الخطاب الإسلامي ومفهوم الأمة

يوسف عبد الرحيم أحمد ربابعة

 

يبدو الخطاب الإسلامي اليوم في مرحلة تاريخية من مراحل عمره الطويل، وهذه المراحلة تشكل نقطة تحول غير محسوسة، لكننا مع ذلك نرى أن اللحظة التاريخية تتشكل في أعماق الوعي الإنساني، وأن ملاحظة هذا التغير تكون عادة غير واضحة لأنها خفية وبطيئة، وتتحرك بثقل التراث الكبير الذي تشكل خلال قرون عديدة، وإن ما حدث في السنوات الأخيرة منذ احتلال العراق ومرورا بلبنان وانتهاء بغزة كلها نقاط مفاصل توقف الخطاب الإسلامي عندها حائرا مترددا لا يعرف أين يتوجه، فعندما كان رجال الدين يعتقدون أن بعض الدول تحكم باسم الإسلام وأن حكامها يستحقون لقب أمير المؤمنين، كانت هذه الدول نفسها تقف مع المحتل ضد دولة مسلمة، وقد استطاع الخطاب الإسلامي في ذلك الحين أن يجد ما يبرر وقوفه عاجزا، وذلك بالقول إن نظام البعث هو نظام كافر، ولا يجوز مناصرته، وعلى قاعدة( ضرب الظالم بالظالم)، وعندما أقدمت إسرائيل على ضرب لبنان والمدنيين فيه وقف الخطاب الإسلامي موقفا جديدا هذه المرة وكان عليه أن يتخذ موقفا أكثر وضوحا لا تأويل فيه، إلا أن بعض القوى الإسلامية استطاعت أن تتخلص من وخز ضميرها وذلك بمبررات طائفية، فحزب الله هو حزب شيعي يبطن خلاف ما يظهر، ولكن آخر المفاصل ما حدث في غزة فقد أثار الكثير من الأسئلة الحائرة في نفس الإنسان الذي يرى ويسمع، وظهرت هناك رؤية جديدة للعالم الإسلامي، تتناقض مع ما استقر في وعي المسلم حول العقيدة الإسلامية وتصنيفاتها للمسلم وغير المسلم، وتصدعت مقولات الأمة الواحدة، بل ربما تغير مفهوم الأمة، وهذه التصنيفات باتت هشة أمام الواقع المؤلم تحت وطأة ومأساة الصورة والخبر، ولما كان المسلمون يعتقدون أن القاعدة الشرعية تقول : ” المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله”، هذه القاعدة التي كانت توحد بين المسلمين على اختلاف منابتهم ومشاربهم، وهي قاعدة يواجهون بها أعداءهم، ويلجؤون إليها عندما تقع بهم المصائب وتحيق بهم الأخطار، وفي اللحظة التي كانوا أحوج ما يكونون إليها لم تصلح هذه القاعدة لآمالهم وطموحاتهم، ولكن الذي حدث هو على غير المتوقع، فإن تقسيمات العالم لم تعد متطابقة مع هذه التصورات، فالذين أبدوا تضامنا مع المسلمين في غزة لم يكونوا كلهم من المصنفين في دائرة الأمة الإسلامية، حسب التصنيف العقدي الموروث، بل الذي حصل هو العكس تماما، فإن كثيراً من القوى الفاعلة في العالم والتي كانت تسعى لوقف العدوان وإبداء التضامن بكافة أشكاله كانت من غير المصنفين إسلامياً، والدول غير الإسلامية كانت أكثر تعاطفا وأكثر تأثيرا من بعض الدول الإسلامية، والأكثر من ذلك أن المظاهرات التي كانت تخرج في دول العالم غير المسلم – حسب تصنيفات العقيدة – كانت أكثر وأكبر من المظاهرات التي تخرج حتى في الضفة الغربية،ومن هنا كيف لنا أن نصنف الناس بناء على هذه المواقف؟ وهل يمكن للخطاب الإسلامي أن يخضع لمراجعات جذرية حول تعريف المسلم والكافر؟ وهل سنخرج من هذه التصنيفات التي تختزل الإنسان إلى مقولات قانونية خالية من الروح؟.
إن الخطاب الإسلامي اليوم مطالب أن يوسع دائرة النظر إلى مفهوم الأمة الواحدة، وهي الأمة التي تضم المسلم وغير المسلم تحت تصنيف جديد يقوم على مبادئ الحق والباطل، ويستند إلى العدالة ويرفض الظلم، وهي مبادئ إنسانية لا بد من النظر إليها على أنها هي الإسلام الذي يسعى إلى تحرير الإنسان والدفاع عن حقه في الحرية والكرامة والحياة، وهذه المبادئ سوف توسع دائرة الإسلام ليرقى إلى دين عالمي يقف مع المظلومين في العالم كله دون النظر إلى التصنيفات العقدية التي تخرج الناس وتدخلهم في أطر ضيقة غير قادرة على استيعاب التطور، ويبدو أن تحولات هذا الخطاب بدأت ملحوظة من خلال ما نسمعه على شاشات الفضائيات من بعض العلماء المسلمين.
إن مفهوم الأمة الواحدة الذي تحدث عنه القرآن الكريم يختلف عن المفهوم المتوارث، فمن الناحية اللغوية في قوله تعالى” إن هذه أمتكم أمةً واحدة وأنا ربكم فاعبدون” تفيد دلالة تركيب الآية من خلال توكيد الخبر والحال بأن الأمة تكون أمتكم في حال كونها موحدة، فإذا كانت متفرقة فهي ليست أمتكم، ثم إنه ليس هناك محددات للوحدة، فربما تكون أمة واحدة على اختلاف أديانها، وهذا ما يظهر جلياً  في وثيقة المدينة، حين كتبها الرسول محمد عليه السلام فقال:” أهل المدينة أمة من دون الناس” وكان فيها المسلمون واليهود في ذلك الوقت، أي أن مفهوم الأمة الواحدة كان مبنيا على أسس جغرافية و إستراتيجية، ومصالح مشتركة، ولم تكن مبنية على الأساس الديني.
ومن هنا يبدو أننا أمام حالة جديدة من المفاهيم التي يمكن أن يتعامل معها الخطاب الإسلامي بطريقة أقدر على استيعاب المفاهيم الإنسانية التي جاء بها القرآن الكريم وحث عليها، دون النظر إلى الحيثيات التاريخية التي ضيقت المفهوم عبر صراع طويل من المصالح والأهواء السياسية المتسلطة والآفاق الضيقة.

 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك