التعايش بين الأديان امتداد لحقيقة واحدة

د.محمد غاني

 

كثييرا ما يكثر اللغط بين المثقفين و المهتمين حول الصراع بين الأديان  أو الحوار بين الحضارات  فهل هناك صراع بين الاديان أم أن هناك تعايشا فيما بينها؟ وقبل الخوض في ذلك يحق لنا التساؤل عن معنى الدين و مغزاه؟ و هل فعلا هناك دين واحد   فقط بينما شرائعه مختلفة و رسله متعددون؟

خير ما أفتتح به هاته المداخلة المتواضعة هو الآية الكريمة التي يقول فيها  الحق جل و علا في سورة الحج "ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "

ترمز الآية بالصوامع  لذلك البناء المستطيل المرتفع الذي يصعد إليه بدرج وبأعلاه بيت ، كان الرهبان يتخذونه للعبادة ليكونوا بعداء عن مشاغلة الناس إياهم ، وكانوا يوقدون به مصابيح للإعانة على السهر للعبادة ولإضاءة الطريق للمارين . من أجل ذلك سميت الصومعة المنارة . قال امرؤ القيس :

تضيء الظلام بالعشي كأنها       منارة ممسى راهب متبتل

التحرير و التنوير لمحمد الطاهر بن عاشور  ص: 278.
 والبيع جمع : بيعة - بكسر الباء - مكان عبادة النصارى ولا يعرف أصل اشتقاقها . ولعلها معربة عن لغة أخرى .

والصلوات جمع : صلاة وهي هنا مراد بها كنائس اليهود و قد تم ترميم صلاة الفاسيين مؤخرا بفاس و كذا إعادة تدشينها بحضور شخصيات و هيئات وازنة من مختلف بقاع العالم مما يدل على التسامح و التعايش بين الأديان الذي نتمتع به في المغرب و الحمد لله .

والمساجد : اسم لمحل السجود  و ليس من الأنواع الثلاثة المذكورة قبله وقت نزول هذه الآية فتكون الآية نزلت في ابتداء هجرة المسلمين إلى المدينة حين بنوا مسجد قباء ومسجد المدينة . وجملة ( يذكر فيها اسم الله كثيرا ) صفة ترجع إلى صوامع ، وبيع ، وصلوات.

 لقد ورد  فيها ذكر الصوامع والبيع والصلوات والمساجد و كلها رموز لأمكنة مقدسة يوحد الله فيها و يعبد  لذلك ورد ذكرها في هذه الآية في سياق أن الله حافظها بتسخير الاسباب لذلك وهو المقصود بدفع الله الناس بعضهم ببعض أي حسب المفسرين لهاته الآية لولا أن الله سخركم يل أهل التوحيد للدفاع عن أمكنة الصلاة و قدسيتها في قلوبكم ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا و لذلك تجد أن هاته الاماكن مقدسة عند أهل سائر الديانات كالمسجد الأقصى بالقدس و مزارات بعض الانبياء أو بعض الأعلام من الصالحين كضريح سيدي يحيى بوجدة شرق المغرب
لماذا ابتدأت بهذا المدخل؟ لابين أن القرآن الكريم يعتبر المساجد و غيرها من بيوت العبادة في الديانات التوحيدية رموزا لتوحيده بالعبادة و افراده بالخضوع و الاستسلام.
إن الإسلام في التعبير القرآني هو اسم للدين المشترك الذي نادى به جميع الأنبياء، 
فنوح ـ عليه السلام ـ قال لقومه: ]وَأُمِرتُ أنْ أَكُوَن مِنَ المُسْلِمِينَ[ (سورة يونس: الآية 72).
و أوصى يعقوب ـ عليه السلام ـ بنيه: ]فَلاَ تَمُوتُنّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ (سورة البقرة، الآية 132).
وموسى ـ عليه السلام ـ نصح لقومه: ]يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ ءامَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ[ (سورة يونس: الآية 84).
والحواريون أشهدوا عيسى عليه السلام على ايمانهم بقولهم: ]ءامَنّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 52).
والإسلام هو التوجه إلى الله رب العالمين في خضوع خالص وفي إيمان يقيني  بكل ما جاء من عنده، على أي لسان، وفي أي زمان أو مكان ودون تمييز شخصي، أو طائفي، أو عنصري، بين كتاب وكتاب من كتبه، أو بين رسول ورسول من رسله. هكذا يعبر القرآن عن هذه الحقيقة : ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ (سورة البيّنة: الآية 5). [ . غير أن الإسلام له مدلول آخر في العرف: وهو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه و سلم  ، كما تطلق اليهودية على شريعة موسى عليه السلام، والنصرانية على شريعة عيسى عليه السلام.
والذي لا ريب فيه هو أن الشرائع السماوية كلها صدق وعدل، وكلها يصدق بعضها بعضًا، وهناك شرائع ومبادئ مشتركة بين الأديان الثلاثة (الإسلام، والمسيحية، واليهودية). حيث إنها توافق بعضها بعضًا في التشريع والأخلاق والسلوك؛ ويمكن تمثيلها بالبناء الذي يتألّف من لبِنات متراصة بعضها فوق بعض. وقد عبّر عن هذا البناء الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم   بقوله: ]إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3271).
لهذا الحديث معنى عميق يغفل الكثير عن مغزاه، و هو أن الدين الحنيف حقيقته واحدة أو قل روحه واحدة وهو توحيد الاله و إفراده بالعبودية أما جسده (أي الدين فقد اختلف و تلون باختلاف الازمان و الامكنة و الاحوال) بمعنى أن هذا الجسد الديني سمي تارة باليهودية و تارة بالمسيحية و تارة بالاسلام، أما روح الدين و حقيقته فحافظت على نفس التسمية و هي دين الاسلام بمفهومه العام أي توحيد الاله و الاستسلام لأوامره و الخضوع لقهريته.
إن العلاقة بين تلونات الجسد الديني أو الشرائع هي مسألة التحيين فاختلاف الشرائع ضرورة يستدعيها تبدل الازمان و الظروف و الامكنة و لذلك حتى بعد اتمام هذا الدين بالرسالة المحمدية الصالحة لكل زمان و مكان فتح الله باب الاجتهاد العقلي حتى يكيف المسلمون شرائعهم مع النوازل و الأقضية التي تحدث لهم و لذلك نجد الامام الشافعي مثلا له مذهب قديم ثم حينه بعد ذلك لما غير المصر الذي كان يعيش فيه فوجد أن الظروف و الأحوال قد تغيرت كثيرا فاستدعى منه ذلك ضرورة التحيين داخل الشريعة نفسها.
وقضية التحيين في  التشريع من أجل تكميل جانب الأخلاق والسلوك في الأديان الثلاثة وارد  ولكنه لا يعني  أن الشرائع المتأخرة لا تنقض بعض الأحكام في الشرائع المتقدمة. فقد جاء الإنجيل بنسخ بعض أحكام التوراة، إذ أعلن عيسى عليه السلام أنه جاء ليحل لبني إسرائيل بعض الذي حرم عليهم ]وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ[ (سورة آل عمران: الآية 50). وجاء القرآن بنسخ بعض أحكام الإنجيل والتوراة، فقد جاء محمد صلى الله عليه و سلم   ليحل للناس كل الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم  ]الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ (سورة الأعراف: الآية 157).
والمسلمون يؤمنون بالأنبياء جميعهم، قبل نبينا محمد صلى الله عليه و سلم  ومنهم موسى وعيسى عليهما السلام، كما يؤمنون بما أنزل عليهما، وهي التوراة والإنجيل
لقد أتي العلم التقني ليبرهن على هاته الحقيقة و هي أن الانسان إذا لم يقم بتحيين معلوماته فإنه إن لم يفقد تلك المعلومات فإنه سيبقى كمن يغرد خارج السرب لذلك كلنا مطالب بتحيين معلوماته حتى يبقي  محافظا على علمه في تطور مع الزمان و المكان و تطور النوازل و القضايا  كما أن المسلمين اليوم مطالبون كذلك بمواصلة الاجتهاد حتى تتطور أحكام فقههم فيصدق قول الأوائل أن شريعة الاسلام صالحة لكل زمان و مكان.
وهناك أمور مشتركة، بين الاديان الثلاث وهي:
1. الإيمان بالله والملائكة والرسل والكتب المنزّلة .
2. الإيمان بالغيب أي باليوم الآخر والحساب وثواب الصالحين وعذاب الطالحين.
3. مدح الفضائل وذم الرذائل.
4. وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الصدقات والصوم والعبادة ، هذا و إن اختلفت التسميات حسب أصحاب كل ديانة
5. التسامح والرحمة والإيثار والإحسان و غيرها من القيم العليا التي تستوي عند أصحاب العقول السليمة و الفطرة النقية.
6. روح الدين و هو ذلك الصدق في التوجه للخالق عند تأدية كل شريعة من الشرائع أو قل ذلك الذوق الذي يحصل لكل متوجه بقلبه لخالقه فسمه ما شئت من التسميات فذلك جوهر الدين و هو الموصل للحقيقة لأنه هو المحرك الأساسي في قلب كل باحث عن الحقيقة و قصة سلمان الفارسي في بحثه عن الحقيقة خير مثال على أن الله يوصل إليه كل باحث عنه بصدق لأن القلب هو ميزانه و شعوره هو المقياس الذي دله على صدق أو كذب من خالطهم من الموجهين الروحيين حيث أن سلمان هذا كان مجوسيا قبل أن يعجب بترانيم اليهود فيصاحبهم ثم ارتأى أن عطشه و إن ارتوى شيئا قليلا إلا أنه لا يزال ظمآنا فالتجأ الى راهبين مسيحيين أولهما كان مدعيا كاذبا و الثاني كان صادقا فصاحبه الى أن قربت وفاته فأخبره بأنه آخر راهب في المسيحية لأنه قربت بعثة النبي محمد  صلى الله عليه و سلم  .

إن القرآن الكريم يأمر المسلمين بالإيمان بجميع ما أنزل على رسل الله قائلاً: ]ُقُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[ (سورة البقرة: الآية 136). 
و كل مدقق مقارن بين الاديان يتضح له جليا أن شريعة التوراة قد عنيت بالمبادئ الأولية لقانون السلوك "لا تقتل" و "لا تسرق"… إلخ والطابع البارز فيها هو تحديد الحقوق وطلب العدل والمساواة بينها. ثم تجيء بعدها شريعة الإنجيل فتقرر هذه المبادئ الأخلاقية وتؤكدها، ثم تترقى فتزيد عليها آدابًا مكملة: "لا تُراء الناس بفعل الخير، أحسن إلى من أساء إليك"، والطابع البارز فيها التسامح والرحمة والإيثار والإحسان. فاليهودية كانت شريعة عدل ومجازاة، بينما كانت النصرانية شريعة فضل وإحسان. وأخيرًا تجيء شريعة القرآن؛ لتقرر المبدأين كليهما في نسق واحد. قال تعالى: ]إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ[ (سورة النحل: الآية 90)، مقدرة لكل منهما درجة في ميزان القيم مميزة بين المفضول منهما والفاضل. 
وهكذا كانت الشرائع السماوية لبِنات في بناء الدين على مر الزمان.
اذا سلمنا بأن الدين الحنيف هو الاسلام بمعنى ديانة التوحيد و سلمنا بأنه بناء ابتدأ منذ آدم عليه السلام كلبنة أولى فنوح عليه السلام كلبنة ثانية وهكذا الى أن تواسط البناء بموسى عليه السلام و قرب اتمامه بعيسى عيه السلام ثم اكتمل بناؤه بمحمد صلوات الله و سلامه عليه فالى ماذا سنخلص، سنخلص الى أن الدين فلسفة حياة فالدين تسليم للاله و لن يكون هذا التسليم صادقا اذا لميكن عن وعي بالذات ووعي بالفطرة التي فطرت عليها أيها الانسان فأنت فطرت على التقديس بالفطرة فحتى الذين لا يعترفون بالاله فتجدهم يقدسون غيره كالعلم و هم في الحقيقة لا يقدسونه الاهو لأن من صفاته العليم فهم حينما تحققوا من تطبيق آية كريمة في القرآن الكريم و إن لم يعو بذلك فقد حقق الله لهم النتيجة المرادة و هي تقديس الحق و الحق أيضا من أوصاف ذاته العلية يقول تعالى " سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. الشورى 53.
إن تقديس الحق في النفس مع الوعي التام بالحقيقة البشرية و أنها مجرد نطفة من مني تمنى أودع الله في سره فيها فأصبحت ذات عينين و لسانا و شفتين فأصبحت تتصف بنسبة ضئيلة من أوصاف ألهية وهي السمع و البصر و الارادة فأصبحت تظن أنك شيئا مهما و الحقيقة أنك كذلك إن أنت أثبتت الهبة لصاحبها أما إن أنت ظننت أنها ملكك وحدك فأنت كمن طلب من صديقه سيارة مدة من الزمن فلما ركبها و تعلم سياقتها و أحس بمتعة فوائدها التي أودعها صانعها فيها و طالت المدة فنسي صاحبها و ظن أنها ملكه فلما جاء يوم السداد أتاه الصديق ليستلم الأمانة آنذاك سيعترف بوهمه و نسيانه.
إن الدين في عمقه تنمية للفكر و الوعي و تلك التنمية هي المقصودة في قوله تعالى النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم " ويعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم  فالمراد بالكتاب و الحكمة القرآن و السنة بمعنى الشرائع التي بها تنتظم حياة الناس أما المقصود بالتزكية فالمقصود بها ذلك المعراج الروحي و الفكري الذي يحصل للمسلم بقلبه و فكره أثناء سيره بحثا عن الحقيقة حقيقة كنه معنى وجوده في هذه الحياة.
إن في قصة معراج الرسول صلى الله عليه الصلاة و السلام لسدرة المنتهى و الوصول الى مخاطبة الحق كما حصل لبعض الرسل و الانبياء من قبل كموسى عليه السلام كليم الله في جبل الطور و عيسى لما أنطقه الله دفاعا عن أمه الطاهرة النقية و أطلعه على غيبه كل ذلك على علو مقامه في السير الروحي في البحث عن المقدس و في ذلك رمز و تأصيل لمسألة في غاية الاهمية تغيب عن كثير من المسلمين و غيرهم و هي أن الله لم يرسل ملائكة و لا غيرهم من المخلوقات ليبلغونا عنه سبحانه و تعالى الا ليبين لنا أن العلو الروحي يمكن أن يصله أي أنسان سلك نفس الطريق من الذكر و التبتل و التفكر في آلائه سبحانه و تعالى فالعلو هنا علو تزكية كلما علوت كلما ظهر لك شيء من الحقيقة.
إخواني الأعزاء ، إن الحقيقة واحدة و هي لا اله إلا الله  بمعنى أنه لا فاعل في هذه اللحظة الا الله و متحكم في كإنسان الا الله فلا أصدر من قول أ فعل الا بإذنه سبحانه و تعالى لكن الوعي بهذه الحقيقة يختلف فيه البشر علوا و دنوا اختلافهم في بصماتهم، أي اختلاف تعدد مبهر.
إنك أيها الانسان عبد لله شئت أم أبيت ، وعيت بذلك أم لم تع، بمعنى أن السنن و القوانين الكونية سارية فيك و أن القهرية الإلاهية متحكمة فيك شعرت أم لم تشعر فأنت تشعر بالبرودة الشديدة حينما تصل درجة الحرارة تحت الصفر و تشعر بالحرارة حينما تحمر ألسنة لهب الشمس و تولد في اللحظة التي لا تستطيع أن تقررها و تموت في اليوم الذي ليس بيدك تحديده و بصرك محدود و سمعك محدود تشعر بالالم و الخوف و الحزن و الفرح و غير ذلك من السنن الكونية التي لا تستطيع الهروب منها و هذه عين العبودية لله و إنما يفترق الموحدون عن غيرهم بسبب وعيهم وأدراكهم بهذا المعنى و لذلك فرق الدين في حديث جبريل المعروف بين المسلم و المؤمن و المحسن وهي مقامات ثلاث في اليقين في الله سبحانه و تعالى فالمسلم هو المبتدأ في طريق البحث عن الحق يبتدأ بفعل الشرائع حيث عرفه الرسول بأنه هو الذي يقيم الصلاة و يوتي الزكاة و يصوم رمضان و يحج البيت بمعنى أنه يقوم بالواجبات امتثالا لأستاذه يقينا في أهليته و كفاءته و أنه أراد له خير و إن لم يع كل ايجابيات و نتائج ذلك فإن سار على درب الاسلام وصل الى مقام الايمان فانبثق في قلبه نور الغيب و إن كان ضئيلا أصبح ذلك النور يكبر فيكبر شيئا فشيئا فأصبح ذلك المسلم يؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و القدر خيره و شره فإن واظب على السير وصل الى مقام أعلى و هو مقام الاحسان فأصبح ذلك المسلم المؤمن محسنا يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه فكان مثل هذا المسلم المتدرج في طريق الحق في بدايات سيره كمن قرأ أو سمع عن بلاد من البلدان في جريدة أو تلفاز فأصبح مسلما بوجود هذا البلد في الخريطة لكن اذا عرج الى الأعلى عن طريق الطائرة و دله قائده في السفر على ذلك البلد من نافذة الطائرة أصبح موقنا بوجود هذا البلد فهو يراه حقا من فوق أما إذا نزل معه قائده في السفر الى ذلك البلد و تجول معه في دروبه و خبر أماكنه أصبح يقينه بوجود هذا البلد منتقلا من مرتبة علم اليقين ثم مرتبة عين اليقين فالى مرتبة حق اليقين.
إن مثل الترقي في الوعي الديني مثل المتسلق جبل يمكن أن نسميه جبل المعرفة ، تخيلوا معي جبلا للمعرفة و أنت يا طالبا للحقيقة تتسلقه بشكل دائري، و كلما تسلقت التقيت شخصا من سكان الجبل ذي الجهات الاربع ، جهة كصحراء قاحلة بها بها ماء و نخل و جمال  يعيش منها ذلك الشخص أ و يظن أن جهات الجبل كلها كذلك و كلما واظبت على التسلق التقيت الشخص ب بالجهة الثانية من الجبل فوجدتها عبارة عن مناطق وعرة مليئة بالحجار صعبة التسلق  و كذا أخرى سهلة التسلق يعيش صاحبها على ثمر شجر لا يوجد بالجهة الاولى و صاحبها يتكلم لغة غير لغة الآخر  ثم زدت في تسلقك فمررت بالجهة الثالثة فوجدت بها شجرا مختلفا عن الجهات الثلاث و صاحبها يتكلم بلغة أخرى غير لغة الاول و الثاني ثم وصلت الى الجهة الرابعة  فوجدتها مليئة بالخضرة و الماء يعيش ساكنها  الشخص  ح في رغد عيش ثم لما جلست في قمة الجبل سمعت حوارا بين هؤلاء الأربع ووجدت كل واحد منهم يصف مكانه الذي هو فيه ظانا أن الجهات الاربع كلها على نفس النمط فإذا بك أنت يا أيها المتسلق لجبل المعرفة أنت الوحيد الذي تستطيع أن تخلص الى خلاصة أنهم كلهم على حق و ان اختلفوا فإنما اختلفوا لاختلاف وجهات نظرهم .
إن رحلتك أيها الإنسان عجيبة غريبة سهلة شاقة في نفس الوقت سهلة إن وجدت الدليل الذي يذلل لك المشاق و يهديك أثناء تجشمك سلوك دروبها و شاقة إن أنت أصررت على عنادك بأنك قادر على سلوكها بمفردك وكلاهما موصل لكن الاول آمن و أسرع.
إن مهمة الكتاب مهمة الدليل المكتوب الذي يعرفك بوجود البلد الذي تريد زيارته و دور الانبياء دور المرشد الذي خبر البلاد في وقته و يعمل على تحيين كتابه انطلاقا من تجديد الوحي لتجدد الزمان أو المكان أو الحوادث الى أن جاء آخر المحددين خاتم الرسل محمد  صلى الله عليه و سلم أرسى دعائم الاجتهاد العقلي الذي يجب أن يصاحب النصوص المقدسة حتى يبقى هذا الدين صالحا لكل زمان و مكان.
بعد هذه التأملات الفكرية في حقيقة الدين طبعا من منطلق مرجعتي الاسلامية التي تنهل من روح الدين الاسلامي و هو الجانب الروحي فيه أخلص الى خلاصات مهمة يمكن أيجازها في :
1-    أن الدين روح واحدة جسده يتلون حسب الظروف و الأحوال و الازمان لكن يبقى مقصده واحدا و هو افراد الخالق بالعبودية و لذلك اختلفت تسميات الجسد الديني و توحدت تسمية روحه الجسد الديني سمي تارة باليهودية و تارة بالمسيحية و تارة بالاسلام أما روحه فحافظت على تسمية واحدة هي دين الاسلام بمعنى الخضوع و الاستسلام للخالق وافراده بالعبادة.
2-    أن الدين فلسفة حياة وصدق في التوجه للخالق و ليس مجرد قشور شعائرية و إن كانت تلك الشعائر بابا أصيلا للترقي الروحي و الفكري و الذوقي في فهم الدين و من ركز على القوانين و الشعائر دون فهم للمقاصد و الأهداف كان كمن قدس اشارات المرور و نسي هدف السفر و المسير.
3-    أن الحقيقة التي تبحث عنها الأديان واحدة لكن وضوح الرؤية يختلف بحسب موقعك أيها الانسان في معراج الرقي الفكري و الروحي و الذوقي الذي وصلت إليه و ذلك ينبني بطبيعة الحال على نوعية الدليل الذي اعتمدت عليه و المستوى المعرفي للذي خطه وهل وصل الى الاماكن التي يصفها أم أنه فقط مبلغ عن سامع وكذلك هل أتم تحيين دليله في حينه أم أن تلك المعلومات قد تقادمت و تجووزت.
4-    أن الحقيقة واحدة لكن وجوهها متعددة وكل صادق في البحث واصل لا محالة الى جانب منها و انما النصيب يختلف باختلاف الوعاء أو الآنية التي تقدمها أنت أيها الانسان من أجل الامتلاء و لذلك اختلفت شرائع الانبياء و اختلف مقدار صبرهم على قومهم باختلاف قدراتهم البدنية على التحمل و كذا اختلاف الرحمة المزروعة في قلوبهم .
5-    أن التعايش بين الاديان حقيقة لا مناص منها لاننا كلنا في مدرسة البشرية باحثين عن الحقيقة و إنما اختلف مدرسونا و موجهونا لكن المقياس الذي يجب أن نحتكم إليه هو فطرتنا السليمة و صدقنا مع الله أو قل صدقنا في البحث عن المقدس فذلكم البنزين المحفز على السير قدما حتى نصل الى الحقيقة فنجد أن سفرنا كان سفرا في أنفسنا لان الله أقرب الينا من حبل الوريد يقول الشاعر الصوفي :  وأسأل عنهم و هم معي.
سمكة تبحث عن الحقيقة تسأل صديقتها و هي تسبح معها في البحر عن حقيقة البحر فقالت لها يا ساذجة البحر هو هذا الذي تسبحين فيه وفيه خلقت و فيه تقتاتين و فيه تموتين.  يا لغرابتك أيها الانسان تبحث عنه و هو عين وجودك.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك