حرية التفكير ومحدودية التعبير

هيا الرشيد

 

تراكمات فكرية، وتجاوزات دينية أوقدت جذوة الحماس، وغيرت مسار بعضهم، هبَّ الجمع مابين مصلح ومفسد، وخلف الكواليس صراع فكري طفت مفرداته على السطح، والكل يروِّج لقناعاته.

الفكر يبحر بصاحبه إلى آفاق لا يدركها غيره، إلا عندما يُصرِّح بها ويبوح بمفرداتها، وهذا فيما يخص مستوى التفكير (المتأنق) الذي يكون على أساس من حب المعرفة والاطلاع، وقد يترتب عليه أحيانا قراءات عميقة للفلاسفة أو الكتَّاب، وتصل أحيانا إلى حضور لقاءات وندوات تُنمي هذا الأمر في جانبه السلبي، الذي يؤدي إلى ماتردد مؤخرا من (شكوك) بمسلَّمات دينية نصَّت عليها نصوص الكتاب والسنَّة.

أُقيمت الندوات وأُلقيت المحاضرات وأُعدت اللقاءات، وتم إصدار كتب ومقالات؛ للوقوف سدا منيعا أمام هذا الانجراف. ومحاذير الدين والعقيدة هي الراية الخفَّاقة التي يترنم الجميع دون استثناء برفعها عاليا والذود عنها.

ولا ننسى قاسما مشتركا بين هؤلاء وهو النداءات المتكررة للحفاظ على الشباب ورعاية الجيل، والصد عنهم في ظل التنامي المضطرد لوسائل التقنية الحديثة وبرامجها وتطبيقاتها.
ولا يُلام أحد على حماسه ولا يُستنقص جهد ولو كان لمُقِلْ ولكن ..............

إذا كان حفظ العقل أحد الضرورات الخمس ونعلم سلفا أن مفسداته تنقسم إلى قسمين:

1-حسية بالخمور والمخدرات.
2-معنوية بالأفكار والخيالات والتصورات والشكوك التي تودي بهذا العقل إلى الانحرافات والضلالات كالإلحاد وغيرها، مما يؤدي إلى الردة التي يفقد من خلالها الإنسان بعدها الضرورة الأولى ألا وهي: الدين.

يقول الحق تبارك وتعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات.

لنسأل أمام هذه الآية الكريمة وعلى ضوء التصدي الأخير للفكر الإلحادي وملابساته سؤالا:







هل عقول شبابنا أصبحت جديرة بكل هذا الحرص والاهتمام فقط عندما بدأت رياح الإلحاد تهب في المجتمع المسلم؟

بداية وقبل أن يفهم بعضهم سؤالي خطأ أقول:

أمر الإلحاد ليس يسيرا، وكونه بدأ يعصف بعقول بعض شبابنا مصيبة كبرى تستحق منَّا وقفات وليست وقفة واحدة.

إذا ما المغزى من طرح السؤال؟ 

أقول مستعينة بالله:

أن هناك مستوى (متأنق) للتفكير منصب على الاطلاع والاستزادة فكريا وثقافيا حتما سندرك أن هناك مستويات أخرى أقل تأنقا إن لم تندرج ضمن قائمة هابطة جدا، وقد أُهملت بشكل كبير من كثير من الفئات، مع أن وجودها وانتشارها في مجتمعنا قد مر عليه عقود من الزمان..!





ألسنا نتحدث عن (التفكير) وما ينطوي عليه؟

ألسنا نهتم بالعقول وما يرتقي بها؟

ألسنا نخاف على ديننا وكل ما يؤدي إلى التعرض له وخسارته؟

إذا لم التركيز على ملامح الإلحاد التي تبادرت لدى بعضهم، وكرَّسنا الجهود لاحتوائها وتحليل ملابساتها وقراءة فكر صاحبها دون مَنْ أقدم على الانتحار؟

ألا ترون أن الانتحار ومحاولات الانتحار في فئة الشباب ظاهرة مقلقة؟

ولم التركيز على من أصبح أسيرا لشكوكه، وتركنا من أسرته ألعاب إلكترونية أدمنها منذ سنوات حتى أفقدته كل ارتباط بالحياة؟

مدمن الألعاب الإلكترونية الذي أُفتتن بها، وأصبح من خلالها صديقا افتراضيا لعدد هائل من الشباب من مشارق الأرض ومغاربها، ألا يستحق النظر بعين الرحمة لإخراجه من هذا الجنون الذي يعيشه؟

صرخات تتعالى في مقاهي الإنترنت، ورعب تعانيه الأسر ولا نرى لهذه النوعية والجحيم الذي استغرقت فيه أي اهتمام!

المنتحر غالبا له مطالبات لحقوق مسلوبة، وإن كنَّا لا نبرر له الإقدام مهما كانت ظروفه، ومدمن الألعاب الإلكترونية قد يشكو الفراغ والبطالة، وإن كان الذنب هنا لا يبوء إلا بصاحبه، إلا أننا نسأل ما مصير كل منهما، وإن كان الأذى لا يتعداهما لسواهما؟

أين تحقيق ما نصَّت عليه الآية الكريمة لكل فئة من هذه الفئات أيا كان أسلوب ضياعها الفكري؟؟

نمعن في مستوى آخر أدنى وأقل لنوعية فكر شبابي يستحق التأمل والتدقيق!









كم عقد مر على ظاهرة التفحيط؟

ألا نجد في هذه الظاهرة إزهاقا لأنفس حرَّمها الله؟

ألا يترتب عليها ضياع دين واعتداء على أرواح آخرين؟

وتلك المركبات التي تتلفها هذه الظاهرة إلا تدخل ضمن إهدار المال؟





http://www.jarwan-center.com/file/2013/04/thinking1-660x330.jpg



وقبل هذا كله هل قام ذلك (العقل) بدوره حيث إنه مناط المسؤولية وبه كُرِّم الإنسان وفضل على سائر المخلوقات، وتهيأ للقيام بالخلافة في الأرض وحمل الأمانة من عند الله، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾[سورة الأحزاب:72].

الظواهر الشبابية التي تقض المضاجع باتت كثيرة، وكل منها تحتاج مساحات شاسعة وقنوات متعددة لاحتوائها وإيجاد الحلول الأكيدة لها.

جرَّمنا الإلحاد والفكر الإلحادي، ووجدنا المفحط وبكل فخر وخيلاء يتحدث عبر القنوات بحرية عن هوايته المميتة التي أهلكت الحرث والنسل.

حاصرنا من تهادى تفكيره إلى خيالات محرمة، ولم نسأل عن المنتحر وملابسات قد عصفت بـ (عقله) قبل الانتحار!

ألم يكن من مجال لإنقاذه من قتل نفسه قبل أن يُقْدم على ذلك؟

حكمنا على الفكر الإلحادي بأنه متهافت، يزج بصاحبه في متاهات يكون مصيره في نهايتها الضياع، وغضضنا البصر عن أسير الألعاب الإلكترونية الذي أفنى زهرة شبابه بين دروبها تاركا بسببها مصالحه الدينية والأخروية!













ختاما:

أدوات الضياع وإن كانت مختلفة في نوعيتها ومتفاوتة في أساليبها، إلا أن النتائج ضاربة في التخبط والضياع وكذلك الخسائر، وإن كان هناك من حرص لقراءة فكر الملحد أو من ساورته بعض الشكوك كبوادر للإلحاد، فأتمنى أن تكون تلك القراءة العميقة لفكر كل شاب ينتمي إلى مجتمعنا وتحليل ممارساته السلبية تجاه نفسه ومجتمعه، وإيجاد الحلول لتلك الظواهر حتى نظفر بانتشال حقيقي لفئة الشباب مما هم عليه، وإعادة كلا منهم للطريق الصحيح الذي يجعل منه فردا صالحا وعضوا فاعلا يخدم دينه وأمته.

المصدر:http://www.haya-ar.com/articles/254

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك