وترى أنّ المساهمات في حالة وجودها؛ فهي لا تشكّل ملمحًا قويًّا يمكن إدراكه، فحتّى المترجمين العرب الذين نقلوا العلوم والفلسفات، كانوا وسطاء بأدوار بسيطة وضئيلة، بينما يعود الفضل في نقل العلوم والفلسفة إلى مراكز التّرجمة الغربيّة، كتلك الموجودة في مون سان ميشالMont-Saint Michel بفرنسا. ينظر كتاب: Sylvain Gouguenhein, Aristote au Mont-Saint-Michel, les racines grécques de l'Europe chrétienne. Edition du Seuil, Paris, 2008.

[34]- هذا الطّرح تفنّده دراسات غربيّة متعدّدة؛ حيث أثبتت أنّ فكرة نقاء الحضارة الغربيّة، وعدم تأثّرها بالحضارات الأخرى مسألة وهميّة، لا ترتكز على معايير علميّة، ومن تلك الدّراسات:

- مارتن برنال، أثينة السوداء، الجذور الأفرو آسيويّة للحضارة الكلاسيكية، الجزء الأوّل، تلفيق بلاد الإغريق، ترجمة: أحمد عثمان، المجلس الأعلى للثّقافة، القاهرة، 2002م. والكتاب يقع في جزأين، ويحمل الجزء الثّاني عنوان "النّهاية البطوليّة لعصر بطوليّ"، ترجمة: محمّد إبراهيم السّعدني.

- جون ام هوبون، الجذور الشّرقيّة للحضارة الغربية، ترجمة: منال قابيل، مكتبة الشّروق الدّوليّة، 2006م. يذهب مؤلّف الكتاب إلى إثبات أنّ الغرب قد استفاد من موارد الشّرق البشريّة والفكريّة لإنشاء نهضته وحضارته.

[35] - Jean Paul Demoule, Mais ou sont passés les Indo-Européens, Editions du Seuil, introduction, 2014.

الدّكتور جون بول ديمول (1947م)، عالم آثار ومؤرّخ، وهو أستاذ التّاريخ البدائيّ الأوروبيّ في جامعة باريس 1 السّوربّون – البانتيون (Paris-1, Panthéon-Sorbonne).

[36]- من بين الأفكار التي تُراجع، الأساطير التّكوينيّة والبنيويّة لنشأة مفهوم الغرب، الّتي لا تزال تتكرّر في البحوث الحديثة والمعاصرة؛ ففي كتاب فيليب نيمو (Philippe Nemo) الصّادر حديثًا؛ الّذي جاء في شكل تساؤل "ما هو الغرب"، يزعم أنّ الغرب هو نتيجة للمعجزة اليونانيّة بعلمها وفلسفتها، ولفكرة الإنسانيّة الّتي ظهرت في الحضارة الرّومانيّة، ولأخلاقيّات الكتاب المقدّس والتّجديد البابويّ في القرنين الحادي عشر والثّالث عشر، وهو- بهذا- يُعِيدُ الأفكار المكرَّسة لنقاء الغرب وحضارته من أي مؤثّر أجنبيّ. ينظر كتاب:

Philippe Nemo, Qu'est ce que l'Occident, Editions, Puf, collection Quadrige, Paris, 2013.

[37]- الخوف من انكماش سلطة "الغرب" وزوال هيمنته على العالم لا علاقة له - في هذا المقام- بأطروحة المفكّر والمؤرّخ والفيلسوف الألمانيّ، أوسفالد شبينغلر (Oswald Spengler 1880 - 1936)؛ الّذي طرح فكرته "انحدار الغرب" (le déclin de l'occident)، في سنتَي (1919 - 1922م)، وبسط فيها رؤيته حول الحضارات، ورأى أنّ نهايتها مسألة طبيعية؛ لأنّ كلّ حضارة تنشأ (تولد)، ثمّ تتطوّر وتنتكس ثمّ تموت، وهي رؤية قد أشار إليها عبد الرّحمن بن خلدون في تاريخ العمران.

وكتاب "انحدار الغرب" مترجَم إلى اللّغة العربيّة، تحت عنوان "تدهور الحضارة الغربيّة" في جزأين من طرف أحمد الشّيباني، ونشر بدار مكتبة الحياة، بيروت.

[38]- باتريك جيه بوكانن، موت الغرب، أثر شيخوخة السّكّان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب، ترجمة: محمّد محمود التوبة، مكتبة العبيكان، الرّياض، ط 1، 1425ھ– 2005م، ص 27.

[39]- Hervé Kempf, Fin de l'Occident, naissance du monde, Editions du Seuil, 2013.

[40]- كاتب ومفكّر فرنسيّ وموظّف سام، اشتهر بالتّنظير لعلم الميديولوجيا (Médiologie)، (علم يختصّ بدراسة وسائل الاتّصال والتّواصل وتأثيرها في الإنسان من ناحية تشكل الوعي والإيديولوجيا).

[41]- من المناظرات الّتي تطرّقت إلى نهاية الغرب وموته؛ كتابَي ريجيس دوبريه: الأوّل: Régis Debray et Reynaud Girard, Que reste-t-il de l'occident ? Editions Grasset, Paris, 2014

والثّاني: Régis Debray et Pierre Brochaud, l'Occident se meurt-il? Editeur André Versaille, Pari, 2014.

[42]- Samuel P, Huntington, The West: Unique Not Universal, Foreign Affairs, November/December, 1996.

[43]- Henry Panhuys, La Fin de l'Occidentalisation du monde; de l'unique au multiple, l'Harmattan, Paris, 2004.

[44]- Dominique Barjot et Christophe Réveillard (sous la direction) L'Américanisation de l'Europe Occidentale au XXe siècle, mythes et réalité, Presses de l'Université de Paris- Sorbonne, Paris, 2002, p, 7.

[45]- أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفيّة، تعريب: خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، باريس، ط 2، 2010م، ص 28 (غ).

المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%84%D8%AD-%D8%A7%D...

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك