بين الإسلام اليوم والإسلام العتيق

بخيت الزيادي

 

لا أريد من العنوان أعلاه افتعال إي إسقاطات أو الإشارة أو حتى التعريض بفئة أو جماعة معينة, وإنما استخدمت هذين الاسمين كونهما الأقرب لأذهان الناس وسهولة إيصال الفكرة الأساسية من هذه السطور.

إن المتأمل لأحوال الإسلام والمسلمين يجد ثمة فرق كبير بين الأول والثاني, ورحم الله أحمد ديدات حينما قال:  الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين؛ لأن الإسلام النظري الموجود في الموروث الديني والثقافي والاجتماعي للأمة يختلف كثيراً عن الإسلام العملي التطبيقي الواقعي بين الناس.

وسبب ذلك ولا شك هو تباين واختلاف الناس في فهم الإسلام، وهذا يعود بنا إلى أسباب الخلاف في فهم الإسلام والذي أثر عليها وبشكل غير مستغرب العلم بالدليل والبيئة الثقافية والتقدير الحسن للمواقف , ولذلك نحمد الله تعالى أن جعل من شريعة الإسلام أن يوهب المجتهد المخطئ أجر على اجتهاده؛ لأن الوصول إلى الصواب في جميع مسائل الأحكام إما متعذر أو متعسر كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية.

ولهذا ألف رحمه الله تعالى كتابه الفريد " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " شعوراً منه رحمه الله تعالى إلى أن  هذا الأمر غاية في الأهمية ويقف عليه بناء وإكمال المشروع الإسلامي الحلم والذي لا تراودني الشكوك في أنه قد سرد على أحد المفسرين ولم يبقى إلا أن يؤوله بأن الحلم بات وشيكاً جداً على التحقيق.

الإسلام اليوم هل يختلف عن الإسلام بالأمس, أم أنه ليس هناك مشاحة في الاصطلاح والمسألة لا تعدوا كونها تعبير عن حالة فقط , ولا تصل لمرحلة تبني رؤية أو منهجية جديدة مختلفة عما سبق , جميع التأويلات متاحة  وحتى قادة الفكر الإسلامي المنفتح – ونقول المنفتح هنا مجاراة للواقع – هناك تباين بينها في الآراء حول القضية الواحدة, تصل في بعض الأحيان إلى تسفيه أو في أحسن الأحوال إلى التقليل من قدر الرأي الآخر, وهو في النهاية لا يخرج من كونه رأي عالم , أو فتوى شيخ , أو نظرة مفكر , ووقع المحظور وهو وقع الملام بين الأخوة الأعلام.

وأما الإسلام العتيق فيريد أن يعيش في عصر غير عصره, ويتهم كل من يخالف مسألة اجتهادية بأنه ضال مبتدع يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية ويستخدم أشد و أنكى وأقسى عبارات الجرح والتعديل,  والذي كان حتى الإمام البخاري وهو أحد أئمة الجرح والتعديل يتورع عن استخدامها ويكسو ألفاظه وهو في مقام تعليم, أفلا نتورع نحن عن مثل ذلك.

إن السلفية الحقة بعيدة كل البعد عن ما هو مثير للخلاف والشقاق بين الأخوة بل هى راعية وحافظة لجميع حقوق الأخوة الإسلامية ولكن أعود لكي أذكر بأن الإسلام التنظيري مازال قابعاً في بطون الكتب, ولم ينتقل  بعد إلى واقع خيار القوم فضلاً عن عامة الناس.

تتبع الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام أقوال العلماء في كلمة " جماعة " والتي وردت في كثير من النصوص الثابتة, وكذلك في كثير من كلام الأئمة الأعلام, فوجد أن العلماء لم يحددوا تعريف واحد لهذه  الكلمة, ووجد ما يقرب من خمسة تعاريف لهذه الكلمة البعض منها يختلف كلية عن التعريف الآخر, وجميع التعاريف قد قال بها أئمة معتبرون.

هذا يقودنا إلى موضوع أن الجماعات الإسلامية في عمومها وبلا استثناء هي داخل كلمة الجماعة – بالطبع لا  أقصد تلك التي أحدثت في الدين ما ليس منه وليس المقام لسردها – فعلام تريد كل جماعة مسك زمام القيادة وتعتبر نفسها الطائفة المنصورة في زمان الفتن.

نجحت هذه الجماعات في الإيغال في تفاصيل ليست ذات أهمية , وحالهم كحال بعض القساوسة حينما كانوا في كنيسة يتدارسون أو بمعنى أدق يختلفون كم يستطيع شيطان أن يقف على رأس إبرة, وكانت هناك خارج الكنيسة جيوش تهد بهدم هذه الكنيسة ! نحتاج إلى إذابة مثل هذه المعلبات الجاهزة من الفرق الأحزاب, والالتفات إلى المشروع القادم للأمة , والذي نحتاج فيه لأن نرفع الملام عن الجماعات الأعلام.

ومضة: لا تلين قلوبنا لإتباع بعض السنة وتنفر عن قبول بعضها بحسب العادات والأهواء فإن هذا خروج عن  الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين . ابن تيمية.

المصدر: http://www.denana.com/main/articles.aspx?article_no=8097&pgtyp=66

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك