غزو الأغبياء وجيوش المهمشين!!

ميرزا الخويلدي
 
هل كان الروائي والفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو، متطرفًا في رؤيته لتطور المجتمعات المعاصرة، حين قال، قبل أيام من وفاته: «إن وسائل التواصل أتاحت لجحافل الأغبياء أن يتحدثوا وكأنهم علماء»؟


فقد نقلت صحيفة «إيل ميساجيرو» الإيطالية عن إيكو قوله: «مواقع التواصل الاجتماعي منحت حق التعبير لجحافل من الأغبياء ما كانوا يتحدثون سابقًا إلا في الحانات بعد احتساء الكحول من دون إلحاق أي ضرر بالمجتمع». مضيفًا: «كان هؤلاء يُرغَمُون على الصمت فورًا، في حين بات لهم اليوم الحق عينه في التعبير كشخص حاز جائزة نوبل.. إنه غزو الأغبياء».


من حيث المبدأ، فإن الثورة الرقمية في مجال الإعلام والاتصال أحدثت ثورة اجتماعية في عموم العالم، وأعطت صوتًا لكل المهمشين للتعبير عن آرائهم، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام البديل منصات للتغيير، نعم هي لا تصنع التغيير، لأن التغيير هو نتاج إرادة عامة، لكنها أدوات ساهمت في تحرير العقل، من سطوة المعلومات المعلبة.


بدأت ملامح القوة التي تمتلكها وسائل التواصل الاجتماعي تبرز إبان ما عرف بالثورة الخضراء في إيران (2009)، وكان «تويتر» بطل تلك المرحلة، تلتها، الثورة التونسية (17 ديسمبر (كانون الأول) 2010) التي برز فيها دور (فيسبوك)، والثورة المصرية (25 يناير (كانون الثاني) 2011) التي كانت «المدونات» ميدانها للتعبير.

فجأة تبين أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورًا تلعبه يتعدى هوايات التعارف والغرام التي ابتدأت بها، لكنها كأي وسيلة أخرى اجتذبت جيوش المهمشين الذين احتلوا المقاعد وأعادوا تشكيل الفضاء السيبراني من جديد. لكن من يملك ضخّ المعلومات والسرديات عبر وسائل التواصل ويوجه الشارع..؟ ومن يتحكم في آليات التداول والنقاش..؟ من يصنع الاهتمام العام؟ ومن يعلي أو يخفض القضايا وعناوين الحوار..؟.


ما كان يحدث على الأرض، انتقل للعالم الافتراضي، حتى رجال الدين أصبحوا نجومًا هناك، ورجال الرقابة فتحوا لهم مكاتب رقمية، بل حتى المجموعات الإرهابية البشعة، احتلت الفضاء الإلكتروني؛ فقد تنامى حجم المواقع المحسوبة على المنظمات المتطرفة في العالم العربي من 28 موقعًا إلكترونيًا في عام 1997، إلى نحو 5 آلاف في عام 2005، لتتضاعف إلى أكثر من 12500 موقع إلكتروني تستخدمها المنظمات المتطرفة في عام 2013، بينما يقّدر مركز متخصص للمعلومات في القاهرة، عدد المواقع التي تروج للتطرف والإرهاب على الشبكة العنكبوتية بنحو 150 ألفًا.


هذا السيل الهائل من الكلام المباح، وغير المباح أدى دوره في كسر القيود عن حرية التعبير، لكنه اليوم يساهم في «تسطيح» الفكر، وتضييع الحقائق أمام طوفان الكلام المنفلت.


ما حدث، أن تلك الوسائل التي كانت محركًا لصناعة التغيير، تحولت إلى «كوابح» تعطل هذا التغيير المنشود، أو تحرف وجهته، أو تصنع اتجاهات فوضوية تقوض أهدافه. أصبحت وسائل التواصل ومعها الإعلام الجديد ميدانًا للنزاعات الفئوية والطائفية والعنصرية، ومحركًا للانقسام. ها هي اليوم تعبر عن نفسها بوضوح كمرآة للمجتمع تعرض للعلن وبصورة مكبرة كل عيوبه وأمراضه.


لا يعني أن تلك الوسائل، ومعها التلفزيون، لم تصنع نجومًا، من خبراء ومحللين واستراتيجيين ومنظرين، لكنهم – للأسف – ساهموا دون رحمة في تزييف الوعي وتسطيح اهتمامات الناس، وأساءوا للقضية التي ادعوا حملها.


هل كان أمبرتو إيكو، يقصد هؤلاء بتعبيره جحافل الأغبياء الذين يتحدثون وكأنهم علماء؟.
 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك