الحرية الدينية والرخاء الاقتصادي

 إلان ألون

  جريجوري تشيس

 

“لا إكراه في الدين” 
القرآن الكريم، سورة 2، الآية 256


إن الفكرة الأساسية بأن حرية الفرد في الاختيار سوف تطور المجتمع بشكل كبير هي حجر أساس للفلسفة السياسية وللنظرية الاقتصادية للعالم الغربي. لقد أيّد الفلاسفة السياسيون الأوائل مثل جون ستيوارت ميل والاقتصاديون الأسطوريون مثل آدم سميث طريقة منفعية للحياة السياسية والاقتصادية، بحيث أن التحسن في مصالح ومنافع الفرد الواحد يساعد كذلك الآخرين. إن الحرية متعددة الاتجاهات، فالجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مرتبطة ببعضها البعض، لكنها لا تُظهر توافقاً تاماً، فعلى سبيل المثال، هناك بلدان كالصين وسنغافورة سبقت فيها الحرية الاقتصادية الحرية السياسية.

يساهم هذا المقال في مجمل ما كتب عن الموضوع من خلال تقييم ومناقشة تأثير الحرية الدينية التي هي من الحقوق المدنية الأساسية، والتي تشمل حرية العبادة، والتحرر من الاضطهاد الديني، وحرية الصحافة الدينية، وحرية التعبير الديني، وحرية التنظيم الديني والانتساب للمنظمات الدينية. إن الأعمال التجارية العالمية يجب أن تُعنى بالحرية الدينية لأنها تؤثر على البيئة العامة للعمل، والعلاقات السياسية بين الدول، ورأي المستهلك بالشركات المنفذة للعمل في الدول التي تقمع الحرية الدينية. فحديثاً، اضطرت الشركة الصينية النفطية المحلية، العاملة مع جولدمان ساكس، إلى تقليل حجم خطتها لجمع الأموال مع مستثمرين أمريكيين بحوالي سبعة بلايين دولار بسبب ارتباطات الشركة بالسودان، والتي وصفتها الحكومة الأمريكية بأنها أكبر دولة منتهكة للحرية الدينية في العالم (شيا، 2000).

الحرية الدينية، مخاطر الدولة، والثقافة 

لقد بحثت العديد من الدراسات في تأثير الحرية الدينية والثقافة على مناخ العمل، حيث قام ألون وسبتزر (2003) بالنظر في تأثير الحرية الدينية على عدة أشكال من مخاطر الدول، بحيث أنهم قارنوا بين حدة مخاطر الدولة ومستوى الحرية الدينية بالإضافة إلى العديد من المتغيرات الأخرى كذلك. وقد أظهرت نتائجهم بأن الحرية الدينية تؤثر في عوامل مخاطر الدولة إذا تم إدراكها من خلال الأعمال وليس من خلال البنوك. وقام لافوي وشاملي-رايت (2000) بوضع الدين ضمن سياق ثقافي أوسع وبحثوا العلاقة بين الثقافة وحوافز السوق، وجادلوا بأن هناك حاجة لإعطاء المزيد من الاهتمام للجانب “الروحي” للاقتصاد وعناصر أخرى من الثقافة، مثل “الروح الدافعة للمغامرة والريادية”.

وفي دراسة حول النمو الاقتصادي، وجد جونسون ولينارتوفيتش (1998) علاقة مهمة إحصائياً بين مقياسين للثقافة ومُعامل الحرية الاقتصادية. وأخيراً، بحث إستيرلي وليفين (1997) الاختلافات في بلدان ذات معدلات عالية من التنوّع العِرقي—والذي هو عنصر من البيئة الاجتماعية المتعلقة بالدين—ووجدوا أن استقطاب الجماعات العرقية يؤدي إلى سلوك نازع نحو الانشقاق ويُضعف الأداء الاقتصادي.

الحرية والرخاء 

إننا في هذا المقال نستخدم عدة نماذج إنحدار لنرى كم من التنوع بين الدول من حيث حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (حسب تعادل القوة الشرائية) من الممكن تفسيره من خلال الحرية الدينية والحريّات الأخرى. إن تعدد التسامت الذي يؤثر على تحليل الإنحدار من خلال قياسه بعامل التباين في التضخم قد تم اختباره وبشكل عام لم يكن مهماً إلاّ في المواضع التي تم الإشارة فيها إليه. بعد بارو ومكليري (2003) تم تحويل جميع المتغيرات لوغارتمياً لتقليل التوزيع غير المتساوي للتباين المحتمل وقوعه ولتحويل معاملات الإنحدار إلى مقاييس المرونة أو التمغط. لقد تم عكس قيم الحرية الاقتصادية من أجل التفسير البديهي للنتائج بحيث يشير المعامل برقم موجب إلى علاقة إيجابية بين الحرية الدينية والمتغير التابع لها.

لقد استخدمنا مقياس معهد فريزر للحرية الاقتصادية ﻠـ123 دولة. إن معامل الحرية الاقتصادية يضم خمسة عناصر أساسية: حجم الحكومة؛ والهياكل القانونية وأمن حقوق الملكية؛ والسياسة النقدية المستقرة؛ وحرية التجارة مع الأجانب؛ وتنظيم الائتمان والعمال والأعمال. وتضم هذه المجالات الواسعة 37 عنصراً مختلفاً.[1]

لقياس الحرية الدينية، قمنا بالاعتماد على مارشال (2000)، الذي قيّمت النسخة المحررة منه وضع الحرية الدينية في 75 دولة تضم أكثر من 90% من سكان العالم، وقد أعطيت كل دولة رقماً ما بين 1 إلى 7 بناءً على مستوى الحرية الدينية فيها، بحيث ركّز المقياس على إنكار حق الفرد في ممارسة دينه.

وبالنسبة للبيانات المتعلقة بالحريات السياسية والمدنية فقد اعتمدنا فريدم هاوس وتم إعطاء قيمة ما بين 1 إلى 7 لكل من هذين النوعين من الحريات. عند تحليل الحريات المدنية فإن فريدم هاوس تركز على الحقوق الفاعلة وليس فقط على الضمانات الدستورية، وتضم تلك الحقوق  التعبير والعقيدة، وحقوق التنظيم والانتساب للمنظمات، وسيادة القانون وحقوق الإنسان، والاستقلال الشخصي والحقوق الاقتصادية. وقد تم عكس جميع متغيرات الحرية بحيث أن الرقم الأكبر يدل على حرية أكثر.

والمتغير التابع في جميع الإنحدارات هو حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي بالدولارات الأمريكية حسب تعادل القوة الشرائية. وقد تم الحصول على هذه البيانات من مؤشرات التنمية العالمية للبنك الدولي. وبعد حذف الحالات ذات البيانات الناقصة تبقى لدينا بيانات حول 544 دولة التي تتوفر جميع متغيراتها. يبين الجدول 1 مصفوفة الارتباط للمتغيرات المختلفة.

إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين معظم المتغيرات، وأقل قيمة للإرتباطات هي 0.57 لحصة كل فرد من الناتج المحلي الإجمالي حسب تعادل القوة الشرائية والحرية السياسية، وتتجاوز أعلى قيمة 0.92 للحرية السياسية والحريات المدنية. إن الترابط القوي بين المتغيرات المستقلة يشير إلى أن الحريات عبر الأبعاد المتعددة متعلقة ببعضها البعض بشكل قوي. إن العلاقات بين المتغيرات لها التوجه الذي تم توقعه. يستطيع المرء الملاحظة من البيانات بأن المستويات المرتفعة من الحريات تترابط مع المستويات المرتفعة من دخل الفرد الواحد.

إن للحرية الاقتصادية أعلى ارتباط مع حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي وتليه الحريات المدنية، والحرية الدينية، والحرية السياسية. وترتبط الحرية الدينية بالشكل الأكبر مع الحريات المدنية، تليها الحرية السياسية. من خلال ترابط بيرسون ﺑـ 0.82 فإن الحريات المدنية تستطيع تفسير حوالي 67% من التباين في متغير الحرية الدينية.

من الناحية المبدئية، فإن الترابط بين المتغيرات المستقلة يمكن أن يحدث نتيجة التداخل في التعريف والقياس، فعلى سبيل المثال إن عنصرين من الحريات المدنية هما وجود مؤسسات دينية حرة ووجود تعبير ديني حر في القطاعين الخاص والعام. وبشكل معاكس، فإن العديد من مكونات الحرية الدينية هي في الحقيقة مجموعات فرعية من الحريات المدنية، فمثلاً، حرية الصحافة تضم بالضرورة حرية الصحافة الدينية.

إننا نعرض في جدول 2 النتائج لخمسة من المواصفات النموذجية البديلة بين الحريات وحصة الفرد من الناتج الإجمالي المحلي. لقد كان إحصائي-FF في جميع الإنحدارات كبيراً، مما يشير إلى أن لدى جميع النماذج قدرة تفسيرية كبيرة.

يظهر النموذجان (أ) و(ب) مقارنات مزدوجة لنماذج لمتغير مستقل واحد باستخدام الحرية الاقتصادية والحرية الدينية مقابل حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حسب تعادل القوة الشرائية، وتحمل المعامِلات الإشارات المتوقعة وتعتبر مهمة من الناحية الإحصائية على مستوى 1%.

يضم النموذج (ج) الحرية الاقتصادية والحرية الدينية في تفسير حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي حسب تعادل القوة الشرائية. إن ضم هذين المتغيرين في نموذج واحد قد زاد R تربيع المُعَدل للنموذج إلى 52%، مما يشير إلى أن بُعدي الحرية مع بعضهما البعض من الممكن أن يفسرا بشكل أفضل الرخاء الاقتصادي للفرد. وهنا أيضاً يحمل كلا المتغيرين الإشارات المتوقعة وهما مهمان إحصائياً.

يدمج نموذج (د) جميع متغيرات الحرية ولكن R تربيع المُعَدّل يتراجع إلى 51%. إن عامل التباين في التضخم للحريات المدنية كان 10.61، مما يدل على وجود مشكلة محتملة مع تعدد التسامت، ولتصحيح هذه المشكلة تم إسقاط متغير الحريات المدنية في نموذج (هـ) وكانت الحرية الاقتصادية مهمة إحصائياً على مستوى 1%، بينما كانت الحرية الدينية مهمة إحصائياً على مستوى 10%.

إن حجم المعامِلات في النماذج من (أ) إلى (هـ) يخبرنا كذلك معلومات إحصائية، وبما أننا حسبنا القيمة اللوغارتمية لجميع المتغيرات فإن المعاملات تمثل المرونة. إن مرونة متغير الحرية الاقتصادية قد تنوّع ما بين 3.28 في النموذج (د) إلى 4.29 في النموذج (أ)، وضمن المعدل، فإن معامل الحرية الاقتصادية كان 3.58، مما يعني أن زيادة 1% في الحرية الاقتصادية يزيد حصة الفرد من الدخل بمقدار 3.58%. لقد كان تأثير الحرية الدينية أقل بكثير من ذلك، وتراوح ما بين 0.51 في نموذج (د) إلى 1.50 في نموذج (ب)، وبمعدل مقداره 0.84. إن الحجم النسبي لمتغير الحرية الاقتصادية هو ما يقارب 4.26 ضعف ما يقابله في الحرية الدينية، مما يعني أن للحرية الاقتصادية تأثير أكبر من الحرية الدينية على التقدم الاقتصادي.

الخاتمة 

من خلال النظر إلى المتغيرات عبر النماذج المختلفة فإن معامل متغير الحرية الاقتصادية كان دائماً مهماً ويحمل الإشارة المناسبة. ووفق المعدل، فإن الدول ذات حرية اقتصادية أكبر تنتج أفراداً أكثر غنىً، ويبدو أن تأثير الحرية الاقتصادية على مستوى دخل الفرد يفوق ذلك للحرية الدينية والحريات الاجتماعية والسياسية الأخرى. وكما من الممكن التنبؤ به، فإن حجم المعامل قد انخفض من خلال إدخال متغيرات جديدة للحرية، ولذلك فإن النتيجة النهائية الأخرى هي أن الحرية الاقتصادية تبقى واحدة من المتغيرات الأكثر تأثيراً على الرخاء الاقتصادي، وهذه النتيجة بديهية بالطبع لأنه من الأرجح أن متغيراً اقتصادياً مستقلاً سوف يفسر بالشكل الأفضل التغيرات في متغير اقتصادي تابع. لقد كانت الأنواع الأخرى من الحريات التي تم البحث فيها سياسية واجتماعية بطبيعتها.

إن نتائج الإنحدار لمتغير الحرية الدينية واعدة، حيث كانت جميع النماذج التي استخدمت الحرية الدينية كمتغير تفسيري تحمل الإشارة المتوقعة في معاملاتها، وقد أظهرت النماذج الثلاثة من ضمن الأربعة والتي استخدمت متغير الحرية الدينية نتائج مهمة. ومع أن نتائجنا أولية، إلاّ أنها تشير إلى أن للحرية الدينية تأثيراً إيجابياً على الرخاء الاقتصادي للبلد.

من الممكن نصح الشركات التي تبحث عن مواقع مربحة لمنتجاتها البحث في الحريات السالف ذكرها والتي تتعلق بدخل زبائنها في الأسواق الأجنبية. إن مستوى مختلف من الحرية الدينية سوف يؤثر على الإدارة للعمليات في بلاد أجنبية، لكن الشركات العالمية تستطيع كذلك أن تؤثر على البيئة الاجتماعية والسياسية للأسواق المضيفة. إن استراتيجيات المصادر البشرية العالمية—على سبيل المثال—من الممكن أن تحسن الحرية الدينية بالإضافة إلى الحريات الأخرى بمنافعها المرافقة، والإصرار على وجود بيئة عمل متنوعة والترقية بناءً على الجدارة بدلاً من الانتساب الديني من الممكن أن يعزز إحداث الحرية الدينية.

قد أظهر التاريخ أن التسامح الديني يترافق يداً بيد مع الأنواع الأخرى للحرية، ومن ضمنها الحرية الاقتصادية. وتقترح دراستنا أنه من المصلحة الاقتصادية للأمة وعلى الأمد البعيد أن توسّع ليس فقط الحرية الاقتصادية بل والحرية الدينية كذلك. ومن ناحية أخرى، لابد ألاّ تستند تلك الحقوق بشكل نهائي على المنطق الاقتصادي أو المنفعي لوحده.

ملاحظات: 

[1] إن لدى هيريتيدج فاونديشن كذلك مقياساً للحرية الاقتصادية، والذي تمخض عنه نتائج مماثلة  عند استخدامه في النماذج.

المصدر: http://minbaralhurriyya.org/index.php/archives/2634

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك