الفكر الحر

فريق تحرير مجلة الفجر

 

احتدم الصراع السياسي والاستراتيجي، واختلط فيه المحلي بالدولي، فقد أعلنت “داعش” دولة سمتها خلافة إسلامية، وأعلن الغرب على لسان “مجلس الأمن” أن الدولة الإسلامية خطر على العالم، وجاء ذلك في إطار تشتعل فيه الصراعات الطائفية، وتختلط فيه حروب الأيديولوجيات مع صراعات الانتماءات الأقلية والقبلية.

في هذا الواقع المشتعل يحدث تداخل كبير في المواقف، وتقاطع بالمصالح، والجهات التي تشارك في هذا الواقع قد تجد نفسها في صف يصعب تمييزه، وقد يتحول اتجاه سيرها إلى مسار لا بد فيه من الخسائر، وقد تظهر فيه بعض المواقف السياسية المعلنة على أنها تحالفات مع أطراف لا تنتمي للأمة ولا تنصح المسلمين.

هذه مشكلة حقيقية في مجال المواقف السياسية والتحالفات مع الأطراف المختلفة على الأرض، فنحن نتحرك على واقع متحرك تتقارب فيه مواضع الأطراف المختلفة على الساحة السياسية، وفي المواقع الميداني على الأرض، بحيث يكون كل تحرك فيه ابتعاد عن طرف واقتراب من طرف آخر، ولا تكفي في وسط هذا الواقع بيانات إعلان الموقف الرسمي والسياسي، ولا يسهل في حالة هذا الصراع أو لا يمكن الانسحاب من الميدان.

 

لكن العمل في المجال السياسي في مثل هذا الواقع يمكن أن يكتسب قوة ومرونة إن ترافق مع الجهد الفكري الذي يواجه التحدي، ونحن ننادي في مثل هذا الوضع بفكر يرتقي لمرتبة الاجتهاد، ويعبر عن خصائص هذا الدين وقدرته على توجيه جهود معايشة العصر بلوازم التأصيل ومستندات العمل على علم، ويمد القادة بقوة العطاء والإنجاز، ويقطع عنهم مشاعر العجز والوهن.

ومن مواصفات هذا الفكر الذي يواجه هذا الواقع أن يكون فكراً متخصصاً يقدم فيه أصحاب كل تخصص إبداعهم، دون أن يجعلوا من تخصصاتهم حواجز تمنع تحول الفكر إلى إطار شامل للعمل.

ومن مواصفات هذا الفكر أن يكون فكراً يعمل ضمن خطة، أو حتى ضمن مؤسسة، لأن الأسئلة التي تواجهه مختلفة متباعدة، فمثلاً على هذا الفكر أن يوضح النظام الجنائي الإسلامي الأمثل، وأن يقدم حلولاً في إطار مفهوم “قضاء الضرورة”، وعلى هذا الفكر كذلك أن يستمر في بيان معالم دولة الإسلام المنشودة الملائمة لهذا العصر، كما عليه أن يسهم في تأصيل عمل المؤسسات الخدمية التنموية التي تعمل في الواقع الحالي الذي لا يمثل النظام الإسلامي الشامل.

إن الفكر الإسلامي الذي يمكن أن يتصف بهذه المواصفات لا بد أن يكون متصفاً بصفة رئيسية قبل كل ذلك، وهي أن يكون فكراً حراً، والفكر الحر في إطار الإسلام الذي نفهمه لا يقصد مخالفة الشرع، ولا يسعى لتجاوز الشريعة. إنه ناتج جهود مفكرين مسلمين، وهو معرض للنقد من مفكرين مسلمين كذلك. والحوار الفكري الناتج من هذه العملية يؤدي لإبداع وإثراء، المرجع في الحكم عليه بقبوله أو رفضه هو اتفاقه واختلافه مع نصوص الشرع، ومقاصد الشريعة.

إذا تمكن الفكر الإسلامي من مواجهة هذا التحدي، وإذا كان مرجعاً فاعلاً لسياسيين الإسلاميين، فستظهر المواقف السياسية متميزة بانتمائها للفكر الفاعل، وعندها سيكون من الممكن أن تظهر التغيرات في مواقف الحركات الإسلامية معبرة عن خصوصيتها، أكثر من تعبيرها عن تبعيتها للقوى المؤثرة في الساحة السياسية، وإن كانت الساحة مزدحمة بقوى كثيرة من أصدقاء وأعداء.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

 
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك