صعوبات الأوضاع العربية وانسداداتها

الدكتور رضوان السيد

 

أعلنت فرنسا عن تأجيل المؤتمر الدولي الذي خطّطت لإقامته من أجل فلسطين إلى مطلع شهر يونيو القادم. وما أعلنت فرنسا عن أسباب التأجيل، وإنما كان واضحاً أنّ السبب يعود لامتناع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن الحضور، كما صرّح بذلك مراراً. وقد قيل إنّ  الأميركيين أيضاً ليسوا متحمسين لعقد المؤتمر المذكور لسببين: الأول عدم إغضاب إسرائيل. والثاني أنهم لا يريدون أن تلعب فرنسا الدورَ الذي احتكروه لأنفسهم منذ عقود. وكانت الدول العربية قد رحّبت بالمؤتمر، ووافقت عبر الجامعة العربية على حضوره. أما الصحافيون الدوليون فيستبعدون أن ينعقد المؤتمر، لأنّ أحداً لا يستطيع الضغط على إسرائيل باستثناء الولايات المتحدة. وقد أعلن جون كيري وزير الخارجية الأميركية أخيراً أنه سيحضر المؤتمر الذي ينعقد في 3 نونيو 2016.

وإذا كانت إسرائيل طرفاً رئيسياً في القضية الفلسطينية؛ فإنّ القضايا الأُخرى كلها عربية بحتة. وأقصد بها قضايا الحلول التفاوضية في كلٍ من العراق وليبيا وسورية واليمن. ففي العراق تشتعل الأزمة السياسية وتتفاعل بعد أن انتقل الصراع إلى داخل التحالفات الشيعية. فقد خضع رئيس الوزراء العراقي لضغوطات المتظاهرين الصدريين، واقترح حكومة تكنوقراط من خارج نظام المحاصصة السائد منذ العام 2003. وقد أثار ذلك بالطبع حفيظة المالكي ثم الفرقاء الشيعة الآخرين. وهذا فضلاً عن انسحاب الأكراد، وتضاؤل النفوذ السياسي السني إلى حدود الانعدام. والطريف أنّ الإيرانيين المتحكمين بمفاصل المشهد، أخذوا مقتدى الصدر لعندهم، ويُصرُّون على العودة إلى نظام المحاصصة، الذي أمّن لهم التحكم بالمشهد طوال حقبة المالكي (8 سنوات). وقد ينجح البرلمان العراقي بالانعقاد لتُعْرضَ الحكومةُ الجديدة عليه، لكنّ المشروع برمّته ربما يكون قد أُجهض لأنّ إيران لا توافق عليه!

وقد بدا لأول وهلةٍ بعد اتفاق الصخيرات وظهور حكومة السرّاج الليبية، أنّ المشهد يتجه للانفراج بدعمٍ دوليٍ واضح. بيد أنّ عودة الصراع بين غرب ليبيا وشرقها، يجعل من شبه المستحيل أن تستطيع حكومة السراج الإقلاع، بعد ظهور إجماعٍ في الشرق الليبي ضدّها، وهذا فضلاً عن عدم ثبات أقدامها بالغرب الليبي على أي حال، ما دامت الميليشيات موجودةً في كل مكان. ويحاول الطرفان إثبات جدارتهما بالإعلان عن العزم على مقاتلة داعش وإخراجه من سِرْت. وما أمكن لأيٍ منهما حتى الآن إثبات فعاليته في مواجهة داعش. فالمشكلة مشكلتان إذا صحَّ التعبير: مشكلة داعش التي تتفاقم، دون أن يتمكن أيٌّ من الطرفين على مواجهته، والانقسام العميق بين الغرب الليبي، والشرق الليبي، حيث تسيطر في كل جهة فئاتٌ صارت لها مصالحها التي لا يمكن تخطّها.

والمشكلة السورية أكبر بالفعل من كل الأزمات العربية بالمنطقة. ففي حين يعلن دي مستوراعن تفاؤله بإمكان العودة إلى جنيف قريباً لمتابعة التفاوض على الحل الانتقالي، يظلُّ الطرفان: الحكومة السورية وخصومها، يتحركون عسكرياً على الأرض في حلب وجوارها، وفي جوار دمشق. ومن وراء الطرفين قوىً إقليمية ودولية، لا تقبل بالحلّ إلاّ إذا تيقنت أنه سيكون لصالحها. والمقصود بذلك إيران وروسيا إلى جانب النظام، وتركيا والسعودية وقطر إلى جانب الثوار. الإيرانيون شديدو المرارة بعد الخسائر التي نزلت بهم بحلب، وأنهم لا يستطيعون التحرك إلاّ بموافقة الروس وعملهم. ولذا فإنه عندما اجتمع الدوليون الداعمون للحل، ما كانت النتيجة غير الإصرار على إدخال المساعدات الغذائية والطبية للمحاصَرين. وهذا فضلاً عن تزعزع وقف إطلاق النار في عدة جهات، رغم موافقة الجميع ظاهراً عليه.

والمفاوضات حول اليمن، الدائرة بالكويت منذ قرابة الشهر، ما حققت أيَّ تقدمٍ وجرت نقاشاتٌ تكاد تتطابق مع ما كان عليه الأمر في اللقاءين الدوليين السابقين، ولقاء القوى المحلية أو بعضها بين عُمان وجنيف. ورغم توقف القصف الجوي من جانب قوى التحالف العربي؛ فإنّ الحلَّ باليمن لا يبدو أنه يملك أفقاً معتبراً.

ما معنى هذا كله؟ معناه أمران أو ثلاثة؛ الأول أنه لا يتحرك أحدٌ لمحاولة صنع الحلول المُعيدة للاستقرار غير دول مجلس التعاوُن الخليجي. والثاني أنه في كل هذه البلدان- حتى في فلسطين- ظهرت جماعاتٌ وفئاتٌ خلال السنوات الماضية نمتْ لها مصالح ليست مستعدةً للتخلّي عنها أو عن بعضها. والثالث أنّ الدوليين منقسمون إزاء كل هذه المشاكل، رغم صدور قرارات من مجلس الأمن بشأنها.

فإذا لم تكن الآفاق مسدودة بالمطلق، فالذي يدركه الجميع أنه وفي ظل هذه الظروف؛ فإنّ الحلول تبقى صعبةً جداً!

جريدة الاتحاد في صفحة وجهات نظر يوم الأحد 22/5/2016

المصدر: http://www.ridwanalsayyid.com/ContentPage.aspx?id=2826#.V1bwhdUrLIU

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك