الحوار الفاعل أو الإيجابي بين المسلمين كأداة لترسيخ التسامح

الحوار الفاعل أو الإيجابي بين المسلمين كأداة لترسيخ التسامح

سُئلت مرة لماذا نسمي منبرنا «الحوار الإسلامي؟» فقلت إن الحوار هو جوهر رسالة القرآن الكريم، فالكلمة كما يخبرنا الذكر الحكيم هي أفضل أدوات الاقناع. يقول تعالى في محكم كتابه «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين»، ويقول عز من قائل «لا إكراه في الدين». وعلى هذا فإن تلك ستكون نقطة البداية نحو تفاهم أكثر بين الناس ومن ثم تقبلهم لبعضهم البعض بشكل أفضل. ويعني هذا القبول بالناس كما هم بدلا من الحكم عليهم وعقد المقارنات بينهم. ومن شأن هذا أن يوجِد حوارا حقيقيا يؤدي بدوره إلى تبلور مفهوم التسامح مع الآخر.
إن الحوار الفعال والايجابي سيتيح لنا أيضا الفرصة لسبر أغوار نفوسنا وتعزيز إيماننا وترسيخ عقيدتنا. ومن شأن هذا أن يجعلنا نشعر بالاطمئنان، ومن ثم الانفتاح والاستعداد للمشاركة بشكل كامل في النشاط الإنساني في المجتمع الذي نعيش فيه، وإضافة اللمسة الانسانية من أجل التقريب بين أصحاب العقائد المختلفة، «لكل جعلنا شرعة ومنهاجا». وسيؤدي هذا بدوره إلى إظهار البعد الانساني فينا ومن ثم ايجاد الحوار الانساني في ما بيننا. إن هذا الحوار الإنساني يكاد للأسف ينعدم في دنيا المسلمين اليوم، وإنْ وُجد فهو يجري تحت او بتعبير أدق خلف مفهوم الحوار الديني. لقد خرجت من رحم هذا الحوار الانساني قضايا مثل حقوق الإنسان والحريات المدنية. وربما كنا بحاجة إلى حوار انساني ديني، يسعى فيه الكثيرون للدفاع عن قضايا هامة من قبيل الحقوق الدينية أو الحق في تقليص معدلات الفقر. وإذا تم هذا فإن العدالة الاقتصادية والاجتماعية التي جاءت رسالة الاسلام من أجلها تصبح حقا مكتسبا وأمرا لا يقل في أهميته عن أركان الإسلام الأخرى من صلاة وصيام. إن المساواة بين بني البشر تستحق أن تكون شعارا يُرفع مرارا وتكرارا في دنيا اليوم، لأنها في واقع الأمر هي جوهر رسالة الاسلام، والضمان لحماية كرامة الانسان. وربما يقول البعض إن الفكر الإسلامي المعاصر لم يتطرق إلى ذلك الجانب الانساني في ظل اغراق علماء المسلمين في طرح القضايا من زاوية ما يجب أن يكون، لا من زاوية ما هو قائم بالفعل. ولم يصادف المسلمون في صدر الاسلام أية مشكلة في المزج بين التجربة الإنسانية وبين قضايا أخرى ذات مثل وقيم إسلامية. فالإمام علي كرم الله وجهه يقول «الناس صنفان: أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
وربما تعيننا المشاركة الفعالة على النظر إلى العالم لا على أساس «نحن»، و«هم»، بل على أساس «نحن جميعا كبشر»، وذلك لكي نحيط بالقضايا التي تحمل دائما جانبين متصارعين من قبيل التقليدية والحداثة، والمحلية والعالمية، والدين والعلمانية. وبهذا نكون قادرين على معايشة الواقع وفهم ما يحيط بنا بكل مظاهره المباشرة وغير المباشرة والنظر إليها من زاوية الواقع الراهن. ومن شأن هذا أن يثري الموروث الإنساني، ويحيل الطقوس الدينية إلى حاجات إنسانية، كما يمكننا من مواجهة التحديات الجديدة عن طريق إيجاد أدوات ووسائل حديثة لتهيئة العقل للاستجابة لهذا الواقع الجديد. إن طرح أسئلة جديدة وإيجاد أجوبة واضحة لها سيُبقي على الموروث الإنساني حيا، كما سيربطه بحياة الناس، وأيضا سيجسد مفهوم نسبية المعرفة، وأبدية الأفكار وعدم وجود حلول مطلقة جاهزة لكل ما يطرأ أمامنا من تحديات جديدة.
ولنأخذ، كمثال تطبيقي على ذلك، فلسلفة الأحكام في الفقه الإسلامي التي يجب ان تعنى بالإلمام التام ببعديْ الزمان والمكان، أو الأخذ في الاعتبار الموقع الجغرافي أو الأسباب وراء مقاصد أحكام الشريعة. كما يتوجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أيضا الخلفية الاجتماعية والتاريخية التي شُرِّعت فيها هذه الأحكام.
وما يجعل من الحوار في عصرنا الراهن ضرورة حتمية هو أنه عصر العلم والتكنولوجيا. ويفرض هذا تعدد أوجه النشاط البشري، واتصال البشر ببعضهم البعض إعلاميا وتكنولوجيا عبر الوسائل المستحدثة مثل شبكة المعلومات الدولية الإنترنت. وبهذا تصبح المعرفة نشاطا جماعيا أو قاسما مشتركا بين الجميع. ومن شأن ذلك أن يسهل مهمة الساعين للحوار، وفي الوقت نفسه يجعل من المستحيل على من لا يرغبون في الحوار تجاهل هذا التدفق المعرفي الهائل. لقد ولّي القرن التاسع عشر الذي كان قرن الآيديولوجية، ومضى القرن العشرون الذي كان قرن الحروب، وأطل علينا القرن الحادي والعشرون قرن العولمة بكل ما يحمله من سمات النضج واندماج مختلف الأعراق في المجتمعات التي تعيش فيها. إنني هنا لا أناقش سلبيات أو إيجابيات ظاهرة العولمة مثل التبادل التجاري أو الجوانب المالية، لكنني أنظر إليها بوصفها واقعا جديدا يمثل تحديا وينطوي على مظاهر شتى تعكس تعدد الثقافات والأديان والألوان وأنماط الحياة. إن هذا الواقع الجديد يتسم بالتعددية في ثقافته وعقائده وأوجه النشاط الإنساني فيه.
إن الحوار الفاعل، وخاصة إذا كان مؤسساتيا (مثل مؤسسة الحوار الايجابي او مؤسسة التعدد الثقافي الاسلامي)، سيمثل العمود الفقري لمجتمع يتمتع بالتعددية. يقول تعالى في محكم التنزيل «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». ويؤكد هذا أهمية الحوار والنقاش بيننا كمسلمين من أجل القضاء على حالة الرتابة والتشابه المطلق التي تهيمن على مجتمعاتنا.
والمطلوب كذلك خلق عملية سياسية كجزء مهم من الهندسة السياسية الغائبة في العالم الاسلامي. توفر العملية السياسية الوسط الضروري لمشاركة الناس الفاعلة في المجتمع التعددي والمتسامح في مقابل ان يكون الناس غير فاعلين او لهم دور في مجتمع غير متسامح او ديمقراطي.
والأهم من من ذلك ربما نشر الوعي بين الناس بجانب الحوار الايجابي.
وتوجد اوساط علمية لانجاز هذا الشيء مثل استخدام الميديا والاعلام المناهج الدراسية كورسات تعليم مصممة لهذا الشيء وغير ذلك.
لنبدأ حوارا يوسع مداركنا ويعدد خياراتنا وينضج عقولنا ويدفعنا للتفاعل مع العالم الخارجي وفهمه، والإحاطة بعالمنا نحن أيضا.
إن اتساع رقعة العالم الإسلامي يوفر للمسلمين منتدى دوليا او منبرا لكي يتحاوروا ويتناقشوا وبحيث يصبح الحوار سمة أصيلة في حياتهم وشخصيتهم. وهم إن فعلوا ذلك مع بعضهم البعض أولا، تسنى لهم أن يفعلوه مع غير المسلمين ليضيفوا بذلك إسهامات إلى النسق الأخلاقي لعالم رائع يسوده السلام. * نجاح كاظم : أستاذ جامعي ومدير المنبر الدولي للحوار الإسلامي في لندن.
المصدر: موقع بلاغ
http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1556.htm#
 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك