كيف نواجه الإرهاب؟

بقلم: فريديريك رامل Frédéric Ramel

ترجمة محمد الإدريسي

 

من خلال التحالفات العسكرية، وتحالفات قوى الشرطة، وتبادل المعلومات الإستخباراتية، والتعاون الدبلوماسي… تبحث الدول عن استجابة منسقة في مواجهة الإرهاب الجهادي، لكن النتائج تظل مخيبة للآمال. أين هي الثغرات؟

Coalitions militaires et policières، partage de renseignements، coopération diplomatique… Face au terrorisme jihadiste، les États tentent des ripostes concertées، avec des résultats décevants. Où sont les failles ?

هل يتم التعاون بين الدول من أجل تعزيز مكافحة التهديد الإرهابي؟ تطرح هذه الفكرة اليوم بشكل بديهي. مع ذلك، فإنها تظل جديدة على المستوى التاريخي. خلال الحرب الباردة، لم تكن الأعمال الإرهابية موضوع تصنيف توافقي. إنها تشكل وسائل ضرورية للتحرر الوطني في مواجهة القوى الكولونيالية بالنسبة للبعض، وأدوات لاأخلاقية ولا تحترم حياة الإنسان بالنسبة للبعض الأخر، لكونها لا تخلق تعاون حقيقي بين الدول. ظهر المنعطف الأول خلال تسعينيات القرن الماضي، وذلك مع صعود الإسلام المعولم، بما في ذلك شعار تنظيم القاعدة. شجعت محاولات اغتيال الرئيس المصري في أديس أبابا سنة 1996، فضلا عن الهجمات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام سنة 1998، مجلس الأمن الدولي على تبني التعاون الدولي لمواجهة الخطر الإرهابي باعتباره رهان استراتيجي. لأول مرة، سيتم تأسيس رابط قوي بين الإرهاب والأمن الدولي بعد القرار رقم 1269 لسنة 1999، والذي عمل على تبرير العديد من التدابير القسرية.

تزايد الاهتمام بهذا الاتجاه بعد أحداث 11 شتنبر 2001، من خلال تسليط الضوء على دينامية التعاون في إطار الأمم المتحدة. من جهة، عمل مجلس الأمن، في قراره رقم 1373 لسنة 2001، على تأسيس هيئات مكلفة بالتعامل مع هذه الظاهرة (لجنة مكافحة الإرهاب) ودعا إلى تعزيز التعاون في هذا الباب (تبادل المعلومات، ونظم الإنذار، وتنفيذ الاتفاقيات المناهضة لتمويل الأنشطة الإرهابية). ومن جهة أخرى، اعتمدت الجمعية العامة إستراتيجية دولية لمكافحة الإرهاب سنة 2006 ذات وظائف متعددة: القضاء على شروط الانتشار، وتعزيز قدرات الدول الأعضاء، وضمان احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في المواجهة المشتركة، فضلا عن العديد من الهياكل الهادفة إلى تعميق هذا التعاون. في سنة 2011، تم إنشاء “مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب” (Centre des Nations unies pour la lutte contre le terrorisme) على أساس مساهمة طوعية من العربية السعودية، وأيضا من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة وألمانيا. في نفس السنة، تولد “المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب” (Forum mondial contre le terrorisme)، بحضور 29 دولة، بالإضافة إلى دول الإتحاد الأوروبي، وكان الهدف هو تعزيز وتنسيق التدابير التي اتخذتها الدول الأعضاء، مثل التركيز الجغرافي على منطقة الساحل والقرن الإفريقي.

هل عمل هذا التقارب على تحقيق النتائج المرجوة؟ هل تعمل مكافحة الإرهاب، بجميع مظاهره (الإطار أدناه) على تعزيز تعاون دولي حقيقي؟ في هذا الصدد، لابد من التمييز بين الدعوات المتكررة لهذا التعزيز… وتحققها الذي يظل هشًا للغاية.

  • شن الحرب.

حدود المواجهة العسكرية

عن طريق اختيار عبارة “الحرب ضد الإرهاب” وبعدها “الحرب الطويلة”، فضلت إدارة بوش المواجهة العسكرية لتنظيم القاعدة. ظهر هذا الخطاب أيضا بفرنسا بعد عملية اشابيل بمالي، وبعد أحداث سنة 2015. بعدما تم التحالف مع حلف الشمال الأطلسي لمواجهة طالبان، تم إنشاء تحالف مؤقت يشبه في جوهره التحالف مع القاعدة أو يمكن أن نسميه بتنسيق مشترك للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. لذلك، تجعلنا هذه الخيارات نشكك في نطاق التعاون العسكري بين الدول في مواجهة الإرهابيين.

يظل الرد العسكري جزئي في حد ذاته، وناقص ومقيد في نهاية المطاف، لكونه يكشف عن منظور جزئي مزدوج. فمن حيث القدرة، تظل أعداد قليلة من الدول هي التي تمتلك الوسائل الإستراتيجية الكفيلة بالقيام بعمليات عسكرية، وبالتالي يكون لذلك نتائج عكسية: لا تسعى القوى التي تمتلك الوسائل سوى للدفاع عن مصالحها الخاصة. يوضح التدخل الفرنسي في مالي وفي جمهورية إفريقيا الوسطى هذه الانتقائية في الشركاء بحسب الأهداف. على المستوى العملياتي أيضا، يثبت التدخل العسكري عن ميوله نحو التركيز على القصف الجوي. عقب إجبارها على “العودة” إلى مسرح الشرق الأوسط لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، تبنت إدارة باراك اوباما عقيدة “لا قوات برية” (no boots on the ground) (pas de forces terrestres). لكن فعالية هذا النوع من الاستراتيجيات تثير العديد من الأسئلة.

علاوة على ذلك، يقدم التدخل العسكري صورة غير مكتملة. إنه أشبه بمجموعة من التدابير بدلا من كونه استجابة متكاملة. كان لاستخدام القوة المسلحة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في خريف سنة 2015 رمزية كبرى في هذا الصدد، حيث تميز بتراكب العديد من المبادرات: من جانب روسيا التي سعت نحو إنقاذ واحدة من نظمها الصديقة، ودخلت فرنسا على الخط بعد هجمات 13 من نوفمبر. دعا رئيس الجمهور الفرنسية فرانسوا هولاند (François Hollande) إلى إقامة تحالف قوي ضد “داعش”، وعمل على إجراء لقاءات عدة مع نظرائه، بخاصة الولايات المتحدة وروسيا، لتنسيق الضربات ضد هذا التنظيم.

ظل الرد العسكري قاصرا بالمعنى الذي ركز من خلاله على بعد واحد للظاهرة. على نطاق واسع، طور مقاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية نمطين من المواجهة: وسائل مرتبطة بالحرب النظامية (ترسانة الأسلحة التقليدية، والغارات، وتشكيل خطوط تفصل بين الأمام والخلف وتنظيم المقاتلين)، وأخرى بالحرب غير النظامية (الهجمات الإرهابية، وغياب خطوط واضحة ومضبوطة والارتباك بين المقاتلين وغير المقاتلين). تمت عسكرة الاستجابة المفصلية لمواجهة الإرهاب والمساعدة العسكرية والتقنية والعملياتية للقوات المسلحة بعين المكان، فضلا عن وضع القوات الخاصة واستخدام الطائرات في الواجهة. مع ذلك، لا يمكن لمكافحة الإرهاب أن تحد من استخدام الوسائل العسكرية.

  • المراقبة

المسارات الحادة لتبادل المعلومات

خلال سبعينيات القرن الماضي، عملت الديمقراطيات الغربية على إقامة العديد من الفرق (تريفي (Trevi)، وفيينا (Vienne)، وبرن (Berne)) من أجل تنسيق عمل أجهزتها المخابراتية. منذ هجمات 11 شتنبر 2001، تم تعزيز الروابط (الرسمية وغير الرسمية)، سواء في إطار ثنائي أو متعدد. وعملت الدول الموقعة على اتفاقيات تبادل المعلومات مع أنظمة سياسية مختلفة. يمكن لهذا الشراكات أن تسمح بالتدخل في شؤون بلد ثالث تكون له القدرة على إجراء عمليات استخباراتية في دول حليفة. لا يقتصر هذا التعاون على تحديد هويات الأفراد أو إنشاء وتشكيل بعض برامج التعرف، مثل تلك التي تبناها الانتربول في أبريل من سنة 2013 والتي تضم أكثر من 4000 سجل عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب. كما أنها تأخذ بعين الاعتبار حملات التبشير، وبناء الشبكات، والمرور من التطرف نحو الإرهاب. كما أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جورج تينيت (George Tenet) على كون هذا النمط من التعاون يعزز من العلاقات الشخصية بين مهنيي القطاع. لكن مع ذلك، تظهر هناك ثلاث نقاط ضعف.

أولا، تنخرط الدول الغربية في نفس التقليد السياسي الذي يعزز التقارب في وجهات النظر. وعلاوة على ذلك، فإنهم يشتركون أيضا في نفس تصور المراحل التي ينخرط ضمنها الإرهاب (الأصولية القبلية، وتحديد الهوية، والتلقين ثم الجهادية)، مع تعزيز التعاون على نطاق عالمي. ومع ذلك، فإن ردود الفعل التي أثارها الكشف عن قضية سنودن (Snowden) قد خلقت ارتباك كبير بين مختلف الأجهزة، فضلا عن كون العلاقة غير المتكافئة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها تضعف جو الثقة بين الأطراف. عززت العديد من الأحداث الدرامية، بما في ذلك هجمات 13 نوفمبر 2015، التوترات بين المصالح الوطنية في مواقع فرنسا وبلجيكا (تم العمل على تدبير مرحلة ما بعد الأحداث من خلال سلسلة من عمليات التفتيش والقيود على حرية الحركة فيما يسمى ب”القاعدة الخلفية” للإرهابيين).

يكمن الضعف الثاني في حقيقة كون الدول غير الغربية تحصر تعاونها بشكل كبير، حيث تظل مترددة في تبادل المعلومات حينما لا تكون هذه الأخيرة مرتبطة مباشرة باستقرارها الوطني: روسيا مع الشيشان، والهند مع كاشمير، والصين مع شينجيانغ…

يرتبط الضعف الثاني بطبيعة الأنشطة الاستخباراتية. في حين أن الصلاحيات السياسية تميل نحو الذبول، فإنها تصبح واحدة من المهارات الأخيرة التي لا يمكن أن تكون موضوع نفور. لا يمكن أن نتصور أي تبادل للمعلومات إلا في حالة تعزيز الوجود السياسي للدولة في مواجهة تهديد تم الاتفاق حول شروطه من قبل مختلف الشركاء. يصطدم التعاون في مجال المراقبة أيضا بردود فعل تصور منطق الدولة.

  • الترابط

البحث المضني عن تدابير التماسك

أخيرا، تكمن الصعوبة الرئيسية التي تواجه التعاون في صياغة إجراءات مختلفة، حيث تتطلب مكافحة الإرهاب تعبئة العديد من التدابير التي تمتد من القطاع المدني نحو الدبلوماسي مرورا بالشرطة. توضح مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية صعوبة دمج هذه المستويات على الدوام. تسمح تركيا بتدفق البترول عبر حدودها، والذي سيطرت عليه الدولة الإسلامية بشكل كلي، ونجدها في الآن نفسه تنتقد بشكل علني الوحدات الكردية التي تتعامل مع هذا التنظيم الإرهابي. تتخذ العربية السعودية وإيران مواقف متناقضة ضد شبه-الدولة التي تشكل تنظيم الدولة الإسلامية بسبب طموحاتها الإقليمية، والأيديولوجية أيضا: الأولى تدافع عن السنية، والثانية عن الشيعية. كما أن ضبط تدفق الساكنة ومراقبة حدود الإتحاد الأوروبي يولد ردود فعل وطنية تهدد الترتيبات الجمعية فيما يتعلق بإدارة الهجرة.

تنشأ أيضا بعض التوترات الطارئة بين الالتزامات المرتبطة بقرارات مجلس الأمن، وتلك المرتبطة بالاتفاقيات الإقليمية، كما تنشأ صراعات معيارية بين مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان الأساسية. لنأخذ مثال ياسين عبد الله القاضي، والذي تعرض للعديد من القيود فيما يتعلق باستخدام حريته، حيث اعتبر المعني بالأمر أن حقوق الدفاع قد انتهكت. في 30 دسمبر من سنة 2010، اعترفت محكمة الاتحاد الأوربي بوجود عدة انتهاكات وأكدت، في نفس الوقت، على وجود أولوية جمعية لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك الأحكام الإلزامية لمجلس الأمن، في حالات انتهاكات حقوق الإنسان. حكمت الغرفة العليا للمحكمة الأوروبية بنفس الأمر في حكمها الصادر في 12 شتنبر 2012. وعلاوة على ذلك، وفي قضية مماثلة لمواطن مصري-إيطالي مقيم في سويسرا ومدرج في القائمة السوداء منذ سنة 2001، أدى الحكم الصادر في القضية إلى التأكيد على كون الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تقدم ضمانات أقوى لحقوق الإنسان مقارنة بالأمم المتحدة.

تظل الاستجابة الدولية للإرهاب حاملة في طياتها للعديد من نقط الضعف. يقتصر التعاون العسكري على التنسيق ولا يقدم الحد الأدنى المطلوب، بينما يخضع التعاون في المجال الاستخباراتي لتأويلات مختلفة فضلا عن عدم وجود شفافية كافية في تبادل المعلومات المتاحة بين الحلفاء، في حين تمثل التدابير المدنية والدبلوماسية اتساق قوي بما فيه الكفاية لمواجهة الإرهاب. مع ذلك، يجب التأكيد على أنه من الصعب تنفيذ التعاون الدولي، وذلك بحسب طبيعة التهديدات الإرهابية. بخلاف العدو الوطني للدولة والذي يعبر عن نية واضحة في العداء مع القدرات العسكرية، نجد أن صورة العدو الإرهابي أكثر غموضا وغير واضحة المعالم. إنه يجعل الدول والمنظمات الحكومية الدولية تتخبط في ضبابية كبيرة حيث الفروق بين زمن الحرب وزمن السلم، وأيضا بين وضعية الحرب ووضعية السلم، غير واضحة. في سبعينيات القرن الماضي، كان التعاون شبه غائب بسبب عدم وجود تعريف جمعي مشترك للإرهاب. اليوم، هناك دينامية حقيقية للتعاون حيث يعترف مختلف الفاعلين الدوليين بصورته المركزية في الأجندة السياسية الدولية. ترجع محدودية نطاق هذا التعاون إلى الطبيعة اللامركزية وتعدد المواجهة المفسرة لذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

* – في الأصل نشر هذا المقال باللغة الفرنسية في:

Frédéric Ramel, « Comment répondre au terrorisme ? » Mensuel N° 281 – mai 2016 Nature / culture : la fin des frontières ?

** –  أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية بباريس، وملحق بمركز الدراسات والبحوث الدولية بباريس-فرنسا.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك