المهاجرون العرب إلى كندا .. كيف يفكّرون؟

أ.د. سيّار الجَميل

 

إنني كثيرا، ما أشبه حالة المهاجرين العرب والمسلمين كونهم قد اقتلعت جذورهم ، وطعّم أبناؤهم ليكونوا ثروة بشرية لمجتمعات أخرى .. أمامنا تطغى نماذج مختلفة من تشتت انتماء هؤلاء ، وتشظّي الأبناء والأحفاد .. ربما لا يتألم الآباء والأجداد ، وهم لا يفكرون إلا بالخلاص من بلادهم التعيسة التي تركوها ، من دون أن ينتابهم أي قلق على مصير أبنائهم وأحفادهم ، ذلك أن انتماءهم يبقى لأوطانهم الأولى ، ومن الصعوبة جدا عليهم أن يندمجوا في مجتمعات أخرى ، مثل كندا التي أصبحت تجمع كل ثقافة مجتمعات العالم على أراضيها الشاسعة !

ليس من شك أن بقية المهاجرين الآخرين ، لهم نفس انتماءاتهم وثقافاتهم ، لكن لا تصل أي ثقافة إلى درجة العنف أو دائرة الكراهية إلى الحالة التي يعيشها البعض من العرب والمسلمين في الغرب . إن المشكلة تكمن اليوم في التصادم بين مجتمع الحريات وبين أناس متعصبين يعيشون انفصاما رهيبا بين انتمائهم الأول وبين الأوطان الجديدة لهم .. إنهم يهاجرون إليها ، ولكنهم لا يكتفون بكراهيتها ، بل يمقتونها ويحتقرونها كونها تختلف عن تقاليدهم وعاداتهم .. ثمة من يفكّر دوما بالماضي ، ولا يستطيع التخلص من تعقيداته التي تبلورت في نفسه وأعصابه وتفكيره حتى يصل إلى نقطة اللاعودة بحيث تجده ينعزل عن كل الناس ، إلا من جماعته التي تكبر مع الأيام ، وهي منعزلة عن أية ثقافات أخرى !

إن المهاجر هنا ، يعيش علاقة روحية كاذبة يّعوض من خلالها النقص الذي يشعر به أبناء كل جالية في أي بقعة من الأرض . إن الأبناء والأحفاد لكل المهاجرين واللاجئين تتنازعهم مشاعر الولاء لأهلهم وبلادهم من طرف ، وأساليب الانتماء لبلاد يعتبرونها وطنا حقيقيا لهم ، كونهم ولدوا أو عاشوا فيها منذ بواكير حياتهم .. إن اندماجهم صعب للغاية بسبب هذا التناقض الذي يحملونه ، بل وان اكبر جناية ترتكب أن يتربى الأولاد والأحفاد على متناقضات متصادمة ، بل والأخطر أن تغسل أدمغة البعض غسيلا كاملا ليؤهل حتما لأعمال شريرة وإرهابية في مجتمعات غربية يتربى على رفضها حتى وان كان قد ولد فيها !

إن البعض من قصار الرؤية سيتفلسف ويثرثر طويلا كونه يرى نفسه في أبنائه وأحفاده، لكنه لا يدرك حجم المأساة بعد ثلاثين سنة من اليوم مثلا ! قبل أشهر مضت ، قابلت في تورنتو الكندية مجموعة عربية من رجال عرب كهول السن ، وهم يعيشون أفكارهم المحتقنة ، إذ يحلمون ببثها في الغرب الذي يريدونه على مقاساتهم ، ولما جابهتهم أن أحفادهم هم بحكم المندمجين ، وستجدونهم كالكنديين الحقيقيين مستقبلا بحكم الزمن ، انتفضوا انتفاضة كبيرة واستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم ! فقلت لهم : إنها حقائق أثبتها الزمن على مهاجرين عرب إلى أمريكا الجنوبية منذ مائة سنة مرت ، خصوصا وإنكم تتمتعون بالقوانين الكندية اليوم ، ولكنكم ترفضون الواقع وانتم من الهاربين ، فإذا كان هذا تفكير الناس العاديين من العرب والمسلمين ، فكيف ستكون نظرة أولئك الذين يتوهمون جعل العالم يمشي حسب مزاجهم وأهوائهم وأفكارهم ؟؟ فإذا كنتم قد فشلتم في أوطانكم التي أدرتموها من الأمام إلى الوراء ، فكيف باستطاعتكم تغيير العالم كما تريدون ؟ إن العالم أقوى منكم جميعا، وهو لا يكترث بكم، بل يعّول على أحفادكم في الشتات !

 

المصدر: http://sayyaraljamil.com/2009/11/30/1769.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك