السياسة العالمية ومبدأ الميكيافيلية

د. محمد مسعود القحطاني

 

الموضوعية شيء مهم جداً وعدم الاندفاع في الحكم والتفكير بروية من سمات الحكماء، وتلك الفكرة التي زرعتها الولايات المتحدة الأميركية في قلوب وسياسات الجيران والأشقاء، والتي تتمحور حول المصلحة ومبدأ الميكيافيلية، وهي أن الغاية تبرر الوسيلة، تلك الفكرة التي بدأت تنتشر في طيات سياسات الكثير من دول المنطقة، وأن المسألة أصبحت مسألة مصالح فقط ولم يعد هناك اعتبار لا للدين ولا للأخوة ولا للعقيدة، هي ما أوصلتنا إلى مراجعة مواقفنا مع البعض الآن.

نعم، إنها مراجعة لابد منها، مراجعة لأيادينا البيضاء على الكثير ممن حسبناهم أشقاء وللكثير ممن قدمنا لهم المساعدة، ولكن للأسف لم يكونوا على قدر المسؤولية، وأنا الآن لا أتطرق إلى الشعوب؛ فإن الشعوب من الذكاء لتعرف عن المملكة وقادة المملكة العظماء على مر السنوات الماضية، وعن مواقفهم وتضحيات المملكة من أجل قضايا أمتنا العربية والإسلامية، الشعوب أذكى بكثير مما نعتقد، والشعوب تفهم الكثير من الوقائع والأحداث ولكنها تفضل التحليل عن بعد والابتعاد عن التدخل في تناطح الكبار وتبقى صامتة، تنظر وتتأمل في الواقع من حولها ويصيب قلوبها الكمد والحزن مما تراه من سياسات بعض الساسة والقادة في الأنظمة -ولن أقول الدول حتى لا أجمع الشعب مع النظام- التي حسبناها معنا، ولم نتوقع أبداً أن نتلقى طعنة من أقرب الناس لنا كما كنا نعتقد.

ومن هذه الموضوعية ومن دواعي الحكمة أن نراجع الأحداث خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تمخضت فولدت لنا ما سمي بالربيع العربي، تلك الأحداث التي قلبت المنطقة رأساً على عقب وجعلت من منطقتنا التي كانت هادئة وآمنة إلى منطقة صراعات ونزاعات لا تنتهي، وشملت العديد من الدول القريبة والبعيدة وأثرت على النظام العالمي كله وليس الإقليمي فقط.

عندما بدأت تلك الأحداث هبت المملكة من أجل مد يد المساعدة إلى هذه الدول الشقيقة من أجل دعم ركائز الاستقرار فيها، ولم يكن موقف قادة المملكة موقفا انتهازيا من أجل المصلحة الخاصة بها ولكن من أجل مصالح تلك الشعوب، ولمعرفة قيادتنا الرشيدة بأن تلك الأحداث سوف تؤدي إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء وتشريد مواطني هذه الدول وهذا ما حدث بالضبط.

ولكن، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ هل تقدم مملكة الخير والإنسانية ما تقدمه من مساعدات لهذه الحكومات لتكون تلك الحكومات وقت الجد سهاما في كنانة الأعداء، هل يمكن أن تتحول المصالح وقلة الأصل لهذه الدرجة من نكران الجميل من هذه الأنظمة، هذه الأسئلة وغيرها تجعل عقل الحكيم حائرا حيران بين الفعل المشين من هذه الأنظمة ورد الفعل الواجب اتخاذه مع هؤلاء، وتجعل حكومتنا الرشيدة وقادتنا -حفظهم الله- يفكرون ألف مرة قبل أن يهبوا لنجدة الملهوف ويمدوا أيديهم لمن لا يستحق، ولا يقدرون إلا أصحاب النوايا الطيبة والمواقف الواضحة الخالية من التلون والسراب.

وفي المقابل حب المملكة العربية السعودية في قلوب المسلمين حب مبني على أساس عقائدي، حب وود وإخاء نقي لا تشوبه شائبة المصالح ولا تلوثه مخططات الغايات.

http://www.alriyadh.com/1545728

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك