المنكر الحقيقي

محمد الطميحي

 

لو أنّ عالم دين معروف أفتى بأن الاحتساب يعني القيام بالتطاول على مجموعة من الموسيقيين الذي يؤدون وصلة تراثية على هامش معرض رسمي ترعاه الدولة، وأنّ ذلك من الشجاعة التي يحتاجها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأجور شرعاً، لفعلت ذلك.

هذا ما يعيشه جيلنا من جدل عند التعامل مع المنطقة الضبابية العالقة بين القانون الصريح، وما يمكن فهمه من نصوص الدين التي تحتاج لمشايخ يملكون من العلم الشرعي ما يكفي للتعامل مع ما يستغله دعاة الفتنة لخلق مواجهة مفتعلة مع المجتمع والدولة.

الاحتساب الذي يروج له البعض مع كل مؤتمر أو مناسبة اجتماعية عامة ما هو إلا مخالفة حقيقية للقانون، ولفتاوى معروفة تحرم على الأفراد من ممارسة دور الأجهزة الرسمية المنضبط بالعديد من التشريعات والأنظمة.

ما حدث مؤخراً في معرض الرياض الدولي للكتاب من اقتحام للعرض التراثي الذي كانت تؤديه الفرقة الماليزية من شاب (أرعن)، جعل من فريضة الاحتساب ذريعة لممارسة طيشه وتشدده، أمرٌ غير مقبول بتاتاً وعلى كافة المستويات.

نشر أسلافنا الإسلام في ماليزيا وغيرها من دول جنوب شرق آسيا بالصدق والأمانة والكلمة الطيبة، لذا فإنه من غير المقبول أن يؤثر تصرف فردي على هذه الصورة الإيجابية التي يحاول أعداؤنا اليوم تغييرها من خلال اتهامنا بالتشدد، والتطرف، اعتماداً على تصرفات مثل تلك.

عانينا طويلاً من الخلط ما بين الجهاد والإرهاب الذي يستخدم المروجون له كذباً ما نعلمه من القرآن والسنة لتجنيد شبابنا، والزج بهم في مواجهة مشبوهة جعلت منّا الهدف الأول لتنظيمات مثل القاعدة وداعش.

لا نريد من الاحتساب أن يتحول هو الآخر إلى فوضى تفتح المجال لمن أراد تهميش المخالف، والسطو على حريات الناس وخصوصياتهم، فهذا الباب سيقود فيما بعد إلى المزيد من التجاوزات التي سيتطلب الحدُ منها تضحياتٍ أكبر.

قد يقتحم أحدهم بنكاً، لأنه يعتقد بأن تعاملاته ربوية محرمة يجب وقفها، أو يعتدي على سيارة عند الإشارة لأن قائدها كان يستمع للموسيقى، أو يتعمد نزع سيجارة من فم مدخن وتكسيرها لأنها مضرة بالصحة، أو يضايق امرأة لأنه ظن أن لباسها لا يتوافق مع مفاهيمه للحجاب، وقس على ذلك الكثير من المخالفات التي يرى مرتكبوها أنهم يمارسون حقهم المشروع.

هناك فرق كبير بين الاحتساب، واغتصاب السلطة، أو ما يعرف لدى الفقهاء بالافتئات على الحاكم، فالتعدي على الناس بممارسة أفعال تدخل ضمن سلطة الموظف العام، والجهات المختصة، تحت ذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو مخالفة قانونية وشرعية قبل كل شيء، الأمر الذي يستوجب إيقاع العقاب الرادع ضد كل من يريد مصادرة حقوق الدولة والمجتمع، من خلال فرض التغيير بالعنف والقوة.. وهذا هو المنكر الحقيقي.

http://www.alriyadh.com/1578931

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك