الإسلام وثنائية القـوة والحـوار متلازمة العنف واللاعنف

الإسلام وثنائية القـوة والحـوار متلازمة العنف واللاعنف

صالح الطائـــي

تمهيد: مع تشخيص وجود التناقض الكبير بين منهجي القوة والحوار لا يخفى أنهما يلتقيان ويعاضد أحدهم الآخر في نقاط تماس متعددة، فكما أن القوة ممكن أن تنقض الجهد الحواري

يمكنها كذلك أن تدعمه وتساهم في تنضيجه بل وإنجاحه. وقد درسنا في دورة تحليل الصراعات أن الميسرين يلجأ ون إلى القوة في مراحل معينة من المباحثات لإجبار أحد الأطراف المعاندين على القبول. ولذا نجد هنالك من أعطى للقوة والحوار أو العنف واللاعنف قوة إكراه وضغط وهناك بين المفكرين من اعتبر اللاعنف نوعا من القسر والإكراه من خلال مقاربته مع العنف نفسه حيث ادعى (رينهولد نايبوهر): إن العنف واللاعنف كلاهما يستندان إلى شكل أخلاقي واحد وان الاختلافات بينهما نسبية وليست جوهرية ولذلك قال: العنف واللاعنف كلاهما شكل من إشكال الإكراه.1
الإسلام فكرا وعقيدة أدرك هذه المعادلة وعرف تأثير هذا التوازن ولذا تراه يستند إلى القوة كما يستند إلى الحوار في عملية التبديل بحرفية قل نظيرها. ومن عظمة الإسلام أنه قنن ووضع مواقيت وشروط لكل من القوة وللحوار ولم يجعل أمرهما سائبا. فهو بما معروف عنه من التنوع المعرفي الشامل يستحيل أن يقصر جهده على نمط واحد كما يريد تصويره المفكرون الذين لديهم دوافع عدوانية تدفعهم لإبداء مثل هذه الآراء.
هذا التقنين ساهم أيضا في توسيع المساحة الخلافية بين المسلمين في رأيهم ورؤاهم فيما يخص حدود القوة ومواقيتها ودواعي اللاعنف ومواقيته مما خلق منطقة فراغ كبيرة استغلها المتعصبون بعد عصر البعثة مباشرة في تطويع النص لخدمة خطهم. وقد تنبه بعض الصحابة لهذا السعي والخلط المتعمد وعابوه ومنهم عبد الله بن عمر الذي رأى الخوارج يكفرون الآخر استنادا إلى نصوص من القرآن الكريم فقال: (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين)2
وما يجب أن نثق به حقيقة هو أن الإسلام لم يدع لاستخدام القوة عصبية أو انتقاما أو عدوانا أو عبثية وإنما لدفع الظلم أو منع وقوعه، وهو ما يمكن أن نطلق عليه تسمية (القوة الهادفة) التي هي عكس القوة الاعتباطية العبثية المشبعة بالروح العدوانية، لأن الإسلام شرع القوة للضرورات. ندرك ذلك من خلال المباديء والأسس التي قيد بها إباحة استخدام القوة وهذه المباديء جاءت بخطين الأول رسم صورة حقيقية وواقعية لمفهوم القوة الهادفة يوم قيدها بتعاليم مشددة منها تحريم قتل غير المحارب أو المدنيين العزل وتجويعهم. وتحريم تخريب العمار والزرع والشجر وتحريم المثلة بالقتلى والإجهاز على الجرحى وقتل الأسرى. ونهى عن المغالاة في القتل إذا كف العدو. وحرم المضي في الحرب إذا طلب الخصم الصلح. كما حرم مبادئة الخصم بالحرب، وأخيرا وضع قاعدة (السلم قاعدة والحرب ضرورة)
والثاني اعتمد على إشاعة مباديء السلام والتعايش الإنساني والتعامل الحسن والحوار الهادف وقد جاء هذا الخط بشعبتين الأولى ترجمها النبي عمليا من خلال تعامله مع المخالف ومنها على سبيل المثال ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (مرت بنا جنازة فقام النبي وقمنا فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي!! فقال: أو ليست نفسا) والثانية ترجمتها الآيات القرآنية التي أمرت المسلم بالتعايش مع الآخر ما دام طالب سلم ولا يبغي العدوان (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) ومثلها قوله تعالى (0فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) كما أمرت الشريعة المسلم أن يدعو إلى الله بالكلمة الحسنة لا بالسيف والإكراه (0 وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ) وقد جاء الأمر مشددا في قوله تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)
السؤال الذي يطرح نفسه الآن وهو سؤال على قدر كبير من الأهمية والموضوعية: هل أدرك المسلمون قيمة هذه الموازنة وعملوا بهداها أم أنهم تجاوزوها مع ما تجاوزوه من تشريعات وموازنات ومقاييس ومعادلات موضوعية؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا البحث.

المبحث الأول: العنف والقوة في الإسلام
يتبين من آيات وأحاديث كثيرة أن الإسلام يحب القوة ويحب المؤمن القوي، ولكن حتما ليس المقصود بذلك قوة العنف بل (القوة الهادفة) القائمة على العدل والانفتاح والدعوة لله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. والفكر الإسلامي يرى أن للقوة روحا متى ما فصلت عنها تتحول إلى فعل عنفي وسلوك همجي لا يتواءم مع روح الإسلام التسامحية.
والقوة في الإسلام قسمان قوة روحية تنبع من روح الشريعة تدفع الإنسان للتحرك ضمن منظور العقيدة وحدود الشريعة بمعنى أنها ركيزة مجتمعية وعقائدية تهدف للتغيير . وقوة مادية تنبع من الطباع البشرية ذاتها وما يخالطها من موروث عن الهجوم والدفاع والافتراسية والتوحش. وهي التي يسعى النوع الأول لتخليص المسلم منها.
هذا التقسيم يضعنا أمام حقيقة لا تخفى وهي حقيقة منهجية الإسلام للقوة بكثير من الموضوعية حيث استند إلى كسب قوة الفكر الإنساني واستخدامها في السلم والحرب لهداية الناس لا قوة العضلات لقتلهم وابادتهم.
وقد تنبه المفكرون المسلمون لهذه الجنبة وهذا التحديد فحاولوا من جانبهم إشاعة فهم صحيح للقوة بعد أن تداخل مفهومها مع مفاهيم أخرى فغدت تشمل الجانبين الفكري والمادي وذلك للخروج من معناها الجسدي إلى معناها الروحي المطلوب في أصل الشريعة3
وفي العودة إلى منطقة الفراغ التي اشرنا لها في التمهيد نجد أن القوى التي تحركت داخلها وقعت في اضطراب حقيقي بعد أن فسرت النصوص وفق هواها ورؤاها السياسية والفئوية وليس الدينية وتصدير المفاهيم التي رشحت عن هذا الصراع إلى المناطق الأخرى على أنها ما يقصده الإسلام.
يعني هذا أن فهمنا نحن المسلمين للقوة يختلف كما يختلف في الأحكام والتشريعات والتفرعات الدينية الأخرى. ويعني أن مفاهيم القوة تحولت إلى قضية صراع أيضا حيث هناك من يرى أن القوة بالسيف وحده، ويراها آخر أنها بالعقل وحده، كما يراها طرف ثالث أنها بالعقل والسيف سوية ولكن بمساحات مختلفة تزيد فيها مساحة العقل على مساحة السيف كثيرا ولكل منهما وقته وشروطه وزمانه وآلياته ومناهجه وضروراته. وهذا هو موقف الوسطية والاعتدال الإسلاميين. فخلال عصر البعثة كان المسلمون يحدون سنان الغضب المنضبط وليس السيوف وهو ما أشار إليه الإمام علي بقوله (من أحد سنان الغضب لله قوي على قتل أشداء الباطل)4
على العموم يفهم من النصوص أن لقوة السيف حدودا لا يجوز ولا يمكن تجاوزها وهذه الحدود تمثل حيزا صغيرا من مساحة التشريع الإسلامي كما يتبين من منظومة الحديث النبوي. كما أن حديث الإمام علي بن أبي طالب (... وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق وأفضل من ذلك كلمة عدل عند جائر) 5 وحديث الإمام جعفر الصادق (من مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى الله ووعظه وخوفه كان له مثل اجر الثقلين " الجن والإنس" ومثل أعمالهم) 6 أن يكونا ترجمة حقيقية لمنطق قوة فالإمام ينقل لنا حديثا نبويا يقول "من مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى الله ووعظه وخوفه" لا من ثار على سلطان جائر فجرد عليه سيفه وقتله.

فهم القوة:
إذا نحن أمام معضلة إيجاد فهم جديد لمصطلح القوة في الإسلام ليس عن طريق الخروج على النص المقدس طبعا بل من خلال إعادة تفسير ما بين أيدينا من نصوص بما يتلاءم مع التطور العلمي العالمي وتنامي مراكز قواه الشرسة لئلا نمنحها عذرا لتوجيه اللوم للإسلام والاستمرار باتهامه بالدموية، واتهام نصوصه بالتحريض كما في قول (أورهان بيار): (إن العنف المنفلت من عقاله الذي نعاني منه اليوم منبعه الرئيسي هو النص القرآني الذي يحلل قتل ومعاداة ومحاربة المخالف مهما كان. فالإسلام لا يقبل الاختلاف والعالم في نظره قسمان لا ثالث لهما: مسلمون وكفار وواجب المسلمين هو الجهاد في سبيل الله)7 الذي بات يمثل مدرسة فكرية تقوم مبانيها على هذا المعتقد الساذج ويروج لفكرها مجموعة من المفكرين الغربيين مثل المستشرق (برنارد لويس) الذي كتب خلال الحرب على العراق عام 1990 مقالا بعنوان: (جذور الغضب الإسلامي) وردت فيه عبارة (صراع الحضارات) مقتبسة من مقاله منسوبةً إلى إسلاميين متشددين يرون الصراعَ بينهم وبين الغرب حضارياً وليس سياسياً أو اقتصادياً وحسب! وظل قُرابة العقدين يكررها في كتاباته ليدعي أن مشكلة المسلمين ليس احتلال فلسطين أو تدمير العراق، بل عجزهم خلال القرنين الماضيين عن النهوض إلى مراتب الندية مع الغرب مثلما فعلت كل من اليابان والصين والهند وهي الأمم التي عاشت تجربة الاستعمار التي عاشها العرب والمسلمون. ولذلك، وبدلاً من الانصراف إلى نقد ألذات، وتطوير التجارب لمواجهة التحديات، اعتبروا الغرب علة العلل، ومضوا باتجاهين: اتجاه التطرف ومعاداة الحداثة، واتجاه مضغ الهزائم بالتعابير الكبيرة مثل أن الصراع بيننا وبين الغرب حضاري! وقد أعاد ذكرها في مقال آخر نشر بمجلة (فورين أفيرز) وذلك بعد كتابيه (كيف حدث الخلل) 2002 و(أزمة الإسلام) 2005 وهي المقولة التي اقتبسها منه صموئيل ب. هنتنغتن الذي توفي في 24/12/2008في مقاله المنشور في مجلة (فورين أفيرز) أيضا في خريف العام 1993 واشتهر بها وهو المقال الذي تحول إلى كتاب عام 1996 ومع أن هذه الصورة الشوهة طاردت الإسلام منذ زمن بعيد أو كما تقول الباحثة (كارن آرمسرونج) : لقب الإسلام بدين السيف، دين تخلى عن الروحانية الحقيقية بإجازة العنف والتعصب. إنها صورة طاردت الإسلام في الغرب المسيحي منذ القرون الوسطى.8 وهي النظرة التي رصدها أعضاء لجنة البريطانيين المسلمين الذين أصدروا عام 1996 وثيقة بعنوان (فوبيا الإسلام) جاء فيها :إن أحاديث فوبيا الإسلام تمتاز بـ: النظر إلى الثقافة الإسلامية على أنها متحجرة وغير قابلة للتغيير ـ ثقافة المسلمين تختلف كليا عن باقي الثقافات ـ الإسلام يشكل خطرا محتوما ـ المسلمون يستخدمون الدين لأغراض سياسية وعسكرية9 وهو ما تماهى معه المفكر (لوي غارديه) بقوله: إن الصورة التي كونها الكثير من المراقبين الغربيين عن الثقافة الإسلامية ليست إلا صورة مشوهة 10
وأعتقد أن السيد محمد حسين فضل الله أراد الرد على هذه النظريات من خلال طرحه لمجموعة من الأسئلة التي يرددها المشككون عن علاقة القوة بالدعوة الإسلامية مثل:
هل يعتبر الإسلام العنف والقهر والإكراه والقتال وسيلة كسب الآخرين للإسلام؟
هل تعتبر القوة المتمثلة بالفتوحات الإسلامية أساسا تحليليا لتفسير انتشار الإسلام في العالم 11
الحقيقة أن الذين يثيرون هذه الأسئلة ويطرحون مثل هذه الفرضيات التي تحشر الإسلام في مساحة ضيقة تعتمد على سفك الدم والقتال كآلية وحيدة لنشر الدعوة إنما يبغون التشكيك بقدرة الإسلام على الاستمرار والتطور والتقدم والامتداد في ظل ظروف الحرية الفكرية دون القوة والعنف.
والمشكلة الحقيقية لا تكمن في تفكير هؤلاء بقدر ما تترجمها رؤى بعض المسلمين الذين يعتقدون مثل هذا الاعتقاد الشاذ ويلجأ ون إلى القوة لفظ نزاعاتهم سواء كانت مع المسلم أو مع الآخر لأنهم يحثون الفكر الغربي على ترسيخ قناعته المجحفة هذه في العقول بعد أن يربطوها بفعل هذه الجماعات.
إن الإسلام مثل باقي الديانات السماوية الأخرى وحتى مثل الحضارات الدنيوية كان يملك خيارات كثيرة لنشر دعوته منها آلية الحرب. وهو وإن لم يقم بالتدقيق والتمحيص كثيرا في أمور الدعاة المسالمين وترك ذلك لكفاءة وقدرة ورجاحة عقل الداعي وقوة حجته وأدلته العقلية فإنه محص ودقق كثيرا بشأن آلية القوة ووضع لها نصوصا ومقاييس وتشريعات حدية يبدو بعضها تعجيزيا، والنبي محمد (ص) حينما أرسل عليا داعيا إلى اليمن قال له بعد أن ضرب على صدره: (لأن يهدي الله على يدك رجلا واحدا أحب من الدنيا وما فيها) والمعروف أنه أرسل عليا داعيا ولم يرسل معه جيشا ليقاتل أهل اليمن. لكنه بالمقابل كان إذا ما أرسل جيشا غازيا يفيض لهم في وصاياه بضرورة عدم الإسراف والالتزام بالحدود والتشريعات.
نفهم مما تقدم أن القوة كما هي عنف هي أيضا بناء وانضوائها على هذين الجانبين يجعل منها مسألة فيها الكثير من النظر الشرعي الذي يستوجب الدقة عند التنفيذ ربما أكثر قليلا من ممارسة الإدارة السلمية وفق الشريعة. ووجود خيار القوة ضمن هذا الحيز البسيط في الفكر الإسلامي لا يجعل منه نهجا دمويا كما يريد البعض أن يظهره، وواقعا تبدو حدود القوة صغيرة نسبيا إذا قورنت بباقي فقرات المشروع الإسلامي الكبير التي تهتم بالبناء السلمي. ولكن احتواء الشريعة لهذين الجانبين سوية مع وجود صراع إسلامي داخلي أدى إلى تبني بعض فرق المسلمين خطا محددا بعينه وحذف باقي الخطوط من أجندتها وهذا ما سنتطرق إليه لاحقا.
أضف إلى ذلك أن الإسلام مثل أي مشروع تأسيسي آخر في الكون يريد النجاح والمحافظة على النجاحات التي يحرزها مع وجود أعداء حقيقيين كانوا يتحينون به الفرص ويتآمرون عليه ويكيدون له. ففي مثل هذه الظروف الصعبة لا يعقل أن نجرد الإسلام من قوته القتالية وندعي أنه كان دين حوار ومحاججة فقط لأنه ما كان سينتصر بالحوار والحجة وحدهما. وخصوصا في مرحلة التأسيس الأولى حيث تبدو القوة حاجة ملحة للنجاح وللتسريع بعملية البناء الذي يحافظ على النجاح ويديم التقدم.
وعند مقاربة الموقف الإسلامي مع مواقف النظم الحضارية العالمية المختلفة نجد أنه لم يشذ عن قاعدة ضرورة الاستفادة من القوة لبناء سلام دائم ، فالمؤرخ ( مايكل هاورد) يقول في حديثه عن مثل هذه الظواهر: (لم يكن أن تولد أمة بالمعنى الصحيح للكلمة دون حرب!! ولا تستطيع جماعة تعي ذاتها أن تؤسس نفسها كممثل جديد مستقل على المسرح العالمي دون صراع مسلح أو دون التهديد به)12 بل أن أحد المفكرين ذهب لأبعد من ذلك وهو (كينيث كلارك) الذي قال إن: (كل الحضارات قامت على الفوز في الحرب في مراحلها الأولى)13 ولا يقتصر هذا الحكم على الحضارات السابقة بالتأكيد فأمريكا كما هو معروف لم تصل لما هي عليه الآن إلا بعد حروب دموية غير متكافئة مع الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين استمرت سنين طويلة ثم تلا ذلك مشاركتها في الحرب العالمية الثانية واستخدامها القوة النووية ودخولها في حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي السابق وعشرات المواقف التي استعرضت خلالها قوتها المهولة وهي حتى هذه اللحظة لا زالت تلوح بقوتها أمام الأنظار للترهيب والتخويف لأنها تدرك أن للقوة فعلا مؤثرا لا غنى عنه، ولكن هل استعملت هذه القوة في كل مرة لوحت بها أم أنها كانت تعتبرها إحدى الآليات التي تستخدم في المشروع الذي تؤمن به؟
والإسلام لم يكن مجرد مشروع مرحلي متسرع لا يعرف إن كان سينجح أم لا. الإسلام كان يعرف أنه آخر رسالة سماوية لسكان الأرض، وأنه غير عاجز عن مماهاة التحضر والتطور في زمانه أو في الزمن الحاضر والمستقبل. وإذا كان قد انكفأ خلال السنين السبعين الماضية فلأنه تعرض لتعسف وقسوة الاستعمار الذي جاهد للقضاء على القوة الروحية للمسلم وتحويله إلى لعبة في طوع أمره، وهو التوهين الذي ارتفعت بسببه، أو كردة فعل عليه دعوات تمجيد القوة بين المسلمين، وكان ثمة من يترصد ردة الفعل هذه ونجح فعلا في تجييرها لصالحه بعد أن كان يجاهد لتأسيس مشروعه القائم على فهم خاص لموضوع القوة في الإسلام فكانت ولادة الفكر المتطرف.
كما أشرت سابقا بأني سأتطرق لموضوع الثنائية بشيء من التفصيل أقول : أن المدارس الإسلامية أبدعت في استنباط نظريات كثيرة من أصل النظرية الإسلامية ظلت تتناطح على أرض الواقع منذ ولادتها حتى هذا التاريخ لأنها جاءت بالمتناقضات فبعضها ادعت وجود نظرية قوة واحدة في الإسلام أطلقت عليها اسم (السلم في الإسلام هو الأصل) ترى أن العلاقة مع الآخر يجب أن تستند إلى مبدأ السلم، أما استخدام القوة فمحصور في حالة تعرض دار الإسلام لهجوم من الأعداء 14 وهذا التصور ينطبق كليا مع ما أسميته أنا (القوة الهادفة) وهو تصور ينطبق ويتطابق مع القانون الدولي من حيث مشروعية الدفاع عن النفس وكما جاء في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (لا يوجد في الميثاق الحالي ما يمنع أو يقيد الحق الفردي والجماعي في الدفاع عن النفس إذا حدث هجوم مسلح)
وبعضها الآخر ادعى أن اسم هذه النظرية (الحرب في الإسلام هي الأصل) وهي ترى كما يقول أحد منظريها وهو الشيخ الهندي الأصل أبو الأعلى المودودي الذي ترجم عمله أواخر خمسينات القرن الماضي وأوائل الستينات وترك أثرا واضحا على تنظيم الإخوان المسلمين وقيادته (أن الإسلام فكرة انقلابية ومنهاج انقلاب يريد أن يهدم نظام العالم الاجتماعي بأسره ويأتي بنيانه من القواعد ويؤسس لبنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العملي. والجهاد عبارة عن الكفاح الانقلابي)15
سيد قطب نفسه تأثر بهذا الفكر وبفكر المودودي تحديدا وتبنى أطروحته فقسم الناس حسب انتمائهم العقائدي إلى ثلاث فئات: مسلمون تحكمهم الشريعة .. أهل ذمة يؤدون الجزية .. محاربون يجب محاربتهم16
وهي التوجهات التي قابلها الفكر الغربي بتوجهات مضادة كما في دعوة رامسفيلد للأمريكيين والغربيين بعد أحداث 11 أيلول لشن (حرب أفكار) في الصراع الحضاري ضد المسلمين أو الإرهابيين الإسلاميين
تطورت نظرية (الحرب هي الأصل) على يد المفكرين الوهابيين لتتحول إلى نظرية جديدة أكثر تطرفا من سابقتها تحن عنوان (الحرب هي الأصل ابتداء) فالشيخ عبد العزيز ألمحمد السلمان وهو أحد مشايخ المذهب الوهابي يرى (وجوب قتال الكفار ابتداء ودفاعا .. فلا يقبل من الوثني [وهذا المصطلح يشمل اليهود والنصارى وأتباع باقي الأديان]إلا الإسلام فإن أبى قتل)17 ونحن هنا لسنا بصدد تبيان صلاح أو فساد هذه العقيدة تماشيا مع مبدأ حرية المعتقد والدين والفكر ولكن هذه النظرية أوقعت نفسها بإشكال كبير يوم استعانت الحكومة السعودية أكبر المطبقين والداعين لها عام 1990 بقوات التحالف الدولي لحمايتها من جيش صدام ولتحرير الكويت وإخراج الجيش العراقي منها.
ومن ثنايا هذه النظريات مجتمعة ولدت نظرية أخرى أطلق عليها صلاح عبد الرزاق اسم (السياسة البراغماتية) وأجده موفقا في هذا الاختيار لأن النظرية تقوم على مبدأ براغماتي انتهازي بعيد عن المبدئية فهي ترى أن استراتيجية الإسلام تقوم على مبدأ استخدام الوسائل السلمية والدعوة للحوار عندما يكون المجتمع الإسلامي ضعيفا. واستخدام القوة والعنف والفتح العسكري والقتال عندما يكون السلمون أقوياء.
وقد أوحت هذه النظرية البراغماتية للخيال الغربي ليرسم صورة أكثر بشاعة من سابقاتها تظهر الإسلام وكأنه دين تحين الفرص وعدم الثبات على المبدأ وأن ثقافة التسامح في الإسلام مجرد تكتيك تفرضه الظروف حيث قال (أورهان بيار) في تقييمه لمساحة التسامح الإسلامي في العصر المكي زمن البعثة: إن هذا الموقف غير مرتبط بالتسامح كما هو معروف عند رموز اللاعنف "النبي عيسى / ماني / غاندي" بل تسامح غير القادر على الرد بالمثل.18
وقد نجحت هذه النظريات مجتمعة في تشكيل ثقافة القوة في الإسلام تشكيلا غريبا متناقضا لا يبعث على الاطمئنان، ويدفع الآخر للتشكيك عنوة بالطروحات الإسلامية عن السلام والحوار والتعايش.

الإسلام والذيلية التاريخية:
كما ساهم هذا السعي الممنهج في إفراغ الفكر الإسلامي من بعض محتواه وأظهرنا وكأننا أمة غير مبدعة، همجية، دموية، ترفض التعايش مع الآخر ولا تقبله إلا إذا دفع لها الجزية صاغرا، أو أنها في حالة ضعف لا تسمح لها بالقتال. فبدت أمتنا وكأنها ذيل من ذيول التاريخ وواحدة من هوامشه الفرعية غير المتناسقة، وعلية تحتاج للتشذيب بل للبتر والقطع لكي يعود التناسق لجسد العالم المتحضر.نحن بدورنا ولا أقصد كل المسلمين طبعا ساعدناهم في ترسيخ هذا الفهم من خلال صراعاتنا ونزاعاتنا الدموية مع الآخر المسلم وغير المسلم بعد أن أفرغنا الإسلام من نظرية المعرفة (إبستمولوجي) وربطنا أيديولوجيته بمنطق القوة الشرسة الدموية وحدها. وكأننا نجاهد لإغلاق كل الطرق التي تؤدي إلى الله سبحانه والإبقاء على خط واحد هو خط القوة والعنف. وهذا من تداعيات السياسة التي أرادت ترسيخ الفهم الخاطيء في عقول المسلمين لكي تشرعن قيادتها للأمة، وهو الفهم الذي عبر عن قضايانا المصيرية بكثير من السذاجة والاعتباطية.
بهذه السخرية اللاذعة قرأ المسلمون تاريخهم يوم كانت فيهم قوة ولهم فعل، وبهذه السخرية يريدون قراءة الصراع البيني مع الآخر بعد أربعة عشر قرنا دون الالتفات للتطور الهائل الذي حصل خلالها والانقلاب الجذري الذي تعرضت له المفاهيم والقيم، والتبدل الذي حصل في منظومة المعارف، وحتى اختلال ميزان القوى لصالح الآخر، وضغوطات سيرورة العولمة التي يبدوا أنها اكتملت ودخل العالم مرحلة (ما بعد العولمة).
ولهذا السبب بالذات وعشرات الأسباب الأخرى يدعو المفكرون دائما إلى ضرورة إعادة التفكير في الفكر الإسلامي، بل أن بعضهم ذهب للمطالبة بتبديل آليات وعدة عمل التفكير الإسلامي كما يرى برهان غليون19 ونحن واقعا لا ندعو إلى تجديد الفكر الإسلامي بل ندعو إلى تجديد التفكير الإسلامي لاستنباط رؤى جديدة تتواءم مع مسيرة الفكر العالمي. وهو ما قصده علي المؤمن بقوله: (التجديد الفكري في الإسلام ليس نسخا لفكر قائم أو تأسيسا لفكر جديد أو إحياء لفكر قديم. بل هو عملية تفاعل حيوي داخل فكر قائم لإعادة اكتشافه وتطويره وفقا للفهم الزمني الذي يعي حاجات العصر)20
السؤال هو: هل من ممكن الخروج من هذا النزاع القائم على مبدأ التفريط بنتيجة مرضية؟
وقبل الإجابة علينا أن نتذكر أن الإسلام ومنذ أيامه الأولى وطوال عصر البعثة وقف موقفا وسطا بين الإفراط والتفريط ولذا نجح في صد الأعداء سلميا ثم من خلال القوة الهادفة التي مارسها في الطور المدني، كما نجح في بناء الدولة الإسلامية. ولو أنه مال لجانب الإفراط (القوة) حتى ولو كانت هادفة وحده ما كان سينجح في بناء مجتمع عقائدي تمكن من قيادة العالم قرونا طويلة. كما أنه لو انشغل ببناء عقائدية المجتمع بكل الوسائل المتاحة بعيدا عن خيار القوة ــ الذي استخدمه لصد الهجمات وإرهاب الأعداء وتخويفهم والمبادرة بالهجوم على العدو في مواطن محددة وقليلة ــ ما كان سينجح في الحفاظ على وجوده وبنائه. ولو أنه فرط في الاثنين أو أفرط في استخدامهما ما كان تأسيسه لينجح بهذه العظمة.
ومن هذا التذكير ننتقل للجواب ونقول: لقد أعطى الإسلام للقوة ممثلة بالجهاد حيزا صغيرا في مجمل منظومته الفكرية والعملية، وترك المساحة المتبقية وهي الأكبر للعمل الفكري والبنائي بشقيه العقائدي والمجتمعي، وتكاد صورة الرسول الأكرم وهو يستقبل الصحابة الكرام العائدين من إحدى الغزوات أن تترجم بشكل حرفي هذه الموازنة الدقيقة في استعمال المفاهيم. فقد قال لهم مرحبا بمقدمهم: (مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ ــ وهذا السؤال لم ينبع من الخوف طبعا بل لأنهم اعتقدوا أن هناك غزوة أخرى أكبر من غزوتهم ــ قال: جهاد النفس)21
ومن الغرابة بمكان أن المسلمين متفقون أجمعهم على صحة هذا الحديث ولكنهم يختلفون بعد هذا الاتفاق في حجم المساحات المخصصة للقوة وللبناء الفكري والعقائدي حيث جعل بعضهم مساحة الجهاد هي الأكبر والأوسع والأهم تبعا لحديث يقول (من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق) وأهمل الجوانب الأخرى بشكل شبه كلي. وجعل بعضهم مساحة البناء هي الأكبر ولم يبق شيئا للقوة. وجعل بعضهم الآخر حديث الجهاد الأصغر والأكبر أمام ناظريه فرسم المساحات الحقيقية بمهنية عالية.
ما يهمنا من هذه الأقسام الثلاثة، القسم الأول الذي غلب منطق القوة لأنه مخالف لروح الإسلام السمحة التي وضحتها مجموعة كبيرة من النصوص منها قول النبي : ( الشديد من غلب نفسه) فهل معنى الحديث أن القوي يحارب نفسه فيقتلها ليكون شديدا أم معناه مجاهدة النفس وتطويعها على الإيمان وفعل الخير وحب الناس؟ ومنها قول النبي أيضا: (ليس الشديد بالصرعة بل الذي يملك نفسه عند الغضب) ومنها أيضا قوله لعلي بن أبي طالب: (يا علي أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد) ومن يبحث في الصحاح وكتب الحديث يجد منظومة متكاملة من الأقوال التي تحدد المساحات بعناية فائقة.

القوة والتكافل:
تلك هي نظرة الإسلام للقوة أو للجهاد سمها ما شئت، وهي نظرة مقننة لتتناسب مع مرحلة التأسيس وما بعد التأسيس وصولا إلى آخر الزمان، أي مرحلة البناء الفكري ضمن خط متنوع من المقاييس والأمثلة ولذا تبدو على قدر كبير من العقلانية بما يجعلها أهلا للتداول في كل الأزمان والعصور ما لم يخرج المسلمون على حدودها سواء عن سوء فهم أو بتفسير النصوص وتأويلها كما يشتهون بما يتناسب مع رؤاهم السياسية عادة وليس العقائدية.
والإسلام عندما قنن منطق القوة أراد لجم وكبح نوازع الشر والتوحشية الكامنة في النفوس والتي هي من موروثات عصر الافتراس والتوحش. أراد ترتيب سياقات العمل الدفاعي والهجومي والبنائي والفكري في المجتمع وتبيان حدود كل منها. ودعم هذه الإرادة بمجموعة كبيرة من الأحاديث التي جاءت بعمومية قصدية ومتعمدة لأنها لم تكن تستهدف التعامل الإسلامي البيني فقط بل مجمل التعاملات الحياتية بين البشر فحديث (ما آمن من نام شبعان وجاره جائع) لا يشير إلى الجار المسلم أو إلى جار بعينه بل كل جار لك سواء كان مسلما أو غير مسلم مشمول بهذا الحديث. وحديث (الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيت سرورا) ليس من المعقول أن يقصد أن المسلمين وحدهم عيال الله، والنبي كذلك لم يقل (المسلمون عيال الله) بل قال (الخلق) سواء كان هذا الخلق مسلما أو يهوديا أو مسيحيا أو شنتونيا، والنبي لم يحدد تبادل المنفعة بين المسلمين فقط بل قال (من نفع عيال الله) مهما كانت دياناتهم وعقائدهم. كما إنه لم يقل (من جاهد أو حارب عيال الله) بل قال (من نفع عيال الله). ووقوف الرسول لجنازة اليهودي وقوله للصحابة (أليست نفسا) يترجم هذا المعنى والمقصد.
تلك هي الفكرة العامة لروح التعايش التكافلي التي أراد الإسلام بنائها وطلب من المسلم الالتزام بها والعمل بموجبها، والتي استوعبها المسلمون الأوائل بعد تجارب مريرة قادت بعضهم للتجريب أكثر من مرة والتعرض لمواقف الصح والخطأ مرات متكررة أغضبت بعضها رسول الله لدرجة أنه تبرأ من فعل القائمين بها كما في قوله: ( اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد) أو أنه عنفهم بقوة عليها كما في قوله للصحابي أسامة بن زيد الذي قتل مشركا لاذ بشجرة وتلفظ بكلمة التوحيد مستجيرا: (أقتلته بعد أن قالها؟)
ولم تتوقف عملية التجريب بل التغريب هذه بعد وفاة النبي بل استمرت ومؤسست وسنت لها قوانين ونظم أنتجت فيما بعد نظريات جديدة تخص مفاهيم القوة، والسلام، والحوار، والآخر، وتتحكم بمسارات هذه المصطلحات لتوجهها إلى الجهة التي تخدم خطها.وهذا بمنتهى الصعوبة لأن أغلب المتخصصين بما فيهم الشخصيات التي شاركت في آخر مؤتمر حوار عقد في نيويورك كانوا مختلفين ثقافيا وسياسيا بشأن تأويل معنى مصطلحي التسامح والحرية، ففي حين شدد ممثلو الدول الغربية على أهمية حقوق الإنسان الفردية في كلماتهم، كرر ممثلو الدول الإسلامية تحذيرهم مما وصفوها بالحساسية المفرطة من الغرب تجاه الإسلام.

المبحث الثاني: دور المجتمع في ترسيخ ثقافة العنف عند المسلمين
بعد أن شن المتطرفون الإسلاميون هجماتهم الإرهابية في أماكن مختلفة من العالم تصور المفكرون والسياسيون الغربيون أن هؤلاء المتطرفين يمثلون الاتجاه الإسلامي السائد باعتبار أن عقيدة الإسلام تشجع على العنف وتدعو له كما يتضح من قول (أورهان بيار): (إن العنف المنفلت الذي نعاني منه اليوم منبعه الرئيسي هو النص القرآني الذي يحلل قتل ومعاداة ومحاربة المخالف مهما كان. فالإسلام لا يقبل الاختلاف والعالم في نظره قسمان لا ثالث لهما: مسلمون وكفار وواجب المسلمين هو الجهاد في سبيل الله)22 . وقد ساهم في تضخيم هذا التصور حالة اللاأبالية التي ظهر بها السياسيون ورجال الدين المسلمون على المستويين الرسمي والشعبي وعجزهم أو سكوتهم عن إدانة هذه التفجيرات أو التنديد بالقائمين بها. وقد تساءل الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون في واحد من مقالاته قائلا: (إذا كانت الأغلبية العظمى من المسلمين لا توافق فعلاً على ما فعله قلة من المتطرفين في نيويورك (11/9/2001)، أو في محطة قطارات مدريد الأسبانية (11/3/2003) فلماذا لم ندين ذلك بقوة، ولماذا لم تخرج مظاهرات تحتج على هذا السلوك المشين؟ حتى الإدانات الرسمية العربية جاءت متأخرة وباردة، وكأنها لمجرد "إبراء الذمة".)
كذلك ساهمت في تضخيمه عوامل عدة منها وجود نصوص دينية تروج لها بعض الحركات السياسية الإسلامية تدعو (للجهاد) ضد الكفار بما فيهم أتباع الديانات السماوية الأخرى، وأخذ الجزية من "الذميين " المقيمين في دار الإسلام، واعتبار المناطق التي تقع خارج حدود دولة الإسلام دار حرب. وهو التصور الذي يبدو مخالفا لشريعة حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة، والعهد الدولي الملحق بها، وغيرها من اللوائح التي تنص على وجوب تمتع البشر بحرية التفكير والكلام والمعتقد والدين.ومخالف للاتفاقيات الدولية ونظم العلاقات بين الدول.
أما واقعا فإن القائمين بالأعمال الإرهابية يمثلون خطا دينيا متشددا حرف بعض النصوص عن مقاصدها الصحيحة وألبسها ثوبا آخر لا يتواءم مع روح العقيدة وأدخل كل ذلك تحت مسمى (الجهاد) المقرون بالقوة والعنف والإكراه، وأطلق على معتنقي عقيدته اسم (المجاهدين) ثم لكي يفرغ الأتباع لأداء العمليات الجهادية أمرهم بالهجرة من بلدانهم إلى مناطق ساخنة في العالم لتنفيذ العمليات وأطلق على حركته اسم (الجهاد والهجرة) تشبها بهجرة المسلمين الأولى خلافا لحقيقة أكد عليها نبي الإسلام (ص) بقوله المشهور (لا هجرة بعد الفتح) أي فتح مكة الذي وقع سنة ثمان للهجرة.
ولكي يبيح لهم ارتكاب الأعمال الإجرامية ضد المسلمين وغيرهم لجأ إلى تكفير كل الذين لا يتبعون عقيدته وتسمى باسم (الجهاد والتكفير والهجرة)
وأدى وقوع العمليات الإرهابية في مناطق مختلفة من العالم مع وجود إعلام إرهابي مكثف ينشر صور الذبح والتعذيب علنا ، وإعلام غربي مقابل موجه لخدمة خطوط بعضها سياسي يمتلك إمكانيات مادية وفنية عالية ومتطورة يقوم بنشر أخبار العمليات وصورها في العالم كله، أدى ذلك كله إلى تحول الفكر المتطرف من هامش ضيق من هوامش الإسلام الكثيرة والمتنوعة إلى أصل إسلامي طغت صبغته على الإسلام كله حتى أعتبر الإسلام دين التطرف والدموية.

الموقف الإسلامي:
ولا يخفى أن هذا التصور يمثل قصورا في الفهم لأن القائمين عليه لا يعرفون أن هنالك في الإسلام فرق كبير بين المسلمين والمؤمنين كما توضحه الآية الشريفة ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)23 ولا يعرفون أن عند المسلمين أكثر من قراءة لمشروعية استخدام القوة سواء كانت تحت مسمى (الجهاد أو الإرهاب أو العنف) وأن بعض هذه القراءات تؤمن أن الإرهاب القائم اليوم والذي يسميه بعض المسلمين بالجهاد بكل أشكاله مخالف للعقيدة الإسلامية ومرتكبه مذنب ومدان شرعا. وبعضها تقسم الإرهاب حسب مرجعيتها العقيدية إلى قسمين الأول (جهاد أو مقاومة شريفة) والثاني (إرهاب) وقراءة أخرى ترفض أن تسميه إرهابا وتنفي عنه صفة الإرهاب كليا وتنزهه وتعتبره أين ومتى ما وقع (جهادا) مشروعا ومقبولا. وقراءة أخيرة ترى أنه إذا نفذ ضد مسلمين معينين متهمين بالارتداد والشرك أو ضد أتباع الديانات الأخرى واللادينيين في بلاد الإسلام لا يعتبر إرهابا بل جهادا، أما إذا أرتكب ضدهم في بلاد أخرى غير بلاد الإسلام فيعتبر عملا إرهابيا مخالفا للشريعة.
وطبعا لكل صاحب رأي من هذه الآراء مرجعياته ورؤاه ونظرياته الفقهية والسياسية التي يرجع إليها في شرعنة أيديولوجيته. ولكنها على العموم تجتمع لتقول أن قراءة مفهوم الجهاد وفق معطيات التحضر الفكري والثقافي والسياسي للإسلام وللعالم ساهمت بوضع تفاسير مختلفة لم تهتم بعضها بتراتبية إسلام القرن الحادي والعشرين وبقت جامدة على موروث إسلام الحكومات العربية (الإمبراطوريات الإسلامية) الذي يختلف في كثير من جوانبه عن إسلام عصر البعثة، وبعضها الآخر فهمت الدرس جيدا وتعايشت مع الحالة العامة للعالم.
الغريب أن "الآخر" أدرك حقيقة وجود هذا التمايز وأشار لمبانيه مرات عدة حتى بدا وكأنه أكثر منا تفهما للواقع وتجد مثل هذا التفهم مثلا في كتاب بعنوان (مع الإسلام ضدّ الإرهاب) للكاتب "آفي بريمور"، السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا والمدير الحالي لمركز الدراسات الأوروبية في جامعة هرتسيليا الخاصة في إسرائيل، أشار فيه الكاتب إلى هذه الحقيقة بقوله: (يجب علينا أن نفهم أنَّنا عندما نتحدَّث عن الإسلام السياسي والحركات الأصولية أو الإرهاب، فإنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنَّ ذلك يرتبط بالدين الإسلامي أو بالشعوب الإسلامية أو بالمُثُل الإسلامية. وهذا هو أول شيء يجب علينا أن نفهمه، ولكن في يومنا هذا لا يفهم ذلك كلّ إنسان.) 24

ضغوطات مجتمعية:
ولم يشفع هذا التنوع للإسلام في تبييض صورته وتبديل تصور الغربيين عنه ولاسيما أن هنالك أسباب كثيرة دفعت المسلمين للتهاون بشأن إدانة الإرهاب أو التنديد به تنبع من هذا التمايز نفسه في كثير من جوانبها ، إضافة إلى أننا جميعا وقعنا تحت تأثير ضغوطات مجتمعنا ولما كان من المعروف كما يقول العالم الفرنسي ( دروغايم) : ( أن أفكار الإنسان ليست حصيلة نشاطاته العقلية الخاصة به فقط ولكنها حصيلة البيئة الاجتماعية التي هو جزء منها أيضا)25 فإنه ليس من السهل إنكار دور هذه الضغوطات في تأجيج حماسة الجهاد في نفوسنا على الأقل في الحقبة الزمنية التي بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي يوم كان عالمنا الإسلامي خاضعا للعالم الغربي وكانت جماهيرنا تتطلع للحرية بشغف، ودعوات الحرية التي انطلقت في العالم كله يصل صداها إلينا. في هذه الفترة كان هناك تثقيف ممنهج لمشروع العنف.وكانت الدعوات القومية ترن في الآذان، والصحف والمنتديات ومحطات الإذاعة والمدارس والجامعات تتحدث عن ثمن الحرية. وكانت أهزوجة (ازرع دم تطلع حرية) محببة للنفوس، كما كان الشباب والشابات يتغنون ببطولات المجاهدين المسلمين وتضحياتهم في سبيل الحرية.كانت الشابة الجزائرية جميلة بوحيرد أنموذجا رائعا تسعى الفتيات للإقتداء به. وكان رجال الدين يساهمون بشكل فاعل في إذكاء روح الثورة والتشجيع على أعمال العنف بين الشباب الذين كانت تعصر قلوبهم صور المهجرين الفلسطينيين والقرى الجزائرية المحروقة وذكريات إعدام الثوار والخارجين ضد الاستعمار في الجزائر وليبيا والعراق ومصر وسوريا.
في هذه الأجواء المشحونة بالعنف والكراهية وفي مجتمع يؤمن بمشروعية العنف لرفع الحيف عن نفسه نشأت أجيال متلاحقة من شبابنا وتخرجت وهي تؤمن بمشرعية ثقافة العنف دينيا ودنيويا. وفي حديثه عن واقع الحال ذكر (لوي غارديه) أن الدول العربية تسعى إلى استعادة مركزها الذي كان لها في تاريخ الشعوب. وما تزال ذكريات أمجاد الماضي حاضرة في الأذهان وكذلك الإرث الثقافي العظيم وذلك بمقدار حدة شعورها بالمهانة الظالمة التي حلت بها طيلة عصور الانحطاط26
وفي مرحلة لاحقة لهذا التاريخ تبين وكأن سياسة القوة نجحت في تحرير شعوبنا الإسلامية من الاستعمار. وحتى في مرحلة البناء والاعمار اللاحقة لمرحلة التحرير لم يكن من السهل علينا التخلي عن روح العنف الثوري التي دفعت بعض السياسيين لتوظيفها في كسب الشباب الثائر والقيام بثورات متكررة ضد أنظمة الحكم في العراق وسوريا ومصر، وطبعا كانت روح العنف نفسها تدفع الحكام لإيقاع أشد العقوبات بالمتآمرين الذين كان البعض يراهم شجعانا والبعض الآخر يراهم مجانين ومتهورين. واقعا لم يكن العنف موجها لإيقاع الأذى بالمواطن العادي ولذا كان يحضى بنوع من التأييد .
وفي هذه الأجواء أيضا كانت عناصر التعلم الثلاثة التي تكلم عنها (ميلر ودولارد) وهي الباعث والمحرض والاستجابة 27 كلها متوفرة ونشطة بل أن قوة الباعث وشدة المحرض جعلت أمر استجابة الشباب وقبولهم بثقافة العنف أكبر من المتوقع بكثير ولذا لم يكن من السهل علينا أن نتغير مع تغير الظروف والثقافات العالمية حيث بقيت منا باقية تؤمن بالقوة كنهج أوحد للحصول على الحقوق وبقيت تثقف أتباعها وتستغل الدين لاقتباس النصوص الدينية التي تدعو لاستعمال القوة في ظروف محددة ووفق شروط خاصة وتلغي مبدأ الظرف والشرط من حساباتها وتركز على الفكرة فقط.
وتبعا لذلك كانت استجابة الشباب لنداءات القوة (الجهاد) التي كان يوجهها عادة رجال الدين منذ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان وحتى تفجيرات 11 أيلول سريعة بشكل لا يصدق. وكانت استجاباتهم تحضى باحترام وتأييد المؤمنين التقليديين والناس البسطاء وغير المتعلمين بشكل كبير.

المبحث الثالث: الصحوة والتباين بعد 11 أيلول
بعد تفجيرات برجي التجارة العالمية في 11 أيلول أدركت بعض القيادات الدينية والسياسية المسلمة خطأ أو خطورة الثبات على مواقفها العنفية السابقة، وعرفت بعضها أن من مسؤوليتها الشرعية ضرورة تحديد موقفها من موضوع استخدام القوة ، وسواء كانت هذه المواقف وليدة الخوف من قوة أمريكا أو مناورة سياسية لكسب ودها ورضاها، أو وليدة صحوة متأخرة، أو فهم جديد للنصوص الدينية، فإنها كشفت سهولة ويسر تغيير المواقف المتشددة وقبول النص للتأويل من خلال دفعة للتنازل عن صورته المتشددة وإظهاره بصورة أكثر قبولا. كما كشفت أن في الإسلام أكثر من قراءة وأكثر من موقف لكثير من المسائل العالقة سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين الآخر، وأن هناك فرصة لتسويق كلا الخيارين ( القوة والسلام) وفرصة للقبول بأي منهما. ولذا نلاحظ أن المواقف تبدلت بزاوية مقدارها 180 درجة خلال عقد واحد من الزمان وكأن قوة تفجير البرجين فجرت أيضا مكامن وخفايا نفوس بعض المسلمين الذين بدو على درجة عالية من الغضب بسبب التفجير بشكل أظهرهم وكأنهم تنازلوا كليا عما كانوا يدعون له من قبل أو تنصلوا عن وعودهم لأتباعهم بالجنة والنعيم الخالد. بمعنى أن مواقفهم بدت على مستوى متطور من الازدواجية ، وهم لكي يعالجوا هذه الثنائية غير العقلانية أبدوا الكثير من الآراء المضحكة وسوقوا الكثير من الأطروحات المتطرفة التي أجازت القوة ضد بعض الفئات وحرمتها ضد فئات أخرى كما سيتضح لنا لاحقا.
ولغرض تجديد المواقف وإعلام الآخر بهذا التجديد الذي فيه الكثير من التنصل عن المواقف السابقة سارعت دول ومؤسسات ومنظمات وجمعيات لإعلان الولاية والبراءة، الولاية لمنطق السلم والتعايش، والبراءة من منطق القوة والعنف بكل أشكاله بما فيه الجهاد. وقد نجح اثنان من المنتسبين في معهد السلام الأمريكي هما الدكتور (ديفيد سموك) والدكتور (قمر الهدى) برصد هذه الحركات والمواقف مبتدئين بمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية الذي سارع لعقد مؤتمر صحفي بعد حادث التفجير مباشرة لإدانة الهجمات وأصدروا بيانا جاء فيه (إننا ندين وبأقوى العبارات الممكنة أعمال الإرهاب الحاقدة والجبانة ضد المدنيين والأبرياء)28
كما أصدرت ثلاث عشرة منظمة إسلامية أمريكية بيانا في 21/ 9/ 2001 قالت فيه: ( إننا ندعم الرئيس والكونغرس في الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب)29
وعلى نطاق أوسع أعتبر الهجوم التفجيري ظلما لا يتسامح الإسلام معه، وعمل آثم، وجريمة كبرى وقد صدرت هذه الأوصاف من أكبر جهة تشريعية في العالم الإسلامي كانت تأخذ على عاتقها شرعنة ثقافة القوة والعنف حيث بين الشيخ عبد العزيز الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية بعد أربعة أيام من التفجير ( أن خطف الطائرات وإرهاب الناس الأبرياء وإراقة الدماء يشكل نوعا من الظلم الذي لا يتسامح به الإسلام الذي يرى في تلك الأعمال جرائم كبيرة وأعمال أثيمة)30 تلاه بعد ستة عشر يوما الشيخ يوسف القرضاوي الذي أعرب يوم 27/9/2001 في فتوى أصدرها عن إدانته للإرهاب وحث المسلمين خلالها للتبرع بالدم لضحايا الانفجار. وفي تاريخ مقارب أدلى الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف ببيان مشابه.
أما على المستوى الرسمي فقد أعلن الرئيس المصري والرئيس السوري والملك الأردني وملوك ومشايخ ورؤساء الخليج العربي بعد التفجيرات مباشرة عن إدانتهم للهجمات الإرهابية وللإرهاب بشكل عام.
وعلى مستوى المنظمات الرسمية والمؤتمرات أصدرت الدول السبع والخمسين الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بعد يوم واحد من التفجيرات بيانا جاء فيه (إننا ندين هذه الأعمال الإرهابية الهمجية والإجرامية التي هي محرمة في جميع القيم والأعراف الإنسانية والأديان التوحيدية) ثم أصدرت بعد ذلك بيانا آخر حول إدانة الإرهاب بشكل عام جاء فيه ( إننا نؤمن بأن الإرهاب يشكل خرقا كبيرا للحقوق الإنسانية خصوصا الحق في الحرية والأمان، كما يشكل كذلك عائقا أمام العمل الحر للمؤسسات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية حيث يهدف إلى زعزعة استقرار الدول ، إننا مقتنعون كذلك أن الإرهاب لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال ويجب إدانته بشكل واضح بجميع أشكاله ومظاهره وأنشطته ووسائله وممارساته مهما كان أصلها وأسبابها)31
ومن حقنا أن نتساءل هنا فيما إذا كانت هذه المواقف تمثل (ستراتيجا) وصحوة حقيقية سيستمر العمل بها في كل الأوقات والظروف والمناسبات والأماكن، وتصبح منهجا ملزما لنا وللأجيال اللاحقة، أم أنها من ضروب مبدأ(التكتيك) الذي يلجأ إليه الخائف والمتلون ومن يريد امتصاص غضب الآخر ومن لا يحمل عقيدة ثابتة، ومن يريد الاستفادة من المواقف لتحقيق غايات معينة تبعا لنظرية السياسة البراغماتية؟ وما هو دورها في توحيد المسلمين وتيسير سبل تعايشهم مع الآخر والقبول به؟
ملاحظة أخيرة: يلاحظ أني قلت في بداية هذا المبحث (أدركت بعض القيادات الدينية) ولم أقل :كل القيادات لأن هناك قيادات دينية إسلامية بقيت ثابتة على مواقفها المتشددة لدرجة أنها اعتبرت تفجير البرجين عملا جهاديا وعدت موت مجموعة كبيرة من البشر أمرا غير مأسوف عليه ومن هذه المواقف موقف السيد أحمد بخاري الإمام المالكي لجماعة المسجد في دلهي الذي صرح يوم 9 /11/ 2001 بالقول: أنا أساند أعمال الجهاد التي قام بها المسلمون في الولايات المتحدة ولا أشعر بالأسى على الذين قتلوا في هجمات 11 / أيلول32

وقوع التغيير:
الحقيقة أن مواقف الحكومات والمنظمات في الحقبة اللاحقة لعام 2001 بدت وكأن هذه العقيدة المسالمة سوف تستمر فاعلة ، وأن المسلمين غيروا من مواقفهم المتشددة وسيصبحون أكثر تفهما لمعطيات السياسة والفكر العالميين وأكثر انفتاحا ورضوخا للأمر الواقع، حيث استمرت إدانة الإرهاب خلال السنين اللاحقة وأضيفت لها دعوات ومحاولات لفتح حوار مع الآخر من غير المسلمين بالأساس ومع المسلم أيضا في بعض الأحيان.
فعلى مستوى الاستمرار بإدانة الأعمال الإرهابية واستعمال القوة المفرطة المفضية للتدمير.
صدرت عام 2004 رسالة عمان وفيها (على أسس دينية وأخلاقية نعلن إدانتنا للمفهوم المعاصر للإرهاب الذي يرتبط بممارسات خاطئة مهما كان مصدرها أو شكلها. تلك الممارسات التي تمثلت بالاعتداء على حياة الناس وبشكل عدواني يتجاوز كل حدود الله ويروع الناس الآمنين والمدنيين المسالمين ويجهز على حياة الجرحى ويقتل الأسرى)
وفي عام 2005 أذاعت الهيئة القضائية العليا للمسلمين في أمريكا ممثلة بالمجمع الفقهي بيانا جاء فيه (يود المجمع الفقهي في أمريكا الشمالية أن يعرب عن إدانته الكاملة للإرهاب والتطرف الديني ... إن استهداف حياة وممتلكات المدنيين من خلال التفجيرات الانتحارية أو أي وسيلة هجومية أخرى حرام وممنوع. وإن أولئك الذين يرتكبون هذه الأفعال البربرية مجرمون وليسوا "شهداء" ولقد عبر القرآن بالنص الصريح قائلا {ومن يقتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا)
كما أصدر مجمع الفقه في أمريكا فتوى جاء فيها ( وباسم عيد الشكر لهذا الموسم يعلن مجمع الفقه في أمريكا الشمالية عن إدانته الواضحة والصريحة للدمار والعنف ضد الرجال والنساء الأبرياء .... إن كل أعمال الإرهاب محرمة في الإسلام وأنه محرم على المسلم التعاون أو الارتباط مع أي فرد أو جماعة متورطة في أي عما من أعمال الإرهاب أو العنف)
وفي 2007 عقد مجلس المسلمين في بريطانيا اجتماعا ضم أكثر من مائتين من القادة المسلمين وأصدر بيانا جاء فيه (نحن هنا نؤكد ونعلن بشدة ما يلي: (1) نحن نعتبر كل أعمال الإرهاب التي تهدف إلى قتل وإيذاء الناس مقيتة وتستحق الشجب وليس هناك أساس من أي نوع لتلك الأعمال في ديننا.إن الإسلام كونه دين السلام يرفض الإرهاب ويعمل على إشاعة السلام والانسجام ونحن نحث وندعو المنظمات والمؤسسات الإسلامية للقيام بواجبها الإسلامي لرفض وتصحيح القراءات الخاطئة وغير الصحيحة لديننا. (2) إن الإسلام يتطلب منا أن نحمي ونصون حياة المدنيين ... ويطلب منا الإسلام كذلك أن نحمي ونصون حياة جميع البشر)
وفي 2007 أيضا بعث عز الدين الكاتب التميمي شيخ محكمة العدل الكبرى الأردنية رسالة لكل المسلمين في العالم يحثهم على رفض التطرف الديني وتحكيم رسالة الإسلام في التسامح33

حقيقة التغيير:
وإذا عدنا إلى مجمل هذه المواقف نجد أن هناك دعوات لإعادة قراءة الإسلام، وتصحيح الفهم الخاطيء، وإدانة قوية لمبدأ القوة والعنف وإدانة قوية للإرهاب بكل أشكاله وأنواعه من دون تحديد أو تمييز أو تفريق بين العنف ألجهادي والعنف التطرفي، وتوضيح أنه ليس هناك أساس للأعمال الإرهابية في دين الإسلام فالإسلام يدعو لحماية أرواح جميع البشر، والأهم من ذلك تحريم كامل لاستهداف الناس الأبرياء أيا كانت عقيدتهم وديانتهم ، واعتبار منفذي العمليات الانتحارية مجرمين وليس شهداء. هنا نلاحظ أن الطبيعة الدينية تطغى على هذا الحراك بمجمله حيث التحريم والإباحة بما يبدو وكأن الدين هو المحرك الرئيس للعنف في العالم، وكان دين الإسلام بالذات مسئول عن هذا العنف.
نخلص من هذه الدعوات إلى أن في الإسلام مساحة واسعة للسلام وقبول الآخر أكبر كثيرا من مساحة العنف، ومبانيها قابلة للاسترجاع والإعلان بسهولة متى ما أراد الإنسان ذلك، وقد تكون عملية استردادها أيسر من عملية استرداد مباني العنف، كما أن موضوع تطبيقها سهل مباح لا يعترضه سوى سهولة ويسر تطبيق المبدأ ألعنفي أيضا مع عدم وجود حدود حقيقية وموانع بارزة للتفريق بينهما عقائديا.
ساهمت صورة الضبابية هذه في خلق ازدواجية تطبيق وتنفيذ واسعة بما يبدو وكأن كل تلك الأقوال اللطيفة التي تم تسويقها بعناية فائقة كانت مجرد محاولة لامتصاص غضب الآخر ونقمته لا أكثر بعد أن تم التعامل مع مبانيها بتمييز ظاهر وقراءات مختلفة بحيث تم العمل بخلافها في مواطن أخرى تحتاج أيضا لبث روح التسامح والقبول بالآخر ومنع العنف والتلويح أمام مرتكبيه بمواقف شجب مشابهة. وقد كانت الساحة العراقية أكبر اختبار لتمحيص وكشف النوايا والأقوال، فالعنف المستشري في العراق منذ عام 2003 سواء بين المسلمين أنفسهم (سنة / شيعة) أو بينهم وبين المكونات الدينية الأخرى (مسيحيين / إيزيديين / صابئة) والعرقية الأخرى (عرب / كورد) لم يحظ بمثل هذا الدعم الكبير بل ساهمت في إذكائه وتنميته دعوات صدر بعضها من نفس أصحاب الأقوال الأولى بشكل فتاوى شرعية تبيح دم الآخر وتكفيره واتهامه بالارتداد وتجويز ذبحه وقتل أولاده وأفراد عائلته وحرقهم وسلب ماله واستباحة عرضه. واعتبارها ذلك من أعمال الجهاد التي حث عليها الإسلام وأوجبها على كل مسلم، وثوابها الجنان الخالدات.
انتقائية التطبيق أعطت للدول غير المسلمة انطباعا بأن المسلمين غير صادقين في دعاواهم وإنهم إذا كانوا بهذه الدرجة من العنف فيما بينهم وداخل بلدانهم فإنهم بالتأكيد سيكونون أكثر عنفا قبالة الآخر البعيد. وعليه تم تصنيفهم أعداء حقيقيين، ووضعهم أمام خيارين إما الحرب والتضييق أو الجلوس على مائدة المفاوضات لإجراء حوارات بينية. وكم بدا مدهشا وغريبا موقف المسلمين أنفسهم من هذه الخيارات التي تلقاها بعضهم بصدر رحب ورحب بها وأيدها وتلقاها البعض الآخر برفض قاطع وشديد وصل إلى درجة تحريم الجلوس مع الآخر للحوار. وأعتبار مؤتمرات الحوار دعوة للتنصير كما في قول د.عبد الرحيم بن صمايل السلمي:(منذ منتصف القرن الماضي بعد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) ظهر تطور جديد في أسلوب التنصير والتبشير وهو التنصير تحت عباءة الحوار والتقارب والتفاهم مع الآخر والاعتراف به والتعاون على القضايا المشـتركة بين الأديان...فهذه الفكرة "الحوار بين الأديان" منشؤها الأصلي من الكنيسة الكاثوليكيّة وأكثر جمعيات الحوار ومؤتمراته منها, وهذا في حدِّ ذاته مؤشرٌ للأهداف الخبيثة فيه)34

المبحث الرابع: الحوار بين المذاهب والأديان
إشاعة السلام:
لاحظنا كيف أن الدين يظهر في الصورة وكأنه المحرك الرئيس للعنف في العالم ــ على الأقل خلال القرنين الماضيين ــ بعد أن ضمرت أو تلاشت الدعوات القومية والعرقية العنفية والسلمية بشكل كبير، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وتنامي الحركات الدينية المتطرفة في أنحاء مختلفة من العالم.ولاسيما أن أكثر العمليات العنفية التي وقعت خلال هذه الحقبة كانت دينية غالبا أو بسبب النزاعات الدينية حتى ولو بدت ظاهرا وكأنها بعيدة عنه. وكان للمسلمين قصب السبق في هذا المضمار ولذا نسبت كل أو أغلب العمليات الإرهابية إلى الإسلام تحديدا. ومن الملاحظ أن كل مؤتمرات حوار الأديان التي عقدت تناولت هذه المسالة بجدية فائقة. يقول د. سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون في مقال له بعنوان (الغاضبون من الإسلام والمسلمين) نشر عام 2004 (خلال النصف الأول من شهر ديسمبر شاركت في خمسة مؤتمرات دولية، كان القاسم المشترك الأعظم فيها هو الإسلام والمسلمين، والتطرف والعنف، وصدام الحضارات، والديمقراطية.)
الإسلام من جانبه بعد نجاحه اللاعنفي في أحداث 11 أيلول بدا وكأنه قابل للتحول من خط العنف إلى خط اللاعنف35 بسهولة، كما أن قدرة الشريعة الإسلامية على تغطية الجانبين بنفس الكفاءة والمرونة تدل على استعدا الإسلام للتماهي بشكل كامل مع التطورات السلوكية والفكرية والسياسية والعقائدية في العالم وهذه أحدى الدلالات على أصالته وأصالة إيمانه بالخطين معا فيما يبدو وكأنه تغطية حقيقية لمتطلبات الحياة وظروفها في القوة والحوار لأن هذه التغطية الناجحة تعني أن هناك كم كبير من النصوص والقوانين المقنعة التي لها قدرة تحريك أي من الجانبين عند الحاجة له ودعمه بها لكي يلقى القبول والرضا ويدفع الناس للأخذ به والعمل بموجبه دون اعتراض أو تذمر.
ولكن هذه المطواعية تدل في الوقت نفسه أن هذه النصوص والقوانين ممكن أن تسخر بخلاف ما تهدف له حقيقتها وتحضى بالقبول أيضا لقداستها من جانب ولأن الناس لا يعرفون مقدار التلاعب الذي حصل فيها وجعلها بهذا الشكل من جانب آخر.
في جانب آخر لا يقل أهمية نجد أنه منذ بداية أربعينات القرن الماضي كانت هناك مجموعة شخصيات إسلامية في المذاهب السنية والشيعية تدعو للتقريب بين المذاهب الإسلامية وتعمل في سبيله ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : الشيخ أبو الوفا الغنيمي، الشيخ أحمد التافتزاني، الشيخ أحمد الشرباصي، الشيخ جمال الدين الأفغاني، الشيخ حسن جاد حسين، الشيخ سليم البشري، السيد عبد الحسين شرف الدين،الشيخ عبد الرحمن الخير، الشيخ عبد الكريم الزنجاني، الشيخ عبد المتعال الصعيدي الشيخ محمد أبو زهرة، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الشيخ محمد الغزالي الشيخ محمد رضا الشبيبي، الشيخ محمد رضا المظفر، الشيخ محمد عبدة، الشيخ محمود شلتوت،، الشيخ مرتضى آل ياسين، السيد هبة الدين الشهرستاني. ولو أردنا إحصاء كل الأسماء لاحتجنا إلى وقت طويل، وقد تركت هذه الشخصيات بصماتها واضحة على زمانها والأزمنة اللاحقة، ولكن ماذا كانت النتيجة بعد سبعين عاما من العناء الكبير؟ وإلى أين وصلنا؟ وماذا أثمرت هذه الجهود؟ وهل استفدنا من خبرتهم وتجربتهم وسعيهم؟
جواب هذه الأسئلة تترجمه حال العراقيين منذ 2003 ولغاية هذا التاريخ وتترجمه مجموعة القنوات الفضائية التي تبث سمومها وتحرض الشباب لرفض الآخر وتكفيره وإشغال المسلمين بمعارك جانبية تافهة لتشغلهم عن معركتهم الحقيقية.
وبالمحصلة يضعنا هذا التمايز أمام مسئولية شرعية وأخلاقية كبيرة ويعرضنا لامتحان صعب قد يجبرنا على التنازل عن بعض الثوابت المذهبية المستجدة التي نتجت عن اجتهادات واستنتاجات ظرفية لدعم الخط الفكري للجماعة أو المذهب، مقابل نجاحنا ببناء الخط المسالم في الإسلام. لكن ألا يستحق بناء الخط الفكري أن نتنازل عن تلك الدواعم التي أنتجها خوفنا من الآخر أو عدائنا له طالما أننا لن نحتاج إليها باعتبار أنها وجدت بالأساس لتدعم التوجهات العنفية وليدة الصراع والنزاع الذي سيطر على أجواء العالم الإسلامي كل هذه القرون، والنجاح بتأسيس خط حواري سلمي يقضي على العنف ويلغي مفهوم القوة يعني أنه لم تعد من حاجة للاحتفاظ بهذا الكم الكبير من دواعم لم نعد بحاجة لها أساسا، أو لم تعد الحياة القائمة بحاجة إليها.؟
إن من يرجع إلى القوانين التي قادت الحياة الإسلامية في العالم الإسلامي خلال الأربعمائة سنة الماضية في الأقل سيجد حتما تبدلا كبيرا طرأ عليها وبعضها أجريت عليها تعديلات أبعدتها عن نصها وصيغتها الأولى ولكنها بالتأكيد لا زالت إسلامية وقريبة من روح الشريعة وأصلها لأن الشريعة حية ومتطورة، وتحمل بين حناياها فكر التجديد. ولو نجحنا بالوصول إلى هذه النقطة أقصد (التنازل والقبول) دون فقدان الأسس والقيم المادية والروحية سننجح بالتأكيد في إعادة الإسلام إلى خطه المحمدي الأول. لكن هل من الممكن أن نصل إليها؟
هذا هو السؤال الصعب الذي تبدو إجابته أصعب، فنحن على مستوى البيت الإسلامي أوجدنا بسبب الظروف القاسية والمحن التي تعرضنا لها جميعا من قومنا ومن الغرباء مجموعة من الأسس والقواعد والشرائع التي تحدد علاقتنا بالمسلم الآخر، وهذه المنظومة تحضى واقعا بالتقديس مع أنها تنضوي على قدر كبير من روح الضغينة والعدوانية التي تصل في بعض جوانبها إلى تكفير المسلم الآخر واتهامه بالشرك تارة وبالردة تارة أخرى وحتى اتهامه بأنه ليس مسلما بالأساس. وكان الدافع وراء صنع هذه المنظومة الخلاف المذهبي والسياسي.
فلماذا تتطور حياتنا دون أن نعد ذلك مخالفة للشريعة ولا تتطور عقولنا؟ و تتطور قوانيننا الإسلامية دون أن تخرج عن فقه الشريعة ولا نتطور معها؟ لماذا نتأخر ونعجز عن اللحاق بالأوائل مع ما نملكه من إيمان وفكر ومعطيات حضارة ووسائط تواصل ومشتركات ومصالح؟
وهذه المنظومة تكاد تكون مسئولة أيضا عن نظرة الطيف الإسلامي للحوار بشقيه المذهبي والديني، هذه النظرة التي تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعجيب أنها في كل مراحلها تقوم على مبان فقهية ونصوص شرعية، حيث هناك بين المسلمين من يقف في أقصى اليسار ويرفض الحوار بكافة أشكاله ويعتبره مخرجا على قيم وتعاليم الدين، ومفضيا للكفر. وهناك بينهم من يقف في أقصى اليمين ويرى الحوار مع المذاهب الأخرى والأديان السماوية واحدا من أسس التمدن والتحضر ويعتقد أن طريق الحوار يؤسس لسلام مذهبي وديني منتج ودائم.
وبين هذين الاتجاهين هناك من يرى أن الحوار مع بعض المسلمين غير جائز ولكنه جائز ومحبب مع أتباع الديانات الأخرى. لأن أتباع هذه الديانات موحدين والمسلم الآخر مشرك ومرتد. كما وهناك من يرى أن الحوار مع أي طرف خارج دار الإسلام جائز سواء كان هذا الطرف موحدا أو غير موحد، ولكنه لا يجوز في دار الإسلام سواء كان الآخر مسلما أو من أتباع الأديان الأخرى!

الأرضية المشتركة:
نستشف من هذا التنوع أن هناك في المجتمع الإسلامي خطوطا معتدلة تؤمن بالحوار مع الآخر، وخطوطا متشددة ترفض الحوار جملة وتفصيلا مع المسلمين الآخرين وغيرهم.
ولا تكمن المشكلة في هذا التنوع حصرا بل في مواقف الخطوط المعتدلة المسلمة والضعيفة التي لم ترق إلى مستوى فعل الخطوط المتشددة ، فالخطوط المعتدلة إما أنها أكتفت بإدانة القوة وشجعت على الحوار، أو أسست منظمات وجمعيات وعقدت مؤتمرات كان بعضها على مستوى عال من التنظيم والمشاركة وأصدرت مجلات وصحف وكتب ودراسات36 ولكنها لم تخلق التأثير المطلوب في المجتمع ولم تنجح في دفع الخطوط الأخرى لتغيير مواقفها، وانتهى بعضها تلقائيا، ومؤتمراتها لم تنجح في تطبيق قراراتها على أرض الواقع 37 بينما مارس الخط المتشدد أساليب نظرية وعملية لدعم موقفه نجح بعضها في كسب أنصار كثيرين لجانبه من الشباب بشكل خاص. كما نجح في إثارة الآخر واستفزازه من خلال العمليات الانتحارية التي نفذها ضده وفي عقر داره كما في تفجيرات 11 أيلول مثلا. بل أنه نجح في بلورة الفكر الرافض والمدين للإسلام وتحميل الإسلام وزر كل عمل إرهابي يقع في العالم كله. وقد تلقى الآخر هذا التحدي برد فعل يراه مناسبا كان في بعض جوانبه يعتمد على مخاطبة العقول من خلال دفق هائل من الكراسات والبحوث والكتب والنشرات والملصقات ورسوم الكاريكاتير والأفلام . وعند ما بدأ الدكتور محمد أبو نمر وهو أمريكي من أصل فلسطيني بتأليف كتابه اللاعنف وصنع السلام في الإسلام بالبحث عن مصادر لموضوعه لم يجد في مكتبة الكونغرس وهي من أعظم المكتبات في العالم سوى خمس مقالات تتحدث عن السلام في الإسلام ولكنه وجد في المقابل آلاف المواد السمعية والبصرية والمطبوعة التي تتحدث عن العنف الإسلامي.
لقد ساهم هذا الكم الكبير من المواد في تأسيس أرضية مشتركة في العالم الغربي تفترض ارتباط الإرهاب بالعقيدة الإسلامية منهجيا وعقائديا بما يحول دون إعطاء المسلمين فرصة التحاور لبناء أرضية مشتركة للسلام العالمي، أو على أقل تقدير تفترض أن دولا إسلامية معينة ومعروفة تمارس العنف والقوة ضد أتباع الديانات والمذاهب على أرضها كما في تعليق منظمة حقوق الإنسان العالمية (هيومن رايتس ووتش) على رعاية السعودية لمؤتمرات حوار الأديان حيث دعت المنظمة قُبيل انطلاق المؤتمر قادة العالم إلى ممارسة ضغوط على الملك عبد الله للسماح لإتباع الأديان الأخرى في التعبير عن عقيدتهم وممارسة شعائرهم الدينية. وانتقدت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة (سارة ليا ويتسن) السعودية لمطالبتها العالم بالاستماع إلى رسالتها حول تسامح الأديان، في الوقت الذي لا تعترف فيه بالحريات الدينية.
أي أن التصور السائد لديهم أن الثقافة والديانة الإسلامية عنيفة بطبيعتها بما يعني أن هنالك اليوم في العالم ثقافتان واحدة مولعة بالعدوانية والشراسة والعنف والقتال هي الثقافة الإسلامية وأخرى تحترم التسامح وتؤسس للسلام العالمي هي الثقافة الغربية مما يعني أن اللقاء بينهما مستحيل. ورغم هذا التصور سعى بعض القادة المسلمون لتغيير هذه القناعة سواء من خلال المشاركة الجادة الفعلية في مؤتمرات الحوار أو تبنيهم لمثل هذه المؤتمرات أو تأسيسهم لمراكز بحوث تهتم بالحوار منها على سبيل المثال: مؤتمر الدوحة السنوي للحوار في عام 2002 ومركز البحوث الأردني للتعايش مع الأديان في عام 2003 والمعهد الدولي للحوار بين الأديان والحضارات الذي أسسه الرئيس الإيراني محمد خاتمي في نفس الفترة ووثيقة (الكلمة السواء بيننا وبينكم) برعاية الملك الأردني عبد الله الثاني في 2007 ومؤتمر الحوار الذي أنعقد في مدريد برعاية الملك السعودي في 2008 والذي ضم الطيف الإسلامي إضافة إلى اليهود والمسيحيين والبوذيين والشنتونيين وأديان أخرى غيرهم، والمركز الديني للحوار الذي أسسه المسلمون في البوسنة بعد حرب التسعينات.

وقفة تأمل:
هنا لابد من وقفة قصيرة للتأمل في حالنا، وسنعرف من خلالها أننا حتى لو بادرنا في عقد مثل هذه المؤتمرات لا نفيها حقها، ونبدو خلالها غير صادقين في دعوانا. ففي مؤتمر حوار الأديان الذي عقد بعناية ورعاية سعودية في نيويورك يوم الأربعاء 12/11/2008 تحت عنوان "ثقافة السلام" والذي جاء استكمالاً للجلسة التي عقدت في مدريد وجهت المملكة راعية المؤتمر دعوة رسمية لإسرائيل لحضوره وهو أمر امتدحته حتى الصحف الإسرائيلية ومنها صحيفة (يدعنوت أحرونوت) التي نقلت لنا قولها صحيفة القدس العربي: إن العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، منح الضوء الأخضر لتوجيه دعوة للدولة العبرية للمشاركة في مؤتمر الأديان، الذي سيعقد في مدينة نيويورك الأمريكية في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، إن المستوى السياسي في "إسرائيل" ينظر إلى الدعوة بأهمية بالغة ويعتبرها دعوة تاريخية، لان هذه هي المرة الأولى، وفق المصادر في تل أبيب، التي تقوم فيها المملكة العربية السعودية بتوجيه دعوة لـ"إسرائيل" للمشاركة في مؤتمر تنظمه هي بنفسها.) وقد جاء في الأخبار أن الملك التقى الرئيس الإسرائيلي (بيريز) خلال المؤتمر وقد يكون هذا الأمر بديهيا فهي طالما وجهت دعوة لإسرائيل فمعناه أنها تريد إشراكها في الحوار، لكن الجانب السعودي بعد سماعه خبر لقاء الملك والرئيس يعلن في القنوات الإخبارية بادر فورا لنفي الخبر وتكذيبه ومطالبة الآخرين بنفيه حيث صدر عنهم يوم 31/10/2008 ما مفاده: أن المملكة العربية السعودية نفت أن يكون العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تحدث مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز على هامش مؤتمر حوار الأديان، داعية وزارة الخارجية الأمريكية إلى تكذيب هذا الخبر.
وقال مصدر سعودي مسؤول لوكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس): إن ما صرح به وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ويليام بيرنز بأن الملك عبد الله بن عبد العزيز تحدث مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز على هامش مؤتمر حوار الأديان عار من الصحة جملةً وتفصيلاً وهو أمر مختلق، وطالب وزارة الخارجية الأمريكية بتكذيب هذا الخبر وتقديم تفسير وتوضيح لمبررات هذا الافتراء الذي لا يخدم العلاقات بين البلدين الصديقين.!
وعلى الجانب الآخر انبرى حزب الله لينتقد المؤتمر واعتبره قناة خلفية مموهة لفرض التطبيع مع إسرائيل. وقال مسئول العلاقات الدولية في حزب الله نواف الموسوي: سمعنا أن ثمة اتجاها لإقامة مؤتمر في الأمم المتحدة بعنوان «الحوار بين الأديان» تدعى إليه إسرائيل.
أن هذا المؤتمر الذي يعقد بمبادرة من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وبرعاية الأمم المتحدة وبمشاركة مسئولين عرباً وأجانب لا علاقة له بالحوار بين الأديان وإنما هو قناة خلفية مموهة لفرض التطبيع مع إسرائيل وتحويلها إلى جزء من نسيج دول المنطقة.
منظمات حقوق الإنسان من جانبها انتقدت المؤتمر باعتبار انه يوفر منصة للسعودية التي تعتنق المذهب الوهابي ولا تسمح بممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات الأخرى على أراضيها، وانتقدت المنظمات أيضا السجل السعودي في مسألة حقوق الإنسان.
إن مجرد تقديم دعوة لطرف ما لحضور مؤتمر حوار تعني أنه يريد محاورته فعلا وتوجب على الطرف الراعي أن يستقبل الضيوف ويسمع وجهات نظرهم ويشاركهم الحوار، وهو ما لم ننجح في تنفيذه مما أعطى صورة للآخرين أن الإسلاميين غير صادقين في دعوتهم للحوار. ومجرد سعي المسلمين لإقامة حوار ديني مع الآخر مهما كان دينه لا يعني أنه سيحل كل المسائل العالقة ولكن مصادر الأخبار كادت أن تؤكد فقداننا للمصداقية حيث جاء فيها أن السعودية أقامت المؤتمر لتحسن صورتها أمام الغرب خصوصا في ضوء الانتقادات التي تلقتها بعد هجمات نيويورك وواشنطن.
وبحسب جمال خاشقجي عضو الوفد المرافق للملك السعودي فإن الملك يريد أن يوجه رسالة إلى العالم الغربي مفادها أن الإسلام ليس دين حرب وإرهاب، وبرسالة إلى الداخل بضرورة تغيير عقلية الشعب السعودي والمؤسسة الدينية بسبب التمييز الديني في المملكة.
ولكن لم يتم على أرض الواقع تفعيل أي من هذين المقصدين، إذ لم يفهم العالم تلك الرسالة لأنه لم يلمس الجدية والوضوح. وفي ذات الوقت صدرت عن المؤسسة الدينية السعودية دعوات مجحفة بحق بعض العراقيين شجعت بعضها على قتلهم وهذا مخالف للتغيير المطلوب بل ومعاكس له بالاتجاه.
ولكي نوضح هذه الصورة المتناقضة بشكل أكثر وضوحا ممكن أن نرجع لقواميس اللغة لنعرف منها بعض الحقائق فقد جاء في معجم مقاييس اللغة 38 الحوار مأخوذ من الحور وللحور ثلاثة أصول اللون / الرجوع / الشيء يدور دورا. والحوار يقال على ما يجري بين شخصين بحيث يسمع كل منها بعد كلامه ردا من الآخر ولهذا يقال: كلمته فلم يرجع ألي حوارا ويقولون لمن يعجز عن الجواب: لم يحر جوابا
وفي تاج العروس 39 الحوار : الاحتجاج والجدال والمراء والمكابرة والمناظرة. ومعنى الاحتجاج : إقامة الحجة لإثبات المطلوب، والجدل في اللغة : شدة الخصومة، والجدال والمجادلة بمعنى النقاش المتبادل الذي يحاول فيه كل طرف إثبات ما جاء به وإبطال رأي الآخر. والمراء : الكلام الذي فيه شدة ويقال أيضا للجدال المقرون بالشك والريبة.
ولذا كان المفروض بالسعودية حفاظا على مصداقيتها إما أن لا تدعو الرئيس الإسرائيلي لحضور المؤتمر، أو أن تجلس قبالته وتحاوره أسوة ببقية الحاضرين. أما أي الخيارين هو الصحيح فذلك متروك جوابه لمن يبحث عن جواب.

دعوة لفهم لغة الحوار:
إن الحوار لغة تدل على الاحترام المتبادل للآراء وليس مجرد فرض للآراء وتطبيقها بالقوة، ولغة الحوار تطلق العنان لأفاق الابتكار وتفتح أبوابا رحبة لطرح الأفكار المحترمة . ونحن متى ما توصلنا إلى احترام الرأي والرأي الأخر ، سنتعلم كيف ندير حوارا ونؤسس للغة حوارية بدل لغة وثقافة العنف التي تحكمت بمصائر شعوبنا على مر التاريخ. ومن خلال هذه اللغة سنتعالى عن الغطرسة في فرض آرائنا على الآخر ونصبح أكثر تقبلا لآرائه بتواضع وعندها نكون قد قطعنا شوطا كبيرا في تطوير المجتمع و اجتزنا مراحل متعددة نحو أفاق النهوض.ولاسيما أننا نشترك جميعا بقناعة مفادها أن الإسلام دين حوار يقول أ.د. محمد خليفـة حسن مدير مركز الدراسـات الشرقيـة جامعة القاهرة: ( يعد موقف الإسلام من الحوار بين الأديان من أكثر مواقف الأديان إيجابية وقبولاً. وعلى الرغم من وجود أديان أخرى ترحب بالحوار بين الأديان وتقبله فإن الموقف الإسلامي من الحوار يتصف بالإيجابية التامة إلى حد يمكن معه وصف الإسلام بأنه دين الحوار.)40 كما أننا ندرك عن يقين أن الإنسان مهما اختلفت ديانته يواجه واقعا واحدا، وظروفا معيشية واحدة، ومشكلات حيوية واحدة. وما موجود عندنا موجود حتما لدى الآخر ولو بشكل مقارب إذا لم يكن تام التطابق. والملك السعودي أوضح في كلمته في افتتاح مؤتمر نيويورك هذه القناعة بقوله: (جئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين حاملا معي رسالة من الأمة الإسلامية، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخرا في رحاب بيت الله الحرام، رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، رسالة تبشر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع. )
هنا لا يفوتنا أن نذكر أن هناك حوار للأديان وهناك حوار ديني.
حوار الأديان كما يرى عبد العزيز التويجري : (يهدف إلى فهم الأديان والمذاهب باستخدام الحوار وسيلة علمية وتعليمية ولطرح التساؤلات الهادفة إلى تحقيق الفهم وإدراك المعنى. وبالإضافة إلى هدف الفهم يهدف الحوار إلى تحقيق التفاهم بين الأديان لمعرفة نقاط الالتقاء من أجل دعمها وتقويتها، والتعرف على نقاط الاختلاف من أجل فهمها والتقريب بينها مع عدم اتخاذ التخلص منها هدفاً للحوار وذلك لأن نقاط الاختلاف تمثل خصوصية الأديان وهويتها، وتظهر شخصيتها في مواجهة الأديان الأخرى. ولذلك فالحوار البناء يحافظ على استقلالية الأديان، ويبني العلاقة بين الأديان على أساس من قبول التعددية الدينية وحرية التدين لتكون مبادئ مهمة ثابتة للحوار بين الأديان)41
أما الحوار الديني فيهدف كما يقول د. محمد خليفة حسن إلى (تحقيق الفهم والتفاهم وتبادل المعارف الدينية لا فرضها بقوة الجدل وعلى الرغم من الثقافة الدينية الرفيعة التي يجب أن يكون عليها المحاور وبخاصة في مجال الأديان وموضوعات الحوار الديني فهو يجلس في مجلس المتعلم أمام صاحب الدين حين يشرح أمرًا يختص بدينه، وهو في الوقت نفسه قادر على تبادل الفكر والرأي معه إما بإعطاء وجهة نظر دينه في الموضوع المطروح أو حين يبدي رأيا في الدين الآخر مبنيا على أساس من معرفة علمية بالدين الآخر تسمح له بطرح التساؤلات وإثارة المسائل التي تساعد على الفهم وتكشف الغموض وتبعد الأخطاء والشبهات)
هناك أيضا الحوار الداخلي إي حوار المذهب وهو كما يقول: صوفي أبو طالب:
(الحوار الداخلي بين مذاهب وفرق الدين الواحد يؤدي إلى تحقيق التقارب بين هذه الفرق والمذاهب الداخلية ويعد الحوار الداخلي على القدر نفسه من الأهمية التي للحوار الخارجي بين الأديان) 42
والذي أعتقده أننا بحاجة اليوم لهذه النماذج الثلاثة: للحوار الديني، وحوار الأديان، والحوار المذهبي، عسى أن ننجح في حل مشاكلنا ونؤسس لثقافة قبول جديدة قائمة على مباديء الاحترام المتبادل والثقة والرغبة بالتعايش. وإذا كانت مقررات مؤتمرات حوار الأديان لم تنجح في تغيير الواقع لأنها كما يقول د.حسن عزوزي: (لقد دعت محافل ومنظمات كثيرة إلى حوار الحضارات منذ الستينيات من القرن المنصرم ثم انتهى الحوار إلى أوراق نشرت في كتب وأذيعت في صحف لكنها لم تثمر نتائج ملموسة حتى الآن)43 فإن روح المواطنة والرغبة الصادقة المدعومة بالمهنية والسعي الرسمي والشعبي المدعوم من قبل رجال الدين في المذاهب الإسلامية كافة ممكن أن يفعل تنفيذ المقررات ويتابع تنفيذها ومراحل التنفيذ أيضا من خلال لجان مشتركة تعرض نتائج تقاريرها على لجان فرعية متخصصة يشكلها المؤتمر لهذا الغرض لكي تقوم بتجميعها وتنظيم مؤتمرات مشتركة جديدة للتباحث بشأنها واتخاذ خطوات أخرى. أما أن نقيم في كل عام أو عامين مؤتمرا يتيما نكتفي خلاله باحاديث المجاملة فذلك لا يجدي نفعا ولا يحل مشكلة.
ولما كان الحوار واحدا من المباحث الجادة في ثقافة القرن الحادي والعشرين كما يقول محمد الريشهري44 فإن الجدية تدفعنا وبلا خوف لنتطرق في مؤتمرات حوارنا إلى أعمق المشاكل القائمة وأكبرها وأشدها حساسية لأن تجاوزها بحثا عن سلام مزعوم مهما كانت صورته، أو تحت ذريعة عدم التدخل في شؤون الآخرين الخاصة، ليقال أنهم توصلوا إلى سلام، لا يعني حل المشكلة مطلقا وإنما يعني أننا بسبب ألأنانية والعجز هدأنا اللعب ورحلنا المشاكل إلى المستقبل ليعيش أبناؤنا نفس معاناتنا، وهي برأيي جريمة كبرى نرتكبها بحق الأجيال القادمة. كما أن هذا الأسلوب مرفوض أيضا من المتخصصين في تحليل وحل النزاعات. وقد قال الدكتور أبو نمر: ( التعددية تعني سعي الشخص لتجاوز النزعة الاقصائية تجاه الدين الآخر من خلال التأكيد على القيمة الأصلية لجميع الأديان وهناك من ينظر لهذه الأطروحة بشيء من الريبة. كتب بارنز قائلا: "من المؤكد أن العالم الديني الذي تكثر فيه مزاعم الحقيقة وتُدفن فيه الاختلافات المهمة، تحت شعار ديني مفاده عدم التدخل المتبادل في شؤون الأخر، يبدو عالما غير مرغوب فيه قطعاً)45
ويلاحظ مختلف الباحثين " أن أفضل أنواع الحوارات هي تلك التي غالباً ما تدخل وبعمق في صلب خصوصيات عقائدها،ولهذا فأن تأسيس الحوار أو التعاون بين الأديان بشكل حصري على أساس الفهم ألتعددي للواقع هو احتيال على الحوار بصرفه عن بعض من مصادره الغنية
يقول ميخائيل أنتوني بارنز:"أن الحوار ..ليس مجرد مساهمة أو انعكاس للتجربة الدينية بل هو بذاته ممارسه دينية. 46 أما قول كاردينال أيرنز:( أن المؤتمر العالمي حول الدين والسلام برهان ، لمن يحتاج إليه ، على أن بإمكان أتباع الديانات الكبيرة في العالم أن يجتمعوا للقيام بشيء ما لإشاعة العدل والسلام دون الحاجة لمناقشة ممارساتهم وعقائدهم الدينية الخاصة) 47 فلا يعني مخالفة هذه القاعدة بقدر ما فيه من إشارة إلى احترام الخصوصيات

توصيات
•التأكيد على أهمية مؤتمرات الحوار بشقيها المذهبي والديني الداخلية منها والخارجية.
•وضع جدولة لعقد مؤتمرات دورية بمشاركة كافة الفئات الدينية والثقافية والفكرية.
•محاولة جذب الفئات التي ترفض الحوار لحضور هذه المؤتمرات وطرح وجهات نظرها
•تشكيل لجان لمتابعة تنفيذ مقررات المؤتمرات ورفع التوصيات.
•تشكيل منظمة حكومية في مجلس الوزراء أو مجلس النواب خاصة بالحوار.
•إدخال موضوعة الحوار وثقافة التسامح في مفردات النظام التربوي وتحويله إلى تعليم مؤسساتي في وزارة التربية
•تشجيع ودعم مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بالحوار ودعمها ماديا ومعنويا. والاهتمام بالتطوير المهني وبناء القدرات لأعضائها ولاسيما أن معظم المنظمات لموجودة حاليا تفتقر إلى المهارات العلمية، مع سد حاجتهم من المنسقين المحترفين لتطوير وتنمية فهمهم لعمليات الحوار وآلياته . وإدخالهم في دورات تدريبية داخل وخارج القطر وزجهم في المؤتمرات الكبيرة

صالح الطائي
كاتب وباحث في الشؤون الإسلامية
salih_altaie@yahoo.com هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته

............................
المراجع
1. القرآن الكريم
2. نهج البلاغة، ابن أبي الحديد ألمعتزلي، دار إحياء الكتب العربية،عيسى ألبابي ألجلبي،1962
3. صحيح البخاري باب قتال الخوارج، محمد بن إسماعيل البخاري،دار إحياء التراث العربي، بيروت،2001
4. الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني، دار المرتضى،بيروت، 2007
5. اللاعنف وصنع السلام في الإسلام ، الدكتور محمد أبو نمر ،ترجمة لميس يحيى، الأهلية للنشر،عمان،2008
6. الإسلام ومنطق القوة، السيد محمد حسين فضل الله،دار الملاك، بيروت،ط4، 2003
7. الجهاد والإسلام،التحيز في مواجهة الواقع، أ. ج. نوراني، ترجمة رياض حسن، دار الفارابي، بيروت،2007
8. الإسلام بين الأمس والغد، لوي غارديه ومحمد أركون، ترجمة علي المقلد،، دار الفارابي، بيروت،2006
9. من نحن، صموئيل هنتنغتن، ترجمة حسام الدين خضور،دمشق، 2005
10. العالم الإسلامي والغرب، دراسة في القانون الدولي الإسلامي، صلاح عبد الرزاق، مؤسسة دار السلام،لندن،2002
11. الجهاد في سبيل الله ، أبو الأعلى المودودي، الاتحاد الإسلامي العالمي ، الكويت
12. الإسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري، د. حسن عزوزي، بحث نشرته مؤسسة البلاغ
13. الإسلام والعنف،الواقع وتحدي الإرهاب وأزمة البناء التعليمي، د. خالص جلبي وآخرون،دار الكرمل، عمان،2005
14. الإسلام والتجديد، رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر، علي المؤمن، دار الروضة، بيروت،2000
15. الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية، عبد العزيز ألمحمد السلمان، مطابع النصر الحديثة، الرياض
16. صناعة السلام في الإسلام منذ الحادي عشر من سبتمبر، ديفيد سموك وقمر الهدى، ترجمة عبد علي ألسعيدي،مراجعة وتدقيق صالح الطائي، معهد السلام الأمريكي
17. علم نفسك علم النفس، سارجنت واي، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد
18. المدخل إلى دراسة علم النفس الاجتماعي،د. فوزية العطية، بغداد، 1992
19. الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعة، الدكتور عبد الرحيم بن صمايل السلمي، تحميل من الانترنيت
20. معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ط 2 ، مصر ، 1389
21. تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت،1414 هج
22. الحوار الديني ودوره في مواجهة التطرف الديني والإرهاب ، د. محمد خليفة حسن ، القاهرة،مصر
23. الهوية والعولمة، عبد العزيز التويجري مجلة رسالة التقريب ، العدد 23 طهران 1999م ،
24. الحوار بين الأديان، الإسلام ومستقبل الحوار الحضاري، صوفي أبو طالب، القاهرة 1996
25. حوار الدولة والدين، سمير أمين وبرهان غليون، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1996
26. الوحدة في الاختلاف، د. محمد أبو نمر وآخرون ، ترجمة عبد علي ألسعيدي، مراجعة وتدقيق صالح الطائي، الكتاب تحت الطبع
27. الحوار بين الحضارات في الكتاب والسنة، محمد الريشهري،دار الحديث، دار إحياء التراث العربي، طهران

.............................
الهوامش
1- اللاعنف وصنع السلام في الإسلام أبو نمر ص23
2- صحيح البخاري حديث رقم 1225 ص 1225 باب قتال الخوارج
3- ينظر الإسلام ومنطق القوة ص 6
4- نهج البلاغة ص 501
5- نهج البلاغة ص 542
6- وسائل الشيعة 6/ 406
7- الإسلام والعنف، الجلبي ص20
8- الجهاد والإسلام،التحيز في مواجهة الواقع، أ. ج. نوراني، ص 73
9- المصدر نفسه ، ص66
10- الإسلام بين الأمس والغد، لوي غارديه ومحمد أركون ، ص 89
11- الإسلام ومنطق القوة ص 223
12- صموئيل هنتنغتن، من نحن ، ص 44
13- المصدر نفسة، مقدمة المترجم ص 7
14- العالم الإسلامي والغرب، صلاح عبد الرزاق، ص 164
15- الجهاد في سبيل الله ، أبو الأعلى المودودي، ص 9
16- العالم الإسلامي والغرب ، مصدر سابق ،ص 169
17- الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية، عبد العزيز المحمد السلمان، ج / 3 ص / 58
18- الإسلام والعنف،الواقع وتحدي الإرهاب وأزمة البناء التعليمي، د. خالص الجلبي، ص 19
19- حوار الدولة والدين، سمير أمين وبرهان غليون، لبنان
20 الإسلام والتجديد، رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر، علي المؤمن ،ص18
21 - ينظر الكافي 5/12
22- الاسلام والعتف ، الجلبي ص 20
23- سورة الحجرات الآية 49
24- حوار أجراه إيرين جوفيرسين ،وترجمة: رائد الباش، ونشره موقع قنطرة 2009
25- علم نفسك علم النفس، سارجنت واي ص 44
26- الإسلام بين الأمس والغد ، لوي غارديه، ص 88
27- المدخل إلى دراسة علم النفس د. فوزية العطية،ص 121
28- صناعة السلام في الإسلام منذ الحادي عشر من سبتمبر، ديفيد سموك وقمر الهدى ص 2
29- المصدر نفسه ص3
30- الإسلام، هنا من المجدي أن نعرف أن هذا الشيخ الجليل وقف يوم 10/11/2009 ليعلن أن من يقاتلون الحوثيين إنما هم مجاهدون، وقال بالحرف الواحد: هؤلاء الجنود المرابطون إنما هم في جهاد يحرسون ثغرا من ثغور الإسلام وهم على خير وأجر عظيم في إخلاصهم ودفاعهم عن الوطن. ثم قال: إن عقيدة الحوثيين فاسدة ومن يقاتل عقيدة فاسدة إنما هو من المجاهدين وله أجرهم.
31- المصدر نفسه ص 5
32- الجهاد في الإسلام، أ. ج . نوراني ، ص 116
33- صناعة السلام في الإسلام ،سموك وقمر الهدي ص 4-6
34- الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعة، الدتور عبد الرحيم بن صمايل السلمي، تحميل من الانترنيت، ص 1
35- عرف محمد ابو نمر اللاعنف بأنه مجموعة مواقف ومفاهيم وأفعال المقصود منها اقناع الناس على الجانب الآخر بتغيير آرائهم ومفاهيمهم وافعالهم. ينظر ص 26 اللاعنف وصنع السلام في الإسلام
36- على سبيل المثال دار التقريب بين المذاهب الاسلامية التي تأسست في القاهرة في أربعينات القرن الناضي وأصدرت مجلة رسالة الإسلام عام 1949 وتواصل نشرها حتى شهر تشرين الأول من عام ١٩٧٢. ثم أوقف العمل بهذا المشروع وأغلق مقره في القاهرة. وقد تعرض المشروع للكثير من النقد الجارح في حينه على يد مفكرين معروفين منهم محمود الملاح الذي وثق كتاباته الرافضة للمشروع في كتابه مجموع السنة النبوية!
37- لقد رافق الفشل أغلب المؤتمرات رغم نجاحها في التنظيم والمشاركة ففي مؤتمر الدوحة لحوار المذاهب الإسلامية الذي عقد في 23/1/2007 بتنظيم جامعة قطر وبالتعاون مع جامعة الأزهر والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والذي شارك فيه أكثر من مائتي عالم من أكثر من أربعين دولة صدرت توصيات على مستوى عال من المسئولية منها إدانة ما يحدث في العراق من حرب طائفية بين السنة والشيعة وحرمة دم المسلم وماله وعرضه واستنكار الجرائم المرتكبة على الهوية المذهبية ولكنها لم تفعل على أرض الواقع ولم تنجح في ترك أي أثر على الواقع العراقي. وتكررت الصورة في مؤتمري مدريد ونيويورك حيث ركنت توصياتهما على رف النسيان ففي الوقت الذي اتفقت الدول المشاركة في المؤتمر على رفض استخدام الدين لتبرير الاعمال الارهابية وقتل المدنيين الابرياء واعمال العنف والاكراه. نجد أن العنف الديني في أعلى مستوياته. وفي الوقت الذي اعربت فيه اكثر من 80 دولة مشاركة في المؤتمر عن شعورها ببالغ القلق ازاء تنامي "التعصب وانعدام التسامح والتمييز والعنصرية ضد جميع الاقليات الدينية في مختلف انحاء العالم لم نسمع بمبادرة حقيقية لوقف هذا التدهور وفي الوقت الذي دعا فيه الملك عبد الله في كلمته امام المؤتمر إلى قيام جبهة موحدة ضد الإرهاب "عدو كل الأديان" وإلى تشجيع التسامح بينها. لم نجد بعد مرور أكثر من عام من يسعى لقيام الجبهة أو يشجع ثقافة التسامح بشكل حقيقي
38- أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، ج2 ص 115 ـ 116
39- تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، ج6 ص317
40- الحوار الديني ودوره في مواجهة التطرف الديني والارهاب ، د. محمد خليفة حسن
41- الهوية والعولمة، مجلة رسالة التقريب ، العدد 23 طهران 1999م ، ص132
42- صوفي أبو طالب، الحوار بين الأديان، الإسلام ومستقبل الحوار الحضاري
43- بحث بعنوان الاسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري نشرته مؤسسة البلاغ
44- الحوار بين الحضارات، محمد الريشهري، ص 9
45-. ينظر الوحدة في الاختلاف، د. محمد أبو نمر وآخرون ، الكتاب تحت الطبع
46- المصدر نفسه
47- المصدر نفسه

المصدر: http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك