علاقة الدين بالنظام السياسي

ناصر بن سعيد بن سيف السيف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد

فليس دين زال سلطانه إلا بُدِّلت أحكامه، وطُمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر في وهيه - ضعفه - أثر.([1])

كلمة حكيمة من عالم خبير، لها ما يصدِّقها من شواهد التاريخ البعيد والقريب على السواء، وهي من جهة أخرى تبين الترابط الوثيق بين حفظ الدين وبين السلطان - النظام السياسي - ؛ إذ السلطان حارس، وما لا حارس له فهو ضائع، أو يوشك أن يضيع.([2])

 فهذه ورقات يسيرة في بيان علاقة الدين بالنظام السياسي وقسمت البحث إلى أربعة مباحث كما يلي :

     المبحث الأول : تعريف الدين لغة واصطلاحًا.

     المبحث الثاني : تعريف النظام لغة واصطلاحًا.

     المبحث الثالث : تعريف السياسة لغة واصطلاحًا.

     المبحث الرابع : علاقة الدين بالنظام السياسي.

نسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المبحث الأول

تعريف الدين لغة واصطلاحًا

 

     تعريف الدين في اللغة :

     مشتق من الفعل الثلاثي: (دان)، وهو تارة يتعدى بنفسه، وتارة باللام، وتارة بالباء، ويختلف المعنى باختلاف ما يتعدى به، فإذا تعدى بنفسه يكون (دانه) بمعنى ملكه، وساسه، وقهره وحاسبه، وجازاه. وإذا تعدى باللام يكون (دان له) بمعنى خضع له، وأطاعه. وإذا تعدى بالباء يكون (دان به) بمعنى اتخذه ديناً ومذهباً واعتاده، وتخلق به واعتقده.

     وهذه المعاني اللغوية للدين موجودة في (الدين) في المعنى الاصطلاحي؛ لأن الدين يقهر أتباعه ويسوسهم وفق تعاليمه وشرائعه، كما يتضمن خضوع العابد للمعبود وذلته له، والعابد يفعل ذلك بدوافع نفسية، ويلتزم به بدون إكراه أو إجبار.

 

تعريف الدين في الاصطلاح :

     اختلف في تعريف الدين اصطلاحاً اختلافاً واسعاً حيث عرفه كل إنسان حسب مشربه، وما يرى أنه من أهم مميزات الدين.

     فمنهم من عرَّفه بأنه: (الشرع الإلهي المتلقَّى عن طريق الوحي), وهذا تعريف أكثر المسلمين, ويلاحظ على هذا التعريف قَصرُهُ الدين على الدين السماوي فقط، مع أن الصحيح أن كل ما يتخذه الناس ويتعبدون له يصح أن يسمى ديناً، سواء كان صحيحاً، أو باطلاً، بدليل قوله عز وجل: )وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.([3])

      وأما غير المسلمين فبعضهم يخصصه بالناحية الأخلاقية كقول الفيلسوف (كانت) : (بأن الدين هو المشتمل على الاعتراف بواجباتنا كأوامر إلهية), وبعضهم يخصصه بناحية التفكر والتأمل كقول الفيلسوف (رودلف إيوكن): (الدين هو التجربة الصوفية التي يجاوز الإنسان فيها متناقضات الحياة). إلى غير ذلك من التعريفات التي نظرت إلى الدين من زاوية، وتركت أوجهاً وزوايا عدة.

    وأرجح التعريفات أن يقال: (الدين هو اعتقاد قداسة ذات، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلًّا وحبًّا، رغبة ورهبة).

     فهذا التعريف فيه شمول للمعبود، سواء كان معبوداً حقًّا - وهو الله عز وجل- أو معبوداً باطلاً، وهو ما سوى الله عز وجل. ([4])

 

المبحث الثاني

تعريف النظام لغة واصطلاحًا

 

     تعريف النظام في اللغة :

     الخيط الذي يُنظم به اللؤلؤ، وكل خيط يُنظم به لؤلؤ أو غيره فهو نظام، ونظام كل أمر ملاكه.

     والنَّظْم: نظمك الخرز بعضه إلى بعض في نظام واحد، كذلك هو في كل شيء حتى يقال: ليس لأمره نظام؛ أي لا تستقيم طريقته، وكل شيء قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته.

     والنظام: الهدي والسيرة، وليس لأمرهم نظام؛ أي ليس لهم هدي ولا متعلق ولا استقامة، وما زال على نظام واحد؛ أي عادة.([5])

 

     تعريف النظام في الاصطلاح :

     مجموعة من التشريعات والقوانين التي تربط الأجزاء بعضها ببعض لتسير على نسق واحد دون إخلال أو خلل. ([6])

 

المبحث الثالث

تعريف السياسة لغة واصطلاحًا

 

      تعريف السياسة في اللغة :

     القيام على الشيء بما يصلحه، وسست الرعية سياسة: أمرتها ونهيتها.

     والسُّوس: الرياسة، يقال: ساسوهم سوساً، وإذا رأَّسوه قيل: سوَّسوه وأساسوه.

     والسياسة فعل السائس، يقال: هو يسوس الدواب: إذا قام عليها وراضها، والوالي يسوس رعيته.([7])

 

 تعريف السياسة في الاصطلاح :

 كل ما يتعلق بفن حكم دولة وإدارة علاقاتها الخارجية.([8])

 كل مايتعلق بالدولة ونظامها، وقانونها الأساسي، ونظام الحكم فيها، ونظامها التشريعي كما تشمل هذه الدراسة النظام الداخلي في الدولة، والأساليب التي تستخدمها التنظيمات الداخلية - كالأحزاب السياسية - في إدارة شؤون البلاد أو للوصول إلى مقاعد الحكم.([9])

 

      وهناك اختلاف في تعريف السياسة في الاصطلاح المعاصر، حتى إنه ليصعب صياغة تعريف واحد يوافق عليه الجميع، إلا أن هناك قدراً متيقناً متفقاً عليه لتحديد مدلول السياسة، ألا وهو أنها تتعلق بالسلطة في الدولة.([10])

 

     وإذا أردنا تعريف النظام السياسي بالنظر إلى لفظه؛ قلنا: هو مجموعة الخطوات أو الإجراءات المتناسقة التي يتم من خلالها تدبير الأمور وتسييرها بطريقة صالحة. وإذا أردنا تعريفه بالنظر إلى أنه لقب على كيفية حكم الدولة؛ قلنا: هو مجموعة الأحكام وما ينتج عنها من هيئات أو مؤسسات وتنظيمات متعلقة بالدولة الإسلامية من حيث إقامة الدولة وإدارتها والمحافظة عليها وتحقيق غايتها.([11])

 

المبحث الرابع

علاقة الدين بالنظام السياسي

 

       يرتبط الدين بالسياسة ارتباطاً وثيقًا، بل وامتزجت السلطة الدينية بالسلطة السياسية، واستعانت كل منهما بالأخرى , فمازال التنظيم السياسي يحقق ذاته في معظم المجتمعات عن طريق المذهب السائد ، كما يحاول الدين تدعيم وجوده بالتوافق مع السلطة السياسية. ([12])

     وتشكل العلاقة بين الدين والسياسة قيمة مهمة في الفلسفة السياسية، على الرغم من اتفاق الآراء - بين المنظرين السياسيين والسياقات السياسيـة العملية، مثل منظمة الأمم المتحدة - على حق حرية الرأي وعلى الحاجة إلى نوع من الفصل بين الدولة والمؤسسة.

    والعلاقة بين المسجد أو الكنيسة والدولة ، أو الدين والسياسة، أو بين رجل الدين والدولة المدنية، تعكس التفاعل بين المؤسسات الدينية والحكومية في المجتمع، وتكون هذه العلاقة في التقاليد اليهودية المسيحية بين المسؤولين الدينيين والسلطات الحكومية.

    أما في الإسلام فتكون بين الإمام أو الخليفة وبين السلطان أو الحاكم, وفي الغرب، وضعت عدة صياغات لاهوتية وفلسفية لتحديد السلطة النسبية بين الكنيسة والدولة, وتأرجحت العلاقة بينهما بمرور الزمن، فتارة كانت الدولة تابعة للكنيسة، وتارة كانت الكنيسة تابعة للدولة وسلطتها روحية بحتة، وتوصلت المؤسستان في الكثير من الدول إلى تسوية تحصر مهمة الكنيسة بتقديم المشورة في القوانين المتعلقة بالأخلاق.([13])

!  !  !

انتهى البحث

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

9 / 2 / 1436 هـ

------------------------------------


([1]) انظر: أدب الدنيا والدين، الماوردي, ص115.

([2]) انظر: مقدمة في فقه النظام السياسي الإسلامي، محمد شاكر الشريف, ص19.

([3]) سورة آل عمران , آية (18).

([4]) انظر: بحث علمي عن الأديان في موقع جامعة أم القرى, هند القثامي, ص12.

([5]) انظر: لسان العرب, ابن منظور, 12/758.

(3) انظر: نظام الحكم في الإسلام, محمد عبدالله العربي, ص 21.

([6]) انظر : نظام الحكم في الإسلام, محمد عبدالله العربي, ص 21.

([7]) انظر : تاج العروس، محمد مرتضى الزبيدي ,4/169.

([8]) انظر : علم السياسة: مارسيل بريلو, ترجمة محمد برجاوي، ص 11.

([9]) انظر : القاموس السياسي، أحمد عطية الله، ص 661.

([10]) انظر : النظم السياسية،  ثروت بدوي، ص 4.

([11]) انظر: مقدمة في فقه النظام السياسي الإسلامي، محمد شاكر الشريف, ص19.

([12]) انظر : علم السياسة: مارسيل بريلو, ترجمة محمد برجاوي، ص 11.

([13]) انظر : مقال العلاقة بين الدين والدولة , حنا عيسى , موقع شبكة فلسطين.

المصدر:http://saaid.net/book/open.php?cat=8&book=14507

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك