النّساء والكتابة الإلكترونيَّة

هاجر خنفير

 

لا مُشاحة أنَّ البحث في إشكاليّة النّساء والكتابة في المجتمعات العربيّة هو بحث متعلق بمجالي المهمَّش الاجتماعيّ والمهمَّش الإبداعيّ. ففي النّظام الاجتماعي المحافظ على آليات النمذجة  المنتجة للأدوار النمطية لم تتخلّص النّساء من الأدوار الَّتي تجعلهنّ موضوعا للهيمنة، بل إنّهنَّ يقفن في أعلى مراتب المهمَّش لتقاس بأوضاعهنَّ درجة تماسك أبنية التَّمييز نحو مزيد تعزيز المركزيّة الذُّكوريّة. أمَّا الكتابة فقد شكَّلت جهازا تمثيليًّا لرموز لا تنتج المعنى إلاّ متى استنطقناها أو هي الصُّورة  الورقية للذَّاكرة البشريّة الَّتي كانت المصدر المباشر للثَّقافة الشَّفويَّة القائمة على جدلية القول / السَّمع. ولا شكّ أنَّ تغير حوامل الذّاكرة وآلياتها يؤثّر إلى حدّ كبير في تحديد قيمة الخطاب المنتج وقوَّته. فالوعي بالمنطوق أرسخ في الذَّاكرة البشريّة ممَّا هو مكتوب لذلك غلب على السّمع أن يكون مقترنا بالطَّاعة في تراثنا الثَّقافيّ، علاوة على أنَّ الملفوظ الشَّفوي هو تمثّل مباشر للمعنى المفكّر فيه بينما تعدّ الكتابة مجرَّد قوالب لتمثّل الملفوظ ينطبق عليها وصف الجاحظ للألفاظ بما خدم للمعاني وقوالب لها. لذلك كلّه هُمشت الكتابة بما هي علامات مرئيّة تنقل المعنى ولكن تخاتله في الآن نفسه بانفصالها عن وعي كاتبها وصوته زمانيّا ومكانيّا وتعريضها الكلام وصاحب الكلام  إلى الصَّمت والأثر والغياب واللّعب والمقاومة كما أبانت عنه الدّراسات التَّفكيكيَّة عامة وبحوث دريدا في علم الكتابة أو القراماتولوجيا خاصَّة.

ولئن سعت النّساء إلى اللّعب على ما تمنحه الكتابة من مساحة تعبير مشوبة بالصَّمت ومحققة للغياب والحريّة من سطوة وصاية الوعي الذُّكوري سواء المنتج أو المتلقي فإنّهنَّ كنَّ عرضة لضربين من العنف:

ـ عنف لغة الكتابة “الَّتي تحدّد مسبقا موقع المرأة ووظائفها داخل المجتمع أي أنّه قبل وضع القوانين الَّتي تسعف الرَّجل على تدجين وفرض الوصاية على الأنثى هناك سلطة اللُّغة المستعملة الَّتي حدَّدت هذا التَّصوُّر وسهَّلت هذه المهمَّة على الرَّجل. “[1]

ـ عنف آليات الجندرة الّتي لا تغفل عن تنميط واختزال الكتابة ضمن نظام الفوارق بين الهويات الجندريّة ،فإمّا أن تجعلها كتابة منحولة تصم صاحبتها بالسَّرقة أو بانتحال الصّفة في تثبيت لمقولة قصور الأنثى عن الإبداع أو أنّها تصنفها ضمن مستوى ثان من الكتابة عبر توصيفها  بالنّسائيَّة فتفرغها من طاقتها الجماليَّة والشّعوريَّة والتّخييليَّة وهي تخضعها لمعايير الجندرة الاجتماعيّة وتصير بذلك الكتابة إعادة تمثل  للاختلاف المؤدي للتّمييز دون حقّ الانفتاح على ما بعد تلك الحدود أو على ما وراء الهويات المفقرة للذَّاتيات.

وبناء على هذين العاملين المكرّسين للعنف والمفعّلين للقوامة الإبداعيَّة ظلَّت كتابات النّساء رهن أحكام المؤسَّسة الأدبيَّة الّتي تثبت المواقع والأدوار وترسّخ التَّمييز وإن كانت  مغلوفة بقراءات نقديَّة فنّيَّة تتَّخذ مطايا لإسناد الشَّرعيَّة أو لسحبها منها، فالمهمُّ هو اختبار التَّثبت في النّسب وتأكيد الحضور الذُّكوريّ في عمليّة الإنتاج لأنّ المسطور في تراثنا الثَّقافيّ لم يقف لغويًّا فقط عند الإحالة على دلالة السّيطرة بل إنّه اتّصل بذلك المسيطر المانح شرعيّة الكتابة، فهو الّذي يأذن للكاتب بأن يكتب ويطرح المعنى الَّذي سيصير المؤلّف مركزه وحينها يصير الكاتب هو “المدوّن أو النَّاسخ[2]  على حدّ تعبير أدونيس. لذلك تلاحقت المحاكمات الّتي طالت الكتابة النّسائيَّة (أحلام مستغانمي، ومن قبلها وردة اليازجي..) إمّا طعنا في هويّة المؤلّف أو القيمة الأدبيّة للمنتوج. وكان الخوف من أن تكون الكتابة وسيط  إفلات من نظام الفوارق بين الجنسين وتسلّل إلى الحياة العامَّة مادام الكتاب موضوع المحاكمة لم يبحث له عن سلطة يستند إليها فـ” الكتاب يؤول في النّهاية إلى مكتبة السُّلطة”[3]. ، ولعلّ ذلك ما دفع بعض الكاتبات إلى الاختفاء وراء هويّات مستعارة أو أنَّهنَّ كتبن ضمن أنساق الكتابة الذُّكوريَّة كبنت الشَّاطئ مثلا أو باحثة البادية. وإن فعل التَّهميش الَّذي سُلّط على كتابة النّساء لا يعني اللاَّمبالاة بقدر ما هو إحكام آليات المراقبة الَّتي لم تشهدها أنماط أخرى من امتلاكهنَّ أدوات المعرفة، فلقد سعت مؤسَّسة التَّدوين الذُّكوريَّة بامتياز إلى التَّعتيم والسُّكوت أو التَّبخيس من شأن المجالس الأدبيَّة النّسائيَّة في ثقافة الحجاز، لكنّها لم تفلح في طمس ما حظيت به صاحبات المجالس من ذيوع صيتهنَّ الأدبيّ واستحسان ثقافتهنَّ الموسوعيَّة[4]  وإن وصمها بعض النُّقاد المعاصرين بأنَّها من مظاهر تاريخ ثقافة العار[5] ، وتبعا لمظاهر الاختلاف بين وضع الملفوظ والمكتوب النّسائيين يتبيَّن لنا أنّ خوف مؤسَّسات الثَّقافة  الرَّسميَّة من النّساء الكاتبات وليد نفوذ الوسيط المستعمل في نقل المعرفة رغم تعريضه لاستراتيجيات تهميش مختلفة  فتأثير صاحبات المجالس في الحاضرين خطير، ولكنّه ظرفيٌّ  مقيَّد بزمن التَّلفظ ومقامه فالصَّوت والصُّورة وكلّ مكوّنات المجلس تفعل فعلها ما بين لحظة ابتدائه وإنهائه ثمَّ يتلاشى تدريجيَّا بعدهما بينما هو  تأثير أخطر عند اعتمادهنَّ على الكتابة لاستمرار فاعليتها عبر الزَّمن، ولو أنّ شهرزاد مثلا كانت كتبت حكاياتها لشهريار واضطرَّت بذلك إلى التَّخلي عن حيلة الإرجاء الدَّافعة إلى الشَّوق والفتنة أثناء الرواية لكان مصيرها القتل حتما ولكنّ مصيرَ استمرارها تاريخيًّا كمؤلّفة  لليالي كان مؤكّدا [6] ولكانت لليالي قيمة أدبيّة فنيَّة ثابتة تسبق احتفاء الثَّقافة الغربية بها أو اشتغال سهير القلماوي عليها في أوَّل مبادرة تناول علميّ أكاديميّ سنة 1941. لأنَّ قيمة النَّص ليست في متنه فحسبب بل في مؤلّفه وحامله التّقني أيضا .

ولئن قاوم هذا الحامل الورقي (كتاب/ صحيفة / مجلَّة).. كلّ أصناف الرَّقابة والتَّضييق الأدبي الَّتي سعت إلى الحدّ من نجاعته في نقل أفكار النّساء ومواقفهنَّ وتعطيل مفعول لازمنيته المربكة لصرامة أحكام وقوانين المؤسَّسة الأدبيَّة  التّقليديَّة في المجتمعات الانضباطيَّة إجمالا، فإنّه منذ العقد الأخير من القرن العشرين بات كوسيط فكر محدود الأهميَّة نظرا إلى شروع المجتمعات العربيَّة في تمثُّل خصائص مجتمعات المعلومة الغربيّة ولو في بعدها التّقنيّ. فمؤسَّسة المعرفة الجديدة الموسومة بـ(2.0) تقوم على اقتصاد المعلومة بشكل يخلخل مكوّنات المؤسّسة التَّقليديَّة (1.0) إذ تغيّرت حوامل المعرفة وتعدّدت بفعل الثَّورة الرَّقميَّة وصار عمال المعرفة travailleurs du savoir  يسهرون على إنتاجها وتقاسمها في تفاعل لا يمنح المعلومة الحياة فحسب بل طاقة نمو وحركيَّة دائبة، ولكن لم يواكب التّطور التكنولوجي تطوّر النّظام الثَّقافي إذ ظلَّ احتفاؤنا بالكتاب والكاتب أشدَّ وأصدق من احتفالنا بالمدوَّن الرَّقمي كما ظل اهتمامنا بهويّة الكاتب أسبق على شوقنا للمعرفة. ويمكن القول إنّنا نشهد حالة تحوُّل هجين مشوَّه نحو نظام المؤسّسة الرَّشيقة Entreprise Agile السَّاعية إلى العمل على التَّكيُّف مع المتغيّرات المعلوماتيَّة الجديدة وتضخيم رأسمال المعرفة، ولكن بعقول مؤسّسة إنتاج المعرفة التّقليديَّة المحافظة على مبدأ الرأسمال الرَّمزي أي ذاك الَّذي يعتبر الكاتب أو منتج المعرفة مركز العمليَّة المعرفيَّة ونجمها بينما يتّخذ الآخر المتلقي موقع مستهلك المعرفة. ويتجلّى عسر انقطاع الحبل السُّري الَّذي يشدُّ الكتابة الجديدة إلى رحم مؤسَّسة المعرفة التّقليديَّة وقوانينها من خلال معاينة وضع الكتابة الإلكترونيَّة النّسائيَّة، إذ ما تزال محكومة بعدم الاعتراف أو التَّقدير خاصَّة وأنَّ التَّنشئة الثَّقافيَّة ما انفكَّت عن ترسيخ اعتقاد أنَّ الأنثى تفتقر إلى شروط الفاعل في مجال التّقني السيبرنيطيقي وهو افتقار أنطولوجيٌ يفرض عليها الوقوف على هامش عالم التكنولوجيا. غير أنَّنا لا نعدم بوادر خلاص الوسيط الرّقمي من هذه الهيمنة العقليّة القضيبيَّة بفضل ظهور مواقع إلكترونيَّة فتحَت فضاءها للكتابة انطلاقا من أهداف تنويريَّة تقاوم أبنية التَّمييز والإقصاء وتنشد تمكين الكاتب والمتلقي من التَّفاعل المعرفيّ في كنف الحريَّة المسؤولة وهو مخاض صعب يعيشه المشهد الثَّقافي في مجتمعات لم تتمكن من الانتقال الفعليّ إلى طور الحداثة.

موقع الأوان: المعرفة من  وضع القوامة إلى حدث القيامة

ينطبق توصيف الحالة الَّتي تمرّ بها المعرفة الإلكترونيّة على موقع الأوان الَّذي جَعل التّفكير الحرّ المستقلّ والمعرفةَ النّقديّة هدفه الأوَّل ولكنّه ضبطها بمساحة الهامش أي ذلك الحيز الَّذي يعلن حدوده وسط الفضاء الثّقافيّ العام إنّه يحايثه أو يساكنه ويطمئنه ظاهرا بأنّه يستنسخ صورة الصَّالونات الأدبيّة بما أنّه مجعول لـ: “ربط الصّلة بين الطَّاقات الفكريَّة والأدبيَّة والفنيَّة في العالم العربيّ بتوفير فضاء التقاء وتبادل وحوار”،  إلاَّ أنَّه يشهد من الدَّاخل حركيّة واستفزازا للثَّوابت والأنساق الثّقافيّة المحنّطة وفزّا عنها قد لا يُلمح أو لا يسمع في خضم كثافة وضجيج المنتج الإلكترونيّ. ذلك ما يشهد به وضع مدوّنة الأوان النّسائيَّة فلئن كانت محدودة مقارنة بضخامة المدونة الرجاليّة[7]  فإنّ مجرد وجود النّساء بين دفات “الأوان ” يعد في حدّ ذاته خرقا للهامش المغلق في المجتمع إذ يمكنهنَّ الوسيط الرّقمي من الخوض في شتَّى “الموضوعات دون تقيد بمعايير الهويّة” كما أكدّت باتلر فلم يكن همُّهنَّ الوحيد هو السيرة الذَّاتيّة والاعترافات والشَّهادات المردّدة لآلامهنَّ وتجاربهنَّ كما هو الغالب على الكتابة النسائيّة الورقيَّة  بل هنَّ منفتحات على قضايا الشَّأن السّياسيّ والفلسفيّ والعلميّ.. أو باختصار قضايا الرَّاهن الَّتي كانت حكرا على فئات النّخبة المثقّفة من الرّجال وقد أحصينا 24 مقالا من جملة 34 تجاوزت فيها الكاتبات مأزق النَّرجسيَّة والثَّرثرة الَّذي يعدُّ من سمات الكتابة النسويَّة[8] ،  وشرعنَّ في تحقيق مواطنة رقميّة داخل عالم المعرفة عبر التَّفاعل والمشاركة في “لعب ورقة العصر أي عدم فقدان دقيقة واحدة في التَّحسُّر على كلّ ما لا نملكه”[9] والتَّفكير في إعادة توزيع الأوراق حتّى  يكنّ ذواتِِ فاعليّة في بناء رؤى وتصوّرات جديدة عن المجتمع والعالم قابلة للتَّحسين والتَّغيير فيتحقّق بذلك وجودهنَّ الفاعل في مجتمعع المعلومات ويحسب لهنّ إسهامهنّ في رأسمال المعرفة.

وليس ذلك من باب الشَّطط في التَّفاؤل فأثر التَّوزيعة الجديدة الَّتي تقع داخل موقع الأوان باد من خلال اهتمام الُكُتاب الرّجال بقضايا الجندر والجنسانيّة وتفكيك أساطير الذُّكورة المتخيلة وليست هي بالمشاغل الجديدة في تاريخ الكتابة عن النّساء بل إنّ المقاربات المعتمدة والأهداف الَّتي ترسم مسارات القراءات الرّجاليَّة تستبطنّ فعل تعرية موجعة وصادمة للبنى الرمزيَّة العميقة الَّتي تقوم عليها المركزيَّة العقليَّة القضيبيَّة. بل إنّنا لا نغالي إن اعتبرنا ذلك من علامات السَّعيّ نحو القطع مع الهويّات الجاهزة  الَّتي تنتظم داخلها الذَّوات الكاتبة خارج  عالم الأوان. وليست هي حالة انفصام بقدر ما هو عمل على ضمان شروط البقاء في مجتمع الغد أو مجتمع المعرفة الّتي يصبح فيها الجميع على اختلاف هوياتهم أعوانا داخل النسق الرقمي. بل إننا إزاء تحول نحو اللاهوية إذ تفقد الذات الكاتبة في فضاء الأوان مركزيّتها، وقد اعتمد محرّك البحث داخل الموقع على الموضوعات عوض أسماء الكتاب، وإنّنا أثناء البحث نكون إزاء حزمة مقالات تتقاطع مواضيعها وتحتك فيها أسماء الرّجال بالنّساء دون فصل أجناسي وجنسي ودون عقد المراتبيّة الّتي تقتضي ضبط إبداعات النّساء في شكل ملحق أو هامش لقائمة عناوين الرّجال. وبذلك تتشكل سياسة جديدة لأجساد الأوان تنسف سياسة الأجساد في الواقع فجسم نصّ الكاتبة يحاذي أجسام نصوص الرّجال دون قلق أو حرج أي منهما ممَّا يحقّق تلك الرَّغبة المستمرَّة في التَّعايش غير المستكن  بفضل استمرار سؤال المثابرة والنّضال في مواكبة متغيّرات هذا العالم الجديد عالم المعرفة الرقميّة. وبالوقوف على ملامح هذا الوضع الّذي تحتلّه الكتابة النّسائيَّة الإلكترونيّة في موقع الأوان تتبيّن لنا علامات انقلاب شمولي لوضع المعرفة في الثّقافة العربيَّة تناسب ذاك التّفسير السَّاخر لأحد المثقّفين في بلادنا وقد تكشف عن سكونيّة أفكاره إذ سأله أحد أصدقائه في صفحة الفايسبوك: ما معنى اسم الأوان؟ فأجابه ضاحكا يعني “قامت القيامة”. ولكنّه أصاب بوصفه ذاك إذ أنّ ما يحصل في هذا الموقع هو تحوّل من القوامة المعرفيّة إلى علامات القيامة الّتي تختلط فيها الأوراق وتتحطَّم فيها معايير مجتمعات المعرفة التقليديَّة بشروع النّساء في تحقيق فكرة ذات طبيعة انفجاريّة تتمثّل في تحطيم الهندسة الجندريّة الَّتي انتظمت على أساس قانون التّمييز ومنه الفصل بين الجنسين اجتماعيًّا ومعرفيًّا.

غير أنّ ما يبطئ مسار هذه القيامة المعرفيَّة هو أنّ الكاتب الرَّقمي في الأوان لم يتطوّر بعد إلى مستوى المنتج لمعرفة تفاعليَّة حقيقيَّة ويعود ذلك إلى عدم إلمامه بأدوات الميديولوجيا الَّتي تمكنه من استغلال فنون الصَّوت والصَّورة لإحداث حيويّة على عالم الرّموز الطباعيّة . فلم تبلغ نصوص الأوان النسائيّة منها والرجاليَّة مستوى النّص التَّشعبي hypertexte  أي ذاك النّص المتمطط  œuvre élastique الَّذي يمنح القارئ فرصة اتّخاذ دور فاعل في عمليّة الإنتاج  لا تقف عند حدود التّعليقات أو الاستنساخ وهذا القصور يشمل جل المواقع الفكريّة العربيَّة  الّتي تبدو مشدودة إلى صورة عالم  الثّقافة النّخبوي المغلق حتّى أنّها لا تأبه لتلك التّعليقات وقلما تكلّف نفسها عناء الرّد. علاوة على ذلك فإنّ عائق  الجهل بمفهومه العصري أي بما هو عدم انتشار الثّقافة التكنولوجيّة في شتَّى ربوع العالم العربي يضعنا أمام محدوديَّة أثر الجهد المعرفيّ المبذول في موقع الأوان وغيره فكيف للمرأة الريفيَّة مثلا من التَّواصل والاستفادة من هذا النّتاج الثَّقافيّ وكيف للمعدمين ماديًّا من التَّموقع في هذا النَّسق الرقمي؟ ألسنا إزاء نخبويَّة جديدة وحدود افتراضيّة توزّع المجتمع إلى أهل المعرفة الافتراضيّة وإنن اتّسعت حلقتها وامتدّت، وفقراء المعرفة الَّذين تجري دونهم دورة الحياة الافتراضيّة فإذا هم مختزلون في مجرّد قضية كما كانن شأن الّنساء في فكر النَّهضة؟ أليس النَّجاح في تحقيق أهداف الأوان وغيره من المواقع التنويريَّة مرتهنا إلى الأرضيَّة التَّعليميَّةة الَّتي تنشأ فيها هذه الطَّاقات المعول عليها في توسيع حدود الهامش الفكريّ؟

 

****************

[1] ـ رشيدة بنمسعود: المرأة والكتابة”، ص86، المغرب، أفريقيا الشرق، 2002.

[2] ـ أدونيس: الثابت والمتحول، بحث في الإتباع والإبداع عند العرب. ج3: صدمة الحداثة، دار العودة، بيروت، ط4/1983، ج3، ص: 233.

[3] ـ عبد الفتاح كيليطو : الحكاية والتأويل، دراسات في السرد العربي. ، دار توبقال، المغرب، ط2/1999، ص: 74.

[4]- يمكن العودة إلى الحراثي هاجر: المجالس الأدبية النسائية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث هجري، دار الوراق، سلطنة عمان 2017.

[5] ـ إبراهيم عبد الله: تاريخ العار، مجلة الرياض، أبريل، 2007، العدد14164.

[6] ـ صُنفت الليالي ضمن كتب الأكاذيب الصرفة  ـ كما كان شأن محمد عبدهـ وذلك لعدم مطابقتها الواقع ولكن كتابا  مثل “رسالة الغفران” نال اهتمام وعناية النقاد ولم يقع تحت طائلة تلك الأحكام الأخلاقوية رغم منابع التخييل التي كسرت قوانين العالم المألوف ورغم تصريح صاحبها بأن المنجز القولي يشبه في لغته ومكونات صوره وبناء عوالمه ما يدور في عالم الأحلام.

[7] ـ أحصينا 34 مقالا نسائيا من جملة 645 مقالا ما بين سنتي 2016 و2013 وكانت المواضيع متنوعة. بينما بلغ عدد مقالات الكتاب الرجال في الشأن النسوي 344 مقالا. وبالتالي يكون معدل حضور الأنثى كذات كاتبة أو موضوع كتابة و في هذه العينة التي اخترناها ما يناهز 5 بالمائة وهو معدل كتابة الرجال عن النساء فقط.. ويتفق ذلك مع ما صرحت به الأستاذة رجاء بن سلامة في كلمة الأوان سنة 2013: ” كلّ إناء بما فيه يرشح، والإناء هنا هو مجتمعاتنا العربيّة ومشاهدنا الثّقافيّة. والأوان، رغم حلم مؤسّسيه وفريقه بإحلال المساواة بين الرّجال والنّساء، وعملهم على استقطاب كاتبات وأديبات ومعلّقات وقارئات، وعملهم على أن يكون التّأنيث بارزا إلى جانب التّذكير في كلّ العناوين القارّة في الموقع، خلافا لما هو سائد في المنابر التي تستعمل لغة الضّاد، فإنّه يبقى إلى الآن غير مختلف عن الصّورة التي يعكسها “الإناء الكبير”. http://alawan.org/2013/12/08/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%a7%d9%86-%d9%85%d9%86-%d9%88%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d9%86%d8%b8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%af%d8%b1/

[8]ـ تبين رشيدة بنمسعود في نهاية دراستها عن “المرأة والكتابة” شرعية الحديث عن كتابة نسائية لها سماتها من تكثيف للوظيفة التعبيرية ورغبة في إثبات الذات عبر المقاومة  لمظاهر الغبن والقهر الاجتماعيين غير أنها مقاومة غير مضمونة العواقب قد تنتهي بالفشل واليأس.

[9] ـ فاطمة المرنيسي: شهرزاد ليست مغربية، ص36 ، الدار البيضاء، نشر الفنك،ط 2، 2003.

الأكثر مشاركة في الفيس بوك