المعرفة كسلطة، المعرفة كرأسمال

جون بايري

ترجمة: فؤاد ريان

 

نقد من منظور الاقتصاد السياسي لـ”الرأسمالية الأكاديمية” الحديثة

الجامعة عبارة عن منشأة تجارية وأي شخص يعتقد خلاف ذلك هو للأسف على خطأ. نحن منشأة تجارية متمركزة حول التعليم-القدرة الفكرية للجامعة هي الأُولى والأهم-لكنّ الجامعة بحاجة إلى مصادر دخل من أجل أن تشكِّل مصيرها بذاتها بدل أن يُشكّل لها.

بوب بيرغس (Bob Burgess)، نائب مستشار، جامعة ليستر.[1]

مقدمة

   يتم تذكيرنا دائما بأننا نعيش في “مجتمع المعرفة”، وفي الواقع أننا نعيش في “اقتصاد المعرفة”، حيث ترتبط التنافسية الدولية للأمّة بشكل مباشر بقدرتها على الابتكار، والتفوّق على المنافسين، والنجاح في تحويل المعرفة إلى منتجات تجارية. فالجامعات تعجّ الآن بـ”وحدات استثمار المعرفة” (knowledge exploitation units)، ومفهوم “نقل المعرفة” (knowledge transfer) يعني الآن، على الأغلب، ليس تعليم وتثقيف الطلاب بل تسجيل براءات الاختراع لـ”حقوق الملكية الفكرية” من البحوث أو من تطوير الشراكات بين البحوث وقطاع الأعمال التجارية. وبشكل متزايد، فإن البحوث في الجامعات وفي مؤسسات التعليم العالي الأخرى يتم توجيهها، وتحفيزها، وتنظيمها، وفي نهاية المطاف ضبطها باتجاه أولويات “اقتصادية” جليّة. ربما كان هذا هو الحال دائما، وأيّ رأي بخصوص إنتاج المعرفة في الأكاديميا بأنه غير مشوب بإملاءات التجارة والدولة هو في أحسن الأحوال رأي ساذج. ومهما يكن، ما أريد أن أفعله في هذه المقالة هو إعطاء تحليل نقدي من خلال توظيف منهج عام في “الاقتصاد السياسي” حول الطرق المتزايدة التي اصبحت بها البحوث في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى موجهة نحو مجموعة ضيقة من الأهداف الاقتصادية.

   ويمكن رؤية الاقتصاد السياسي للبحوث بشكل أكثر وضوحا من خلال مؤسسات مثل “مؤسسة العلوم الأيرلندية” (Science Foundation Ireland)، أو في مجالس علمية في قطاع التعليم العالي في المملكة المتحدة. سواء تم النظر إليها من منظار أولويات المواضيع البحثية التي يحدثونها، أو من حجم التمويل المتوفر لأنواع محددة من البحوث، أو من خلال إعادة النظر في المنح المتوفرة لأنواع معينة من البحوث، فمن الواضح جدا أن البحوث المموّلة من الحكومة يتم تحكيمها ومكافأتها ضمنيّا بما يتناسب مع مساهمتها المباشرة في النجاح الاقتصادي. بينما يتمّ أيضا تمويل البحوث غير المتصلة بالمردود الاقتصادي، لكن من السذاجة الاعتقاد أنّه يتم تثمينها بنفس الدرجة من قبل الدولة. ربما عندما نرى الجامعات تنشئ وحدات استثمار المعرفة المكرسة لنقل المعرفة البحثية من الجامعات إلى المجتمع المدني والجماعات المحلية وجلب هذه الجماعات إلى “شراكة” كما هو الحال مع المؤسسات التجارية، عندها يمكننا القول أنّ هناك درجة معينة من المساواة. لكن ببساطة، تلك المساواة غير موجودة في الوقت الراهن. وأزعم بقوة أن هذه المساواة يجب أن تكون موجودة، وأنّ أولئك الموجودين داخل الأكاديميا والقلقين حول التشوهات المؤسّسسيّة وغايات العمل للجامعات المعاصرة بحاجة إلى الضغط والمناصرة والنضال من أجل “بيان مهمة” أكثر توازنا عن الغرض من البحوث في القرن الحادي والعشرين. فيما يلي، سأقدم بعض الأفكار (الاستفزازية)، التي تنسحب بشكل كبير على نظام الجامعات في المملكة المتحدة حيث أعمل هناك منذ عشرين سنة، مع دروس يمكن نقلها إلى الجامعات الأيرلندية وبيئة التعليم العالي هناك.

الأكاديميا تحت أنظار النيوليبرالية

دعونا نأخذ مثال (من بين العديد) عن “التّطبيع” والانتشار الكلّي لنظام “الحقيقة الاقتصادية”[2] (economic truth)، مستخدما مصطلح فوكو (Foucaultt)، في ظل النيوليبرالية. فالتعليم عموما، وخصوصا التعليم العالي، يُنظر إليه وينظّم في المقام الأول من خلال منظار اقتصادي. ولكونها “الحقيقة الاقتصادية” فلا يمكن الجدال فيها، فهذه “حقيقة صلبة” بديهية وغير قابلة للنقاش تُخلق وتستمر بشكل موثوق، كما سيتم نقاشه في الأسفل، من خلال مجموعة من “القيم”، أي هي في نهاية المطاف عبارة عن أيديولوجيا. فالدرجة الجامعية الأولى (وبشكل متزايد الدراسات العليا) ضرورية للحصول على وظيفة محترمة؛ و”مهارات التّوظيف” العامّة مضمّنة عبر مناهج البكالوريوس، والتمويل الحكومي للبحوث يعطي امتيازا لهذه الأشكال من المعرفة والتي من المحتمل أن تساهم في الانتاجية والتنافسية الاقتصادية. ويتم بشكل متزايد تقييم الهيئات الأكاديميّة وتحكيمها مقابل مجموعة من المعايير الاقتصادية وشبه الاقتصادية. فالتعليم لا ينظر إليه أو يروّج له من قبل المستفيدين منه، أي الطلاب، (والآن طبعا يعاد تسميتهم بـ”زبائن” أو “مستخدمين”) أو حتى من وجه نظر الكادر التعليمي (المدرّبين) كشيء جيد بحد ذاته، ولا كهدف لخلق مواطنين نقديين فاعلين في تجمعاتهم ومجتمعاتهم ككل.[3] ومثال رائع على هذا، ويتلاءم بشكل مثالي مع التحليل الفوكوي (Foucauldiann) (أو في الواقع بالاعتماد على أحد تحليلات ماكنتير (MacIntyre) النقدية)، هو إعادة تسمية وزارة التعليم في المملكة المتحدة بوزارة الابتكار والاعمال والمهارات. وهذا بحد ذاته يقول ما يكفي. لدى نعوم تشومسكي (Noam Chomsky)، وكما يمكن للمرء أن يتوقع، نظرة نقدية خاصة للجامعة الحديثة. يقول:

لقد بات واضحا تماما دور الجامعة في تلقين الشباب في المجتمعات الحرة… [التعليم الجيد] يغرس الاتفاق الضمني العام الذي لن يقوم بذكر حقائق [محددة] أو حتى التفكير [بها]. والنتيجة هي أنّ من يحاول أن يتحدى العقيدة السائدة يجد نفسه قد أسكت بفاعلية مدهشة في المجتمعات الحرة.[4]

   وحسب مصطلح أليستر ماكنتاير (Alistair MacIntyre) فإن المحاسن الداخلية ومعايير ممارسة التعليم  والبحث يتم تقويضها أو إفسادها بالأهداف المفروضة من الخارج على مؤسسة الجامعة الحديثة والموجهة نحو أهداف اقتصادية.[5] فالتصورات حول العلم، والتكنولوجيا، أو الهندسة “ذات المهمّة”، أي خلق المعرفة والتكنولوجيا لـ”جعل  العالم مكانا أفضل”، وتحسين الظروف المعيشية للإنسان، وأن الهدف الأساسي للجامعات، وهو خلق مواطنين نقديين ومثقفين، آخذة في الذبول أمام الضرورات والحوافز المقدمة لـ”البحوث التي يمكن استثمارها تجاريا”، وحقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع أو الشركات التي يتم تأسيسها من خلال الجامعات (spin-outs)، والبحوث ذات الصلة بالمستخدم، وشراكات نقل المعرفة، والآن في المملكة المتحدة، إطار التميز البحثي، وتركيزه على قياس ومكافأة “أثر” (impact) البحوث.

    وفي الوقت ذاته، وكما هو مبطّن في اقتباس من نائب مستشار جامعة ليستر (University of Leicester) أعلاه، فإن الجامعات اليوم ليست ببساطة أمكنة لإنتاج واستهلاك “المعرفة والمهارات المتعلقة بالسوق” ولكن هي ذاتها مؤسسات تجارية، وبالتالي هي في علاقة تنافسية مع “مزودي المعرفة” الآخرين في الأسواق العالمية. ومن هنا فإن المنافسة الشديدة بين الجامعات للحصول على شريحة من سوق الدراسات العليا الصيني أو الهندي وهرولة الجامعات لإنشاء فروع جامعية في آسيا أو التعاقد الفرعي مع مؤسسات تجارية وسيطة لتجنيد طلاب من “أسواق التعليم” المربحة هذه. أو كما عبر عنها مؤخرا، بول رامسدن (Paul Ramsden)، الرئيس التنفيذي للتعليم العالي في المملكة المتحدة:

إن سردية هذه المساهمة ركزت على التحدي حول كيفية المحافظة على وتحسين أدائنا على الصعيد العالمي. ولضمان مكانة عالمية متقدمة مع حلول 2020. سوف نحتاج إلى المحافظة على الموقع البارز للمملكة المتحدة كمزود للتعليم النوعي والتجربة الطلابية في مقابل تنوع أكبر لخلفيات الطلاب وتزايد المنافسة على الصعيد الدولي.[6]

   يشار إلى هذا كله من قبل النقاد بـ”الرأسمالية الأكاديمية”. والتي تتسم “بالتمويل الخارجي المتزايد للبحوث في الجامعات والبحوث الموجهة للسوق”.[7] هذه الرأسمالية الأكاديمية والافساد التجاري لتقاليد الجامعات (في التدريس والبحث)  أصبحت حادّة بشكل خاصّ مع الركود الاقتصادي الحالي حيث يطالب رجال الاعمال والشركات، وكذلك الدولة، بضرورة حشد وتسخير “البحث والتطوير” لانتشال الاقتصاد من الركود وضمان “التنافسية العالمية” للاقتصاد المحلي والإقليمي. ومثال جيد على هذا تلك الدعوات المتزايدة في الجمهورية الأيرلندية، وفي أماكن أخرى، لمزيد من التمويل للبحوث العلمية التطبيقية والتكنولوجية، أو ما هو مقلق أكثر، ذلك الاتجاه العام في تمويل البحوث والذي يخصص مصادر أقل للبحوث الأساسية على حساب دعم وتعزيز البحوث التي لها تطبيقات صناعية أو اقتصادية.

يشير غولا (Guala) في مراجعته لـ”مولد السياسات الحيوية” (The Birth of Biopolitics) لفوكو:

يجب على الحكومة أن تتدخل باستمرار، ولكن ليس في الاقتصاد نفسه، بل في المجتمع. لاحظوا التعارض التام مع الديموقراطية الاجتماعية: تدخّل الحكومة غير مطلوب لإصلاح الخلل في السوق، ولكن من أجل جعل اقتصاد السوق ممكنا-من خلال خلق المنافسة والحفاظ على ديمومتها، على سبيل المثال، من خلال توفير نظام قانوني يدعم عمل الاسواق. ولكن أيضا من خلال تشجيع الريادة في جميع مناحي الحياة، بما فيها تلك المجالات التي كانت تقليديا غريبة عن طريقة التفكير والعمل الاقتصادية. في عالم أصحبت فيه تعبيرات مثل الخيار الفردي، وادارة المخاطر، والاستثمار في التطوير الشخصي وخلافه، تعبيرات رنانة منتشرة في كل مكان، فهذه الافكار لم تعد تبدو غريبة على الاطلاق.[8]

   إن الفاعلين، والمؤسسات، والعادات، والمواضيع في النيوليبرالية بحاجة إلى أن تشكّل وتستمر بفاعلية وأن يعاد تشكيلها حسب الضرورة. فدور الحكومة هو خلق مستهلكين نشطين، ورياديين فاعلين، لترسيخ الريادة كشيء طبيعي ومرغوب (وحتى الزامي) لمواءمة المجتمع حسب حاجات ومتطلبات السوق وليس العكس. وبهذه الطريقة، فإن خطوة تضمين المهارات الرّيادية في برامج التعليم الجامعي في المملكة المتحدة ليست إلا مثالا من أرض الواقع على اشتغال “نظام الحقيقة الاقتصادية” (regime of economic truth) أو “لغة النيوليبرالية السّائدة عالميا”[9] ((neoliberal planetary vulgatee). إحدى السّياسات ذات الأولوية للحكومة البريطانية منذ بداية التسعينات هي مساعدة الدولة لتكون أكثر تنافسية اقتصاديا من خلال استغلال المعرفة في تكوين الثروة. ففي قانون التعليم لعام 1988 تم إنشاء إجراءات تنظيمية في التعليم العالي شبيهة بإجراءات تنظيم السوق، حيث أجبرت الحكومة الجامعات على الاستجابة لضغوطات السوق بأن تصبح أكثر رياديّة فيما يخص توليد الدخل من مصادر غير حكومية. أدّى هذا إلى تغييرات جذرية في التنظيم المؤسسي، وفي الإدارة والسلوك، بما فيها التأثير المتعاظم للمصالح التجارية لأولويات الجامعة، بتأثير من أصحاب المصالح التجارية على المناهج. وخلال التسعينيات، فإن الحكومات البريطانية شددت على دور الجامعات في “مجتمع المعرفة”. والحاجة إلى المزيد من الرّيادة ضمن اقتصاد المعرفة المُعولم. وعلى سبيل المثال، ففي عام 1993 أطلقت حكومة المحافظين “برنامج التبصر التكنولوجي” المعني بتشجيع التشبيك بين الباحثين و”المستخدمين النهائيين” للبحوث (بشكل أساسي أصحاب الأعمال، وخصوصا ذوي العلاقة بالتكنولوجيا)، لتحديد أوليات تطوير البحث واستغلالها حسب الطلب الاقتصادي والاجتماعي. تجادل الورقة البيضاء للمملكة المتحدة 2003 (UK 2003 white paper) “مستقبل التعليم العالي” بأن الإصلاحات الجذرية كانت ضرورية لتوسيع القاعدة الطلابية القادرة على الوصول إلى الجامعات وجعل الجامعات أكثر استجابة للطلب من الاقتصاد العالمي. هذا يضع إطار العمل ضمن عمل الجامعات كملحق للطلب من الأسواق المحلية والعالمية لضمان إنتاج خريجين، والجامعات نفسها، ذوي مهارات، وخبرة، وكفاءة شخصية لتأمين وتعزيز التنافسية العالمية لاقتصاد المملكة المتحدة.

      أحد الأمثلة على هذا التضمين لريادة “الحقيقة الاقتصادية” موجود في البيان الصحفي التالي الذي ترافق مع تلقيب جامعة نوتنغهام بـ”الجامعة الريادية للعام” في 2008:

يقول إّين روبيرتسون (Ian Robertson)، الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني لريادة الاعمال في التعليم العالي، والذي رعى هذه الفئة: “إن اختيار جامعة واحدة أولى كان قرارا صعبا، لكن الروح الريادية كانت جزءا واضحا وظاهرا من ثقافة نوتنغهام. وقد تم تسهيل القرار الصعب من خلال توسّع وعمق تلك الثقافة الرّيادية في الجامعة، من قبل الإدارة العليا وطاقم العمل ومجتمع الطلاب.”[10]

   إن تحديد الأولويات الحالية لتخصصات “العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات” (STEM) في كل من المملكة المتحدة والجمهورية الأيرلندية لمثال آخر على “إضفاء الصبغة الاقتصادية” على الجامعة. فهي تبعث إشارات لتحوّل أبعد لمؤسسات التعليم العالي لخدمة الاحتياجات الحالية للاقتصاد الوطني والوكلاء الاقتصاديين المكونين له في سياق السوق العالمي. أمّا الأجسام المعرفية الأخرى، والمواضيع الدراسية، والتخصصات مثل الفلسفة، والدراسات الكلاسيكية، أو اللغات الأجنبية غير المتصلة بـ”الأسواق الصاعدة” (مثل الهند والصين)، والدراسات الثقافية، تعتبر “غير ضرورية” لمتطلبات “الإدارة المنهجية والمركزة” والموجهة نحو السوق، التي تسعى الجامعة الحديثة أن ترى من خلالها لكي تنتج “أثر” وبحوث “مرتكزة على السياسات”. كما عبّرت عن ذلك كلير فوكس (Claire Fox)، “فلننسى أن نكون علماء مدفوعين بالفضول المعرفي ” فقد صار العالِم مجرد باحث “أثر” حديث، يساهم في الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للأمة”.[11] والحقيقة هي أنّه وبالرغم من أنّ “الرفاه الاجتماعي” يصرّح عنه عموما كهدف للأبحاث والتدريس الممولة من  القطاع العام، إلا أنه بأهمية أقل بكثير من “الصفقة الحقيقية” للمساهمة في “التنافسية الاقتصادية”. مع أن البحوث والتعليم التي تهدف إلى الرفاه الاجتماعي غير مستثناة، لكنها تحديدا ليست مدعومة بنفس درجة المعرفة التي يمكن استغلالها تجاريا.  إن الدعم الحكومي الخطابي لها يخدم أيضا كواجهة مزخرفة وورقة تين مقنعة لتختبئ خلفها في أي وقت يتم التطرق فيه إلى موضوع تحويل الجامعة إلى مؤسسة ذات صبغة اقتصادية.

   إن إطار عمل التميز البحثي (Research Excellence Framework) المؤسّس حديثا في المملكة المتحدة هو ببساطة استمرار للنظام “المغلق” للتقييم الانضباطي، والترتيب والتصنيف لدوائر الجامعات والجامعات ككل، والذي يعود إلى قانون التعليم للعام 1988. هذه “المراقبة الأدائية”[12] (panoptic performativityy) لـ”التميّز” و”خطاب  الجودة” و”التدقيق” وحضور ثقافة “الإدارة الجزئية” التنظيمية الأكاديمية قد جعل الأكاديميين في “الهيئات المنصاعة والمذعنة”، مستخدما مصطلح فوكو، ضروريا لهذه “الحاكميّة الأكاديمية” (academic governmentality) من أجل العمل بنجاح. ولكن كيف امتثل الأكاديميون والباحثون (بشكل عام) بجد وبطاعة (حتى الآن على أي حال) مع كل هذا؟ حتى أولئك الأكاديميين ذوي المسئوليات الإدارية الذين يشرفون على هذه المراقبة الادائية يعترفون سرا بأن هذا خطأ ويعربون عن شكوكهم العميقة، وحتى قلقهم من هذا التوجه للجامعات، ومع ذلك ففي العلن، في صحيفة الجامعة الرسمية ووسائل اتصال داخلية أخرى (وخصوصا توجيه الموظفين الجديد)، هناك معارضة أو تعبيرات ضئيلة جدا عن هذا القلق، فالجميع متفق “مع الرسالة”. إن ثنائيّة العلني\السرّي هذه مقلقة بشكل مشابه للعمل في ظل الأنظمة القمعية، بينما يشعر المرء كأنه “منشقّ” لأنه يفكر بأفكار “ابتداعية” والتي هي بوضوح ليست متفقة “مع الرسالة” وحيث في كثير من الأحيان حتى أولئك المكلفين بالإشراف على “نظام الحقيقة” هم أنفسهم لهم شكوكهم (السرية).

   وكما عبّر عن ذلك ريدنجز (Readings)؛ هناك أيديولوجية “التميّز” التي تقوم بالتقييم والتصنيف الرّتبي والرقابة على الإنتاج المعرفي ضمن الجامعات وإنتاج أنواع محددة من الأجساد والذوات للأكاديميين (المتوافقين مع الرسالة والموجهين نحو إنتاج منشورات ذات أثر وجودة عالية، إلخ) والطلاب (خريجون “جاهزون لسوق العمل”) (oven-ready graduates).[13] إن خطاب الخريجين “الجاهزين لسوق العمل”” يكشف، كما قد يتوقع المرء، أنه لا يستخدم  كمصطلح نقدي لتفكيك أو تحليل التعليم العالي ولكنه يستخدم كمصطلح إيجابي أو مجرد مصطلح وصفي. وكمثال على ذلك، أنظر/ي إلى القول التالي من مدير كلية الأعمال المعيَّن حديثا في جامعة ساوثهامبتون سولنت (Southampton Solent University): “لقد كنت دائما حريصا على تطوير الخريجين المبادرين والقابلين للتوظيف-وذلك سيكون روحية عملي هنا أيضا في جامعة ساوثهامبتون سولنت. أريد لمساقاتنا أن تنتج خريجين جاهزين لسوق العمل يمكنهم النجاح باقتدار، ليس فقط في مهارات الأعمال ولكن أيضا في تأسيس الأعمال.”[14] وللمزيد من التحليل حول “الخريجبن الجاهزين لسوق العمل” أنظر إلى آتكنز (Atkins(1999).

   إن أيديولوجية “التميّز” هذه (وهي خطاب ذو سطوة، عدا عن كونها خطابا عامّا، من ناحية تركيزها على “الملاءمة للغرض”، بالإضافة إلى، على الأقل بشكل أوّلي، كونها بشكل جلي “شيء جيد”-من يمكنه أن يشكّك في “التميّز”؟) وهي آلية قوية لجعل الجامعة تندمج أكثر مع المنطق الإنتاجي الاقتصادي للرأسمالية المعولمة من خلال الأنشطة الانضباطية “لدولة المنافسة” في إطار النيوليبرالية. هذا الخطاب “ينجح” ليس بسبب أنّ لا أحد يعرف ما هو “التميّز” ولكن لأن الكل يعتقد أنهم يعرفون ما هو[15]، ولذلك فان “السعي نحو التميز” أصبح مثل إعلان الاستقلال الأمريكي لـ”السعي نحو السعادة”. كما يلاحظ ريدينجز:

بشكل عام نحن نسمع الكثير من الكلام من إدارات الجامعات عن التميّز لأنه أصبح المبدأ الموحِّد للجامعة المعاصرة…وكمبدأ تكاملي، فإن التميّز له ميزة الفرادة كونه عديم المعنى، أو بعبارة أدقّ، عديم المرجعية.(13) 

   كيف يمكن للجامعة أن تنافس في السّوق حيث الكل يدّعي “التميّز” ويقيَّم بمعاييره؟ وإذا كانت كل الجامعات “متميّزة”، و”عالميّة” و”متطورة” فماذا يعني ذلك؟ ماذا يمكن أن يعني هذا؟ وبصرف النظر عن الآلية المجرّبة والمختبرة لـ”تضخّم التميّز” (excellence inflation) (والتي تكمِّل “تضخّم العلامات” (grade inflation) على مستوى الطلاب) -بينما تحاول كل جامعة ببساطة أن تغالي وتبالغ “تميّزها” بأنه أفضل من تميّز الجامعات الأخرى.[16] يمكن للجامعة أن تلتحق بمجموعة “نخبويّة” من الجامعات (مثل مجموعة راسل (Russell Groupp) في المملكة المتّحدة، والتي تسوق نفسها ضمن أفضل 20 جامعة ناشطة بحثيا في المملكة المتحدة) أو تسعى إلى أن تكون ضمن أفضل 10 أو 50 أو 100 بعض الاتحادات ذات المعنى السياسي (والأفضل أن تكون اتحادات عالمية) مع منافسيها. مع التمنيات بمزيد من “التقدم البحثي” (more “research power” to your elbow) (والتي يبدو أنها العبارة الأخيرة عديمة المعنى في “خطاب الجودة”) إذا جاز التعبير. وكما عبر عنها ريدينجز (Readings)، “يرسم التميّز حدا فاصلا واحدا فقط: الحد الفاصل الذي يحمي السلطة غير المقيدة للبيروقراطية”ـ وأي دائرة تفشل في التوافق معها يتم ببساطة إغلاقها، كما يشهد على ذلك تآكل التخصصات مثل الدراسات الكلاسيكية، الفلسفة، والدراسات النسوية، والدراسات الثقافية، بمعنى أن أي تخصص لا يستطيع أن يحقق المعايير المطلوبة عندما تكون معايير التميّز تلك موجهة بشكل متزايد نحو، ويتم تقييمها مقابل، مجموعة ضيقة من الأهداف الاقتصادية.

   ونرى هنا الاستيفاء الانضباطي للخطاب والممارسات (مأسسة وَبرَقرَطة “ضبط الجودة”) لـ”الجودة والتميّز” في الأكاديميا. وبكلمات لوفلن (Loughlin): “لقد كان هدف “ثورة الجودة” في النظرية الإدارية أورويليا (Orwellian) بشكل صريح. هدفها: انتاج لغة خطابية لتسهيل التحكم بالقوى العاملة من خلال جعل عملية إضفاء معنى معارض لقرارات سياساتيّة للإدارة العليا في المؤسسات مسألة مستحيلة.[17] ولأولئك الأكاديميين الذين يقعون في شرك الانضباط في مثل  هذه الأنظمة البيروقراطية، على الأقل لأولئك الذين لديهم حس من الانزعاج حول هذه العملية، وهناك حس بأن كل “التميّز البحثي” لضبط الجودة وضعت على مضض كـ”ضريبة” يتم دفعها كونك “باحث” في عالم “ضبط الجودة الشاملة” للتعليم العالي الحديث.

كما عبر عنها ديربيشاير (Derbyshire) بقوة:

لقد تم استعمار عوالم الرعاية الصحية والتعليم من قبل “مجتمع التدقيق” والنزعة الإدارية. تحت ستار “تحسين الجودة” و”ضمان القيمة من أجل المال” فقد صار الغرض أكثر ظلامية وأورويلية. يجب تحويل الأكاديميين إلى قوى عاملة ذات “أجساد طيعة”، مستعدة لوضع نفسها و”أدائها” تحت الرقابة والفحص كمخرجات وتوابع لـ”خطاب الجودة” الجديد. (16)

   ما هو حاسم في الفهم هنا هو “النزعة الرّيادية” الجزئية والمتحيزة التي يتم تلقينها من قبل الدولة وادارة الجامعة. أما الريادة الاجتماعية وتشجيع أشكال إبداعية جديدة من “المواطنة الفاعلة” فهي ليست على جدول اعمالها. ومن المهم هنا مراجعة الالتزام الخطابي من الدولة إلى مفهوم موسع للريادة:

اصلاح المناهج وتقويمها…يضمن أن يكون الخريجون متعلمين حسب المعايير التي يحتاجها الاقتصاد المستقبلي ورفاه أمّتنا. هذا المعيار سيمكنهم من التعامل مع التعقيدات والتغير المناخي والاشكال المختلفة من المواطنة والطرق المختلفة لفهم الفردانية والتعاون. إن التجربة الطلابية التي تتناسب مع المستقبل ستمكنهم من تطوير نوعية المرونة والثقة وحس المسئولية تجاه مجتمعهم ككل. (66)

   يبدو هذا جيدا، لكن الحجم الأكبر من الجهود لم يذهب لتشجيع نماذج المواطنة الفاعلة بعلاقتها بالتغير المناخي أو المسئولية الاجتماعية ولكن ذهبت إلى أنشطة النمو الاقتصادي التقليدية. ويذهب رامسدن (Ramsden) بالقول:

إن رؤية المتعّلم كمستهلك سلبي هي رؤية معادية لرؤية الطلاب كشركاء مع معلميهم في البحث عن الفهم-أحد الملامح المحددة للتعليم العالي من وجه نظر كل من الأكاديميين والطلاب، والتي هي مغروسة بقوة في الثقافة الأكاديمية على الأقل من أيام هومبولت (Humboldt). لا يوجد سبب لإقحام تقسم زائف بين التعليم العالي كطريق لمهنة أفضل ومعاش أعلى ورؤيتها كتجربة شخصية لتغيير الحياة. (66)

   لكن هذا الخطاب يبدو أجوفا عندما يقارن المرء التشديد على الابعاد الاقتصادية، والإنتاجية، والعلمية، والتكنولوجية البحتة للنزعة الريادية والابتكار والابداع. فالاستثمار في انتاج التكنولوجيا والمعرفة العلمية ستثمّن دائما بشكل غير متكافئ مع معظم تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية. مع ذلك، فإن نظرة خاطفة على الحجم الهائل للتفاوت في التمويل لتخصصات ال”العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات” في التدريس والبحوث وبين العلوم الاجتماعية والإنسانية، يعطي فكرة حقيقية عن مواضع أولويات الدولة وبالتالي أين تضع إدارة الجامعة أولوياتها. ولنستخدم مصطلح فوكو، فان الجامعات الحديثة تخلق بفاعلية أنواع محددة من الذوات، تشكِّل-بل بشكل أكثر صراحة في المرجع الثابت لـ”التجربة الطلابية” في خطاب إدارة الجامعة الحديثة-وتدعم هذه الذوات الضرورية اقتصاديا (المهارات، المعرفة، التنظيم، الصفات الشخصية) المرغوبة اجتماعيا وثقافيا.

   في الواقع، فإنّ نقاشات “الحرية الأكاديمية” في داخل الحكومة، مثل خطاب الوزير البريطاني بيل رايمل             (Bill Rammell) هو محابى جدا، فبعض الأشياء والقضايا فقط مطروحة للنقاش. فقد استخدم الوزير في خطابه الحرية الاكاديمية كنقطة ضد التطرف الإسلامي في الحُرم الجامعية.[18] على سبيل المثال، فإنّ التشكيك في النّمو  الاقتصادي-وهو بالطبع غير محظور (على الأقل حتى الآن) -ومع ذلك فلا يتم تشجيعها أو دعمها بشكل فاعل أو يتم اعتبارها كـ”خطوة مهنيّة جيدة”، من ناحية أكاديمية فيعتبر هذا مسعى فكريا ابتداعيا و”منشقا”. ولنأخذ مثالا واحدا، علماء الاقتصاد “المنشقين”، أي أولئك لذين يشككون في السيطرة المهيمنة للاقتصاد النيوكلاسيكي في دوائر الاقتصاد وفي الأكاديميا، أجبروا على أن يأسسوا شبكات دعم مهنية خاصة بهم خارج نظام الجامعة.

   وكذلك أيضا فان “البحوث التشاركية” و”البحوث الإجرائية” وإقامة علاقات قوية مع الجماعات المحلية والمجتمع المدني (في مقابل التجاري والدولة/صانعو السياسات) هو بالمثل مصلحة “أقلية”، شيء إذا نظرنا إليه بشكل إيجابي أصلا يرى كشيء “زائد” اختياري/يمكن الاستغناء عنه مقارنة مع “الضرورات الأساسية” لإنتاج “التميز”، “والجودة العالمية” والمعرفة “المتصلة بالسياسات” “والقابلة للتسخير التجاري”.

   الهدف من هذه الرحلة القصيرة في هذا “العالم الجديد الشجاع” (brave new world) الحديث لـ”انتاج واستهلاك المعرفة” (والمعروف أيضا بإسم الجامعات الحديثة) هو لشرح، كما لو كانت هناك حاجة لذلك، السياق المبتذل، في العالم الحقيقي للمؤسسة، التي يتم فيها إنتاج المعرفة، وتعليمها ونشرها، في الجامعة الحديثة. إنّ عملية مأسسة قوى عمل “الرأسمالية الأكاديمية”، وبينها، بيروقراطية تدقيق ضبط الجودة، وتلاعب الدولة بسياسات الاقتصاد السياسي لتمويل البحوث، وترويج و”تشجيع” “التميز” للبحوث ذات “الأثر”، يمكن تعقبّها كلها في “نظام الحقيقة الاقتصادية” النيوليبرالي ودفع الأكاديميا إلى خدمته.

خلاصة: فكرة الجامعة في القرن الحادي والعشرين

   عندما كتب نيومان (Newman) مقاله الشهير “فكرة الجامعة” في عام 1854 كان العالم حينها مكانا مختلفا جدا ولذلك كانت وظيفة ودور الجامعة مختلفة.[19] ما هو دور الجامعة في القرن الحادي والعشرين وماذا ينبغي أن تكون  مساهمتها؟ بينما هناك مخاطر أن نستبدل ببساطة “نظام الحقيقة” الذي يسيطر حاليا على الجامعة (أي الضرورات الاقتصادية/التجارية) بنظام آخر، وهذا يعني أنّ التعددية الحقيقية يجب أن تكون السّمة المميّزة للجامعة الحديثة، يبدو أنّ هناك احتمال واحد مرشح لذلك والذي يمكن أن يعمل مجموعة شاملة من الأهداف التي يمكن للجامعة أن تصطف حولها. هذا هو التحدي في كيفية التحول من مسار اللا استدامة باتجاه مسارات تنمية اقتصادية أكثر استدامة، واقل انبعاثا للكربون، في سياق التغير المناخي. إن نهاية حقبة الطاقة الباعثة للكربون والحاجة إلى “الحياة على كوكب واحد” (one planet living) يوفر حياة ذات جودة عالية للجميع.

    إن دور الجامعات في مواجهة تحدي اللا استدامة ليس فقط مسألة أكاديمية/أو تخص الباحثين ولكنها ذات قلق اجتماعي ملحّ. كما عبر عنها ثوماس بيري (Thomas Berry) ببلاغة:

الجامعات بحاجة إلى تدريس قصة الكون حيث أصبحت هذه القصة متوفرة لدينا. فقصة الكون هي قصتنا نحن. لا يمكن أن نعرف أنفسنا بشكل كاف إلا من خلال هذا الرصيد من التسلسل في تحولات الكون وكوكب الأرض التي من خلالها كان وجودنا ممكنا…لقد بدأ كوكبنا يتلف بالفعل والمستقبل مهدد باضمحلال المصادر واعداد البشر المتزايدة بحيث ستصبح شروط بقائنا أكثر صعوبة من أي وقت مضى. لم نفكر بوضوح أو نتصرف بشكل لائق في القرن الحادي والعشرين. نحن الآن عالقون في ازدواجية تعذب العقل. هذا الفهم الجديد الواسع للكون وكيفية عمله ومع ذلك هذا العجز الصبياني لاستخدام هذه المعرفة بطريقة مفيدة إما لأنفسنا أو لأي نمط حياة آخر على الأرض. وهذا ليس الوقت المناسب لاستمرار الانكار من قبل الجامعات أو الوقت لإلقاء اللوم، إنه الوقت لأن تعيد الجامعة النظر في نفسها وبما تقوم به.[20]

   بينما قد يأخذ أحدهم على رؤية بيري لجامعة تشاركية ومجهزة وموجهة نحو مشكلات وفرص إدارة التحول من   اللا استدامة (كما يفعل هذا المؤلف) بانها روحانية/ثيولوجية، لا يمكن إنكار قوة محاججته لإعادة تفكير جذرية للدور، والهيكلية والوظيفية للمؤسسات الرسمية للتعليم العالي في عصرنا “عصر اللا استدامة”

   يردد نشطاء الاستدامة، والمستشارين والأكاديميين منذ أكثر من ثلاثة عقود بأنّ الانتقال من حالة اللا استدامة إلى مسارات التنمية المستدامة هي في جذرها عملية تعلّم اجتماعية، وبقدر ما هي عملية عابرة للتخصصات بقدر ما هي فردية في تطبيقاتها المحلية أو الإقليمية، وأحد الأدوار الواجبة للجامعة هو انخراطها في مجتمعها بشكل فاعل في التشارك في إنتاج تلك المعرفة. وهذا يجب أن يشكل الإطار ضمن أي مساهمة للنمو الاقتصادي التقليدي وتكوين الثروة. المعرفة سلطة، وهذا واضح، ولكن المعرفة أيضا تمكينيّة، بمعنى أن مفكري عصور التنوير والنهضة أدركوا وقاتلوا من أجل أشياء أصبحت الجامعة الحديثة في خطر نسيانها. المعرفة أيضا مسألة تخص التشارك في خلق الحقائق حول “الشرط الإنساني”. حاليا أحد هذه الأنظمة “يزاحم” التعددية، والنقاش واستكشاف البدائل الأكثر اعتبارا ودعما. في حين أنّ هذه الحقائق يمكن أن لا تحرّرنا فإنّ تشجيعها الفاعل بالتأكيد يضع الأسس التي ترتكز عليها الأكاديميا، بالإضافة إلى كونها جزءا مهما من “التعلّم الاجتماعي” في قلب التحول بعيدا عن ممارسات اللا استدامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الهوامش والمراجع:

* BARRY, ‘Knowledge as Power, Knowledge as Capital’, Irish Review 43 (2011)

**مترجم من فلسطين

University of Leicester, ‘Historic Meeting of University Court’ (2007). A-vailable at:

http://homepage.mac.com/chriscane/evaluation%20site/ebulletins/NewsUnive...

urtMeeting.pdf (accessed 26/10/09).

[2] M. Foucault, The Birth of Biopolitics: Lectures at the Collège de France, 1978–79 (New York:

Palgrave Macmillan, 2008).

[3] J. Barry, ‘Spires, Plateaus and the Infertile Landscape of Education for Sustainable

Development: Re-invigorating the University through Integrating Community, Campus

and Curriculum’, International Journal of Innovation and Sustainable Development, 2: 3/4

(2007), pp. 433–52.

[4] Ghalib Islam and Ryan Muscat, ‘Chomsky Tackles Current Issues’, The Silhouette Online,

73: 12 (2005). Available at http://sil.mcmaster.ca/archives/021114/news/021114chomsky.

html (accessed 3/08/07).

[5] A. MacIntyre, After Virtue (London: Duckworth, 1982).

[6] P. Ramsden, P., ‘The Future of Higher Education: Teaching and the Student Experience’,

Department for Innovation, Universities and Skills (2008). Available at: http://www.dius.

gov.uk/higher_education/shape_and_structure/he_debate/~/media/publications/T/

teaching_and_student_experience_131008 (accessed 26/10/09).

[7] S. Keskinen, and H. Silius The Moving Disciplinary Boundaries of Research Structures and

Funding (2005). Available at: http://www.hull.ac.uk/researchintegration/Comparative%

20Reports.htm (accessed 10/2/2006).

[8] F. Guala, Review of Naissance de la Biopolitique, by M. Foucault, Economics and Philosophy,

22 (2006), pp. 429–39.

[9] P. Bourdieu and L. Wacquant, , ‘Neoliberal Newspeak: Notes on the New Planetary Vulgate’

(2001). Available at: http://sociology.berkeley.edu/faculty/wacquant/wacquant_pdf/

neoliberal.pdf (accessed 18/2/10).

[10] University of Nottingham, ‘University of Nottingham Wins “Entrepreneurial University

of the Year” award’ (2008). Available at: http://www.nottingham.ac.uk/business/

news/240.htm (accessed 26/10/09).

[11] C. Fox, ‘Academy Strikes Back: The Fight for “Useless” Knowledge Starts Here’, The

Times Higher Education (2009). Available at: http://www.timeshighereducation.co.uk/

story.asp? storycode=408474 (accessed 18/2/10).

[12] J. Perryman, ‘Panoptic Performativity and School Inspection Regimes: Disciplinary

Mechanisms and Life under Special Measures’, Journal of Education Policy, 21:2 (2006), pp.

147–61.

[13] B. Readings, The University in Ruins,(Cambridge and London: Harvard University Press,

1993).

[14] Southampton Solent University, ‘First Business School Director’s Enterprising Approach’

(2009). Available at: http://www.solent.ac.uk/news/newsarchive/2009/r13y09.aspx

(accessed 26/10/09).

[15] M. Lim, ‘The University as Market’, paper presented at the AIM Workshop: Making

Connections: Boundaries, Relational Analysis and the Future of Organization Studies,

Cardiff University (2007). Available at: https://lra.le.ac.uk/bitstream/2381/4379/1/

The%20University% 20as%20Market_Paper_MingLIM.pdf (accessed 26/10/09).

[16] P. Darbyshire, ‘Never Mind the Quality, Feel the Width’: The Nonsense of ‘Quality’,

‘Excellence’, and ‘Audit’ in Education, Health and Research’, Collegian: Journal of the

Royal College of Nursing Australia, 15:1 (2008), pp. 35–41.

[17] Loughlin, M., ‘Quality, Control and Complicity: The Effortless Conquest of the Academy

by Bureaucrats’, International Journal of the Humanities, 2:1 (2004), pp. 717–24.

[18] B. Rammell, ‘The Last Shadow of Liberty?: Academic Freedom in the 21st Century

(2007). Available at: http://www.dius.gov.uk/news_and_speeches/speeches/past_ministers/

bill_rammell/liberty (accessed 26/10/09).

[19] J.H. Newman, The Idea of a University (1854)Available at http://www.highered.

org/resources/newman-university.htm (accessed 28/02/06).

[20] T. Berry (1996), ‘The University: Its Response to the Ecological Crisis’, delivered before

the Divinity School and the University Committee on Environment at Harvard

University, April 11, 1996, Available at http://www.ecoethics.net/ops/univers.htm

(accessed 2/8/07).

المصدر: http://hekmah.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9-%D9%83%D8%B...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك