التأصيل الشرعي للموقف من النصيرية

د. أحمد حوى

حديثي هذا ليس جديدا، وليس فيه تنازل أو مجاملة، وإنما هو تعبير عن فهم لحكم شرعي أراه تأصيلا في العلاقة مع الطائفة أو الطوائف عموما، وقد طرحته ولا زلت من بداية الدورات الشرعية التي عقدناها في ظل الثورة.

 

وقد رأيت أن الحوار في هذه القضية تجاوز مبدأ الحوار إلى التهكم والطعن في النوايا، وخرج عن بعض الأحكام التي أعتبرُها مسلمات.

ليست المشكلة في الحوار و إبداء وجهات النظر لكن المشكلة أن يجعل بعضهم رأيه ديناً وأن يلزم الجماعة به، ثم يسفه رأي الجماعة و منهجها.

وقبل أن أصل إلى ما أريد ألفتُ النظر إلى أنني لست هنا بصدد مناقشة الموقف العقدي من الطائفة، ولا الدور التاريخي لهذه الطائفة و أمثالها.

ولست بصدد تبرئة الطائفة من موقف إجمالي منحاز للنظام المجرم بقبولها أن تكون مطية للتوظيف السياسي لجهات إقليمية أو دولية تآمرت على الأمة ومشروعها، ولست بصدد تبرئة رموز الإجرام أو أكابر المجرمين، لكني بصدد بيان الموقف الشرعي الصحيح الذي تمليه النصوص والفهم الصحيح لها. والموقف الصحيح يحتاج إلى فهم صحيح للواقع وتكييف دقيق له.

وهنا ألفت النظر إلى أن معركتنا ليست طائفية بالمعنى الحرفي، فهناك طوائف أخرى لا نقاتلها، وهناك كثيرون من أبناء السنة شاركوا النظام في جرائمه بل أمعنوا في القتل و الإجرام.

وألفت النظر إلى توجيهات ربانية هي بمثابة قواعد مُحكمة في هذا الباب:

منها: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»

ومنها: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، ومنها: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» وهذه الآية مخصِّصة لقوله تعالى «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به»، ويشهد لهذا التخصيص نهيه عليه الصلاة والسلام عن قتل الصبي والمرأة والشيخ.

وهذا يوصلنــــا إلى أنــــه ليــس عندنـــــا شــــيء اسمـــه إبــــادة جماعيــــــة أو استئصــــــال.

والأهم أن نعلم أن صراعنا مع النظام هو نوع من الصراع أو القتال الداخلي، ومرده إلى الحرابة بمعنى أننا نقاتل هذا النظام ومن وقف معه لحرابتهم وعدوانهم، وهذه هي العلة في قتال هؤلاء بنص القرآن، فإن الله تعالى وضع لنا دستور التعامل مع غير المسلمين وجعلهم مسالمين أو محاربين، وأعطى لكل قِسمٍ حُكمَه، فلا يجوز الخلط بينهما، قال تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم…».

والآن ومع توالي انتصارات المجاهدين و تهاوي معسكرات النظام ماذا نفعل إذا سقط النظام؟ هل نعمم العقوبة ونأخذ الطائفة بجريرة مجرميها بغض النظر عن حجم هؤلاء و أعدادهم؟

يحاول البعض هنا أن يستشهد بما فعله النبي صلى الله عليه و سلم يوم بني قريظة، ويظن أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم العقوبة على هؤلاء، وهذا غير صحيح، فقد قتل النبي صلى الله عليه و سلم مقاتِلتَهم، و هذا أيضا ليس على عمومه، لأن المقصود هنا من كان من أهل القتال وشارك في الغدر فعلاً، بدليل أن بعض الروايات ذكرت أنه لم يقتل إلا من كان في الحصن عشية الغدر، فلم يقتل مزارعا أو تاجرا أو مسافرا أو راعيا من بني قريظة كان خارج الحصن وقت الغدر، و هذا يؤكد أن علة القتل و العقوبة هي المشاركة الفعلية في الغدر.

وبناء على كل ما سبق فإن شعارنا للمرحلة القادمة هو معاقبة المجرمين أيا كانوا وأيا كان انتماؤهم الطائفي أو العرقي، وليس إبادة الطائفة ولا استئصالها ولا تشريدها، والله أعلم.

المصدر: https://alfajrmg.net/2015/07/08/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B5%D9%8A%D9%...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك