السياسة والدين والأخلاق

مصطفى محمد مهران 

 

أعجب كثيراً من مصطلحات تنسب للسياسة كلمة الاخلاق أوالدين مثل أخلاقيات السياسة ، أو الإسلام السياسي ، أو الدين السياسي ، فنسب كلمة سياسة لدين معين هو ظلم بيِّن لهذا الدين ، لأن السياسة شيء متغير ومتذبذب لا يعرف أي قيم أاو تقاليد أو أوامر ، ومن يمارسون السياسة بواجهة دينية هو كمن قال فيهم الله تعالى "يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم".

أما عن أخلاقيات السياسة فهو مصطلح متنافر ، لأن السياسة لا تعرف الأخلاق ، فاذا وقعت الحرب فلا تتحدث عن الاخلاق ، الحرب نفسها فعلٌ لا أخلاقى ، وعندما تقوم الثورة أو يقع الانقلاب فلا تتحدث عن الأخلاق ، لإنهما يؤديان فى الغالب إلى أحداث فوضوية لا أخلاقية .

يُخطيء من يتصور أن هناك منافسة شريفة ، فالمنافسة على السلطة معناها سحب قدميك عند فرض قدماي ، إما أنا أو أنت ، غالبٌ أو مغلوب ، وفي سبيلها ؛ أي فى سبيل السلطة أنت تطيح بكل من يصارعك عليها أو ينافسك فيها أو حتى يكون عدو محتمل فتؤده وهو في المهد.

لذلك أي حضارة في التاريخ قائمة أساساً على الحروب والصراعات ، سواء أكانت صراعات داخلية أو حروب مع دول أخرى خارجية ، حتى ولو كانت هذة الحضارة حضارة دينية مثل حضارة مصر القديمة مثلاً ، أو حتى الحضارة الاسلامية ؛ فحضارة مصر القديمة لم تقم إلا بعد تأسيس الدولة القديمة ، ذلك على إثر توحيد القطرين وما سبقه من صراعات داخلية أدت إلى توحيد القطبين الشمالى والجنوبي ومن ثم بدء العصر المسمى ب"عصر الاهرامات" ، كما أن الدولة الوسطى لم تقم أيضاً إلا بعد صراعات داخلية استمرت لمئات السنين اختتمت بتوحيد القطرين ثانيةً واستكمال قصة الحضارة ، أما عن الدولة الحديثة فلم تؤسس إلا بعد حرب الهكسوس وطردهم من مصر وتحرير البلاد ثم الحملات التوسعية لتحتمس الثالث ومن بعده رمسيس الثاني.

وعندما أذكر أن الحضارة الإسلامية قامت بعد صراعات وحروب ، فهذا لا يعنى أن الإسلام انتشر بحد السيف ، فحاشا لله ، بل يوجد فرق شاسع بين فترة الدعوة إلى الإسلام والحضارة الإسلامية ، فالحضارة لم تقم إلا بعد استتاب الدين وانتشاره ، والفترة الدعوية للإسلام والتى استمرت لعقود ، هي مشابهة تماماً للفترة الدعوية لسيدنا موسى وما تخللها من هجرة وخروج وصبر ومعاناه ، وهي أيضاً مشابهة للفترة الاولى للمسيحية وهروب السيد المسيح مع أمنا مريم العذراء من فلسطين إلى مصر ، واضطهاد الرومان للمسيحيين وتهجيرهم وقتلهم وتشييد الاديرة للتعبد في الصحراء خفية .

وإنما قصدت القول بان الحضارة الاسلامية نفسها انقسمت الى عدة دول هذة الدول تصارعت مع نفسها لتفرض كل دولة مذهبها وطريقة حكمها ومدارسها وطرز فنونها وأساليب عمارتها ، كما حاولت هذة الدول ربط دويلاتها مع بعضها البعض لبسط نفوذها وسيطرتها على بعض الأراضي والبلدان المجاورة لها حتى وصل نفوذ الدولة العثمانية إلى أوروبا ، ليختتم بها تاريخ أعظم وأنبل وأرقي حضارة عرفتها الإنسانية وهي الحضارة الاسلامية.

لكن في الحقيقة مقولة فصل الدين عن السياسة هي ليست مقولة ليبرالية بالمرة ، بل هي مقولة في صلب سياسة التيار الديني نفسه ، حتى وإن لم يصرح بها ، بل وإن صرح بمعارضتها ، بل وإن آمن بمعارضتها ، لأنه أول من نفذها وأدخلها في مجال السياسة .

وفي النهاية ، فإننى أشدد على أن السياسة لا تمت للأخلاق أو للأديان بصلة ، فالسياسة لا دين لها ، بل هي ممارسة بعيدة عن أى مباديء أو قيم أو أخلاقيات أو حتى قوانين وضعت لتحد من غريزتها الشيطانية.

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=536257

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك