إسرائيل وترامب وهذا الكلام العربي

 
                                                                                                         معن 
البياري
 
 
 
طريفون مَنْ ذهبوا، في الأيام القليلة الماضية، إلى أن إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي، يوم الخميس الماضي، بناء مستوطنة جديدة جاء ردا على البيان الذي صدر الأربعاء عن القمة العربية في منطقة البحر الميت، ليس لأن خطّة بناء المستوطنة هذه سابقةٌ على صدور البيان المذكور، وإنما مبعث الطرافة في هذا الكلام هو الظن أن إسرائيل تأخذ القمم والاجتماعات العربية على محمل الجد، وتحسب لها حسابا. ومن سوابق وفيرة في هذا الأمر، حضر فيها الظن نفسُه، أن عدوان عملية "السور الواقي" العسكرية الإسرائيلية في استباحة الضفة الغربية بدأ بعد يومين من اختتام قمة بيروت العربية أعمالها في مارس/ آذار 2002، فاستطاب بعضُنا القول إن ذلك العدوان كان ردّا على تلك القمة التي كانت مبادرة السلام العربية العتيدة من قراراتها. ومن عجائب القمم العربية التي تعاقبت بعد بيروت أنها ظلت تلوك الكلام نفسه عن تلك المبادرة، وتلحّ على "تفعيلها"، فيما لم يصدر عن إسرائيل، طوال الخمسة عشر عاما، أي اكتراثٍ بها، فباستثناء جملٍ عابرةٍ بصددها، لا قيمة لها، عقّب بها شارون وبيريز، لم يحدث أن مسؤولا إسرائيليا جاء على المبادرة، لا ترحيبا بها ولا تبخيسا منها. 
المعنى أن وزن العرب، في راهنهم معلوم التفاصيل، قليلٌ عند إسرائيل، فبناء المستوطنات الجديدة وتوسيع القائمة منها أمرٌ أوضح شارون أنه مرتبط بأعداد الأجنّة في بطون اليهوديات الحبالى، وهو لدى بنيامين نتنياهو متصلٌ بخياراته القائمة على نهب الأراضي الفلسطينية، وبوعوده الانتخابية والتزاماته أمام الإسرائيليين، وعلى دونالد ترامب أن يعرف ذلك، كما عرف رؤساء أميركيون قبله هذه البديهية. وقد قال نتنياهو إنه لم يبحث تفاصيل هذا الأمر مع ترامب، في لقائهما في منتصف فبراير/ شباط الماضي في البيت الأبيض، وتم الاكتفاء باتفاقهما على عدم مشاركة الولايات المتحدة في أي إدانةٍ لإسرائيل في الأمم المتحدة أو غيرها. وفي قوله إن بناء مستوطناتٍ جديدة لا يساعد عملية السلام، لا يخرج ترامب عن التزامه بتحصين إسرائيل من أي انتقاد، وإنما هذا تأشير منه إلى "عملية سلامٍ" سيجري إحياؤها، في نوبة تفاوضٍ مستجدّةٍ ستنشط بين حكومة نتيناهو وفريق الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تكون من نتائج مباحثات ترامب مع عبد الفتاح السيسي اليوم في البيت الأبيض، ثم مع الملك عبدالله الثاني بعد غد الأربعاء، ثم مع عباس تالياً. 
ستتمنّى إدارة ترامب على حليفتها حكومة نتنياهو "تقليصاً" للاستيطان، وهذه بدعةٌ مخترعةٌ ستضاف إلى قاموس عملية السلام، ستنفق وزارة الخارجية الأميركية جهودا مملةً في شرحها، وفي تسويقها استحقاقا من أجل ما سيسمّى "الدفع" في عملية التفاوض المتوقعة، والمطلوب هو "بلع" القصة، ثم هضمها، والظاهر أن ثمّة استعدادا لدى السيسي للقيام بضغوطٍ لازمةٍ على محمود عباس من أجل المضي في عملية تفاوض غير مشروطة بالوقف الكامل للاستيطان، وفي الوسع أن يجري إسناد مالي، أميركي ربما، للسلطة الوطنية الفلسطينية، مقابل نزول عباس عن الشجرة التي صعد عليها، وأقام في أعاليها مدةً طالت عن اللزوم. والالتفات إلى هذا السيناريو أجدى من التسلّي بخرافة "رد" إسرائيل على بيان قمة البحر الميت ببناء مستوطنةٍ، جرى إبلاغ واشنطن بشأنها قبل وقت، لا سيما وأن الرئيس عباس قال إن إدارة ترامب متحمّسة للتوصل إلى حل القضية الفلسطينية. وإذ لا يمكن، بأي حال، أن يصدّق واحدُنا قصة هذا الحل، فأقله يمكن الانشغال، إعلاميا وليس غير، بالكيفيّات التي ستسلكها هذه الإدارة الغريبة العجيبة، والتي يقال لنا إنها لم تبن بعد تصوّرا لها بشأن الشرق الأوسط، وهي تخوضُ في القضية العربية المركزية، على ما سمّاها إنشاء بعض الزعماء العرب في قمة البحر الميت أخيرا، فيما حالُ هذه الإدارة على ما نعرف من جهلٍ مريعٍ في هذه القضية، ومن ازدراء ظاهرٍ بالعرب... لننتظر ونتفرّج.
  •  

- See more at: https://www.alaraby.co.uk/opinion/2017/4/2/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك