نحو محاضن تربوية تحتضن الشباب

علي المحيميد الحسيني

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد عُني إسلامنا العظيم بتربية الفرد باعتباره لبنة من لبنات بناء المجتمع المتماسك الرصين، ولا يمكن بحال أن تتقدم أمة بين الأمم إلا وقد نهض بها أفرادها فرفعوها بين أمم الأرض حتى تسود عليهم.

وإن بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة لا يمكن أن يكتمل دون محضن تربوي: ينميها، ويقويها، ويصقل مواهبها، ويكتشف قدراتها، يميز بين الأفراد؛ ليمنح كل ذي حق حقه، فيكمل النقص، ويصلح الخلل، ويعلمها ما لم تكن تعلم، فتنمو فيها أو تنشأ فيها قيم جليلة، كمحبة الله عز وجل، والصبر والصلاة ، وإتقان العمل أن يكتمل، فينجح بذلك المجتمع المسلم بكل مجالات الحياة، ولا تحصى القيم الإسلامية السامية، بل ولسنا بصدد إحصائها، فإن كل قيمة إنسانية نافعة لا تصطدم بالشرع الشريف هي قيمة إسلامية!.

 وإن الفضيلة لتنحسر يوما بعد يوم؛ لتحل محلها الرذائل التي تتزايد كل يوم، وتستشري في المجتمع، وتنتشر انتشار النار في الهشيم!!! فكيف نُهِبُّ رياحَ الفضيلة على هشيم محترق ؟؟

من أين تبدأ المحاضن؟

إن من أهم المحاضن التربوية اليوم: الأسرة المسلمة في البيت المسلم، ولا يكفي البيت المسلم الذي يحمل همَّ أبنائه، وهمَّ التربية؛ ليعيش هذا الهمُّ معه صباح مساء! كيف نربي أبناءنا؛ ليكونوا كالشامات في المجتمع؟! كيف ينشأ من أبنائي الفاتحون والعلماء والقادة الذين يعيدون هذه الأمة لمجدها؟! كل ذلك لا يكفي! فلا يكفي أن يُرَبَّوا في بيت يحثهم على الصَّلاة والصِّلات، أو يرشدهم مع ذلك للعلوم والتقنيات والنجاحات والإبداعات في كل المجالات! بل لابد من محاضن تربوية أخرى تقابل ما يتلقاه المتربي في المدارس أو من التلفاز أو من الشارع أو من المجتمع.

كـــل الأمــــة معنيـــة بإنشـــاء المحاضن..

لو سعى المسلمون لإشاعة مراكز تربوية وفق خطط مدروسة، فبذل التجار في سبيلها أموالهم، والمفكرون أفكارهم، والعلماء جاههم وعلمهم وألسنتهم، والمؤرخون مخزونهم التاريخي، والإعلاميون أدواتهم، وعامة المسلمين تأييدهم ، لكنا على خير عظيم ولرأينا آثارا وثمارا.

مواقع المحاضن..

لقد كانت المساجد في يوم من الأيام محضنا تربويا، ومعسكرا تدريبيا، وجامعة لتخريج العلماء والخبراء، فانحسر دورها! واعتاد الناس غيرها! بل اعتادوا أن يكون المسجد لمجرد الصلوات، وبعض الطقوس والعبادات، التي فرغ محتواها الحقيقي ؛ لأنها لم تثمر للأمة عزا ولا تقدما، فلا بد أن نعيد دور المسجد ما دمنا قادرين على الوصول إليه .

أحسـنوا التعامـل مــع الشـباب..

إن الشباب اليوم يحتاجون لدفء المحبة أولا، ولا ينبغي للمحاضن التربوية أن تكون أحمالا وأثقالا يضعها المتربّون على أكتافهم؛ بل لابد من أساليب تشويقية، حتى في أوقات الدرس الجاد، إن من أهم أعمال المحاضن التربوية جمع الخيّرين من أبناء هذه الأمة تحت سُدَّتِها، والسمو بهم أولا، وإنشاء خطط لجلب كل المسلمين إلى محضن تربوي وسطي، لا يشط بهم إلى العداء ، ولا ينزوي عنهم دون معايشتهم والاختلاط بهم وحمل همومهم والسعي في عودتهم لهذا الدين، مع الشعور بعزة يَستجلب سنا نورها من الأجداد،  ويُخطط لإعادتها ليل نهار، فإنما أتينا من فصل التربية الإسلامية السليمة عن السياسة الشرعية، حتى اضمحلت شرعيتها في كثير من الأحيان، ولويت أعناق النصوص لأجلها حتى اختنقت، فكانت إنفاذا لفكرة فصل الدين عن الدولة لا إنقاذا منها.

ولا بد من التخطيط..

 ولو عمل المسلمون عموما، وأبناء الحركة الإسلامية خصوصا، على وضع خطط لإعادة الناس إلى هذا الدين، مع فهم شموليته، فاستهدفوا كل بعيد عن هذا الدين إليه برشد وحكمة وموعظة حسنة، ووضعوهم بهذا المحضن التربوي لكان حال الأمة أجلى، وشأنها أعلى، ونتاجها أحلى. إن أبناء المسلمين اليوم: يحتاجون لمن يأخذ بأيديهم بعطف وسماحة في طريق السالكين حتى تصير حياتهم لله، فإن العيش في سبيل الله لأصعب من الموت في سبيله ، فإن نشأ جيل هذا حاله فلتنتظر الأمة النصر ولتبشر به مطمئنة.

الداعـــية الذكـــي يفــرق بيـــن أحـوال النـاس..

 ولا بد في بداية الأمر من النظر في حال هؤلاء المستهدفين بالدعوة والمرادين بأخذ أيديهم إلى المحاضن التربوية والتأمل في حال كل واحد منهم على حدته، فمنهم: من لا ينشد إليك إلا إذا جاملته ومدحته، ومنهم لا من ينشد إليك إلا إذا فتحت له قلبك وأظهرت له ودك، ومنهم من لا ينشد إليك إلا بالرياضة البدنية، ومنهم من لا ينشد إليك إلا بالنقاش المقنع الجِدّيّ، ومنهم من لا ينشد إليك إلا من خلال الصوت الحسن، ومنهم من لا ينشد إليك إلا من خلال العمل المسرحي، ومنهم من لا ينشد إليك إلا من خلال رؤية نجاحاتك في حياتك، ومنهم من لا ينشد إليك إلا من خلال المال -وكثير ما هم- ، ولا تتأتى هذه المعرفة بالناس إلا من خلال مخالطتهم، ومعرفتهم، وسبر أحوالهم، ودراسة أوضاعهم، والتأمل في تصرفاتهم زمانا .

التربيـة والاختـلافات والفرقة..

 لو بلغت التربية مبلغها في نفوس المسلمين لما تأخر النصر في الشام، فإنما أتينا من قبل قلة التربية الإسلامية، فتعاظمت حظوظ النفس، فلم يصبر الأخ على اعوجاج أخيه ليقومه، بل عاداه وخاصمه، وكل واحد من الأخوين المتخاصمين لم يخضع لمدرسة تربوية تزرع فيه القيم السامية إبان كانت الرذيلة تزرع في القلوب والأنفس، ولا نقول -وحاشا أن نقول- إننا خير من الناس ولكن الخلاف الذي أخر النصر مثال حي واقعي عصري يبين الخلل الذي تخللنا وتسلل إلينا، وكل واحد منا معني باستيعاب الآخرين لمصلحة الدعوة وبالتالي لمصلحة الأمة المسلمة.

وأخيرا يا من أردتم الفلاح..

 إن مما لا شك فيه أن  كل واحد منا يتمنى الفلاح في الدارين وإنه لمتجسد للناظرين في قول رب العالمين عز وجل:

«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» [آل عمران:104]

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)  إنه الفلاح وإنه الإصلاح، ولو أن كل واحد من المصلحين تعهد إصلاح نفسه وإصلاح شخصين آخرين وعاهد كل واحد منهما على إصلاح نفسه وإصلاح نفسين؛ لرأينا الدعوة في ازدهار بعد حين، ولعل من أشهر القصص في البرهنة على بركة المضاعفات: ما يروونه -سواء كان حقيقة أو وهما- عن مخترع الشطرنج الوزير الهندي: «صه بن داهر» الذي أراد أن يخترع لملكه لعبة يسليه بها، فبلغ إعجابه بها أن قال له: اطلب ما تشاء، وما دمت أقدر عليه فسألبيه فطلب أن يأمر له بقمحة توضع على أول خانة في اللعبة، وضعفها في الثانية، وضعف الثانية في الثالثة، وهكذا كل مربع يأخذ ضعف ما قبله إلى المربع الأخير -وهو الرابع والستون- فكان عدد حبات القمح هو:184467440737095516 فعجزت الدولة عن الإتيان به، إن الرقم مبرهِن على بركة المضاعفة وبهذه الدعوة وهي شبه فردية كل داعية يدعوا اثنين ويتعهد تربيتهما  على أن يخرجا اثنين فلن تصل السلسلة إلى 64 رجلا إلا وكان العدد عند المصلحين هذا العدد الكبير الذي تراه، وضعفه لو زادت سلسلة المصلحين واحدا، وإن كنا ننظر للعدد فنتشجع ونندفع فإن النظر في الأجور المضاعفة والحسنات المتزايدة أولى بالنظر وأكثر تشجيعا ودفعا للحماس.

المصدر: https://alfajrmg.net/2015/11/18/%D9%86%D8%AD%D9%88-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك