الحلقة المفقودة في فهم الفكر العربي المعاصر

علي حسن الشاطر

 

الحديث عن الفكر العربي المعاصر حديث لا ينتهي، ولكنه حديث محاط بكثير من المحاذير التي قد يواجهها الكاتب في هذا الجانب، ذلك أن الفكر العربي المعاصر يفتقر في كثير من الحالات والقضايا إلى الموضوعية في نظرته للواقع المعاش والأسلوب الذي يتناول فيه قضايا هذا الواقع وكيفية معالجتها، وأحياناً يكون الاختلاف حول الألفاظ -مهما كان المضمون مفهوماً وموحداً- ليس مجرد اختلاف حول لفظ يمكن معالجته عن طريق المعاجم وإنما يتحول وكأنه خلاف مبدئي.. إلخ؛ فأن تكتب عن الفكر العربي المعاصر يجب أن تعرف مقدماً أنك لن ترضي الكثير، وإن حاولت التقيد بالموضوعية، وأن من الشروط الضرورية التي يجب أن تتسلح بها أن تكون واسع الصدر لقبول ما سيصدر ضدك من انتقادات وأحكام غير منصفة وغير عادلة، ولعل أسوأ هذه الأحكام -في تقديري- هو التصنيف المسبق، والذي أصبح الصورة البارزة للفكر العربي المعاصر والثقافة العربية المعاصرة ليعكس في الواقع مدى التمزق والصراع الذي يعاني منه هذا الفكر والثقافة، وتأثيره أيضاً على غياب الواقع الموضوعي الذي يجب أن يكون الأساس الذي ينطلق منه الفكر العربي المعاصر على تعدد خلفياته واتجاهاته.

إن الانفصام المؤسف الذي يعيشه الفكر العربي المعاصر، يرجع في الواقع إلى الهوة التي تضيق حيناً وتتسع حيناً آخر بين الاتجاهات الفكرية المعاصرة كنظريات، وبين الواقع الموضوعي للمجتمعات العربية والإسلامية، ولو لم يكن كذلك لكان هذا الفكر قد استطاع أن يجتاز مرحلة الانفصام هذه التي تستشري من حين لآخر مما قد يؤدي إلى انسداد هذا الفكر نهائياً، فكل اتجاه يستخدم كل ما يقدر عليه من المصطلحات الفكرية والتحليل الواسع في إمكانية أن يطوع هذا الواقع لصالحه، ويفسره بما ينسجم وقناعاته، وليصنع له من ثم الحلول التي يريدها ويقتنع بها وليس التي تنسجم مع هذا الواقع وتتفق ومتطلباته، مما يجعل واقع هذا الفكر واقعاً استبدادياً، متعسفاً.

إن الوقوف أمام الفكر العربي المعاصر على حقيقة خلفياته واتجاهاته، يضع الإنسان في أرض رملية، كثيرة العواصف المتصادمة، التي لا تفعل أكثر من إثارة الرمال لتتصاعد إلى السماء، مما يجعل الرؤية غير واضحة، ولم يعد أمام الإنسان أي طريق واضح ليهتدي به، ولا سند يلجأ إليه لينقذ نفسه، هكذا هو حال الفكر العربي المعاصر -في تقديري-؛ والسبب في هذه الوضعية التي يعانيها، هو افتقاره للموضوعية الواعية وانطلاقه -من خلال الخلفيات والاتجاهات التي يحفل بها- من التعصب والتطرف والتزمت والعواصف، مما يجعله بعيداً عن الواقع الموضوعي الذي يجب أن ينطلق منه برؤى واضحة، حتى لا يجعل الناشئة من الأجيال العربية ممزقة الفكر هزيلة الثقافة، عاجزة عن معرفة الطريق السليم الذي يجب عليها أن تعبره، فتكون النتيجة عزوف الناشئة عن كل ما هو جاد ومفيد، والاهتمام بكل ما هو هزيل وغير ذي فائدة من الثقافة، بل وكل ما هو هدّام.

ولعل من الأفضل أن يتحدد الفكر العربي المعاصر في اتجاهات بارزة، حتى لا يتجه الحديث في خضم الاتجاهات والتيارات العديدة التي يحفل بها هذا الفكر، وما دمنا بصدد الحديث عن الحلقة المفقودة في الفكر العربي المعاصر، ونعني هنا الهوة التي باعدت بينه وبين الواقع الموضوعي للإنسان العربي، فإنه سيظل الأقدر على التجاوب مع الواقع الموضوعي للإنسان العربي متى ما كان منطلقاً من عقيدة دينية راسخة وثابتة، وبدون ذلك فإنه سيظل ممزقاً وقاصراً.

المصدر: http://www.alriyadh.com/1539912

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك