تطوير الذات المقدس

أميمة الخميس

 

برامج وورش عمل التنمية البشرية وتطوير الذات لا تقدم علما قائما مستقلا بذاته، بقدر ما هي شذرات ونثار من نظريات في علم الإدارة والاجتماع وعلم النفس، وضعت في حواضن مرفقة بالطب البديل، والباراسيكولجي وبعض من مكونات تيار (العصر الجديد) الرائج في الغرب، في إطار الماورائيات، والفلسفات الشرقية والصوفية الإشراقية.

وهو الأمر الذي جعلها تلقى قبولا ورواجا عالميا مقابل حقائق الحداثة والعلم المزدحمة بالحتميات الصارمة المبشرة بالفناء.

الشرق -ولاسيما منطقتنا- استقبل نظريات وورش تطوير الذات استقبالا حافلا، لاسيما مع انحسار المد الصحوي وخطابه الذي عجز عن أن يقدم أجوبة لأسئلة الشباب الوجودية، عدا حزام ناسف وبطاقة صعود لمركبة سريعة للآخرة.

لذا الفراغ الفكري الناتج عن هذا الانحسار جعل فلول وعاظ الخطاب الصحوي، يجدون في برامج وورش تطوير الذات وعاء ملائما لتدارك بضاعتهم ونجوميتهم ويسوقها ويعيد تدويرها قبل كسادها.

فالمشترك بينهما كثير، والأرضية التي ينطلقان منها تحتوي الكثير من المتشابه.

  • تشترك ورشة تطوير الذات مع الخطاب الوعظي في المهمة التبشيرية، حيث ينطلق الخطاب من أعلى إلى أسفل أي من معلم (غورو) عليم عارف يمتلك أعمدة الحكمة كلها، أو واعظ فقيه يتأبط قداسة النص، ومن ثم ينثرونها فوق الرؤوس المتلهفة للإجابة أو الحل الذي يفكك غموض العالم، فطابع الخطاب في ورش تطوير الذات يغيب عنها الفلسفة والمنطق والفكر النقدي الشاك.
  • حضور اللاعقل وخوارق الشعور، وما وراء الطبيعة، وطفرات اللاوعي والأحلام، بشكل كثيف مشترك بين الخطابين، مكرسا جاذبية جماهيرية لخطاب عاطفي لا عقلاني.
  • الإطار العلمي الذي تقدم ورش تطوير الذات نفسها عبره، منح الواعظ السابق والمدرب الحالي، بعضاً من الوجاهة في الأوساط العلمية، فهو لم يعد الواعظ التقليدي، الذي يقدم أطروحات في حلقات، بل أصبح الرجل العلمي الذي يقدم عروضه عبر برنامج باور بوينت، بمسحة من وجاهة الطبيب الأنيق.

ويبدو أن هذا الخطاب الفكري سيبقى رائجا لفترة طويلة، ولاسيما أنه تفرغ من محتواه التحريضي المسيس السابق، والداعي إلى العنف وتكفير المؤسسات الرسمية، وتقصقصت مخالبه المتوحشة، ووجد في ورش تطوير الذات ملاذات آمنة، وخلوة مناسبة مع جمهوره القديم.

وقد يكرس هذا الحضور غياب مشروع فكري نهضوي بديل، يستقطب الشباب ويجير قدراتهم وطاقاتهم، ويمتد ليتسع ويشمل جميع أحلامهم وقدراتهم.

http://www.alhiwartoday.net/node/add/story

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك