ثقافة الصوت الواحد واللون الواحد

إذا اعترفنا بحاجة كل منا للحوار

عندها ستختفي المشاكل الأسرية والجفاء بين الأهل والأصدقاء وتسود القناعة والرضا والسلم بين الجميع

نورة سعد الأحمري
 

مؤشر السالب والموجب يؤكد أن لكل شيء نقيضه وليس بالضرورة أن يكون الفضل والخيار لواحد منها ولكنها حقيقة تكاملية توازنية، كما في الكهرباء سالب وموجب ليتم التوازن وصولا إلى النسب المنشودة سواء للانارة أو لاحتياجات أخرى ، والحوار أيضا يكون مفيدا بدون إقصاء أو تهميش أو تربص للانقضاض على الآخر، والاختلاف يجب أن تحترم ممارسته بين الناس ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، واذا تأملنا قليلا التقييم التراكمي لثقافة الحوار سنكتشف أن الحوار في انحسار مستمر في وقتنا الحالي، وأصبحت حقيقة الإقصاء والاستعلاء تترسخ وتتجذر بصورة مقلقة في حياتنا وبالمقابل تختفى كل أطياف الحوار الفردي والمجتمعي وتتعالى ثقافة الصوت الواحد واللون الواحد يغلب على كل ألوان الطيف الأخرى غير عابئ بالاختلافات وليس الخلافات، بل يمكن أن يطغي أو يزيل الرأى الآخر حول القضايا بمجملها صغيرها وكبيرها لشتى انواع التعامل بين الناس مما يولد الكراهية وتنشأ الصراعات الفكرية وتجد التنظيمات الضالة فرصة مواتية للتلاعب بالعقول الخاوية لتفرض رأيها وتزيدها خواء لأنها أيضا لا تقبل غير طريقتها التى تنطلق من منظور إن لم تكن معي فأنت ضدي مستفيدة من فراغ اوجد بسبب غياب الحوار وهي بذلك تصب الزيت على النار إمعانا في إيذاء الدول والمجتمعات وتفرقتها وجعلها كنتونات صغيرة تعج بالصراعات الطائفية والقبلية والعرقية وتنتزع الوطنية من القلوب والعقول وتغيب المواطنة ليصبح الناس مجرد صدى يردد كل ما يصدر عن تلك الجهات المارقة، وبالتالي تقل حركة المجتمعات في بناء الوطن وتنهار المؤسسات الواحدة تلو الأخرى خاصة عندما يصر البعض وربما دون قصد لمجرد الأنا على فرض مشاريع مشبعة بكل مقومات الفشل ويصر على انها ناجحة ولو بعد حين وهو الوحيد الذى يراها مغمضا عينيه عن ايذاء المجتمع والدولة ويطالعنا من حين لآخر باسماء جديدة لنفس المشاريع ولنفس الفكرة البائسة بنفس أساليب الفشل ولكن في حلة جديدة وزينة مختلفة، وهذا فعلا ما يريده المتربصون من ازكاء لعدم الحوار لاحلال كراسات تحضيرهم المبرمجة داخل عقولهم الخربة.

وثقافة الحوار تبنى على التسليم بحق الاختلاف وأن يستمع كل للآخر وليس بالضرورة أن اسمعك يعني أن أعمل برأيك واتبعك وانت على غير صواب ولكن يعني بالضبط ان لم تتقارب افكارنا فهناك مقاييس ومعايير أخرى يمكن أن نحتكم اليها.

وحقيقة الحوار المعني هنا هو الحوار المجتمعي الذي من الطبيعي أن يبدأ من البيت والمدرسة ومكان العمل ودور العبادة التي من المفترض أن يقوم عليها متعلمون وملمون بالكثير إن لم نقل جميع المسائل الدينية والفقهية والفكرية والمجتمعية والفردية المتفق والمختلف عليها مع التحلي بصفات الصبر على الحوار والاقناع حتى ان كان الموضوع واضحا فلربما يجهله الطرف المشارك، ونحن بجد في حوجة للحوار حول الأمور الحياتية اليومية والتعاملات البينية ككل لنعيش بسلام ومحبة. واكثر من يحتاج للحوار هم جيل الشباب الذين نشأوا مع بداية غياب الحوار من حولهم واصبحت تتجاذبهم حكايات الأمس العريق وواقعية اليوم وتطلعات الغد ليراوحوا مكانهم مشدودين من كل جهة، وبالتالى تنكفئ ميولهم ويختارون الهروب بالقفز من أقصر زاوية في الجدار ليتمسكوا بأوهن الخيوط.

ويتبين لنا بكل وضوح أهمية نشر ثقافة الحوار في المجتمع بشقيها اختلاف وتوافق وتشجيعها بين الناس في كل الميادين على السواء، علما بأن ذلك ليس أمرا سهلا ميسرا؛ لأنه لا ينحصر في جانب واحد معين، بل هي متكاملة شاملة لمختلف نواحي الحياة ولن تتأتى دفعة واحدة، بل تحتاج الوقت لتؤتي ثمارها، وأول حقيقة في ما أطرح ان الحوار الجاد المثمر لا يقبل الاقتسام والتشارك مع الغضب والانفعال والتعالي ويتأصل إذا اعترفنا بحاجة كل منا للحوار وعندها ستختفي المشاكل الأسرية والجفاء بين الأهل والأصدقاء، وتسود القناعة والرضا والسلم بين الجميع.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=436

 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك