التعارف من أجل إنجاح الحوار

عامر بو عزة

 

قد لا يكون جديدا القول إن الحوار بين أتباع الديانات على اختلافها مطلوب وضروري ولا بد منه اذا اردنا للعالم ان يعيش بسلام ومن اجل أن لا تستخدم الأديان كمحرض على الحروب، فالعنف مناف لطبيعة الله وهو بالضرورة كذلك مناف لجوهر الاديان. واذا كان الهدف من اي حوار بين اتباع الاديان والحضارات سيؤدي إلى تعايش سلمي بين اتباعها فان ما يجب ان يسبق الحوار هو التعارف.القرآن الكريم يدعو المسلمين لان يقرأوا. ” اقرأ… ” وكذلك يؤكد” “إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا….” ويقول الإنجيل: “فتشوا الكتب… إن لكم فيها حياة ابدية” وهذا التعارف المطلوب ليس من باب اعرف عدوك بل من باب اعرف جارك واحبب قريبك. فكيف يكون التعارف؟ ليس للمسيحي ان يتعرف على العقيدة الاسلامية من غير مصادرها الاصلية: القران الكريم والكتابات الاسلامية. فلا يجوز الاعتماد على ما كتبه الاستاذ الحداد مثلا عن الاسلام، او ما كتبه المستشرقون او المعلقون او ما تقوله بعض الفضائيات غير الاسلامية عن الاسلام.ولا يمكن للمسلم ان يتعرف على العقيدة المسيحية ان لم يتعرف عليها من مصادرها الاصلية اي الانجيل والكتابات المسيحية والان المواقع المسيحية على الانترنت والقنوات الفضائية المسيحية متوفرة بكثرة لمثل هذه المعرفة.

المسيحيون العرب يعرفون عن الاسلام اكثر مما يعرف المسلمون عن المسيحية. لكن المسلمين، او اغلبهم، لا يتعلمون شيئا عن المسيحية من مصادرها الصحيحة بل اذا علموا شيئا فهو ما يسمعونه من مصادر غير مسيحية وهذا غير كاف ولا يؤدي الى تعارف حقيقي وبالتالي تفاهم وتعايش.

 

واما بشان التقاذف بالايات او التجاذب بالمعجزات او ان نصفع بعضنا البعض بالبراهين. فما قد يراه الواحد منا برهانا يقينيا على صحة دعواه قد يراه الاخر غير ذلك. يبدو احيانا ان كل فريق يرغب ان يقنع الفريق الاخر بانه يملك الحق والحقيقة وانه لا خلاص الا من خلال ما يؤمن به هو. ومهما تمكن احدنا من بلاغة الخطاب وحلاوة النص فلن يقنع الاخر بتغيير دينه.

انجرافنا العاطفي تجاه الدفاع عن عقيدتنا قد يعمينا عن حقائق واحيانا قد يعمينا عن اخطاء. فكل واحد منا متمسك بما عنده وكل بما لديه فرح مغتبط.

افضل حوار بين اتباع الديانتين هو الالتقاء على ما يجمع وليس البحث عما يفرق. هناك الكثير من المجالات التي يمكن ان نلتقي فيها ونعمل على اعلاء شانها، فكثير من القيم الانسانية والاجتماعية بحاجة الى تعظيم وتعزيز في المجتمع لاعلاء شأنها وتسخيرها لخدمة الانسان الذي هو محور اي دين. فالدين يجب ان يكون في خدمة الانسان ولمصلحة الانسان.

لسنا بحاجة الى مزيد من التعب في تفتيش الكتب القديمة او الجديدة من اجل ان نتصيد في المياه العكرة لمجرد ان ننغص على غيرنا سكينة ايمانه وهدوء روحه

من يريد العلم فابواب العلم مفتوحة. ومن يريد الجدال العقيم فالنتيجة لن ترضيه. ومن كان يريد البحث فليبحث بهدوء بعيدا عن التعصب الاعمى والحقد الاسود.

المطلوب تعارف حقيقي بين اتباع الديانات المختلفة، والتسامح بين اتباع الديانات وحده لا يكفي وان كان مطلوبا. لكن الاهم من التسامح هو الاعتراف بحق الاخر ليس فقط في ان يكون موجودا بل ايضا حق الاخر في ان يكون مختلفا.

من هنا ياتي الحديث عن الحرية الدينية التي هي اهم حق من حقوق الانسان. وهي ركن اساسي من كرامتنا البشرية. فنحن خلقنا من اجل الحقيقة. فكل الناس مدعوون للبحث عن الحقيقة واذا عرفوها عليهم ان يقبلوها وان ينضووا تحت لوائها.

ارتفاع حدة العداء للحرية الدينية يمكن رده الى حقيقة افتقاد الفهم او الاحترام لطبيعة البحث عن الحق. قد يختار البعض ان يصد الحق الطبيعي في الحرية الدينية سواء باسم الدين او باسم العلمانية الشرسة. ولكن الفهم الحقيقي لطبيعة الله تدفع نحو الاحترام للحق غير القابل للتصرف لاي شخص في الحرية الدينية.

من اجل التفاهم الحقيقي والتعارف الصحيح لا بد من مناهج مدرسية متوازنة تشرح الاديان من وجهة نظر اتباعها وليس من وجهة نظر مخالفة. منهاج دراسي يؤدي الى تخريج جيل متوازن غير متعصب وغير متطرف ولا يكون لقمة سهلة للمحرضين والمستغلين.

لا بد من تعريف الجيل الناشىء بان في العالم ديانات كثيرة. ولها اتباع كثيرون قد يفوق اتباع بعضها اتباع الديانات السماوية. فلو شاء ربكم لجعلكم امة واحدة والعالم يتسع للجميع

المصدر: http://www.opinionslibres.net/wordpress3/wordpress/?p=1456

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك