الإسلاميون ووهم الليبراليَّة

إبراهيم مبارك المبارك

 

  • من أبرز الأفكار الَّتي أثير حولها النّقاش والحوار تأتي الليبراليَّة لارتباطها في الذّهنيَّة الإسلاميَّة بالتَّحرّر من الضَّوابط، والقيم الشَّرعيَّة وفتح المجال للعبث الأخلاقي باسم الحريَّة وهنا يثار عادة ثلاث ملاحظات،  تمثل  خلاصة موقف التيّارات الإسلاميَّة من الليبراليَّة كفكرة غربية ترتبط بحركة الإستعمار والتَّغريب الَّتي شهدتها المنطقة منذ أواسط القرن التَّاسع عشر.
  • الملاحظة الأولى هو السّؤال حول الشَّيء الجديد الَّذي ستضيفه الليبراليَّة إلى الإسلام باعتباره دين كامل شامل لأحكام الدّين والدنيا وبالتَّالي فإنَّ القيم الإيجابيَّة في الليبراليَّة هي موجودة في الإسلام فلا داعي لرفع شعار الليبراليَّة أمَّا الملاحظة الثّانية فهو ربط الليبراليَّة بالتَّحرّر والانحلال الأخلاقي الأمر الَّذي سيحيل المجتمع إلى أفراد تحركهم شهواتهم ونزواتهم بعيدا عن أحكام الدّين وأخيرا فشل الليبراليّة في العالم العربي وتحالفها مع أنظمة الاستبداد وتناقضها مع المبادئ الَّتي تنادي بها الليبراليَّة كالحريَّة والفرديَّة.
  • بخصوص الملاحظة الأولى فهي ناتجة عن المقارنة الغير منطقيّة بين الإسلام كدين وبين فكرة لها سياقها التّاريخي ومن ثمّ أصبح الاتّفاق على تعريف محدَّد ونهائي لها يعاني من صعوبة ففي الواقع يوجد ليبراليات بتعبير المفكّر فهمي جدعان [1]وأنَّه لا يجوز إطلاق المصطلح دون تحديد لأنَّ طبيعة المضمون الَّذي نحمله على المصطلح وحدود هذا المضمون توجه الآخذين به توجيها حاسما في هذه الطُّريق أو تلك وإذا كانت الليبراليَّة ليبراليات فإنَّ نقطة الحسم في الموضوع هو أزمة الخطاب الإسلامي الَّذي تنادي به كافَّة الحركات والأحزاب الإسلاميّة على اختلافها وتنوّعها ومن ضمن مظاهره مفهوم الدَّولة المدنية المعاصرة الّتي تمثل المواطنة فيه أساس التَّعايش وهوية المجتمع والحوار حول الدَّولة المدنية ذات المرجعيّة الإسلاميّة وأزمة فهم التراث لدي التيّارات السلفيَّة وظاهرة اختلاف التَّضاد الَّذي يسم هذه الحركات ووصل إلى مرحلة التَّكفير والاتّهام بالعمالة والتَّخوين لذا فإنَّ سؤال الإسلام والليبراليَّة الَّذي تطرحه هذه القوى إنَّما يخفي أزمة تعاني منها وتتجلَّى في صور ومظاهر أهمُّها الفكر الشُّمولي وإرادة الهيمنة وقصور المعرفة بالواقع [2]وبالتَّالي كيف يمكن للتيَّار الإسلامي تقديم رؤية حول موقف الإسلام من الفرد في حين أنّ هذا الفرد هو أسير لجملة من التَّنظيمات الهرميَّة والقرارات السريَّة ويمنع من إبداء أي رأي لا يوافق الجماعة ولعلّ الهجوم المتواصل حول بعض الأطروحات الشَّرعيَّة الَّتي تعتبر خرقا لثوابت ومعايير هذه التَّنظيمات حتَّى ولو صدر من شخصيات معتبرة إسلاميًّا يمثّل دليلا على أزمة بنيويَّة تعاني منها التيّارات والأحزاب الإسلاميّة يؤثّر بلا شكّ  من موقفها من فهم الأفكار الجديدة خصوصا إذا كانت تدعوا إلى تفعيل جانب الفرديَّة كأحد أبرز ركائز اللّيبراليَّة.
  • موقف الإسلام من الليبراليَّة يجب أن يفهم من خلال ثلاث مستويات تتمظهر في الثَّوابت والفروع والاجتهادات المعاصرة والَّتي يعبّر عنها بأحكام النّوازل فهل الموقف من الليبراليّة كأفكار أساسيَّة يمكن التَّعرف إليه من خلال الثَّوابت والَّتي تتجلَّى في قضايا الإيمان والعقائد، أم من خلال فتاوى الفقهاء في الفروع ممَّا يعني محاكمة الأفكار من خلال مرجعيّة بشريّة أم من خلال أحكام النّوازل وهذا لا يخرج عن المستوى السَّابق.
  • أمّا علاقة الليبراليَّة بالانحلال الأخلاقي وهذه هي الملاحظة الثّانية فهو مرتبط بما ذكر سابقا حول تحديد مفهوم الليبراليّة وعن أي نوع يمكن الحديث عن وجود نزعة انحلال أخلاقي وهل يوجد تلازم بين تبني مفاهيم الليبراليّة وبين هذه النّزعة؟
  • وعند ربط الليبراليَّة بالفساد الأخلاقي فإنَّ من المنطقي العودة إلى أسس ومرتكزات الليبراليَّة حتَّى يمكن الحكم ومقاربة العلاقة وإصدار الأحكام دون الارتهان لسياق تاريخي له ظروفه الخاصَّة ومن ثمَّ تعميم الحكم ونزع الصّفة التَّاريخيَّة عنه فما العلاقة بين الفساد الأخلاقي ومفهوم الفرديَّة كأحد أهمّ مرتكزات الفرديّة القائمة على الإيمان بأنّ الغايات البشريّة ذات طبيعة ذاتيَّة وهو ما يشكّل الأساس الأخلاقي للملكيَّة والحريَّة وبتعبير فردريك هايك في كتابه القانون أنَّ الإنسان لا يمكن أن يعيش إلَّا من خلال الاستيعاب والامتلاك الدَّائم أي من خلال تطبيق مستمرّ لقدراته وملكاته على الأشياء وهذه القدرات والملكات ليست بالضَّرورة ذات طابع مادي بحت كما يتصوّر نقاد الليبراليّة فالمصالح الماديَّة ليست سوى أدوات  تساعد الأفراد على الوصول إلى أهدافهم الذَّاتيَّة دون تدخل جهات خارجيّة تسيطر على ميول وتفكيره ومن هنا يأتي دور الدَّولة المدنية الّتي تهيء الفضاء العام من خلال مؤسّسات المجتمع المدني ليؤدّي دوره في استيعاب النّشاطات الإنسانيّة  دون ربطها بالضَّرورة بمرجعيات دينيَّة أو مذهبيّة أو طائفيَّة أو إثنيَّة.
  • يوجد عدَّة عوامل ساهمت في ربط الليبراليَّة بالفساد الأخلاقي لها علاقة بالتّطور التَّاريخي والعلاقات الحاكمة بين الشّرق والغرب منذ القرن السَّابع عشر وتبلور فكرة الدَّولة ذات السّيادة ونشأة الرَّأسماليَّة وصدمة الحداثة بالنّسبة للعالم الإسلامي الّتي تمظهرت بصورة واحدة وهي الإستعمار وإن كانت لم تخلو من اتّجاهات علميَّة مثل الحملة الفرنسيَّة وغيرها إلَّا أنّ الطَّابع العام كان اتّجاه الاصطدام العسكري والثّقافي المضاد للهويَّة الَّتي كانت تعيش فترة تذبذب بين وضعها المتخلّف وبين صدمة الغرب المتمدن.
  • أوّلا فكرة فصل السّياسي عن الأخلاقي الّتي بدأت مع ميكا فيلي والثّانية الفلسفة الذّرية، وثالثا الاتّجاه النَّفعي الَّذي نشأ مع جيرمي بتنام  [3] أمّا الملاحظة الثَّالثة فهو يرتبط بالشّكل الَّذي استقرَّت عليه الليبراليّة في العالم العربي كتلازم بينها وبين الاستبداد الأمر الذي يمثّل أحد اتّجاهات تفسير ظهور الحركات الإسلاميّة وتنامي دورها في المنطقة لكن يجب أن لا يغيب عن أي باحث في تاريخ الأفكار خصوصا لحظة اصطدامها بالفضاء العربي المأزوم  في فترة الاستعمار وما بعده  أنّ مفاهيم الحداثة  كانت تعاني من فوضى المفاهيم، وتناقضاتها وتصادمها مع المرجعيات التّقليديَّة وهشاشة النّخب فالوحدة والحريَّة والاستقلال بدأت بصراع قضى كليًّا على فرص العودة إلى سيادة الشّعب وحكم القانون فالدَّولة القطريَّة في تضادّ مع مفهوم الوحدة والإسلاميون في تضادّ مع الدَّولة المدنيَّة وإن جرت محاولات استيعاب مفاهيمها وتأصيلها شرعيّا، فالفكر العربي بلغة محمد عابد الجابري يعاني من أزمة الإبداع فهو سجين بدائل ويعيش انقطاع بينه وبين موضوعه [4].
  • فالمشكلة تتحدَّد من خلال الفضاء المتاح للفرد هذا الفضاء الَّذي يشترك في تكوين تفاصيله ومدى تحقّق ذاتيَّة الفرد المستقلّة عدد من المؤسَّسات الغير مدنية  الَّتي تدعي ارتباطها بالمقدَّس والنّهائي.
  • بوجد مظاهر متعدّدة توضّح بصورة جليّة فشل المشروع اللّيبرالي في المنطقة العربيّة لكنَّ أسبابه لا تعود لفكرة الليبراليَّة لجهة أفكارها الرئيسيَّة كالفرديَّة والحريَّة ودولة الحدّ الأدنى بالرَّغم من التَّغيير الذي طرأ على الفكرة الأخيرة تحت ضغط الأحزاب الاشتراكيَّة أواخر القرن العشرين لكنّ الفشل يعود إلى أنَّ الأحزاب الليبراليّة هي مأزومة منذ اللَّحظة.
  • الأولى بسبب القيود المفروضة عليها وبسبب محدوديَّة الثَّقافة الديمقراطيَّة وهشاشة أدائها وعجزها عن تصحيح أخطائها
  • يجب أن يعي الإسلاميون أنّ معركتهم الحقيقة هي مع  الاستبداد،  وثانيا تأسيس خطاب ديني متصالح مع العصر،  وثالثا صياغة المشاريع وفق أولويات  المرحلة ومن أهمها خطاب الدَّولة المدنية والمواطنة وحقوق الإنسان والتَّكفير والتَّنمية وتحرّر الفرد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الخلاص النهائي فهمي جدعان

2- أزمة التنظيمات الاسلامية جاسم سلطان

[3] تاريخ الفكر الغربي غنار سيكريك

[4] إشكاليات الفكر العربي محمد عابد الجابري

الأكثر مشاركة في الفيس بوك