المصطلحات والمفاهيم.. وموجة التغريب!

م. محمد صالح البدراني

 

قد يقول البعض أن التغريب لم يعد موجة؛ بل هنالك من يتبنى معطيات تقليده بعناوين النهضة والتغيير، رغم أن هؤلاء – وبمقارباتها الإسلامية – تبدو لأصحاب “نظرية المؤامرة” عقدة الواقع التي تقع تحت سيطرة فعل الآخرين، وأنهم يدخلون بتصور “أسلمة القيم الغربية”. والحقيقة أنهم لا يخططون لهذا – وهذا واضح من طريقة طرحهم – إنما هم أناس يعملون بالمتاح, وبتوجس، إضافة إلى مشكلة الفهم عندهم؛ فهم لا يفرقون بين مفهوما الحضارة والمدنية، ولعل ما تلقوه من ثقافة بهذا الاتجاه تغيب عنها كلمة الحضارة؛ ببساطة لأنها كلمة ليست موجودة في قاموس اللغات جميعها، ومازالوا يعرفونها وفق تعريف ابن خلدون، وقد عرفها من منظور واقعه وما اعتاد عليه من النظرة لواقعه الموزع ما بين البداوة والمدن, وحركة العمران والتطور وهو مفهوم المدنية اليوم.

مشكلة في الدعاة أيضا أنهم يعانون من التقليدية المواجهة لحراكهم، فلابد أن يصطدمون بالسياسة والحكم، والتي هي في الحقيقة عنصر مهم من عناصر منظومة “تنمية التخلف”،  الشجاع فيهم من يرمز للحاكم رمزا، أو ينوه من وراء ستار لأن ألف لسان من الذين فهموا الفقه نقلا كابر عن كابر بلا تفكر ولا تدبر أو اجتهاد يتصدى لهم منطلقا من شرعية المتغلب التي تحكم البلاد – حتى الآن – على أنها من صلب الإسلام. والحق أقول لكم: أنها ضد الإسلام بل تجني عليه، حتى لنرى أساتذة من حملة العلم يدافعون عن نظام فاسد يقتل شعبه ويتأسفون؛ لأن قوة لم تعد في جسدهم ليقاتلوا ثوار البلد الذين يثورون ضد الظلم والاستبداد. لذا, يحاول الدعاة العمل بالممكن، لكن ما يقدموه هو في الحقيقة مزيدا من الإحباط وهدر الطاقات في عمل لا جدوى منه, وفي أفضل حالاته يروج لفعل لا انعكاس له على تغيير الواقع وإنما يتداول بين أناس أصلا هم يريدون أن يعملوا شيئا، والهدف ينبغي أن يكون تحريك الساكن وليس تحريك المتحرك أصلا.

ويلجئون مثلا إلى وهم مقاييس النجاح (المعدة لتقييم واقع أنتجها) تشير إلى تقدم بعض الدول كلنا يعلم أن تطورها المدني هو في المظهر لا بالجوهر، وأنها لو احتاجت لصيانة أحد مشاريعها فلن تجد من بلدها من يقوم بهذا، ناهيك عن إعادة بناءه، بل تشتري المدنية ولا تشارك فيها ولا أرى أنها تستحق وصفا إلا أن تكون معرضا لغني هاو متعطل.

إشكالية مفهوم الحضارة الإسلامية

 إن الحضارة الإسلامية ليست العمران؛ بل تلك مدنية أنشأها مسلمون ولأسباب معروفة في التاريخ، أما الحضارة الإسلامية فهي الفكر الذي طرده الطغيان وأجهز عليه السلطان، إنه الإسلام القائم على الدين والشريعة، على ولاية الأمة وحاكمية الشريعة، والاثنتان مفقودتان في واقعنا، رغم أن التدين موجود كغريرة حاكمة ومشاعر دينية، نجد أن التصدي للشريعة وحاكميتها من أناس يقيمون هذه الشعائر مع الخوف من حاكميتها؛ وذلك لأنها ممثلة عندهم تاريخا ونقلا باستبداد السلاطين، وما يشاهدوه من مسرحيات التطرف باسم الدين.

المطلوب أن يتواضع مشاهير الدعاة ويقرءوا لا أن يفكروا أن يقرأ لهم، وأن ينظروا إلى واقعهم ولا يحلموا له وإنما يحلموا معه، وأن يعيدوا النظر في وسائلهم؛ فالناس المتعرضة للفساد هي الصالحة التي تفقد الأمل بالإصلاح. إننا لن نتقدم باجترار النظريات التي لم توضع لواقعنا رغم انبهارنا بتقنيتها وتوزيعها وتحليلها.

إن الإسلام نظام متكامل ولابد حين نسعى له أن نسعى لبناء جديد وبأسلوب يجتهد به منه ومن آلياته، وليس استيرادا للفكرة والحاجة، أو مجاملة الكراسي المتهرئة والتي تحل محلها كراسي منحرفة.

إن أمتنا ليست بحاجة إلى مقاربة أن الديمقراطية هي من الإسلام أو لا يعارضها الإسلام، ولكن لنقل أن في مرحلة ما ممكن أن نتبنى ( آلية) لكي نزيل بها النظم القديمة ولكن بحضارة وفكر إسلامي، وهذا الفكر ليس فكر الحاكم المتغلب والأحكام السلطانية، وإنما فكر للآسف مازال الاجتهاد به متواضعا لبناء دولة إسلامية في قرننا الحالي. نعطي الفرصة للأمة أن تفكر وتحلم بعيدا عن فقرها وحاجتها فلا يمكن أن تحلم الأمة بالنهضة وهي مكبلة بعقلها ومستعبدة لغرائزها وحاجاتها،  ورفاهية ستبقى حلما. لا يطال وهم بهذه العقلية، بل لو فهموا الحياة فعلا فلن تكون هذه أحلامهم وتختصر بعالم الأشياء. ونهضتنا ليست تطورا مدنيا أو هدفها اللحاق بالغرب، وإنما بناء الإنسان وتوجيه المدنية كي لا تطغى على إنسانية الإنسان ويقودها أناس سطحيون، كأنهم الشياطين يتكلمون بمنطق الأنا ويصفونه بالإنسانية.

نحن نرى اليوم ما تفعله وفعلته الولايات المتحدة وروسيا وما يسمى بالدول الصناعية في منطقتنا، وكيف تتاجر بدماء أبنائنا، وكيف تقاوم إشعاع النور في بلداننا! بل تريد حتى ما يكتبه شبابنا بدمائهم ليس إلا مدارا آخر في فلكهم. وإن نثور نحن لننفس عن أنفسنا ونبدل حكاما ملوا منهم بآخرين يريدونهم. إنها تحاول التوجه أيضا إلى العقول العاملة، فما يفعل الشيطان بأناس فاسدين، إنه ولا شك سيتجه إلى الصالحين ليفسدهم, – وللأسف – فإن الخطأ في خطوات النهضة يتسع وأن كوادر النهضة تجري تعميتها؛ لأن الموجهين لها ينبغي أن تتوسع مفاهيمهم كما ينبغي أن يتوجهوا إلى الصراحة والوضوح في الخطاب. بكل صراحة النظم التي تحكمنا ليست متغولة, فقد تجاوزت ذلك، وهي ليست تسعى للاستبداد في الحكم, فهو من مهامها اليومية، بل بلغت درجة العماء وأخذت تضع بذور قتل الأمة في تركيبتها وستسقط بعض البلدان بسقوطها لتكون في دورة تخلف معلنة كفاءة أعلى لمنظومة تنمية التخلف، الكلام كثير والعمر قصير لا يكفي لنضيّع بعضه بالجدل.

المصدر: http://feker.net/ar/2013/03/17/20165/

الأكثر مشاركة في الفيس بوك