آليات وأسس الديمقراطية ونقد الحريات في النظام الديمقراطي

ناصر بن سعيد بن سيف السيف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد

     فإن النظام الديمقراطي يزعم بتحقيق الحريات وحفظ الحقوق للأفراد والمجتمعــات وفي الحقيقة أن الإسلام قد تكفل بجميع الحقوق والحريات وحدد معالمها من قبل أن يولد الفرد وبعد ميلاده وخلال مسيرته في الحياة – وهي خاصة بكل إنسان دون النظر إلى لونه أو جنسه أو عرقه أو وضعه الاجتماعي أو مركزه الوظيفي – فالجميع أمام الله سواء,        فالدين الإسلامي هو الأصل في تقرير مبادئ حقوق الإنسان وإن ما أعلنته الأمم المتحدة في الإعلان العالي الصادر عام 1948م وفيما تلاه من اتفاقيات ومواثيق دولية من حقوق وحريات إلا نذر يسير مما قرره الإسلام، فقد سبق الإسلام العالم كله في هذا المجال بمئات السنين ، وأصبحت الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي لحقوق الإنسان في كل زمان ومكان.

ومن هذه المقدمة سيكون الحديث بشكل مختصر في هذه الورقات اليسيرة عن آليات وأسس الديمقراطية ونقد الحريات في النظام الديمقراطي, والبحث يتكون من ثلاثة مباحث رئيسة, هي :

المبحث الأول : آليات الديمقراطية.

المبحث الثاني : أسس الديمقراطية.

المبحث الثالث : نقد الحريات في النظام الديمقراطي.

نسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المبحث الأول

آليات الديمقراطية

 

     دعوى الأخذ بآليات الديمقراطية دون التقيد بأساسها النظري، فيها قفز على الواقع ‏وتجاوز للمعقول، فإن هذه الآليات لم تتبلور إلا انطلاقاً مما استقر في الفكر الديمقراطي من ‏الاعتماد على نظرية السيادة الشعبية تلك النظرية المرفوضة اسلامياً. ‏

 

     آليات الديمقراطية كثيرة , منها :‏

   1. الاقتراع العام : وهو حق كل مواطن، ذكراً كان أو أنثى، عالماً كان أو جاهلاً، تقياً براً ‏كان أو فاجراً شقياً، في أن يكون له صوت انتخابي متساوٍ مع صوت الأفراد الآخرين تماماً ‏بتمام.

           وهذه الآلية إنما بنيت على أساس نظرية السيادة الشعبية، وأن الشعب كله هو ‏الذي يملك السيادة، وأن كل فرد له نصيب من هذه السيادة متساوٍ بالتمام والكمال مع ‏نصيب غيره، بغض النظر عن التفاوت بين الأفراد من حيث العلم أو الجهل، ومن حيث ‏الصلاح أو الفساد، ومن حيث الذكورة أو الأنوثة، ومن حيث الحكمة أو السفه، وإلا ‏فما الحجة في التسوية في الصوت الانتخابي بين المتقين والفجار، وبين العلماء والجهلاء، ‏وبين الذكور والإناث، وبين الحكماء والسفهاء، ولو قامت جماعة من المسلمين اليوم ‏ترفض المساواة بين العلماء والجهلاء وبين الأتقياء والفجار، فهل يمكن أن يقبل هذا منهم ‏أم يعترض عليهم بأن هذا يخالف نظرية السيادة الشعبية؟.

     وتدخل الدعاية في آلية الاقتراع العام وذلك بالدعاية للنفس وبيان إمكاناتها وتفوقها على غيرها أحد التصرفات التي ‏يستخدمها الفكر الديمقراطي، لتعزيز طلب الثقة من الشعب، والوصول إلى الحكم، وهذا ‏التصرف مرفوض شرعاً إذ لا يجوز للمسلم أن يزكي نفسه، والدعاية اليوم صارت صناعة محكمة، تحتاج إلى نفقات عظيمة لا يقدر عليها إلا ‏أفراد قلائل جداً،‏ وهذا الإنفاق الضخم يقود إلى أحد أمرين :

      الأمر الأول : إما أن لا يرشح نفسه ويخوض غمار ‏هذا العمل إلا من كان من كبار الموسرين المستعدين لبذل هذه النفقات الكبيرة، وهو ما ‏يحرم الفقراء، وأصحاب الدخل العادي وهم الغالبية في الشعوب فتصير الديمقراطية ديمقراطية الأغنياء وأصحاب النفوذ ‏والثروات، وهي بذلك تكون انتقائية لا يمارسها إلا النخبة الغنية فقط.

      الأمر الثاني : أن يقايض ‏المرشح أو الحزب الشركات الكبرى ويدعوها لدعمه وفق معادلة معلومة : (ساعدني في ‏الانتخابات أعوضك عن ذلك عند النجاح، وأساهم في التشريعات التي تخدم مؤسستك ‏وشركاتك), وكل هذا يتم على حساب الشعوب ‏, أو أن المرشح لا يمكن أن يخوض غمار هذه الانتخابات إلا من خلال حزب ينفق ‏على حملته الانتخابية، وفي هذه الحالة يصبح العضو أسيرًا لدى الحزب لا يتمكن من التعبير ‏عن رأيه الحقيقي إذا كان مخالفاً لحزبه وإلا تعرض للفصل أو عدم ترشيحه مرة أخرى ‏ومساندته في الانتخابات. ‏

      وتدخل طلب الولاية في آلية الاقتراع العام, وذلك بأن يقوم الفكر الديمقراطي على طلب الولاية للنفس، بل وعلى الصراع ‏من أجل ذلك، فما تكوين الأحزاب، ونشر الدعايات، وخوض الانتخابات، إلا للحصول ‏على الولاية، وهذا أمر منهي عنه في الإسلام.

  2. التعددية : تعتبر من الآليات المعتمدة في الفكر الديمقراطي , ولها أنواع ثلاثة:

      أ. التعددية الأيدولوجية: أفكار ومعتقدات ومذاهب في داخل البلد الواحد.

     ب. التعددية الحزبية: وجود أحزاب حاكمة ومعارضة.

     ج. التعددية المؤسساتية: تعدد المؤسسات في المجتمع المدني.

      وتعتبر التعددية أوسع من ‏السماح بتشكيل أحزاب متباينة في رؤاها، فالتعددية التي ظاهرها عند البعض السماح ‏بالاختلاف في الرؤية حول بعض التصورات المتعلقة بأمور المصالح ونحوها، هي في ‏حقيقتها إباحة لجميع المعتقدات والأفكار والتصورات في المجتمع، وبأحقية كل فرد أو ‏جماعة في تكوين الآراء والمعتقدات الخاصة، ولعلم جماعة إسلامية تخوض في لعبة ‏الديمقراطية، بأن التعددية في الديمقراطية تعني ذلك، وأن عدم الموافقة عليه يعنى عدم الموافقة ‏على الديمقراطية، فقد صرحت تلك الجماعة أنه لا مانع لديها حتى بعد وصولها إلى الحكم ‏من السماح بقيام حزب شيوعي، وهو ما يتعارض تعارضاً واضحاً مع المقررات الإسلامية ‏إذ من الثابت أن من ارتد عن دينه فعليه أن يتوب أو يواجه الحد الشرعي، لا أن يسمح له ‏بتشكيل حزب ينظر إلى الأمور من خلاله، ويدعو الناس إلى تصوراته.‏

       وتعد حرية تكوين الأحزاب السياسية أحد أهم مظاهر السماح بالتعددية السياسية ‏في المجتمعات وخاصة بعد تقرير مبدأ الاقتراع العام، لكن على أي شيء يبنى هذا التعدد أو ‏ما المسوغ له؟ هو تعارض الإرادات والرؤى والتصورات تعارضاً بيناً بحيث لا يسع الجميع ‏أن يكونوا في حزب واحد، فالديمقراطية على ذلك تفرق ولا تجمع، وهو واضح حتى من ‏الممارسات داخل الحزب الواحد فإن الحزب يظل حزباً واحداً متماسكاً ما دام أعضاؤه ‏متفقين في أسسه العامة وتوافقت تصوراتهم إزاء القضايا المهمة، فإذا حدث خلاف مهم في ‏هذه الرؤى فإن الحزب يتحول إلى هيئة عامة تظلل عدة أجنحة متباينة فيما بينها، وقد ‏يصل الاختلاف إلى درجة لا يتمكن معها الأعضاء من التعايش فينشق الحزب إلى حزبين ‏أو عدة أحزاب، مما يعني أن الديمقراطية لا تنمو إلا في ظل الاختلاف الأغلبية.

      وآليات الديمقراطية تعمل على توطين الفساد وإعطائه الصبغة الشرعية حيث يكثر ‏التحايل بهذه الآليات عبر التصويت، ويتم تغيير القوانين ويصبح هذا التغيير مشروعًا ليس ‏إلا لصدوره عن الأغلبية حتى وإن كان مجافياً للصواب، فتستطيع الأغلبية تغيير القانون ‏الذي يجرم بعض تصرفاتها لتصبح تلك التصرفات بعد التصويت صواباً، ‏فآليات الديمقراطية لا تمنع من تقنين الظلم وجعله شريعة ينبغي على الناس قبولها والعمل ‏بها.‏ ([1])

3. مبدأ الأغلبية : تتكون الأغلبية في الإطار الديمقراطي على نوعين , هما : (الأغلبية النسبية, والأغلبية المطلقة) , والأغلبية عموماً لا تعترف بأي فروق بين (الجماعة الوطنية , والمواطنين) من حيث حجية صوت كل منهم في صناعة القرار الديمقراطي , فيكون صوت أستاذ علوم الفيزياء والفلك مساوٍ لصوت أستاذ العلوم السياسية ، وكل منهما مساوٍ لصوت إحدى الراقصات أو فتيات الليل ، التي صوتها بدوره مساوٍ لصوت مدمن الخمر أو لاعب القمار ؛ فمبدأ الأغلبية العددية يشكل قاطرة رهيبة تجر النظام السياسي للبلاد ككل خلف إرادة الدهماء والسوقة والعامة الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من أي مجتمع في يومنا هذا ، ومن هذا تنشأ الأخطار مثل (طغيان الأغلبية) و (خداع الأغلبية) ، وتتعرض القرارات المتخذة من خلال الاقتراع الديمقراطي في تلك الحالات للتأثير الجسيم من قبل عناصر غير محايدة كبعض تيارات الإعلام أو التيارات الفكرية التي تستطيع الوصول للقاع الشعبي ودفع رأيه في اتجاه معين ، ونسهل ذلك فقدان الأغلبية الساحقة من الشعب لطرق التفكير النقدي ومن ثم فقدانهم لطرق منطقية وسليمة للحكم علي الاختيارات المتاحة في الواقع السياسي.

     ومن الواضح تماماً أن مفهوم الأغلبية العددية في الشريعة الإسلامية يختلف اختلافاً كلياً عنه في النظم الديمقراطية، مما يجعل القول بأن الديمقراطية تتصادم مع الشريعة الإسلامية من حيث أهم وسائل اتخاذ القرار فيها (الأغلبية العددية) قولاً منطقياً ويدل عليه الأدلة السابقة, ومن ثم ، فتصبح الدعوة إلي (ديمقراطية إسلامية) أو (مدنية إسلامية) دعوة تدل علي جهل صاحبها التام إما بالشريعة الإسلامية أو بأصول النظام الديمقراطي ، أو بالطبع بكليهما معاً.([2])

4. الفصل بين السلطات: مبدأ هام في الدولة الديمقراطية وجود السلطات الثلاث الرئيسة هي : (التنفيذية , القضائية , التشريعية) بحيث تمارس كل سلطة عملاً مستقلاً وتتعاون مع الأخرى لا أن تكون رقيبة عليها.

    5. تداول السلطة: عرف المفكر (شارل دباش) التداول على السلطة بكونه : (مبدأ ديمقراطي لا يمكن لأي حزب سياسي أن يبقى في السلطة الى ما لا نهاية له, و يجب أن يعوض بتيار سياسي آخر), وأما (جان لوي كرمون) فيعتبر أنه : (ضمن احترام النظام السياسي القائم يدخل التداول تغييراً في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة أدخلها الاقتراع العام الى السلطة وقوى سياسية أخرى تخلت بشكل ظرفي عن السلطة لكي تدخل الى المعارضة), ولعل المتأمل في هذين التعريفين يتجلى له بوضوح التركيز على الجانب الوظيفي للتداول من حيث كونه آلية لإدارة الدخول والخروج الى السلطة والى المعارضة بين تيارات سياسية مختلفة, ولكن في حقيقة الأمر إن اشكالية التداول على السلطة هي أعمق من ذلك بكثير فهي تكشف عن طبيعة الحالة الاجتماعية برمتها في صراعات أطرافها وتحالفاتهم وفي درجة الوعي السياسي العام لذلك كان التحقق الفعلي لمبدأ التداول مرهونا بشروط مسبقة هي شرط امكانه. ([3])

 

المبحث الثاني

 أسس الديمقراطية

 

 تقوم النظريات الديمقراطية على أساس أن السلطة مصدرها الشعب، ولذلك لا تكون مشروعة إلا إذا كانت وليدة الإرادة الحرة للجماعة التي تحكمها.([4])

وأهم النظريات الديمقراطية هي نظرية العقد الاجتماعي التي تقوم بوجود حياة فطرية تسبق قيام الجماعة، وأن الانتقال من حياة الفطرة إلى حياة قد تم بناء على عقد اجتماعي بين الأفراد بقصد إقامة السلطة الحاكمة.([5])

   لقد تبلورت الديمقراطية في ظل عصر صاخب متشابك التيارات الفكرية، إلا أنه كانت هناك العديد من المبادئ التي أخذت في الاستقرار، والتي جاءت الديمقراطية كبلورة أو نظام جامع لها، ومن أبرز أسس الديمقراطية ([6]):

 

الأساس الأول: كفالة الحقوق والحريات

جوهر الحرية يقوم أساساً على الانطلاق الذي يجمل الأفراد على السعي وراء مصالحهم أيان يريدون، وكيفما يبتغون ماداموا لايعترضون بالأذى للغير، فالفرد سيد نفسه وبدنه وعقله، ولا تعاني الإنسانية من حرية ينطلق فيها الناس كما يحبون كما تعاني من تكبيلهم بقيود يفرضها الغير. ([7])

     إن الإقرار بحقوق الأفراد وحرياتهم وضمانها يقوم على فكرة القانون الطبيعي بمعنى أن للإنسان حقوقاً لاصقه به لاتنفصل عنه يكتسبها بمجرد الميلاد ليست هبة من أي أحد وأنه كان يتمتع بهذه الحقوق قبل نشأة الأنظمة السياسية، وبالتالي فإن العقد الاجتماعي لم يحصل إلا لأجل حماية هذه الحقوق وعدم المساس بها أو حرمان الأفراد من الاستمتاع بها.([8])

 

      عيوب الديمقراطية في الحقوق والحريات:

      الحقوق والحريات الشخصية في الديمقراطية حقوق وحريات مسرفة، بلا قيود ولا ضوابط، وإنها تفضي إلى ترويج الأفكار والعقائد الكفرية الإلحادية ، كما تفضي إلى ترويج المفاسد والرذائل السلوكية والخلقية والاجتماعية التي لاتقرها العقول السليمة والفطر البشرية الصحيحة ، وواقع المجتمعات الأوروبية يشهد بذلك كله ، إذ كفلت القوانين والتشريعات الديمقراطية للفرد أن يفعل مايشاء، وأن يجهر بالقول والكتابة كما يشاء ، فالقوانين تحمي هذا الحق ، بل تجعله أمراً مقدساً. ([9])

 

       الأساس الثاني: سيادة الشعب في التشريع

        الديمقراطية ناتجة عن السيادة وتطور مفهومها من نظرية الحق الإلهي إلى السلطة الزمانية إلى الشعب. ([10])

         وأساس السيادة يتنازعه نوعان من النظريات:

         الأولى: النظريات الثيوقراطية: فهي التي ترجع مصدر السلطة إلى الله تعالى، ويمكن التمييز بين نوعين من هذه النظريات:

أ- نظرية الحق الإلهي المباشر التي تدعى أن الحاكم يستمد سلطته في الحكم من الله تعالى مباشرة، دون تدخل أية إرادة أخرى، ومن ثم فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهي المباشر.

ب- نظرية الحق الإلهي غير المباشر التي تقوم على أن الله تعالى لايتدخل بإرادته المباشرة في تحديد شكل السلطة، ولا في طريقة ممارستها، وأنه لذلك لايختار الحاكم بنفسه، وإنما يوجه الحوادث بشكل معين يساعد جمهور على اختيار الحاكم.

        الثانية: النظريات الديمقراطية: فهي التي تقوم على أساس أن السلطة مصدرها الشعب.

 

        موقف الإسلام من مبدأ السيادة :([11])

        الحديث عن السيادة تناوله الكثير من الكتَّاب في الفقه السياسي بالتوضيح والبيان، وسأحاول هنا أن نعطي تلميحات نقدية للديمقراطية باعتمادها على مبدأ السيادة :

1. أن مبدأ السيادة الذي يمثل العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي يعطي السلطة العليا في سن التشريعات وإصدار القوانين لفئة من الناس يزعمون أنها تمارس ذلك نيابة عن الشعب الذي اختارها , وهذا المبدأ يتناقض مع مفهوم كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " فمن الأمور الواضحة في عقيدة كل مسلم موحد أن الله عزوجل له الحكم والسلطان ، فالحكم ليس للشعب لا كله ولا بعضه ، ولا فئة منه ولقد نص الله تعالى في القرآن الكريم على هذا الأمر بما لايدع مجالاً للمجادلة أو الاختلاف بين مسلمين موحدين , والنصوص القرآنية الواضحة تبين استحقاق الله تعالى وحده الحاكمية على البشر ، واختصاصه تعالى بالأمر والنهي والتشريع ، ورد النزاع والاختلاف إلى حكمه ، وتبين علو حكمه وسموه على جميع الأحكام . وبهذا يتبين أن النظام الديمقراطي – وعموده الفقري مبدأ سيادة الشعب – مبايناً للحكم الإسلامي الذي يقوم على قاعدة حاكمية الله عز وجل.([12])

2. أن النظام الديمقراطي لايقر بأحكام الشريعة الإسلامية المستفادة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يرى وجوب تنفيذها، لأن الأحكام والقوانين التي يقرها ذلك النظام هي: الأحكام والقوانين الصادرة عن نواب الشعب وممثليه، وهي أحكام وقوانين تصدر وفق الدساتير والأعراف الوضعية، ووفق المصالح والرغبات والأهواء الشخصية. وأن النظام الديمقراطي يعزل الشريعة الإسلامية كلياً عن شؤون الحكم والتشريع، ويستبعدها عن شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونحوها استبعاداً تاماً، وهو بذلك نظام لاديني تماماً.

3. إن الذين يشرعون ويصدرون القوانين في الأنظمة الديمقراطية يتعالون على الله تعالى، ويستدركون على شرعه وحكمه، ولسان حالهم يقول: نحن أعلم بما يصلح للناس منك، والقوانين الغربية الوضعية أهدى سبيلاً من أحكام شريعتك.

4.إن السلطة القضائية في واقع الأمر ليست بين الشعب كما تزعم الديمقراطية بل هي بيد الدولة، ولو وضعت بيد الشعب لفسدت. والقضاة في الإسلام يحكمون باسم الشرع، ومصدر حكمهم الشرع أيضاً. والديمقراطية تزعم زوراً وبهتاناً أن القضاة فيها يحكم باسم الشعب وأن مصدر القضاء هو الشعب، وأن كلمة الشعب مصدر السلطات التي تقوم عليها الديمقراطية هي مجرد كلام إنشائي لاواقع له في الحياة. ([13])

5. أن وظيفة الشعب في نظام الإسلام تنفيذ شريعة الله تعالى، وأن يضع المؤهلون - علمياً وإيمانياً - من أفراده من النظم الإدارية والكيفيات التي تسهل له أمر تنفيذها ، وتكيف حياته كلها وفق منهج الله تعالى وحكمه ، ويسمح في ظل النظام الإسلامي أن يعطي لجماعة المسلمين المؤهلين أن يضعوا النظم الإدارية والتنظيمية الصالحة والنافعة للناس بشرط ألا يعارض شيء منها حكماً شرعياً ثابتاً عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأما النظام الديمقراطي فيجعل وظيفة فئة من الناس سن التشريعات والقوانين بعيداً عن هدي الله تعالى، ثم تفرض هذه القوانين والتشريعات على الناس، وعليهم جميعاً واجب احترامها وتنفيذها والاحتكام إليها فقال : )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( .  ([14])

6. على فرض أن نواب الأمة   - ممثلي أكثرية الأمة – هم واضعو القوانين ، فإن القانون أو النظام الذي وضعوه لايصلح لأن يعين المصلحة ويحدد المفسدة ، والتي تقوم عليها علاقات الأمة في المجتمع ، لأن النظام أو القانون مصدره العقل ، والعقل وحده لايملك ذلك ، لأن عقول الناس متفاوتة ومتباينة من حيث الأفكار وتحديد المصالح والمفاسد. وإن الشرع في الإسلام هو الذي يقرر المصلحة ويحدد المفسدة لأن الشرع من الله تعالى، وهو وحده العالم بالإنسان وحاجاته وغرائزه، المحيط بمصالحه ومتطلبات حياته ، قال تعالى : )أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(.([15]) ولذا فإن القوانين والأنظمة لابد أن تستمد من الشريعة الإسلامية وحدها ، وأما العقل فوظيفته أن يفهم الشرع ، وأن يستنبط الأحكام والقوانين منه لمعالجة مشكلات الحياة وتنظيم شؤون المجتمع ، وله أن يضع النظم الإدارية الدنيوية البحتة.

 

      الأساس الثالث: إرساء حقوق الإنسان السياسية

      وهو أن يكون للشعب الإشراف على أعمال الحكومة وتوجيهها وحق نقدها والاعتراض على أعمالها , ويتخذ ذلك صورتين متكاملتين:

      الأولى: التمثيل النيابي ويعنى حق الانتخاب والترشيح.

      الثانية: حق الاجتماع وإبداء الرأي خارج البرلمان ويشمل الصحافة والاجتماعات السياسية والمظاهرات السلمية التي تقام للمطالبة بأمر معين أو الاحتجاج على أمر لايرضى عنه الشعب وكل هذه الحقوق لم يكن للشعب منها أي نصيب قبل الديمقراطية. ([16])

 

      الأساس الرابع: مبدأ سلطة القانون

      الديمقراطية تقوم بالأساس على سيادة القانون ومباشرة حقوق الإنسان وعادة في الدول الديمقراطية لا يعلو أحد في القانون والجميع متساوون أمام القانون ويتعين بالأصل على المؤسسات الديمقراطية أن تقوم بدور الوسيط في تخفيض حدة التوتر والمحافظة على التوازن بين التنوع والتوحد وبين الفردي والجماعي وذلك من أجل دعم الترابط والتضامن على الصعيد الاجتماعي فالديمقراطية التي يتطلع لها الإنسان الحر يجب أن تقوم على حق كل فرد في المشاركة في إدارة الشؤون العامة والعنصر الرئيسي لها يتمثل في إجراء انتخابات حرة ونزيهة على فترات منتظمة يعبر فيها الشعب عن ارادته ويقع على عاتق السلطة ضمان حصول مواطنيها على حقوقهم المدنية والثقافية والسياسية والاجتماعية ومن ثم فان الديمقراطية على هذا الأساس تنمو تطور مع وجود حكومة فعالة تتصف بالأمانة والشفافية وتقوم على الاختيار الحر وتتحمل المسؤولية الوطنية عن إدارتها للأمور العامة . ([17])

 

المبحث الثالث

نقد الحريات في النظام الديمقراطي

 

      الحضارة الغربية حضارة إغريقية وثنية ذات مسحة أو قشرة مسيحية مزيفة، وهي حضارة تقوم على القهر والعنف والنهب والعنصرية، وبديهي أنها تختلف عن الحضارة الإسلامية التي تقوم على التوحيد والعدالة والحرية وعدم العنصرية. ([18])

   والحضارة الغربية في صورتها الديمقراطية أو تحت حكومات ديمقراطية مارست "الاستعمار"، وهو نوع من قهر حرية الآخرين، ومن ثم فهي ديمقراطية مزيفة، وهي نفسها التي مارست نهب "المستعمرات" ومن ثم فهي ديمقراطية ناهبه، وهي نفسها التي أنشأت "إسرائيل" وسلحتها ومولتها و"إسرائيل" تمارس الديكتاتورية والقهر على مدار اليوم والساعة منذ أكثر من ستين عاماً، ومن ثم فهي ديمقراطية عنصرية وأصولية، لأنها تدعم دولة يقوم قانون الجنسية فيها على أساس الدين اليهودي، فكل يهودي متى وطأت قدمه أرض "إسرائيل" فهو يحصل على الجنسية فوراً، وهي ديمقراطية مارست إبادة الهنود الحمر في الأمريكتين، والأبورجيين في استراليا "بعشرات الملايين" فهي ديمقراطية عنصرية بامتياز، وهي فوق هذا وذاك مستمرة في تلك الأمور منذ أكثر من قرنين على الأقل ولم ولن تكف عن ذلك لأنها سمة أصلية في تلك الحضارة، آخرها "العدوان على العراق وأفغانستان".([19])

       ويقوم النظام – الديمقراطي - الليبرالي على الحريات الأربع، وهي الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، والحرية الفكرية، والحرية الشخصية، وهذه الحريات ثبت في الواقع التطبيقي الأوروبي ذاته أنها مجرد أوهام، فالحرية السياسية يتم مصادرتها على طريق الإعلام والتوجيه والضغط على الناخبين، وشراء الأصوات والخداع، وفي المحصلة فإن المجمع الصناعي العسكري في الدول الديمقراطية هو الذي يوجه السياسة ويحقق ما يريد في النهاية من فوز هذا أو ذاك من الأفراد أو الأحزاب في الانتخابات، ويعترف كبار منظري العلمانية والليبرالية والمؤمنين بالحضارة الغربية بذلك.([20])

      والنظام الديمقراطي مبني أساساً على قيم فردية على الرغم من المظهر البراق الذي يتخذه هذا النظام حين يؤكد أنه المدافع عن الحرية الفردية، وحقوق التعبير والكلام إلى آخر هذه الحريات الليبرالية المعروفة التي يتخذها الموافقون على هذا النظام محوراً لدعايتهم، وعلى الرغم من هذا كله فإن الحرية التي يدافع عنها هذا النظام هي في واقع الأمر حرية استغلال للضعيف، وكل ما عدا ذلك من حريات تظل ذات طابع شكلي. ([21])

 

!  !  !

 

انتهى البحث

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

18 / 6 / 1436 هـ

--------------------------------------


([1]) انظر : أسئلة الديمقراطية حقيقة أم وهم؟ , محمد شاكر الشريف , الاطـلاع على المقال في تاريخ 4/6/1436هـ , موقع صيد الفوائد على رابط : http://www.saaid.net/Doat/alsharef/35.htm

([2]) انظر : حكم الأغلبية بين الشريعة الإسلامية والأنظمة الديمقراطية , مدونة أفكار , الاطـلاع على المدونة في تاريخ 7/6/1436هـ على رابط : http://afkarblog.com/2011/04/05/

([3]) انظر : التداول على السلطة , عماد محمد , موقع بحوث الالكتروني , الاطـلاع على الموقع في تاريخ 7/6/1436هـ على رابط : http://bohothe.blogspot.com/2008/12/blog-post.html

([4]) انظر : النظريات والنظم السياسية , طعيمة الجرف , ص67.

([5]) انظر: النظرية الإسلامية في الدولة مع المقارنة بنظرية الدولة في الفقه الدستوري , حاتم الصعيدي , ص165.

([6]) انظر : حقيقة الديمقراطية والموقف منها , إبراهيم طلبه حسين , ص46 -64.

([7]) انظر: عن الحرية لجون ستوارت مل , ترجمة: حسين فوزي , ص49.

([8]) انظر : حقيقة الديمقراطية , محمد شاكر الشريف , ص28.

([9]) انظر : حقيقة الديمقراطية والموقف منها , إبراهيم طلبه حسين , ص49 -50.

([10]) انظر : الدولة والسيادة , فتحي عبدالحكيم , ص75.

([11]) انظر : حقيقة الديمقراطية والموقف منها, إبراهيم طلبه حسين , ص60 -62.

([12]) انظر : حقيقة الديمقراطية, محمد شاكر الشريف , ص28.

([13]) انظر : حكم الإسلام في الاشتراكية , عبدالعزيز البدري , ص141-142.

([14]) سورة الشورى , آية :21.

([15]) سورة الملك , آية :14.

([16]) انظر : مذاهب فكرية معاصرة, محمد قطب , ص192.

([17]) انظر : الديمقراطية تقوم على سيادة القانون , حنا عيسى , موقع شبكة فلسطين الإخبارية , الاطـلاع على الموقع في تاريخ 7/6/1436هـ على رابط : http://pnn.ps/index.php/ideas/120637

([18]) انظر : المواجهة بين الإسلام والغرب , محمد مورو , ص112

([19]) انظر : نقد الديمقراطية, محمد مورو, موقع المسلم , الاطـلاع على الموقع في تاريخ 17/6/1436هـ على رابط : http://www.almoslim.net/node/85939

([20]) انظر : نقد الديمقراطية , محمد مورو, موقع المسلم , الاطـلاع على الموقع في تاريخ 17/6/1436هـ على رابط : http://www.almoslim.net/node/85939

([21]) انظر : الصحوة الإسلامية في ميزان العقل , فؤاد زكريا , ص34.

المصدر: http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=14508

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك