ما الذي تعنيه الثقافة الإنسانية؟ وما أهمية التأكيد الدائم عليها؟

بداية، يُمكن التنويه إلى أن الثقافة الإنسانية لا تمثل معنى رديفاً للفكر الإنساني. الثقافة ليست هي الفكر ذاته، إن على مستوى الدلالة أو الاصطلاح.

يُمكننا تعريف الثقافة الإنسانية بأنها القيم (والعادات والتقاليد) المشتركة بين بني البشر.

وهي: المثل المضيئة، العابرة للأقاليم والأعراق والأديان.

وهي: السلوكيات التي تجد مرجعيتها في الفطرة الإنسانية ذاتها.

وهي: قيم الأخوة، والمحبة، والتسامح، والعطاء، والتضحية من أجل الآخر.

إنها "ثقافة" الخير -كما في التعبير الشرقي، و"ثقافة" الأمل- كما في التعبير الغربي.

الثقافة الإنسانية لا جغرافية لها، ولا انتماء عرقيا، ولا أي تأطير خاص.

في المدركين الشرقي والغربي، تُعد الثقافة الإنسانية انعكاساً (أو انسياباً) طبيعياً للفطرة ذاتها.

ومن هنا، فإن التأكيد على هذه الثقافة يُعد تأكيداً على الفطرة البشرية، وهو عودة حقيقية لها.

وما الذي يربط بين أحمد شوقي ووليام شكسبير، وبين المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنغ؟

إنها الثقافة الإنسانية. ثقافة الأمل.

الثقافة الإنسانية هذه، تعني الانتقال من الخاص إلى العام، ومن الحيز الصغير إلى الأوسع مدى، ومن الانتماء الجزئي (المؤطر بثقافة محددة) إلى الانتماء الكلي - أي الانتماء للإنسان ذاته.

هي إذاً ثقافة خلاقة، تنسجم مع الروح ومكنونها الأكثر عمقاً وعظمة. هي ثقافة نحو الأعلى، في مقابل ثقافة الأنا المتجهة نحو الأسفل، نحو التراب، بما يجسده من تساقط وهبوط.

لقد خلق الإنسان من نفحة من روح وحفنة من تراب، والروح تدفعه نحو الأعلى والتراب يشده نحو الأسفل. والصراع بين الروح والتراب هو جوهر الإرادة الإنسانية، بل هو كنهها ومنبعها. وبالقدر الذي تتقدم فيه الروح، بالقدر الذي تتجلى لدى الفرد المثل العليا، التي نعبر عنها بالثقافة الإنسانية.

ولماذا التأكيد على هذه الثقافة في هذا الوقت بالذات؟

هذا سؤال جوهري.

اليوم، تواجه البشرية طوفاناً من ثقافة الكراهية، ثقافة الأناء المنغلقة، التي لا ترى في الآخر سوى تمايزه واختلافه: دينه أو عرقه أو لون شعره.

هذه الثقافة تُعد في جوهرها مسيرة تدمير، تُقوض القيم وتميت الروح.

البشرية أمام خيارين لا ثالث لهما: تنتصر الثقافة الإنسانية، بما تعبر عنه من قيم عليا، أو تهيمن ثقافة الكراهية.

ومن سيقرر النتيجة ويحسم اتجاهها؟

هناك تحدٍ مشترك، أو خطر عام، والقوى الحرة في هذا العالم لا تمتلك من خيار سوى أن تتحد وتتكاتف.

الناس، في الشرق والغرب، يشعرون الآن بالخطر، أكثر من أي وقت مضى.

هناك قوى ظلامية، معادية للتطور، غاشمة ومتوحشة، يسرها تقويض الحضارة والرفاه البشري. لا تريد لأحد أن يعيش وفق تقاليده وقيمه التي اعتادها هو وأباؤه، بل كما تريد هي.

هذا الواقع، لا يُمكن مواجهته بسياسات أحادية، بل برؤية كونية واضحة، تلحظ الأسباب والخلفيات، وتعي المداخل والوسائل والآليات.

بالطبع، هناك خصوصيات يفرضها واقع الحال، لكن هذه الخصوصيات لا تحول، ولا يجب أن تحول، دون تأكيد المنظور العالمي للتحدي، وكيفية مقاربته.

وقد يعتقد البعض أن هذه معركة الدول لا الشعوب. وهذا خطأ كبير. هذه معركة القوى المتنورة في مواجهة قوى الظلمة والردة الاجتماعية.

القضية هنا تبدأ بإنارة العقل وإضاءة الروح. بتأكيد الثقافة الإنسانية وتعميمها على أوسع نطاق، بمختلف الوسائل العصرية، وهي متاحة وكثيرة.

إن المطلوب دائماً هو زرع ثقافة احترام الإنسان لأخيه الإنسان. وأن ينظر كل فرد للآخر من زاوية مشتركه الإنساني، لا من زاوية تمايزه العرقي أو الديني أو الجغرافي، أو أي تمايز آخر.

إن البشرية اليوم بصدد معركة مقدسة. وعلى الجميع تحمل مسؤولياته بوعي وأمانة.

المصدر: http://www.alriyadh.com/1593383