الطائفية العلمانية

أسامة بوجبارة

 

يعرض هذا الملف المقاربة التي طرحها سكوت هيبارد المتخصص في السياسة الخارجية الأميركية، وسياسات الشرق الأوسط، والعلاقات الدولية، وأستاذ قسم العلوم السياسية في جامعة دي بول بولاية إلينوي، والأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة, وذلك في كتابه (السياسة الدينية والدولة العلمانية) من إصدارات عالم المعرفة , أو المترجم تحت عنوان (الدين ووظائفه السياسية) الصادر عن مكتبة الأسرة .

 وهي دراسة تحاول الوصول إلى طبيعة العلاقة المركّبة بين العلماني والديني في الدولة الحديثة, وذلك من خلال دراسة ثلاثة تجارب سياسية لدول علمانية قد حدث بها نهوض وتفاقم للمد الديني الأصولي .

تنطلق جدلية سكوت هيبارد حول طبيعة العلاقة الملتبسة وغائمة المعالم بين العلماني والديني من خلال رصده لعدة حالات متزامنة تاريخيًا شهدت انبعاثًا للتيارات الأصولية الدينية في ثمانينيات القرن الماضي , بثلاث دول كانت رائدة في تجربتها العلمانية, وهي مصر, الهند, والولايات المتحدة الامريكية .

وعلى الرغم من اختلاف الجذور الثقافية لهذه الدول الثلاث , وعلى الرغم أيضًا من أن طبيعة التجربة العلمانية لكل من هذه الدول كانت مختلفة عن الاخرى, إلا أن جميعها وعلى نحو متقارب زمنيا قد شهدت صعود اللغة الطائفية في الخطابات السياسية .

ومكمن السؤال هو …كيف أمكن للغة الدينية/الطائفية الحضور في الخطاب السياسي في هذه الدول الثلاث؟ وهي الدول ذات التجارب العريقة في الدخول للحداثة من خلال غرسها لقيم العلمانية في مؤسسات الدولة .

 ليس هذا وحسب بل أن ما يثير التساؤل , لماذا قامت النخبة السياسية في هذه الدول بتبني وتنشيط الرؤى الأصولية المتطرفة عن طيب خاطر منهم ؟

إن هذا الانبعاث للمد الأصولي وتفشيه في تلك الدول يتحدى, بحسب سكوت هيبارد, الرأي السائد والقائل بأن العقائد التقليدية تضمحل مع دخول الدولة في حقبة التنمية الإقتصادية والسياسية, وأن الدين تبعًا لذلك سيتراجع في الحياة الفكرية لينوب عنه العلم التجريبي الحديث , وأن الأعراف العلمانية هي من سيرسم شكل المستقبل وليس الدين .

يراهن هيبارد في دراسته على وجود قالب تفسيري يتمكن من كشف الملابسات والأسباب التي أدت إلى انبعاث الأصوليات الدينية داخل دول اتسمت بإظهارها للعلمانية كأساس لأنظمتها السياسية , ويتمكن هذا القالب من تفسير السبب الذي لأجله حدث هذا الانبعاث  في حقبة زمنية واحدة .

فما هو سر التأثير العميق للحضور الديني وبالتحديد لذلك النمط من التدين الذي يتخذ أكثر الصور تطرفًا ورجعية[1] ؟

يجد سكوت هيبارد أن هنالك أسبابًا مترابطة تساعد على فهم الدين متناولًا إياه باعتباره ظاهرة سيسيولوجية ثقافية .

فالدين من ناحية ذو علاقة متسقة مع الهويات الطائفية والشرعية , فهو من هذا المنظور له تأثير هائل في تشكيل الحشود الجمعية .إذ يوجد اعتقاد سائد بأن العنصرية الطائفية توحّد الحشود ضمن أهداف سياسية واقتصادية مشتركة . ولهذا السبب فإنه دائما ما يتم استحضار الرموز والأيقونات الدينية في المناسبات الوطنية .

فعلى الرغم من أن الوظيفة التاريخية النبيلة للدين كانت تظهر في صورة انتقاد ومراقبة السلطة السياسية , أو بما يسميه هيبارد بالوظيفة “النبوية” , إلا أن سياسيي الدول الحديثة تمكنوا من قلب هذه الوظيفة “النبوية” ليحولوها إلى وظيفة “كهنوتية” إن صح التعبير. حيث تمكنوا من جعل السلطة الدينية حامية للسلطة السياسية عبر التحكم بمفاصل المؤسسات الشرعية .

أما السبب الآخر والمهم فيكمن فيما يحتوي عليه الدين من لغة أدبية راسخة في وجدان الشعوب, حيث يتم استخدام هذه اللغة بربط المشاريع السياسية والوجود البشري بعالم فائق السمو والرومانسية . من خلال الباس المشروع السياسي بمصطلحات لا يمكن أن تكتسب مدلولاتها إلا من خلال الاستعانة بالمنظومة الدينية (كالشهداء ,وأرض الميعاد, والمشروع الإلهي , والمباركة الربانية للدولة “التي كثيرًا ما يستعملها رؤساء الولايات المتحدة” ) , فالمنظومة العلمانية بطبيعة الحال لا يمكن أن تستوعب مثل هذه المصطلحات أو تنشيء بديلًا عنها .

وبذلك فإن للدين , وحده, القدرة على تحويل أهداف المشاريع “الدنيوية/العلمانية” إلى أهداف مقدسة .

 ومن هنا مثلا يمكننا أن نفهم لم استخدم جورج بوش الابن تعبير “الحملة الصليبية” في حملته الانتخابية الثانية, ومن هنا أيضًا يمكن أن نفهم كذلك سبب وصف الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية للحملة الروسية على سوريا بأنها “المعركة المقدسة” .

ولكن ومع كل ما يحمل هذا التحليل من منطقية إلا أنه لا يتمكن من الإجابة على التساؤل المحوري. فبالرغم من كل هذه الامتيازات التي لدى الدين , والمغرية “للعلماني” لتوظيفها , إلا أن هنالك تساؤل غير مجاب عنه… ومقتضى هذا التساؤل هو, ما سر البريق الكامن وراء الصيغ الأكثر تطرفًا ورجعية للدين؟؟ ما هو عنصر الجاذبية المخزون في خطاب التطرف ؟؟

لأنه وبالرغم من كل الامتيازات السياسية المذكورة للدين, إلا أنها يمكن أن توجد في كل الصيغ الأخرى! أو بعبارة ثانية , يمكن أن نجد كل تلك الأهداف من الدين عبر صياغات أكثر حداثة وليبرالية .

 أما الذي حدث بأرض الواقع أن جميع حالات الانبعاث الديني في الدول العلمانية كانت قد اتخذت الصياغات الأكثر تطرفًا ورجعية !!.

يتوجب لفهم مقاربة سكوت هيبارد الرجوع أولًا للرؤية التي تبنتها النخب السياسية لهذه الدول الثلاث في خمسيات وستينات القرن الماضي .

 فقد كانت تتبنى بالبداية مشاريع تنموية كان الهدف منها استئصال الفقر , ورفع معدل التنمية الاقتصادية , مما جعل من الرؤية الوطنية “العلمانية” ضرورة لإتمام هذه المشاريع… بل تحولت الرؤية الدينية الأصولية بنظر النخب السياسية في تلك الفترة , بمثابة امتداد لماضٍ رجعي. وهذا ما عزز الاعتقاد السائد أن دخول الدولة في طور الحداثة يقتضي بالضرورة الدخول إلى العلمانية التحررية .

لكن الذي حدث في الواقع في حقبة السبعينات والثمانينات أن تبدلا في الأولويات قد حدث لدى النخب السياسية …فلم يعد هنالك اهتمام جاد بالمشاريع التنموية الاقتصادية. وقد أدت هذه النكسة إلى عزوفهم عن الالتزام بالرؤى الحداثية المتحررة , وبالتبع, رجوع التفسيرات الأكثر أصولية وتزمتًا للدين.

أمّا تعليل ذلك فيعود إلى الضرورة التي ارتآها السياسيون لمواجهة التيارات اليسارية الآخذة بالصعود آنذاك . فأصبح تنشيط المد الديني الأصولي جزءًا ضروريًا للمحافظة على ديناميكية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي .

فتحولت الرموز الدينية الأصولية, من كونها رموزًا مقموعة تمثل الصورة التقليدية للتزمت والتخلف, إلى أيقونات سياسية فاعلة, بل تحول الرمز الديني في تلك الحقبة إلى رمز من الواجب التودد إليه لضمان نجاح الناخب السياسي .

وباستحضار هذه المعطيات التاريخية, ووضع ظاهرة الانبعاث الديني في موقعها الزمكاني, فإنه من الواجب إذًا إعادة تفسير السياسة الدينية الحديثة بعيدًا عن الافتراضات المسبقة والجاهزة .

 

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر استعر النقاش بين العلماء والمفكرين حول سر تفشي هذه الصياغة من الدين ورواجها. لأن ما وجدوه محيّرًا أن ذلك الرأي السائد, الذي كان يفترض بأن المعتقدات والهويات الدينية ستأخذ بالتراجع والتقلص إذا ما حلّت محلها التنظيمات الاجتماعية الحديثة لم يصمد على أرض الواقع .

يجد سكوت هيبارد أن جل الدراسات التي كُتبت بعد الحادي عشر من أيلول كانت تعزز افتراضين مضللين ….

الافتراض الأول أن السياسة الدينية المعاصرة هي سياسة معادية للحداثة , أو أن القائمين عليها هم أشخاص متلاعبون بالدين .

أما الافتراض الثاني فهو أن بعض الأديان “الاسلام تحديدا” هو بنفسه دين ضد قيم التنوير وضد المجتمع الحر .

وبناءً عليه جرى تصوير الحروب التي قادها جورج بوش الابن على أنها حروب على الارهاب , حروب تواجه الحرية فيها الطغيان , وتواجه الحداثة التخلف , وباختصار قد صوّر بوش نفسه على أنه يقود حرب الدولة ضد الارهاب .

وعليه فإن سكوت هيبارد يعيد بناء الإطار الذي يرى من خلاله السياسة الدينية الحديثة , إذ يجد أن الدين ,أي دين, يعتبر جزءًا لا يتجزأ من بناء الأيديولوجيات الوطنية , ويلعب دورًا أساسيًا في التحشيد الجماهيري .

فالدين قادر على نحو فريد على توفير الغطاء الأخلاقي للعملية السياسية مهما كانت توابعها . ويتبيّن هنا أهميّة وجود الدين لشرعنة عمل مؤسسات الدولة الحديثة .

الأمر الآخر الذي يشير إليه هيبارد, بأنه لا يجد أن السياسة الدينية الحديثة تمثل ارتكاسًا إلى الوراء , أو أنها تمثل حالة مضادة للحداثة .

بل يجد هيبارد أن هذه الصياغة بالتحديد من الدين جرى “تطويرها” و “انتقاؤها” بوضوح , وهي تمثل الاستجابة الاجتماعية التي أفرزتها المعطيات السياسية الراهنة .

 

يفترض هيبارد كذلك في دراسته أن (الانفجار الكبير) للظاهرة الدينية لم تنشأ من فراغ ابان الحرب الباردة. بل جاءت أولًا نتيجة لتخلي النخبة العلمانية عن التزامها بعلمنة المجتمع , والأكثر من ذلك أنهم , هم, من اختار الالتزام ودعم صياغات دينية رجعية بعينها, وقيامهم بعد ذلك بالنفخ في نار الانقسامات الدينية , وهذا على خلاف مع الفرضية التي تفسر الانبعاث الديني على أنه محض تجدد للحلم الأسطوري بالعودة إلى العصر الذهبي الراسخ في المخيال الشعبي .

وللاقتراب أكثر من التفسير التقليدي لظهور السياسة الدينية , فإن هنالك مدخلان وطريقان مختلفان كل منهما يفسر هذه الظاهرة من زاوية نظر مختلفة .

 

المدخل الأول : وهو المدخل (الثقافي) أو كما يسميه هيبارد بالتفسير (الجوهري) :

يجادل المفكر الأمريكي صامويل هينتنغتون في أطروحته المثيرة للجدل (صدام الحضارات) أن الصراعات السياسية المعاصرة هي في حقيقتها صراعات بين خطوط ثقافية متوازية , ويجد هينتنغتون أن التقارب الديني والثقافي سيؤدي دورًا أكثر فاعلية لتحديد معالم الخلاف والتعاون في العالم.

 إذ ينطلق في ذلك بناءً على المعتقد القائل بأن الذين يعيشون في حقبة زمنية معيّنة ويعيشون تحت ظلال حضارة واحدة, فإنهم عادة ما يخرجون بآراء متشابهة حول طبيعة العلاقة بين الإنسان بربه وبالمجتمع , كما أن التقاليد الدينية , كما يرى هينتنغتون , تشكل أنماطًا متباينة في إمكانية (الاحتواء) والتسامح وقبول التنوع .

ومن هذا المنطلق يجد هينتنغتون أن هنالك ارتباطًا متأصلًا في التقاليد الاسلامية والآسيوية (الهندوسية والكونفوشيوسية) وبين العصبية الطائفية والعلاقات الهرمية .

بينما تأصلت الثقافة الليبرالية , والإيمان بالدستور والحرية في التقليد الغربي (اليهودي/المسيحي) وبناءً عليه فإن هذا الاختلاف ليس حقيقيًا وحسب , بل هو خلاف أساسي وجوهري .

وقد أثرت عقيدة هينتنغتون على أعلى المستويات في مراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة , إذ اعتبرت النخبة الحاكمة أن الحروب التي كان يخوضها جورج بوش هي الحروب القدَرَية التي يجب أن يخوضوها (دفاعًا عن الحرية), فالحرية والديموقراطية في الأدبيات والخطابات السياسية الأمريكية تحديدًا لها مدلولها الخاص, الذي يشير إلى المركزية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة, حتى أن بوش قال في أحد اللقاءات الصحفية متحدثًا عن سبب النزاعات والحروب التي تقع في الشرق الأوسط ما نصه: “تلك الشعوب “تكره” الحرية , ونحن نحبها , وذلك هو سبب وقوع الصدام ” .

إنه ومما يثير التأمل والسخرية معًا على ما يطرحه هينتنغتون, بأن أوجه الشبه في المعتقدات والممارسات الدينية ومساحة الأرض المشتركة بين المسلمين المحافظين وبين اليهود “الحريديم” أو المسيح البروتوستانت, ستجدها أكثر قربًا وانسجامًا منها مع المسلمين الليبراليين أو الحداثيين .

الملاحظة الأخرى أن كثيرًا ممن يستحضر إشكالية العصبيات المذهبية, يغض الطرف تمامًا عن الجذور المادية لهذه الاشكالية المتمثلة بشقها السياسي والاقتصادي , ويقصر مقاربة هذه العصبيات باعتبارها محض ايديولوجيات فاشية .

دون الوضع بالاعتبار التاريخ الطويل للتدخلات الأمريكية, ودون الوضع بالاعتبار أيضًا الدور الذي لعبته الـ CIA في تشكيل ما يسمى “بالجهاديين” والجهاد الأفغاني ابان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية .

 

المدخل الثاني : وهو المدخل “المادي” الذي يميل لإرجاع أسباب الصراع إلى عوامله الاقتصادية :

تتلخص هذه النظرية بالقول أن انبعاث السياسة الدينية الحديثة جاء نتيجة لتعثر سياسة التنمية الاقتصادية , وبالتالي تقوم بعض المجتمعات ببث شكواها باستخدام “لهجة” دينية أو ثقافية, أو بحسب كارل ماركس عندما عبّر عن الدين باعتباره “أنّة كاهن مضطهد” .

يقتبس سكوت مقولة وردت في كتاب (النظر إلى المذاهب الاقتصادية) ما نصه: “تنشأ المذاهب الاقتصادية أو تتضح وضوح الشمس في أوقات الكوارث….ولكن يجري ادراك الكارثة باعتبارها كارثة الهوية بواسطة أولئك الذين يخشون خطر الانقراض كشعب أو الانجراف في خضم ثقافة متشابكة تعمل على تقويض وصهر كافة المعتقدات ركضًا خلف التجانس” .

وباختصار فإن حالات الانبعاث الديني ليست إلا ترجمة لسياسة اقتصادية فاشلة, والعكس صحيح , أي أن تقويض الهويات الدينية فيما يقابل الهويات الوطنية أو القومية رهين بنجاح سياسات الدولة الاقتصادية .

ولكن قد يحلو للبعض أن يقلب هذه الجدلية ويفترض أن الذي سيحدث عندما يهيمن النموذج  الاقتصادي, وعندما تكون كافة القرارات مرتكزة على “الجدوى” الاقتصادية في كافة سلوكيات الدولة, فإنه سيؤدي لتأثير معاكس لهذا الافتراض, إذ تقوم علمنة الحياة في المجتمعات التقليدية وفقا لهذه المقاربة, وتحديدًا عندما تتخذ هذه العلمنة صورة الهجرة الواسعة لمجتمعات الريف إلى مجتمعات المدينة بفعل حركة التنمية الاقتصادية, فإن أبناء هذه المجتمعات وبتصرف عفوي منهم, يستعيضون هذا التدمير المتسارع الذي يلحق ببنيتهم الاجتماعية بالتحصن خلف أكثر صيغ المعتقدات الدينية رجعية وتقليدية, لأنها الصياغة التي تمكنهم من أن يجدوا الملاذ الآمن المستقر الذي لا يتعرض للحركة ولا للتغيير خلافًا للعالم المتقلب المحيط بهم .

 

ومن جانب آخر فإن هنالك مقاربة أخرى تقول بأن حركات التنمية والتحديث الاقتصادية أدت إلى زج أبناء المجتمعات التي باتت مهددة في أرزاقها ,كطبقة أصحاب المهن والحرف اليدوية وبائعي المنتجات المحلية, بعد أن تدمرت إقتصاديًا, وجدت نفسها مُقحمة في معارك سياسية كبرى , كل ذلك كان نتيجة لـ “قطف ثمار التنمية” المتمثلة في دخول المصانع , مما أدى إلى حدوث تناقض شديد بين البُنى الاقتصادية التي تم تشييدها , وبين هذه الفئة من المجتمع التي أصبحت مسحوقة تمامًا .

بعبارة أخرى فإننا يمكن أن نفترض على أن حركة التنمية الاقتصادية تحمل معها بذرة الصياغات الرجعية والمتطرفة للدين , نتيجة للهوة الاقتصادية/الاجتماعية/الثقافية التي ستخلقها بطريقة قهرية .

وعلى نحو مشابه عندما لا تتمكن حركة التنمية من ملاحقة الطموح المتصاعد والمأمول لحملة الشهادات العليا, فيؤدي ذلك إلى ذلك تنامي الشعور لديهم, وفقًا لتعبير ماركس “لايوجد ما يفقدونه إلا الأغلال التي تكبل حريتهم” .

وبالرغم من هذه المبررات ومنطقيتها التي يسوقها المهتمون بعلم الاجتماع السياسي , إلا أن سكوت هيبارد يجدها قاصرة ولا تتمكن من وضع يدها على السبب الفاصل الذي دفع بنجاح كل هذا التحشيد نحو الرابطة الدينية بالذات دون غيرها من الأيديولوجيات ؟؟ فالماركسية وكافاة التيارات اليسارية والتي لها من يروّج إليها, وأن دعايتها السياسية كانت تركز على الجانب المركزي من المشكلة (المشكلة الاقتصادية) فإنها جميعها لم تتمكن من حصد مثل هذا التحشيد .

فإذا كان الموضوع هو موضوع إقتصادي محض, لماذا اتبعت تلك الحشود ايديولوجيات تعبر عن هذه المشكلة بصياغات ملتوية تحت ستارة “المشروع الإلهي” ؟

عدا أن هذا التحليل , بحسب هيبارد, يجعل العامل الاقتصادي مهيمنًا على كل العوامل الأخرى التي تتحكم في الشؤون الانسانية, وهو تضخيم غير مبرر للجانب الاقتصادي ويجعل الصورة قاصرة بشكل مُضلل .

إلا أن هذا لا يعني الاستغناء التام عن المنهج المادي الاقتصادي في تحليل هذه الظاهرة فهو يبين السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي ظهرت فيه حركات الانبعاث الديني .

إذن فإن هناك مسارين يُستخدمان في تحليل ظاهرة الانبعاث الديني , المسار الأول وهو المسار الناظر إلى كونها أحد مفرزات الصراع الثقافي , والمسار الثاني وهو المسار الناظر إليها باعتبارها ترجمة لتعثّر حركة النمو الاقتصادي ومشاريع التنمية .

ونظرًا لقصور كلا المسارين بنظر هيبارد, فإنه يقترح مسارًا متوسطًا بينهما, أطلق عليه (الاتجاه التكاملي), ويجد هذا المسار أن الفاعل الديني – ويا للمفارقة – جزء لا يتجزأ من بناء الحداثة , وإن تجلى بطرق مختلفة : كهنوتية – نبوية – ليبرالية – رجعية …إلخ .

ويرتكز هذا المسار على اعتبار أن لكل من الديني والسياسي مساعٍ متشابهة في الجوهر .

وأن وجود الدين داخل الحقل السياسي لما له من قدرة, وعلى نحوٍ فريد, بتقديس الأجندة السياسية واعتبارها أصيلة من الناحية الثقافية .

 ويمكننا أن نستكشف ذلك بوضوح, عندما نرصد مثلا الأعمال التاريخية في السينما الايرانية التي تستمر في عملية الاسقاط التاريخي على ملفاتها السياسية المعاصرة , من خلال إعادة توظيف قراءة التاريخ لربطه بملفات حاضرة بالعصر الراهن, على سبيل المثال علاقة العرب بالفرس, وابراز الجوانب التي أمكن فيها التعاون بين حامل الأيديولوجيا القومية مع حامل الايديولوجيا الدينية , ويمكن أن نشاهد الاسقاط التاريخي في مسلسل (يوزر سيف) للسنوات العجاف وحسن تدبير يوسف وأصحابه لها , على العقوبات الاقتصادية الأمريكية واجراءات حكومة أحمدي نجاد لتفاديها .. وغيرها من الاسقاطات الفنية التي تصلح أن تكون محل دراسة لوحدها .

فالدين إذن يؤسس لمنح الدفق العاطفي المتجاوز للمنطق للبرامج السياسية المحركة للوجدان الشعبي , إذ يقوم الدين مثلًا بإضفاء العامل الأخلاقي للعملية السياسية المعروف بأنها تستلزم القيام بالعديد من الأعمال المتجاوزة للأخلاق .

ولكن حتى يقوم الدين بفاعليته المطلوبة في الحياة السياسية فإنه يتحتم على السياسي تعزيز ودعم وانتقاء بعض الصياغات الدينية على حساب صياغات أخرى. وهذا على خلاف مع صامويل هينتنغتون عندما يبرر أصل الصراع بأنه صراع بين السرديات الثقافية الكبرى .

 فإن الاتجاه التكاملي يأخذ بالاعتبار التكوين المعقد للدين أكثر من تجانسه , وأن هناك, وعلى خلاف مع التنميط الذي يقوم به هينتنغتون, خلافٌ محموم حول التفسير الصحيح للدين الواحد بين مختلف طوائفه مما يجعل ما يسمى بـ “صراع الحضارات”, إن كان له وجود, فهو صراع يقع داخل التقاليد وليس فيما بينها .

فالافتراض بأن أصحاب الطائفة الواحدة يحملون ذات الهموم السياسية والاقتصادية, افتراض غير صحيح, فالتناقض بين الأهداف الأساسية يقع داخل الطائفة الدينية الواحدة, كالتناقض داخل المدرسة الشيعية حول ولاية الفقيه وكيفية التمهيد لدولة “صاحب الزمان”, أو التناقض الشديد بين طوائف اليهود حول كيفية انتظار “المسيح المخلّص”, وهل أن البقاء تحت حكم الغوييم (الأغيار) أو (الشتات) بحسب الثقافة اليهودية, أو بحسب الثقافة القرآنية (كُتبت عليهم الذلة والمسكنة), هل ينبغي أن يُفهم الشتات على اعتباره حكم تكويني يزول بزوال أسبابه وعلله التكوينية ؟ أم أنه حكم تشريعي لا يجوز نقضه إلا بأمر تشريعي مماثل ؟ .

الأمر الآخر الذي يتعلق بالاتجاه التكاملي هو كيفية معالجتها للحداثة .

فعلى خلاف المقاربات التي استندت لبعض الدراسات التي تؤيد “الارتباط العضوي” بين القيم الاجتماعية وبين مستويات التنمية الاقتصادية (كدراسة القيم العالمية WVS) , فإن سكوت هيبارد يحاول أن يثبت من خلال الحالات التي درسها في كتابه أن الواقع أكثر تشابكًا وتعقيدًا من أن يتم قسره على مقاربات أحادية من التفسير .

فعلى سبيل المثال صحيح أن الدولة الحديثة حلّت بدلًا عن الكنيسة في السلطة المركزية , إلا أن هذا لا يعني بأن هناك انزياحًا مماثلًا قد حدث للسلطة المعنوية والروحية .

وبالتالي ومن حيث أن الدولة بحسب المنظور الذي اقترحه ماكس فيبر على أنها صاحبة الحق فيما يطلق عليه (بالعنف الشرعي) كصفة مُميّزة للدولة , وبأنها صاحبة قوة المركزالذي تسيطر به على مجريات الحياة الاجتماعية , فإنها ومن خلال هذه القوة وهذه المركزية , فإن الوظيفة العملية لمؤسسات الدولة الحديثة تقوم على اختراق المجتمع التقليدي , وإعادة تشكيله باتباع العديد من السياسات الإلزامية والاجرائية. عبر مؤسسات التعليم, والحوكمة البيروقراطية, ووسائل الاعلام التي تعمل على تثبيت المفاهيم الاجتماعية (العلمانية) التي تمثل اتجاه الدولة, بما يُعرف مثلا بالشخصية السويّة سياسيًا (مثلًا يمكن أن نصف الشخصية السوية سياسيا في الولايات المتحدة بأنه من لا يتعامل مع السود بعنصرية , لا يكره اليهود , لا يعارض حرية ممارسة الشذوذ الجنسي بين المثليين لكنه يعارض ممارسة هذه (الحرية) مع الأطفال….وهكذا ) .

ومن نافلة القول أن نشير إلى العلاقة المُعقّدة والخلاف العميق بين المنظرين السياسيين حول ما يُسمى بـ (المجتمع المدني)  إذ يمكن أن نفهم بناءً على هذه المقاربة التي يقدمها هيبارد للدولة الحديثة والدور الجوهري لمؤسساتها, أن طبيعة علاقة الدولة بالمجتمع المدني تتحول إلى علاقة تضاد واصطدام , إذ كلما زادت قوة المجتمع المدني وتفعّل دوره, كلما كان ذلك أدل على فشل مؤسسات الدولة الحديثة من أداء وظيفتها الجوهرية .

إذ أن وظيفة مؤسسات الدولة الحديثة “العلمانية” هي, من حيث الجوهر, وظيفة استبدادية .

ومن جانب آخر فإن النخب الليبرالية عندما يريدون أن يقيسوا مدى نجاح مشروعهم (في صيغته النبيلة المثالية) فإنهم يقيسون مدى نجاح المجتمع في تحييد الدولة من التدخل بشؤونه وحريته, وخصوصا حريته الاقتصادية.

ولذا فإننا لا ندخر جهدًا عندما نريد التحدث عن المشروع الليبرالي بصيغته (النقية) بأنه مشروع غير مكتمل وهو ليس إلا نوع من اليوتوبيا الحالمة, وهذا ما قد أشار إليه بصراحة ووضوح المفكر الاقتصادي الفرنسي (باسكال سالان) في كتابه الليبرالية .

وبالعود على الدين فإن كسب تأييد وولاء ودعم الشعب  هو التحدي الأكبر الذي يواجه النخبة السياسية , ومن هنا يقوم السياسي من خلال توظيفه الأيديولوجي للخطاب الديني بتحويل العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى علاقة متناغمة . إذ تقوم النخبة السياسية بوضع نفسها في سياق المعنى الثقافي للشعب , فمن دون هذا التوظيف وتشكيل هذا التناغم الثقافي بين النخبة السياسية والشعب , فإن الدولة لن تكون إلا كأكثر بقليل من مجرد مؤسسات مهمتها الاجبار والقسر. ولهذا فإن الدولة الحديثة بكافة أشكال أنظمتها قد اتخذت في خطابها لغة دينية شعبية, فالتجربة الاجتماعية الدينية هي التي تؤمّن لغة تاريخية مشتركة, الأمر الذي يضفي شعورًا شعبيًا بالسمو والرفعة والسعي لتحقيق “غرضٍ إلهي” .

ومن ناحية ثانية فإن مفهوم الأمة بحد ذاته لم يكن معروفًا منذ قديم الأزل, إلا أنك ستجد أن العديد من الايديولوجيات قد بُنيت على أساس تقاليد أو أساطير دينية تحمل لغة تفوّقيّة (كمفهوم الشعب المختار ,والمستخلفين في الأرض, وخير أمة, وأرض الميعاد …إلخ) .

وتجد أن الأمر يسري كذلك على الأساطير العِرقية كأساطير القبائل العربية , التي يجدها بعض الباحثين الانثروبولوجيين أنها ليست إلا أحلافًا جيوسياسية عبّرت عن نفسها برابطة أسطورية ترتكز على وحدة الدم البيولوجية , التي هي أوضح وأبسط أشكال الإرتباطات الانسانية , بما يتواءم مع التكوين الثقافي البدائي لتلك الشعوب .

يجد هيبارد أن الأدلجة السياسية عندما ترتكز على الأسطورة الدينية – العرقية سينتج عنها افراز الخصائص التالية :

أ – أن الإيديولوجيا الدينية تقوم بخلق التناغم الاجتماعي وتمييزه عن بقية المجتمعات الأخرى , عبر صياغات أسطورية, مما يعزز الإفتراض الأساسي للطائفية, وهو أن الجماعات التي تعرّف نفسها تحت ديانة معيّنة فإن لها المصالح الإقتصادية/السياسية نفسها, وتنظر للجماعات الأخرى, باعتبارها جماعات معادية ومنافسة وذات مصالح تتناقض مع مصالحها .

إذ أن الأدلجة السياسية تزحزح الجوهر الديني من كونه يسعى إلى منافسة أخروية روحية , إلى أن يتحول الدين إلى مشروع سياسي دنيوي وتتم المنافسة بين أتباع الطوائف على هذا الأساس .

والمشكلة حينما يأخذ هذا الطموح السياسي بالتنامي ليتحول إلى ايديولوجيا عابرة للحدود ومتجاوزة للمجتمع , فتتحول الجماعة الدينية هنا بنظر السياسي إلى جيوش رابضة عابرة للقارات .

ب – أن هذه الأساطير تفترض أنها قادرة على فرز الإرادة الإلهية وفهمها بدقة ويتمثل فرز هذه الارادة إما في البرنامج السياسي, أو قد تصل إلى اعتبار أن هذه الإرادة متمثلة في شخص القائد, ومن هنا فإن القائد السياسي/الديني , يجد لنفسه الرخصة الأخلاقية لكافة أفعاله وقرارته .

ومن هنا نفهم كيف أن دخول اللغة والخطاب الديني ضمن خطاب السلطة أو معارضتها بأن الغرض منه هو أن تعكس السلطة الصورة عن نفسها بأنها تمثل إرادة المجتمع في تحقيق مصلحته العامة وبالتالي فهي تحقق بذلك إرادة الله. وبالمثل عندما تقوم المعارضة باستخدام اللغة الدينية في الصراعات السياسية.

ويمكن أن نقول باختصار أن حضور الخطاب الديني في الصراعات السياسية, هو في حقيقته, معركة تتصارع على ارتداء عباءة الأصالة الثقافية للمجتمع .

أزمة الهوية في المجتمعات الحديثة :

تعتبر مقاربة الفيلسوف والمفكر الانجليزي كارل بوبر التي قدمها في كتابه The open society and it’s Enemies (المجتمع المفتوح وأعداؤه) , هي الإثراء الحقيقي والأصيل في فكر بوبر, وهو بخلاف الخطأ الشائع حول اثراءه الفكري, بأنه المؤسس لمبدأ الدحض والتكذيب المستخدم في الفرضيات العلمية, وهو غير صحيح .

يفترض بوبر في مقاربته حول المجتمع , بأن الحداثة يتم تجاذبها من خلال توتر قائم بين رؤيتين متباينتين, كل منهما يعكس صورة مختلفة لمفهوم الحداثة .

فالاتجاه الأول وهو المتمثل بالمجتمع الليبرالي “المنفتح” بمعنى المجتمع الذي يتسم بتأييد قيم التنوير حول الحرية الفردية, والديموقراطية, ويفترض هذا الطرح أن الفرد في هذا المجتمع قد وصل إلى مرحلة من النضج بحيث أن له القدرة الكافية والأهلية على إعمال النقد الذاتي المنطقي, وبذلك تكون سيادة القانون والمساواة السياسية والقانونية بين الشعب هي الأساس الذي يقوم عليه هذا المجتمع .

ويرى بوبر أن هذا المجتمع هو أعلى مستوى وصلت إليه الحضارة البشرية, ولم ينشأ عمليًا هذا النوع من المجتمعات إلا ضمن الديموقراطيات الغربية .

أما النموذج البديل للمجتمع الحديث , فهو الشكل من الأنظمة التي تجسدت في الأشكال العديدة للأنظمة الشمولية (القومية – العرقية) التي سادت في مطلع القرن العشرين .

وتقوم هذه الرؤية على هيكل سياسي بصيغة عرقية أو قَبَلية وتقوم على منح الأولوية للمجتمع على حساب الفرد .

ولذلك فإن هذه المقاربة تقوم على اعتبار أن مفهوم الحرية هي الحرية المتجسدة في التعبير الذاتي الجمعي (للأمة), وليست هي حرية الاستقلالية الفردية, وخير مثال على ذلك نجده في التجربة النازية بألمانيا التي لم تصل لسدة الحكم لا بالثورة ولا بالانقلاب , بل عن طريق التصويت الديموقراطي عبر حيازة مقاعد الغالبية في البرلمان .

وأيًا كانت الصياغة المتبعة في هذا المجتمع المغلق فإنه, دائمًا, ما يتجه نحو منهج التوحيد القسري للجماعة .

ولا زال السؤال قائمًا ومطروحًا هل تتمكن الأمة ذات الانتماءات المختلطة من تحقيق الوصول لعمل سياسي مشترك ؟!

هل سيتفوق دائمًا الانتماء الأصلي العرقي أو الديني على الانتماء المدني اللا قومي ؟![2]

هل تتمكن أي دولة من تحقيق تنوع سياسي قائم على أساس الدين والعرق ؟!

أم أن هناك ضرورة واقعية تواجهها الدولة لتمييز ثقافة دون غيرها , وتقوم بإبراز تفوق هذه الثقافة على عداها من الثقافات ؟!

وفيما يرتبط بالحضور الديني في هذا الشكل من المجتمعات ووفقًا لهاتين الرؤيتين للمجتمع الحديث , فإن طبيعة الحضور الديني فيما سماه بوبر (بالمجتمع المفتوح) يرتكز غالبًا على تلك الصياغة من الدين التي تقول بنسبية الفهم للكتاب المقدس, وتبدي تشككًا دائمًا من قدرتها على تمثيل الإرادة الإلهية, وغالبًا ما ينظر هذا “التدين الليبرالي” لما ورد في الكتاب المقدس على أنها صياغات مجازية أكثر من كونها حقائق حرفية .

وبالتالي فهو غالبًا ما يجد الكتاب المقدس على أنه كتاب يمكن أن يتغيّر تأويله باستمرار بما يتوافق مع العصر ولحظته الزمنية , ولذلك وفي ظل غياب الفهم المطلق للحقيقة, فإن الأولوية تكون دائمًا ما تعوّل على ضمير الفرد بعيدًا عما ورد في نصوص الأديان كحقائق مطلقة .

أما الحضور الديني في المجتمع الحديث المغلق , فإنه غالبًا ما يطغى عليه حضور الصياغة الحرفية والصارمة في تفسير النص .

وغالبًا ما يُستخدم هذا التفسير الوحيد والقسري للدين لوسم المعارضة بالضلال أو الانحراف أو النفاق وقد ينتهي بإلقاء الاتهام لها بالردة (التدهور الإيماني) مما يعني أنها غير مؤهلة لتمثيل المجتمع الذي يسعى لتحقيق الارادة الإلهية بالطريق السوي والمستقيم .

وإن أكثر الجدليات حضورًا في مثل هذا النوع من المجتمعات هي تلك الجدلية التي تنطلق حول (مشروعية) تلك الحجة التي تطالب بحقوق الأقليّات , أمام استئثار الأغلبية لنفسها بكافة الامتيازات .

وأن السبب وراء تفرّخ هذه الاشكالية , هو أن دول ما بعد الحقبة الاستعمارية قد وجدت نفسها في وضع لا تتفق فيه حدودها القومية مع تركيبتها الديموغرافية .

فمن جانب فإن الدولة ذات هيكل إداري وسياسي حديث وعلماني , ومن جانب آخر فإن هذا الشكل من النظام المتوحد ظاهريًا لم يقم بمعالجة الانقسامات الاثنية أو الطائفية داخل هذا الكيان الموحّد, وبالتالي انبثقت هنا اشكالية مفهوم الأمة , هل ينبغي أن تُعرف الأمة بتعريف ديني – عرقي ؟ أم بتعريف علماني وطني؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


[1] ويقصد تحديدًا بالرجعية تلك الصيغة من التدين التي تلتزم بحرفية التفسير النصي للكتب المقدسة , وأن كل ما جاء في النصوص المقدسة يجب أن يتم  التعامل معه كحقائق حرفية مطلقة لا تقبل التأويل ولا النقاش .

[2] بالامكان مراجعة الدراسة التي قدمها الباحث علي راتانسي (مقدمة قصيرة جدا:التعددية الثقافية) حول مأزق التجربة الفرنسية في مشروعها الاجتماعي  الذي يتأرجح تارة نحو التعددية الثقافية وتارة نحو خطاب الهوية ولم تتمكن أي صياغة حتى الآن من الجمع بينهما .

المصدر: http://hekmah.org/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A...

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك