من هي الفرقة النَّاجية في الإسلام؟

نزيه كوثراني

 

يمكن القول بأنَّها الفرقة الَّتي لا تعتقد إطلاقا أنَّها تشكّل فرقة أو طائفة، أو شيئا من هذا القبيل، لها ما يميّزها بنوع من المعيار التَّفاضلي: لغويًّا، عرقيًّا، دينيًّا، مذهبيًّا...

ولا تحتكم أو تسلم بأيّة معرفة متكوّنة جاهزة معطاة ولو كانت نصوصا مقدَّسة، أو علميَّة، بل لها الجرأة في محاورة ومساءلة كلّ شيء، بالشَّكّ والنَّقد والرَّفض والتَّأسيس للتَّجاوز، مع اعتبار أنَّ كلّ ما يمكن أن يقف في وجه الشَّكّ والتَّحليل والنَّقد، وأيضا في وجه العقل والخيال والاحتمال والجدل هو بشري قهري قمعي يستند إلى قوَّة السُّلطة أو سلطة القوَّة أو هما معا. كما أنَّها لا تقبل إطلاقا بأن تكون أداة للعنف الرَّمزي أو العسكري ولو كان ذلك من طرف نصوص قيل أنَّها من عند الله. فهي تجعل من أولويَّة وجودها، الانساني والمعرفي، الاجتماعي الثَّقافي، ضرورة حسم العلاقة مع إله سيج فعلا بشريًّا يدعو إلى قتل النَّاس باسم الدّين أو باسم نشر كلمته بالتَّرغيب صلحا وهو المضمر للدونيَّة والاحتقار أو بالعنف عنوة. بمعنى أنَّ الدّين الَّذي يسعى إلى نشر نفسه بالقتل والاستعمار، أوبالتَّمايز والعنصريَّة والطَّائفيَّة والاستئثار بالصَّواب والحقّ المطلق، هو دين مرتبط، في مصدر وجوده نصوصا، وممارسات بحكم سنة العادة الأقدس من المقدَّس، كلّ الارتباط بما هو بشري، أي بكلمة واحدة لا علاقة له بقوَّة مفارقة لعالم الانسان.

وهي الَّتي تعتقد أنَّها جزء متكامل ومتفاعل مع البشريَّة وتتقاسم معها الصّفة الإنسانيَّة في عيش الحريَّة مع الحلم بسيرورة الاكتمال الَّتي لا تعرف حدًّا ولا نهاية وتجعلها دائما محكومة بتكذيب نفسها باستمرار، وهي تنظر بلا تقديس ولا استثناء إلى كلّ ما تحقَّق وقيل في النُّصوص الدينيَّة، في التَّشريع والتَّنظيم والمسؤوليات والعلاقات والأدوار، على أنَّه مجرَّد محاولات وورشات مفتوحة النّهاية وغير صالحة لكلّ زمان ومكان، خاصَّة إن ظلَّت ثابتة مستقرَّة بحكم الجهل أو سبات العقل وعدائه، بما في ذلك القصور والنّقص المعرفي والاجتماعي الإنساني الَّذي يمكن أن تتضمَّنه تلك النُّصوص الدينيَّة المقدَّسة بما يمسّ قيمة وحريَّة الإنسان، أي إنسانيته. وأنَّ الدّين المقدَّس حقيقة هو الَّذي يعلي من قدسية التَّحويل والتَّعديل والتَّغيير في نوع من النّسخ الَّذي يجعل الأصل في الواقع الحيّ، أي في أسباب النُّزول الَّتي تستلزم تجدّد النُّزول بما يؤكّد حقًّا أنّ كلّ ما في الكون في تغيّر وصنع وخلق جديد. وبما يكذب أيضا الاعتقاد الخاطئ في عبادة الماضي المحدود بظروفه وشروطه التَّاريخيَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والدّينيَّة.

وهي الَّتي تنتصر لكلّ القيم الانسانيَّة في الحريَّة والكرامة والعدالة والمحبَّة والتَّسامح والأخوَّة والرَّحمة من منطلق المساواة بين الجميع، حيث لا وجود لإنسان كامل وآخر نصف إنسان، كما هو الشَّأن في شهادة المرأة وميراثها، مهما كانت أشكال الاختلاف العرقي واللُّغوي والقومي والدّيني والنَّوعي الاجتماعي، وبكلمة واضحة لا تؤمن إطلاقا بسمو وتعالي الذُّكورة وأنَّ هذه الأخيرة ليست الأصل في الانسان، إلى جانب أنَّها ترفض بشكل قاطع أبويَّة المجتمعات في استعباد وقهر النّساء، أو المسّ بكرامتهنَّ، وأنَّنا جميعا سواسية في الحقوق والواجبات. وأنَّ أي دين يرفض التَّكيّف مع صيرورة أسباب النُّزول الإنساني هو فعل بشري مهما حصِّن أو سيّج نفسه بالمقدَّس الإلهي، فلا شيء يبرّر في صيرورة وسيرورة الحياة عبادته للظّلم والحيف واللاَّمساواة والعنصريَّة والطَّائفيَّة والقتل في حقّ الإنسان.

إنَّها الَّتي تتقبّل بصدر رحب وبرغبة جامحة في عيش حريَّة القيمة الانسانيّة، في رفض حالات النّقص والقصور، إن لم نقل المساوئ الَّتي تتضمَّنها الأديان والدَّساتير الوضعيَّة، واضعة نصب عينيها التَّجدُّد والتَّحوُّل والتَّغيُّر الدَّائم، مع الجرأة على دفن بآلية النَّسخ الكثير من الأقوال والأفكار والنُّصوص والنَّظريات، والإتيان بما هو أحسن منها في كلّ ما يتعلَّق بحياة الإنسان في علاقته مع نفسه والآخرين والطَّبيعة...

هي الَّتي تستمدُّ قوَّتها من ذاتها كمنطق داخلي برهاني في التَّأسيس للحوار وتفاعل الحجَّة باعتماد أخلاق التَّواصل في السَّعي إلى بناء الحقائق المرحليَّة. تأخذ بمنهجيات التَّنوُّع والتَّعدُّد والاختلاف وهي تقترب من الإقناع وتبتعد عن الإخضاع الَّذي يدلّ على هشاشة المعتقد والاعتقاد وضعف الفكر الَّذي يبحث عن سنده ودعاماته خارجه باستعمال كلّ أنواع العنف والإرهاب في قهر النَّاس والتَّسلُّط عليهم. إنَّها لا تبحث عن أتباع في صورة جماعيَّة عصبيَّة مصابة بهلوسة أنَّها وحدها تمتلك الحقيقة المطلقة، كما هو الشَّأن اليوم بين السُّنَّة والشّيعة، وأنَّها على صراط مستقيم، وهي تحتكر الإيمان وتكفّر النَّاس كما لو كانت تبيع صكوك الغفران.

هي الَّتي ترى أنَّ الإيمان الدّيني الَّذي ينتصر للإنسان أين ما كان هو شأن فردي يتقوَّى بالاستقلال مهما كانت طبيعة المعتقد واختلفت الشَّعائر والطُّقوس. وأنَّه كلَّما صار الإيمان جماعيًّا تحوَّل إلى عصبيات وقطيع متماثل في المظاهر إلى حدّ التَّنميط، وامتنع عن قبول إعادة النَّظر وتغيير المنظور والأخذ بالمراجعة والنَّقد بما يفيد استرداد إنسانيته في حريَّته المفقودة أو المغتصبة، أي أن يعيش الردة دون قدح أخلاقي يمسّ حريَّة تغيير المعتقد الَّذي قد يعود بالإضافة والغنى على الجميع على مستوى تعميق الرُّؤية واتّساع الآفاق للإستثمار في المجهول بما يفيد الاستشراف المستقبلي كآلية لتشجيع البحث العلمي حتَّى في ما يسمَّى مقدَّس.

هي الَّتي لا تنظر إلى الإنسان انطلاقا من انتمائه الدّيني أو اللُّغوي أو العرقي... بل تأخذ بمبدأ المواطنة الَّذي يشمل الجميع، دون القبول بأيَّة إستثناءات مهما كانت المبرّرات، حتَّى لو كانوا من اللاَّجئين بشكل إختياري أو من المهجَّرين ظلما وعدوانا من طرف متسلّط داخلي أو محتلّ أجنبي.

كما أنَّها لا تخاف من الأصوات الجريئة الَّتي تعلي من شأن الحياة ولا تكترث بما سيقوله الموتى، لأنَّ الحاضر لا يخصُّهم، لهذا لا داعي لتحنيطهم في أعماقنا، بل من الرَّحمة عليهم أن نقوى على إعلان الحداد ونستعدّ لدفنهم فمكانهم المقبرة. كما فعلت الكثير من شعوب الأرض دون أن ينقص ذلك من قيمة الأشياء الجميلة الَّتي قام بها الأجداد. هذه سنة الحياة لا حقيقة نهائيَّة مطلقة، ولا شيء ثابت أو ناجز بصورة لا تقبل الإصلاح أو القطع الجذري، كلّ شيء في تغيّر مستمرّ، وفي سيرورة لا تنتهي...

المصدر: http://www.alawan.org/spip.php?page=article&id_article=15416

الأكثر مشاركة في الفيس بوك