واقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإسلامي

خالد وليد محمود 

 

لا شك أن الكفاح من أجل الحرية الدينية أو المعتقد الديني  قائم منذ قرون؛ وقد أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة . وعلى الرغم من أن الصراعات حول حرية المعتقد مازالت قائمة إلا أنه يمكن القول بأن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد. وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن:

“لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره” .

وقد تلى اعتماد هذا الإعلان محاولات عدة لوضع اتفاقية خاصة بالحق في حرية الدين والمعتقد إلا أن كافة تلك المحاولات قد باءت بالفشل.

من هذا المنطلق؛ فإن تأطير هذه المسألة في القوانين الدولية ومنظمات حقوق الانسان كان لها اثراً على واقع الحريات الدينية في المجتمعات العربية والاسلامية وإن كان بشكل متفاوت ، ولم يأت ذلك من فراغ بقدر ما جاء  بسبب الاهتمام بالحريات التي تعرضت وتتعرض  للضغط والتأزيم بين فترة وأخرى ولا زالت مثار نقاش بين النخب والساسة وصناع القرار لتأثيرها على النسيج المجتمعي الداخلي أولاً واستقرار المشهد السياسي – الإجتماعي والثقافي ثانياً.

ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين بدأت الكثير من الدول في العالمين العربي والاسلامي تدرك أهمية هوية الانتماء الديني كقيمة تضيف لاستقرار المجتمع وأن غيابها وشن حروب عليها سيجعلها تنهار  أمام واقع الحاجة الإنسانية وميولها نحو الدين والعبادة والإيمان.و لم يعد الكلام عن حرية المعتقد اليوم مجرد كلام لاهوتي أو كلامي أو فقهي بالمعنى الفرداني؛ فالدين بات يمثل ركيزةً تأسيسية لصياغة وجوه الدول والمجتمعات وان أي خلل في العلاقة بين هذه الدول من جهة والمجتمع والدين من جهة ثانية فإنه يؤسس لقمعية وحشية لا رحمة فيها ولا إنسانية وهذا ما رأيناه وما نراه من تطرف الكثير من الدول في العالمين العربي والإسلامي التي أقصت الروح الدينية وحرية الممارسة للمعتقدات ؛ حتى تحولت إلى دول دكتاتورية وان تلبست لبوس الديمقراطية ،كما دفعت الجماعات الدينية إلى توسط سبل عنفية كرد على مثل هذا الإقصاء.

لذا؛ فإن حقائق الواقع وشرعة ومبادئ حقوق الإنسان وقبل هذا أو ذاك فان الشرائع والرسالات السماوية تؤكد ان الأصل في الاهتمام هو رابط الأخوة في الإنسانية وأن قمع حرية اي عزيز في هذه الأرض هو جريمة نكراء، ومواجهة مثل هذه الجرائم واجب ديني وإنساني.

ومن واقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإسلامي يتضح لي كمراقب أن هذه المسألة وهذا الموضوع لا زال يشكل حساسية في الطرح لدى العديد من الدول العربية والاسلامية  ويبدو انها  صارت مثارًا لتوتر في في مجتمعات تلك الدول بخاصة في السنوات الأخيرة، ومثال على ذلك مصر التي تتهمها بعض التقارير الدولية التي تراقب الحريات الدينية في العالم  بـ “اضطهاد المسيحيين، وممارسة التمييز ضد البهائيين، بينما شرطتها تتحرش بمن يترك الإسلام إلى دين آخر، فضلا عن مواصلة حملات الملاحقة والإعتقال بحق أعضاء وقيادات في جماعة الإخوان المسلمين ، ومراقبة خطباء المساجد الحكومية والأهلية ،وهناك مسألة الشيعة في بعض الدول الخليجية وحقوق بعض الأقليات الدينية..الخ. فمثلا جاءت كل من مصر والجزائر والأردن وإيران في مقدمة الدول الإسلامية التي اتهمتها وزارة الخارجية الأمريكية بانتهاك الحريات الدينية في تقريرها الذي أصدرته بعنوان “الحريات الدينية حول العالم” للعام ٢٠٠٨، وأشادت فيه بكل من السعودية والعراق وأفغانستان والكويت..الا أن هناك من يعتقد أن مثل هذه التقارير التي تصدر عن مؤسسات حكومية أو منظمات دولية ترتفع حرارتها وتنخفض طبقا لحالة العلاقات مع العواصم التي تعنيها تلك التقارير.

ربما يعتقد البعض أن طبيعة المجتمعات العربية والإسلامية المتنوعة وتكويناتها سمحت عبر التاريخ بتأسيس قواعد وسلوكيات مشتركة اعتاد الناس على احترامها والتقيد بها، وفي مقدمتها احترام الآخر مهما كان معتقده ودينه؛ولكن من المؤكد أن سماحة الإسلام كدين في الدول العربية والاسلامية ساهم في بروز خاصية احترام التعدد وحرية الاعتقاد؛ لأن طبيعة الإسلام المتسامحة كانت تعطي الآخر غير المسلم حرية التعبير عن كينونته دون إكراه ولا تضييق.

ولكن اليوم وبعد أن فقد  الدين قداسته لصالح المشاريع الطائفية والعنصرية في بعض من المجتمعات العربية والاسلامية ، انحدر الكثير من الناس المسلمين والعرب من برج الدين إلى حضيض الطائفة وتلبستهم أفكارها الجامدة والضيقة، باتوا  يتقوقعون في حدود الطائفة ويرون كل من هو خارج عنها بمنظار التكفير والارتداد عن الملة، وهذا يرجع إلى ما يتركه زعماء الأديان ودعاتها في نفوس أتباعهم من تعاليم تزرع الحقد وعدم قبول الآخر؛ وهو ما ادى إلى استعمال أشد أنواع العنف والإكراه لحمل الآخر على الدخول في دينهم أو مذهبهم مما تسبب في وردة فعل الكثير من الناس  وكان لها ارتدادات و تداعيات سلبية على النسيج المجتعمي الداخلي للدول.

بلا شك أن  حرية المعتقد صانها الاسلام وكذلك الديانات السماوية الأخرى  إلا ما كان منها منافياً لكرامة الانسان وكرامة العقل.وكان لحرية المعتقد وحرية الممارسة للشعائر الدينية أثر كبير في ارساء الأدبيات المتعلقة بها والتي كفلها الاسلام ، اذ أقر الأخير حرية الاعتقاد وترك لكل فرد الحرية في اختيار عقيدته بناء على ما يصل اليه عقله ونظره الصحيح وذلك أن الاسلام جعل أساس التوحيد والأيمان البحث والنظر ، لا القهر والإلجاء، ولا المحاكاه والتقليد ، وكما هو معروف فقد جعل الإسلام لغير المسلمين الحرية التامة  في إقامة شعائرهم الدينية في كنائسهم ومعابدهم حيث أنه أباح للنصارى أن يقيموا الكنائس ويظهروا الصلبان ويسيروا بها في المواكب..الخ.

ولأن الحرية الدينية لا تتقيد إلا بما تفرضه الحقوق والحريات الأساسية للغير، فإن هذا المبدأ ينسجم مع المنطق فالحريات الفردية لا تتقيد إلا بالنظام العام وبما تقتضيه حريات الآخرين.

وعود على بدء أقول: بأن واقع حرية المعتقد في بعض المجتمعات العربية والاسلامية لازالت أسيرة لعقلية ضيقة ، تتنازعها المصالح أحياناً والأجندات الخاصة أحايين أخرى ، البعض حاول التعامل مع هذه المسألة ونجح والبعض الآخر لا زال يستخدمها كوسيلة لتحقيق مآرب والحفاظ على مكاسب ، و قد باتت الحريات الدينية والمعتقدية لدى الدول العربية والاسلامية  كلمات حق يراد بها باطل وسلاحا  من جهة تبتز به شعوبها  ومن جهة أخرى تحاول من خلاله التقرب للغرب والمنظمات الحقوقية الدولية  بالإقدام على تغييرات سطحية لا تنفذ إلى عمق المشاكل، ويظل المواطن في تلك المجتمعات  أسيراً بين الإثنين على خط النار مما ينسيه أن حرية الدين والمعتقد  تُعَدّ في الأساس من صميم حقوقه الفردية شديدة الالتصاق بالإنسان وبطبيعته وكرامته !

المصدر: http://minbaralhurriyya.org/index.php/archives/2660

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك