استهداف اللغة العربية بالإقصاء والتبديل

 

شن أعداء الله حملة مسعورة على لغتنا العربية الفصحى ووضعوها في قفص الاتهام، واعتبروها مجرماً من الطراز الأول، وهي اللغة الوحيدة التي تتسع لأكثر من مرادف ومعنى.

 

نقول: لماذا هذه الحرب الضروس على اللغة العربية؟

وجوابنا الذي لا يتعدى إلى غيره، لأنها - أي اللغة العربية – لغة القرآن الكريم أولاً، وثانياً: اللغة الوحيدة التي تجمع أوصال الأمة الإسلامية وتوحدها، كما يجمعها دينها الواحد ويوحدها.

 

إذاً المؤامرة على اللغة العربية كبيرة جداً، فهم - أي أعداء الإسلام - لا يريدون لأمتنا الإسلامية أن تجتمع على كلمة سواء، ومبدأهم الذي لازال قائماً إلى يومنا هذا فرق تسد.

 

وقد حاولوا لذلك، فقد استطاع الماسوني اليهودي المارق الخبيث (كمال أتاتورك) في العقد الثاني من القرن العشرين، وعند سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية، وفرض حظراً شديداً على كل من يتكلم العربية، حتى أصبحت اللغة السائدة في تركيا اليوم اللغة اللاتينية، وهذه لعمر الحق من الطامات الكبرى التي ألمت بأمتنا وبلغتها.

 

فلم تكن هذه الحملة الشرسة مقتصرة على تركيا فحسب إنما شملت جميع أرجاء العالم الإسلامي شرقيه وغربيه، والطامة الأشد أيضاً أن لهذه الحملة مروجون من أبناء جلدتنا، فقد ساهموا مساهمة فعالة في نشر اللهجات العامية والتشجيع عليها كبديل عن اللغة الفصحى، مما أدى إلى أن تثمر جهودهم، وتنتشر العامية بين المسلمين، وأصبحت هي الوسيلة الدارجة للتفاهم بين أبناء البلد الواحد، وإن كان الحرف العربي هو الذي تتألف منه المفردة العامية، بل وكثير من المفردات دخيلة عليها من لغات أخرى، فلا تمت إلى لغتنا بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وليس لها أصلاً فيها.

 

يقول الشيخ النعمة: (ووجدت هذه الدعوات الضالة المضلة آذاناً صاغية لها من قبل قسم من المحسوبين على هذه الأمة، لكن المفكرين المسلمين من الغيورين على هذا الدين لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الدعوات التي استهدفت القرآن أولاً، وتمزيق الأمة العربية بعد ذلك) [1].

 

إذاً هي حرب مسعورة لا هوادة فيها شنها الغربيون على لغتنا العربية الفصحى، وحاكوا لذلك المؤامرات والدسائس، لإضعاف اللسان العربي واستعماره، وإيجاد لغات بديلة عنها.

 

قال القس زويمر: (إنه لم يسبق وجود عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الدين الإسلامي الذي اقتحم قارتي آسيا وأفريقيا الواسعتين، وبث في مائتي مليون من البشر عقائده وشرائعه وتقاليده وأحكم عروة ارتباطهم باللغة العربية) [2].

 

فهو بهذا الخطاب يلفت نظر مفكري الغرب - من واضعي المناهج الهدامة - إلى اللغة العربية بالقضاء عليها ورفعها من اللسان العربي، لأنها كما يصفها توحد شمل المسلمين وتجمع شتاتهم، لهذا يوجه الدول الاستعمارية إلى أن تصب جلَّ اهتمامها بكيفية إزالة هذا المعوق والكابوس أمام تقدم حضارتهم، والتغلغل إلى قلب الأمة الإسلامية.

 

ويتوسع زويمر بطرح فكرته هذه، لتكون أكثر قبولاً وتوضيحاً فيقول: (يوجد لسانان لهما النصيب الأوفر في ميدان الاستعمار المادي، ومجال الدعوة إلى الله وهما: الانجليزي والعربي، وهما الآن في سباق وعناد لا نهاية لهما لفتح القارة السوداء، مستودع النفوذ والمال، يريد أن يلتهم كل منهما الآخر، وهما المعضدان للقوتين المتنافستين في طلب السيادة على العالم البشري: أعني النصرانية والإسلام) [3].

 

ويقول الشيخ النعمة أيضاً: (وكمثال على ذلك - أي المؤامرة على اللغة العربية - ما قاله لي مدير مدرسة الفلاح في (بانكي) عاصمة (أفريقيا الوسطى): إن الفرنسيين منعوا تدريس اللغة العربية في المدرسة وشنوا حرباً لا هوادة فيها على لغة القرآن، ووظفوا بعض المفتشين ليقوموا بتفتيش مدرسته خشية أن تدّرس فيه اللغة العربية، فلم يكن لهذا المفتش وقت محدد يأتي إليه ليفتش المدرسة، بل كان يأتي في أيِّ وقت شاء، فإذا علم الطلاب بقدومه أخفوا ما كان معهم من كتب العربية تحت الحصير، ثم جلسوا فوقها، ووضعوا أمامهم كتباً أخرى، وكان ذلك المفتش يأتي إلى مدير المدرسة في بيته ويفتش حتى تحت سريره) [4].

 

لقد مارسوا مختلف الوسائل للقضاء على لغة القرآن، فلم يكن لهم منهج واحد بل عدة مناهج وأساليب، وما انفكوا من محاربتها ووضع العراقيل أمام انتشارها في كثير من بلاد أفريقيا، ناهيك عن البلاد الأخرى.

 

ويضيف الشيخ إبراهيم النعمة قائلاً: (وقد واجه الشمال الأفريقي معركة ضارية عنيفة ضد لغتنا العربية، وانحسرت دراسة العربية عن المدارس الرسمية، ولم يبق لها أثر إلاَّ في حلقات المساجد والكتاتيب والمدارس الأهلية وجامعتي الزيتونة والقرويين، أما المشرق العربي فكانت الحملات على العربية تتمثل بدعوات مستمرة في مهاجمتها، وقد حمل لواءها غربيون مقيمون في البلاد أولاً، ثم حمل دعوتهم وطنيون يحملون الفكر الغربي فتارة يقومون بالتشكيك بصحة الأدب العربي القديم، وتارة بتشجيع اللهجات المحلية لتتمزق الرابطة اللغوية بين العربي وأخيه العربي، وتارة تثور على القديم باسم التجديد)[5].



[1] لغتنا والمؤامرة: 7.

[2] أباطيل وأسمار: 27.

[3] الفصحى لغة القرآن:119.

[4] لغتنا والمؤامرة: 30.

[5] لغتنا والمؤامرة: 37.



المصدر: http://www.alukah.net/literature_language/0/77225/#ixzz4MTN4odcX

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك