البرامج الحوارية .. ماذا تستهدف؟

د. عبدالرحمن الطريري
 

تخيلت نفسي مقدم أحد البرامج الحوارية في إحدى القنوات ذات الشهرة العالية والمتابعة الجماهيرية وتساءلت مع نفسي، ما البرنامج الذي سأقدمه؟ أي ما الفلسفة التي يفترض أن يبنى في ضوئها البرنامج والتي سيكون لها دورها في تحديد الأهداف، وصياغة الشكل العام للبرنامج؟ أي هل سيكون من النوع الهادئ الذي يتم الحوار فيه بتخاطب عقلي ورزانة، أم أن روح البرنامج المناكفة، والصراخ، وفقد الأعصاب، والسباب بين المتحاورين؟ وهل سأتحدث أكثر من الضيوف، وأحاول توجيه النقاش بما يخدم أهدافا محددة، وحاجة في نفس يعقوب، أم سأترك النقاش بصورة طبيعية. ما من شك أن ما سأحدده من أهداف للبرنامج ستتأثر وتؤثر في مجموعة من العوامل.. القناة التي يقدم فيها البرنامج والفلسفة التي تتبناها في برامجها وطريقة طرحها للأمور، فهل الخبر لمجرد الخبر، وهل المعلومة لمجرد المعلومة، أم أن أهدافا يجب السعي لتحقيقها تمكن وراء هذه الأشياء لذا يمكن التلاعب في المعلومة إما ببترها، أو تشويهها، أو عرضها واختيار الصياغة التي تجعل المعلومة أو الخبر متسقة مع فلسفة القناة والتوجه الذي اختطته لنفسها.

المجتمع والوطن الذي تنتمي له القناة سيؤثر حتما أو هكذا يفترض، إذ من الصعب تصور انفصال قناة عن محيطها والمجتمع الذي تنتمي إليه بثقافته، ونظمه، وواقعه الاقتصادي، والتحديات التي تواجهه تنمويا وسياسيا.

الجمهور المستهدف يفترض أن يكون عاملا رئيسا يتم أخذه في الاعتبار عند التخطيط للبرنامج فلكل برنامج جمهور محدد من حيث طبيعة المناسب للجمهور وطريقة العرض فالأطفال قد يقدم لهم برنامج حواري لكن موضوعه يجب أن يتناسب مع اهتماماتهم ونضجهم وبما يساعد على النمو المتوازن لهم بدلا من إقحامهم في مواضيح تحدث لديهم الحيرة والشك والارتباك والقلق ما يؤثر في الثوابت الدينية والوطنية لديهم. موضوعات العقيدة الحوارية على سبيل المثال لا يناسب عرضها للأطفال بصورتها الجافة المعقدة لكن يمكن تناول الموضوع بصورة أقرب إلى الأذهان بدلا من إغراقهم في موضوع شائك يصعب عليهم هضمه واستيعابه. من متابعة دقيقه لبعض البرامج الحوارية في عدة قنوات، خاصة القنوات العربية تبين لي أن بعضها قد تبنى خطا يتناسب مع النهج الذي تتبناه القناة بشكل عام حتى تحول النهج إلى مسحة تميز القناة عن غيرها من القنوات، وفي ظروف ومواقف عدة تجد القناة تسعى جاهدة لخدمة نهجها في جميع منتجاتها الإعلامية سواء كانت أخبارا، أو برامج حوارية، والدعايات مجافية في ذلك الحقائق والمنطق والثوابت ونهج الوطن ما يعرض الوطن ومصالحه للمخاطر.

يدعي القائمون على هذه القنوات، أو البرامج أنهم يعتمدون الموضوعية وأنه لا يوجد لديهم نهج محدد أو أهداف وتوجهات محددة مسبقا يسعون لتحقيقها، رغم أن الواقع يخالف الادعاء ولو قدر لباحث وأجرى دراسة علمية باستخدام منهج تحليل المحتوى لمنتجات القناة لتبين له وجود نسق واضح تدور حوله كل الفعاليات الإعلامية وتسعى لتحقيقه.

البرامج الحوارية على تعددها قد تكون للتسلية والترفيه، وقد تكون لبناء العقول وإحداث طفرة تفكير عند المشاهدين تجعل منهم جيلا ذا اهتمامات نبيلة ومهمة في حياة الوطن والأمة ومستقبلهما، كما قد يكون الهدف بث معرفة وثقافة عامة كحوار بشأن البيئة أو التغذية والصحة أو الأنظمة، كما قد يكون حوارا في شأن ديني أو دنيوي كمسألة اقتصادية أو تجارية.

لا شك أن فلسفة البرنامج وأهدافه ومقدمه في مهاراته وثقافته واستعداده وحسن اختيار الضيوف لها دورها في جعل البرنامج شيقا مفيدا بانيا للعقول أو من الممكن أن يكون تسطيحا للعقول مضيعا للوقت، قاتلا للطموح، مضعفا للدوافع.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=2200

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك