لماذا نبني كل هذه الأسوار..؟

فاضل العماني

 

يُعتبر سور الصين العظيم، أطول وأضخم بناء في تاريخ البشرية على الإطلاق، إذ يُقدّر طوله بـ ٢٤٠٠ كيلو متر، وهو تحفة فنية فريدة، وموقع تراثي عالمي، وإحدى عجائب الدنيا السبع في العالم في استطلاع الرأي الدولي لعام ٢٠٠٧.

ويُمثل هذا البناء المعماري النادر رمزاً قومياً للأمة الصينية، بل هو "الصورة الصينية" التي تحملها هذه البلاد الشاسعة العريقة. وقد بُني هذا السور العظيم في عام ٢٢١ قبل الميلاد، وقد شارك في بنائه أكثر من ٣٠٠ ألف عامل.

وقد بنى الصينيون القدامى هذا السور العظيم لكي يحميهم من الغزو المتكرر من الأعداء المتربصين بهم. وقد ظن الصينيون بأن متانة وعلو وطول هذا السور العظيم الذي لا مثيل له، سيوفر لهم لهم الأمن والحماية والعيش بسلام، ولكن الأمر لم يكن كذلك، فقد تعرضت الصين للغزو مرات عديدة بعد بناء هذا السور العظيم، إذ لم يكن الأعداء في حاجة لاختراقه أو تسلّقه من الخارج، بل كانوا يُقدمون الرشوة لحراس السور الذين يفتحون لهم بوابات السور متى ما أرادوا.

لقد انشغل الصينيون ببناء هذا "السور" ظنّاً منهم بأنه سيحميهم، ولكنهم لم يهتموا ببناء "الحارس" الذي كان يُمثل "الإنسان" الصيني.

نعم، قد يكون سور الصين العظيم، هو الأكثر حضوراً وشهرة في تاريخ/ عالم الأسوار والجدران على مر العصور، ولكن الحياة التي نعيشها بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة مليئة بالأسوار والجدران والأبواب.

وهنا، لا بد لي من هذه التساؤلات الملحة: لماذا نبني كل هذه الأسوار التي تُسيّج حياتنا؟ ومن زرع فينا كل هذا الخوف من القادم من خارج الأسوار؟ وهل حقاً استطاعت كل تلك الأسوار والجدران أن تحمينا من كل تلك المخاوف والهواجس والوساوس؟ ألا نتذكر جيداً كيف كانت حياتنا الماضية في ذلك الزمن الجميل بلا أسوار وبلا جدران وبلا أبواب؟ ألم يحن الوقت لتحطيم كل تلك الأسوار العالية من حياتنا؟

في عالم مفتوح على كل السماوات والفضاءات، كالذي نعيشه الآن، لم يعد بإمكان كل تلك الأسوار ــ مهما كانت عالية ومتينة ــ أن تمنع هبوب رياح الاتصال والتقارب والانفتاح واللقاء بكل الثقافات والحضارات القادمة من الشرق والغرب.

في عالم كهذا، تحطمت على نصله، كل الأسوار والحصون والجدران، ومُدّت الجسور التي تصل بالبشر ــ كل البشر ــ إلى سواحل التسامح والتواصل والانفتاح. في عالم كهذا، لا مكان فيه للمترددين والخائفين من سماع الأغنيات المنسابة من خارج تلك الأسوار الوهمية.

لقد آن الأوان، لأن نُحطم سور "الخصوصية" العظيم، ونبني بدلاً عنه "جسوراً" من المحبة والثقة والأمل.

http://www.alriyadh.com/1557610

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك