ماذا عن مستقبل المسلمين..؟

عادل الكلباني

 

 

نحن في وضع مهما استبشرنا بفوز فلان أو أساءنا سقوط فلان، فإنما تلك مجرد توهمات عبثية تنمي عن استمراء التبعية، وغض الطرف عن مستقبل المسلمين..

حين بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن خلفًا لرئيس قبله، ولم يكن هناك أحزاب تتنافس للوصول إلى الحكم، كما لم تكن هناك دولة ولو بالمفهوم البدائي! بل كانت العرب الذين بعث فيهم أمة لا يحكمها نظام، ولا يجمعها ولاء، غير الولاء للقبيلة والعشيرة، ولم تكن هناك بنية تحتية تبني عقولاً تفكر في مستقبل العرب، أو تخطط لرفعتهم، ورفع الضيم عنهم، هذه الحالة الفوضوية التي كان العرب فيها مجرد حلفاء وأدوات يستعان بهم بين الحين والآخر لتحقيق مصالح غيرهم! لم تكن عامة لكل سكان الأرض وعلى وجه الأخص تلك الشعوب المجاورة للعرب، بل كانت هناك إمبراطوريات عظمى قائمة، وجيوش متقدمة بعتادها وعددها وتدريباتها وأنظمتها، تقدمًا يتناسب مع زمانهم وقدراتهم.

في تلك الأثناء كانت قبائل العرب تتفاخر بالسلب والنهب والغزو، يقتتلون فيما بينهم، يظهر هذا جليًّا في تأريخهم وأشعارهم وقصصهم، فقد كان مجرد القدرة على الفتك والجرأة على القتل معيارًا أساسيًا للسيطرة والغلبة وتثبيت الملك، بل وأقصر طريق للغنى وجمع الثروة حتى قال قائلهم:

ومن يفتقر مِنّا يعِش بِحسامِهِ

ومن يفتقر من سائر الناسِ يسألِ

فلم يأت محمد صلى الله عليه وآله وسلم مكملًا لما أسس قبله، بل جاء والحال أسوأ مما قد يصوره كاتب، أو يختصره مقال، أو تعبر عنه ريشة فنان، أو قصة راو، فأسس دولة مترامية الأطراف، مكتملة الأهداف، في بضع سنين، ولم يكن يراهن على قوة معادية أو مسالمة، ولا وضع حساباته في بناء دولته على ما يفعله الآخرون.

لعلك قد فهمت أخي القارئ الكريم من هذه التوطئة ماذا أريد أن أقول؟ فالواقع الذي نعيشه يدعونا للكلام عنه، وكل متكلم يحاول معالجته من زاويته المتاحة، وقد تتفاوت تلك المعالجات والطروحات، فما يطرحه ذلك المفكر غير ما يطرحه رجل الأعمال، وما يراه السياسي قد لا يدركه رجل الدين، ويرى المتشائم ما لا يراه المتفائل!

ومن زاويتي أضع السؤال بعد أن تابعنا وتابع الناس والعالم بأسره الانتخابات الأميركية التي انتهت بنتيجة غير متوقعة للأكثرين من المحللين والسياسيين، وليس الحديث عن متابعة تلك الأحداث السياسية بل الحديث والسؤال: ماذا تعني لنا تلك النتيجة؟

لا شك أن الأجوبة ستكون متباينة وكثيرة وقد يطنب الكثيرون في فلسفتهم لفهم الحدث، ولكن السؤال أتى استطرادًا للتراجع الذي يعيشه المسلمون، فيوهمون أنفسهم بشغف المتابعة، والحرص على المعرفة، وليس لهم قدرة على أكثر من التحليل والترقب!

ولكن السؤال الأكثر مصداقية هو: ماذا تعني مواقفنا من هذه الأحداث؟ فهنا نستطيع أن نجد الاعترافات الحقيقية التي تستظل تحت شجرة الوهم الذي نعيشه، وبأيسر قول إن مواقفنا من الانتخابات الأميركية وتمنياتنا بفوز هذا على ذاك، وتشجيع أولئك على أولئك، وتعليق آمالنا بنتيجة يصنعها فريقان مختلفان في الظفر بها، ومتفقان على ضرورة الظفر بالمزيد من السيطرة على المسلمين واستنزاف ثرواتهم والتحريش بينهم، كل بطريقته، فمنهم من سلك طريق الكافرين الصريح كما هو حال الفائز، ومنهم من يفضل صنع المنافقين، فيبدي ما لا يبطن، كالخاسر!

ماذا بعد هذا؟ سيعيش المسلمون في صراع ونزاع، وركود سياسي واقتصادي وعسكري، آملين أن يفوز في انتخابات قادمة من يكون أقرب إليهم وأرحم بهم من غيره، لتتغير بفوزه سياسات الشعوب العربية!

متى نملك العقول المنقذة التي تفكر في انتشال المسلمين من وضعهم، وتعمل بهدوء وحكمة لاستدراك ما يمكن استدراكه؟ متى تصبح أمتنا المؤثرة في العالم، القائدة له؟

لا شك أن أعداء الأمة قد استحكمت قبضتهم على الشعوب الإسلامية إلا ما رحم الله، ولن يتركوا لنا فرصة للخلاص مهما بذلنا من تنازلات ومهما أظهرنا من إحسان إليهم، فهم يعلمون أن بقاءنا هكذا هو الضامن الوحيد لقدرتهم على نهب مقدراتنا والسيطرة على ثروتنا، والفوز بالحصة الأكبر من أموالنا، حتى يصلوا الغاية التي أخبرنا الله عنها في قوله (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا). وقد تنوعت أسلحتهم في قتالنا تقنية ودهاء!

نحن في وضع مهما استبشرنا بفوز فلان أو أساءنا سقوط فلان، فإنما تلك مجرد توهمات عبثية تنمي عن استمراء التبعية، وغض الطرف عن مستقبل المسلمين الذي لا تكاد تجد من يفكر به معتمدًا على الاعتراف بالحقيقة إلا القليل ولعل الله يجعل البركة والخير في ذلك القليل.

والذي لا أشك فيه ولا أتردد في القناعة به أن كل ما قضى الله هو خير لنا في عاجل أمرنا أو آجله، إذا استقمنا. والله من وراء القصد.

http://www.alriyadh.com/1547399

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك