الوحدة العربية والحرب الأميركية على الوطن العربي

د. ساسين عساف

 

منذ أن شنّت أميركا الحرب على أفغانستان ثمّ على العراق وحروبها مستمرّة على الوطن العربي لأنّه يقع في منطقة مركزية للاقتصاد العالمي، وفيه جيوب عصيّة تاريخياً على الولايات المتّحدة وربيبتها الدولة العبرية بخلاف المنطقة المركزية الأخرى، أوروبا الغربية، التي تبدو سهلة الانقياد لإملاءات أميركا ومصالحها الإستراتيجية:

بريطانيا هي أشدّ الدول الأوروبية تبعية للقرار الأميركي لإشباع حاجة نفسية ناتجة عن ضلوعها التاريخي في استعمار الشعوب (إنّها عمليّة ثأر تاريخي من شعوب طالما استعمرتها) ألمانيا تليها في التبعية لإشباع حاجة نفسية مضادّة ناتجة عن رغبة لديها مشروعة في الخروج من مرحلتها النازية (ارتضاء التبعية ثأراً من مرحلة غير محمودة، البحث عن تبرئة الذات عن طريق التماهي بالآخر) أمّا فرنسا المبادئ والديغولية فهي متأرجحة بين ربط مصالحها بالمصالح الأميركية وفصلها عنها لذلك تبدو ضعيفة ومهمّشة.

تلك الحروب المتتالية والمستمرّة يراها البعض حرباً على العروبة والإسلام، على العرب والمسلمين هدفها الفصل بين الإسلام الآسيوي والإسلام الإيراني والإسلام العربي والإسلام التركي ومنع قواه من إمكان الاتّحاد حول مشروع إسلامي واحد يواجه السياسة الأميركية في "الشرق الأدنى الكبير" الذي يضمّ، وفق التصوّر الأميركي الوارد في تقرير أعدّته "اللجنة الأميركية للأمن القومي في القرن الواحد والعشرين" التي تعرف بلجنة "هارت/ رودمان"، كلاًّ من الوطن العربي، إسرائيل، تركيا، إيران، آسيا الوسطى، القوقاز، ومنطقة شبه القارّة الهندية..

هذا الفصل يشكّل الوسيلة الوحيدة الفعّالة لتحقيق تلك الأهداف. من هنا يبدو الاحتلال الأميركي المباشر لنقاط استراتيجية في هذا "الشرق الأدنى الكبير" وجهاً من وجوه استخدام تلك الوسيلة، ومن هنا يبدو كذلك أنّ وظيفة إسرائيل الجديدة في المنطقة هي واحد من تلك الوجوه، فضلاً عن الأدوار المثيلة التي تقوم بها بعض حكومات المنطقة وأنظمتها التابعة لدوائر القرار الأميركي وأجهزته الإستخباراتية..

إنّ لأميركا مصالح حيوية في الوطن العربي تحتلّ مركزية خاصة في استراتيجيات الاحتلال والسيطرة. فالحروب توفّر لها ذلك فضلاً عن التزامها التاريخي بتحقيق الحلم الصهيوني في المزيد من إلغاء فلسطين العربية حجراً وبشراً.

الحرب الأميركية على الوطن العربي تنحصر في ما أسمّيه أرض الصمود القومي المواجه للمخطّط الأميركي/ الصهيوني في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وهي تهدف الى تثبيت السيطرة النهائية على نفط الخليج والحماية الثابتة والدائمة لأمن الكيان الصهيوني العنصري الإرهابي.

ما تدّعيه حرباً على الإرهاب يخفي وراءه هذين الهدفين الإستراتيجيين.

قبل ما ادّعته حرباً على الإرهاب ادّعت قيادة برامج الإصلاح والتنمية وحقوق الإنسان والديموقراطية وسيلة تمويه جاذبة لمن كانت لهم رغبة حقيقية في تغيير الحكّام والأنظمة.. فمن صنعها كان "الربيع العربي" الذي سرعان ما تحوّل إلى حروب وفتن مدمّرة أودت بتطلّعات الشباب العربي التغييري وبدأت ترتسم على حدود الدم خرائط جديدة تجسّد مخططات إعادة تقسيم الدول القطرية على أسس طائفية وعرقية.

إنّ إعادة النظر في حدود سايكس/ بيكو مسألة مطروحة في إستراتيجيات التفتيت والسيطرة منذ كيسينجر وبريجنسكي وهي مسألة ثابتة ومتجدّدة مع كلّ العهود في وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي.

أمّا في حربها اليوم على الوطن العربي، في عهد أوباما، فقد وجدت الإدارة الأميركية في التغيير الشامل للحدود والحكّام والأنظمة خصوصاً في بلاد الشام أو الهلال الخصيب "ضرورة إستراتيجية" فعمدت إلى حصار العراق ثمّ احتلاله وإلى معاقبة سوريا ثمّ تخريبها من الداخل وضربها من الخارج وإلى شنّ حربها التموزية على لبنان أملاً بولادة شرق أوسط جديد..

هذا ما فعلته أميركا بالمباشر في أرض الصمود القومي وهي كانت وما زالت تدعم إرهاب الدولة الصهيونية وتمدّه بالسلاح والمال والتغطية الديبلوماسية الدولية.

بكلّ صلف واستكبار مارست أميركا، بالمباشر وبالواسطة، أبشع صنوف الارهاب في حربها المستمرّة على الوطن العربي!.. وقد تستخدم أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي اذا وجدوت ذلك مناسباً لإنجاز "مهمّاتها الانسانية" (تنقية العالم من جرثومة الارهاب)

تصنيف الشعوب، ومنها لا بل في الشعب العربي، وفق القاموس السياسي الأميركي بين شعوب إرهابية وشعوب تحارب الإرهاب، وذلك على قاعدة: من هو معنا فهو ضدّ الإرهاب ومن هو ضدّنا فهو مع الإرهاب، يقيم معادلة جديدة في الفقه السياسي الدولي.

الحرب القديمة/ الجديدة على العراق والحرب المستمرّة على سوريا تحدو على طرح السؤال التالي:

هل بعض الحكومات العربية مقتنعة فعلاً بعدم وجود استهداف للوطن العربي بدوله كافة بعد إنهاء المهمّة في الإقليم الشامي؟!

هل الكلام الذي نسمعه على ألسنة بعض الحكّام والمسؤولين العرب بشأن النوايا والالتزامات الأميركية هو كلام مطمئن يحول دون تداعيات ما يجري من حروب وفتن في العراق وسوريا على دولهم؟

أيّاً كان الجواب لا بدّ من إقرار عربي رسمي بأنّ أميركا تشنّ حرباً على الوطن العربي بأشكال مختلفة. أوليس قانون جاستا واحد منها؟!

لكي تجبر أميركا على وقف حروبها التدميرية على فلسطين وسوريا والعراق لا بدّ من الاستدارة شرقاً وفتح مجالات التعاون الإستراتيجي مع روسيا والصين، ولا بدّ من تصفية الخلافات مع دول الجوار العربي خصوصاً تركيا وإيران.

مصلحة العرب هي في امتلاكهم صداقات دولية وإقليمية. إنّ لديهم قضيّتين مركزيّتين متلازمتين، تحرير فلسطين ودعم سوريا والعراق في مواجهة الحرب الأميركية عليهما. هاتان القضيّتان تشكّلان معيار التعاون مع حكومات العالم وشعوبه.

المصدر: http://www.arabrenewal.info/2010-06-11-14-13-03/63580-%D8%A7%D9%84%D9%88...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك