العقد السياسي بين علماء الإسلام وعلماء الغرب

جمعة محمد لهيب

1

لقد خاض المسلمون قديما بموضع الفكر السياسي وتأصيله، واتبع كل عالم منهجا معينا بهذا الباب، فمنهم من دخله متأثرا بالفكر اليوناني حيث حاولوا التوفيق بينه وبين الأصول الإسلامية، كالفارابي والكندي وابن سينا رحمهم الله.

ومنهم من ولجه نفاقا وتقية للسلاطين كابن المقفع 142هـ، بكتابه (الأدب الأكبر) والطرطوشي 520هـ بكتابه (سراج الملوك) الذي راح في الباب الخامس عشرة منه إلى القول: «إن من إجلال الله إجلال السلطان عادلا كان أو جائرا»!

وبحسب ما بينه الدكتور محمد طه بدوي بكتابه (شرعية الثورة في الفلسفة الإسلامية) فقد أمعن أبو بكر الطرطوشي بالمداراة والنفاق للحكام حين قال بنفس الكتاب: «إذا جار عليك السلطان فعليك الصبر وعليه الوزر» أي تحريم مقاومة الحاكم الجائر بأي شكل كان.

وكما أن هناك علماءً مثّلوا أصالة الفكر السياسي الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة، والذين كان منهم التابعين للمنهج الاستنباطي ومنهم التابعين للمنهج الاستقرائي ومنهم التابعين للمنهج التجريبي كما فصّل ذلك الدكتور عادل ثابت بكتابه الماتع (الفكر السياسي الإسلامي).

ما يهمنا الآن هو القسم الأخير من العلماء المسلمين الذين اتبعوا المنهج الاستنباطي وكان محور منظومتهم الفكرية «العقد السياسي» أي أن العلاقة القائمة بين السلطة والأفراد علاقة قائمة على «عقد».

ويأتي كل من الإمام الماوردي والإمام الجويني رحمهما الله في مقدمة المفكرين المسلمين الذين شكلت فكرة العقد السياسي جوهر منظومتهم الفكرية ومن بعدهما عالة عليهما، كما يأتي كل من «هوبز» و «لوك» و «روسو» في مقدمة فلاسفة الغرب الحديث الذين شكلت أيضا هذه الفكرة جوهر فكرهم السياسي.

العقد السياسي عند العلماء المسلمين:

ذكرت الإمام أبو الحسن الماوردي 450هـ صاحب التواليف التي منها (نصيحة الملوك ) و (التحفة الملوكية في الآداب السياسية )و (الأحكام السلطانية) وهو ما يهمنا بهذا الباب، حيث أورد فيه تصوره عن العقد السياسي.

وذكرت الإمام عبد الملك الجويني 478هـ الملقب بإمام الحرمين وكان له مؤلفات كثيرة في أصول الفقه وغيرها، ولكن الذي يهمنا بهذا الباب كتابه (غياث الأمم في التياث الظلم) حيث إنه قد خصص جانبا كبيرا من الكتاب للفقه السياسي وأورد تصوره المستند للكتاب والسنة عن فكرة العقد السياسي.

وقد اتفقا على أن نشأة السلطة تكون نشأة تعاقدية أي برضا المحكومين، وأن الصورة المنشئة لهذا العقد هي (البيعة) وبموجب هذا العقد تكون السلطة مقيدة بواجبات معينة فإن خرج عنها القائمون على السلطة كان للعاقدين حق فسخ العقد والخروج عليهم.

ولا يختلف الإمامان إلا في اسلوب عرض فكرة العقد، حيث يذكر الماوردي حول المسألة عدة آراء -كما بموضوع الإمامة- ولا يرجح بينها وإن كان ميله معروفا، بعكس الجويني الذي يذكر رأيه صراحة كما في المسائل المتعلقة بالإمامة أيضا.

ويذكر الماوردي بأحكامه تصوره التعاقدي لنشأة السلطة فيقول: «فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته، فإذا تعين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت ببيعتهم له الإمامة فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته – باعتبار أن أهل الحل والعقد يمثلون الأمة بمختلف طبقاتها – وإن امتنع من الإمامة ولم يُجب إليها لم يُجبر عليها لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار وعُدل عنه إلى من سواه من مستحقيها» أ.هـ الأحكام السلطانية.

ثم ذكر ما يلزم الحاكم من واجبات من اقامة الدين وتدبير مصالح المحكومين، كما ذكر واجبات الأمة في حال حسن سير الحاكم كما وحال تغير حاله بجرح في دينه أو نقص في بدنه.

وكان برأيي أول من تكلم عن المعارضة السياسية في الفصل الثاني من الباب الخامس من كتابه والمعنون بـ «قتال أهل البغي» حيث أنه لم يُجز استخدام العنف مع المعارضة إلا إذا استفحل أمر الفتنة وغدت هدّامة تعمل على تقويض كيان الجماعة وتهديد وحدتها، فللمعارضة أن تتخذ من الوسائل ما تشاء مالم تصل لدرجة شق عصا الطاعة وتهديد وحدة الأمة.

وقد أجاد الإمام الجويني في الباب الخامس من غياثه: (الطوارئ التي توجب الخلع والانخلاع) في عرض الشروط المرعية لخلع الحاكم بتفصيل دقيق جدا.

وللدكتور محمد ضياء الدين الريّس بكتابه (النظريات السياسية الإسلامية) بالفصل السادس منه كلاما قيما جمع شتات الأمر بقضية العقد السياسي تقريبا، فيما عدا أنه غفل عن ذكر المدارس والمذاهب والعلماء بالتفصيل، حيث ذكر إجماع الأمة الإسلامية ماعدا الشيعة إلى أن طريق ثبوت الإمامة هو الاختيار ونقل مقولة اشتهرت على ألسن فقهاء السياسة الإسلامية « إن الإمامة عقد».

ودلل لمسألة مهمة حين قارن بين فلاسفة الغرب والمسلمين أن الغربيين بنوا عقدهم السياسي على حالة افتراضية سيأتي الكلام عنها لاحقا بالتفصيل بمقالات قادمة بإذن الله، أما المسلمون فقد بنوا عقدهم السياسي على واقع وتاريخ ثابت وهو عصر الخلافة الأول، يوم كان الدين كما وصف أمير الشعراء أحمد شوقي:

والدين يُسرٌ والخلافة بيعة … والأمر شورى والحقوق قضاء

ومن هنا أبطل القائلون بالعقد السياسي (العقد الإكراهي) حيث جعلوا العقد السياسي السليم هو الأول والأصل الذي يرتكز عليه باقي العقود وهو دعامة النظام السياسي الإسلامي.

وبعد أن عرّف البيعة يقول الدكتور عبد الرحمن خليفة بكتابه (في علم السياسة الإسلامي) أن « البيعة عقد سياسي كامل الأركان».

كما وينقل كلاما للشيخ محمود فياض أن البيعة ليس فيها أفراد تنازلوا عن شيء من حرياتهم وسلطانهم وإنما لدينا أمة مكلفة وكلت عنها بعض أفرادها لرعاية مصالحها وليس في الوكالة تمليك ولا مظنة تمليك،

ولهذا كان أطراف العقد السياسي (الأمة) أو من يمثلها من جهة، و(الحاكم) من جهة أخرى، وكان لانتخاب الحاكم في تصور مفكري العقد السياسي في الإسلام مرحلتين:

مرحلة انتخاب أهل الحل والعقد من قبل جمهور الناس وبشروط معينة أسال فيها القريحة الإمام الماوردي بأحكامه وأجاد الضبط وإن كان لم يذكر أن أهل الحل والعقد يتم انتخابهم وتغافل عن ذلك، وبالمرحلة الثانية يقوم فيها أهل الحل والعقد باختيار الحاكم، ويكونون مسؤولين عن إتمام العقد ونفاذه وهم في ذلك كله نواب عن الأمة.

ومما يؤكده العلماء المسلمون أن الحاكم ليس معصوما ولا شبه معصوم ولا مقدس ولا منزه كما أنه ليس من حقه الاستئثار بتفسير النصوص،

يذكر المرحوم محمد عبده بكتابه (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) ما نصه: «الخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم، ولا هو مهبط الوحي، ولا من حفه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة وهو على هذا لا يخصه الدين بميزة في فهم الكتاب والعلم بالأحكام يرتفع به إلى منزلة خاصة، بل هو وسائر طلاب العلم سواء، إنما يتفاضلون بصفاء العقل وكثرة الإصابة في الحكم».

وبالنسبة لضمانة هذا العقد عند العلماء المسلمين تكون بحق المقاومة والخروج عن الحاكم الذي يُخل بالعقد، حيث إنه لا طاعة في معصية، كما أن الحاكم متى ما ظهر منه الكفر البواح فلا سمع ولا طاعة له إلا بعقد جديد، وبحسب الدكتورة نادية محمد عياد بكتابها (بين الحاكم والرعية في ضوء القرآن والسنة) أن العلماء المسلمين لا يُجيزون الخروج بالسلاح على الحاكم الجائر والمخل بالعقد إلا إن تحققوا من النصر على أن الأمر متروك للأمة حينها تُقدر الاستطاعة لذلك أو عدم الاستطاعة.

المصدر: https://alfajrmg.net/2013/10/16/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9...

2

العقد السياسي عند الغربيين ابتدأ كفكرة مدنية عاصرت الفقه الكنسي في كتابات العصر الوسيط في أوربا، حيث إن كل مملكة في أوربا كانت تتمتع باستقلال ذاتي ويربطها عقد ضمني بين الملك والجماعات الداخلة في المملكة كما ألمح إليه الدكتور محمد طه بدوي بكتابه شرعية الثورة في الفلسفة السياسية وقد خرجت تدريجياً فكرة (العقد السياسي) من الضمنية في القرن الرابع عشر لتصبح نظرية جديدة تتلخص في أن الملك يقوم بمباشرة السلطة بمقتضى عقد يبرم بينه وبين الأفراد على اعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة تلك وصاحبها في بادئ الأمر، ثم يمنح الملك مباشرتها مع الاحتفاظ لنفسه بحق نقلها لملك آخر.

وفي مقدمة المفكرين الغربيين بذلك العصر (مارسيل دي بادو) بكتابه (حامي السلام le Defensor Pacis) عام 1324م حيث ذكر أن «الشعب هو صاحب السيادة وهو مصدر السلطة المدنية وله حق مراقبة هذه السلطة بعد قيامها» .

وشاعت فكرة العقد السياسي في القرن السادس عشر في أوربا خاصة في كتابات البروتستانت الذين هاجموا جور الملوك على أسس فلسفية، وذلك على إثر الاضطهاد الذي لحق بهم، كما في فرنسا بعهد شارل التاسع في سنة 1572م حيث وقعت مذبحة (سان برتليمى) ومن أبرز المفكرين وقتها ( تيودور دي بيز) خليفة (كالفن) بمؤلفه (حق الحكام على رعاياهم) الذي شرط لقيام الثورة على الملوك شعور الأغلبية بالجور وليس الأفراد.

وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر -أي بالعصر الحديث- كان الملوك في أوربا أصحاب سلطة مطلقة قد وصلت لقِمتها فكانت ظاهرة الاستبداد السياسي متجسدة بالملوك حتى جاء الفلاسفة (توماس هوبز) و(لوك) و(روسو) الذين عرضوا ونشروا فكرة العقد السياسي وفصلوها وقعّدوا لها وتأثر بفلسفتهم الغرب ومفكروه، بل والشرق أيضاً حتى يومنا هذا.

مختصر كلام هوبز ولوك وروسو بالعقد السياسي:

أما الفيلسوف الإنجليزي (توماس هوبز Thomas Hobbes) (1588-1679م) الذي عاصر الخلافات الدينية بين البروتستانت والكاثوليك كما عاصر الصراع السياسي بين البرلمان والملك، فقد عرض لفلسفته السياسية في كتابه ( اللوباثان leviathan) والملاحظ أنه بفلسفته قد أيد الحكم المطلق واعتبر القوة أساس شرعية الحكم، كما كان من المدافعين جداً عن قبول الحاكم المتغلب بالقوة، و(اللوباثان) مصطلح عبري يعني التنين أو كائن قوي خارق جداً. وكان تلميح هوبز أن الدولة هي اللوباثان، وذلك نجده في مقدمة كتابه حين ذكر أن أصل اللوباثان أو الكائن الصناعي الضخم هو: الإله المخلوق الذي يكفل السلام والأمن بفضل قوته , وما نشأ له بمقتضى العقد من حق تمثيل كل عضو من أعضاء المجتمع فهو بفضل ذلك التمثيل يتسلح بقوة يرهب بها خالقيه جميعاً فيوجه إرادتهم نحو السلام في الداخل ونحو الاتحاد لمواجهة الأعداء في الخارج.

وافترض هوبز بالفصل الثالث عشر من مؤلفه أن الإنسان كان بحالة سماها (الحالة الطبيعية) وهي التي لم يعرف الإنسان فيها السياسة وهي حالة تساوي بالقوة بين الأفراد كما افترض أن كل فرد عدو للفرد الآخر مما يدفع كل واحد منهم القضاء على الآخر بسبب عدم وجود قوة رادعة للجميع. ويعرض هوبز بالفصل الرابع عشر رؤيته لحل هذا النزاع والذي يكمن بإنتقال الأفراد للحالة الطبيعية الثانية حيث يتنازل الأفراد عن كل حقوقهم الطبيعية طواعية لكي يحافظوا على حياتهم من ناحية ويصلوا للسلام من ناحية أخرى حيث إن هذين الدافعين هما سبب العداء بين الأفراد بالحالة الطبيعية كما افترض ذلك. وهنا يخلص إلى أن أفضل أشكال الحكومات هي الحكومة الملكية المطلقة لأنها الوحيدة القادرة على تحقيق الأمن والسلام فإن عجزت الحكومة تلك عن مهمتها أو ضعفت كان رجوع الناس للحالة الطبيعية الأولى.

أما الفيلسوف الإنكليزي (جون لوك JOHN LOCKE) (1632-1704م) الذي نشأ ضمن أسرة مؤيدة للبرلمان فقد كان له مؤلفات كثيرة، يهمنا منها كتابه : (مقالتان في الحكومة المدنية) حيث تناول في المقالة الأولى رده على نظرية الحق الإلهي للملوك في الحكم وفي المقالة الثانية – وهي ما تهمنا- تناول نشأة المجتمع السياسي والسلطة السياسية ووجودها وغاياتها، وتكلم فيها عن نظريته بالعقد السياسي.

رفض لوك نظام الملكية المطلقة، ورفض كون (القوة) المرتكز الرئيس للحكومة، لأن البشر لا يتبعون سياسة الغابة حيث الغلبة للأقوى وإلا ستكون الفوضى الدائمة، وحاول لوك الكشف عن أصل جديد للسلطة السياسية، وهي «الحالة الطبيعية الأولى» للأفراد، لكنه لم ير كما افترض هوبز أن العداء سمة الحالة الأولى بل هي حالة الحرية والمساواة، وبذلك تكون الحالة الطبيعية الأولى حالة (الخير) عند لوك.

لكنه لم ير أن (الحرية الكاملة) و(المساواة) في الحالة الطبيعية لا قيد عليهما , بل العقل السليم هو القيد من خلال عقوبات يجيزها تتناسب مع الخطأ وتهدف لإصلاحه والوقاية منه .

ويذكر لوك أن الناس تنتقل من الحالة الطبيعية لحالة المجتمع لأن الحالة الأولى لا تكفل لهم التمتع بحقوقهم الطبيعية لشروط ثلاثة افترضها :

الأول: افتقادها لقانون متوافق عليه يميز بين الخير والشر.

الثاني: افتقادها لقضاة موضوعين يفصلون في المنازعات.

الثالث: افتقادها لسلطة تتمتع بإكراه مادي وتكون قادرة على تنفيذ أحكام القضاة.

وفي الفصل الثامن من مقالته يذكر لوك أن البشر بالطبيعة أحرار ومتساوون ومستقلون، فلا يمكن أن يخضعوا لسلطة ما إلا برضاهم والطريقة الوحيدة التي يتنازل بها الأفراد عن حريتهم ويتحملون التزامات المجتمع السياسي تتمثل في إجراء عقد مع الآخرين ليحموا أنفسهم ويعيشوا بأمن وسلام ويأمنوا ممن يريد بهم الشر، وتبقى حقوقهم الطبيعية قائمة بعد نشأة المجتمع عن طريق العقد، ويستطيعون بعد أن يتحدوا من خلال هذا العمل الإرادي (العقد) إقامة شكل الحكم الذي يريدون. وهنا تنتقل سلطات الفرد الطبيعية إلى المجتمع لتنشأ سلطتان، واحدة لعمل القوانين وأخرى لتنفيذها.

ويعرض لوك السؤال: أيهما أفضل للبشرية، أن يكون الأفراد معرضين دائما لإرادة طاغية لاحدود لها, أم أن يكون الحكام أحياناً معرضين لمقاومة ومواجهة الأفراد عندما يسيئون استخدام السلطة في انتهاك ملكيتهم بدلاً من صيانتها ؟ والإجابة من قبل لوك : الأفضل إعطاء الأفراد حق مقاومة الحكومات التي تجور على ملكياتهم. ومما يلاحظ أن فلسفة لوك هذه جاءت تبريراً فلسفيا لثورة البرلمان على الملك عام 1688م.

أما الفيلسوف الفرنسي (جان جاك روسو Jean Jacgues Rousseau ) (1712-1778) فإن المطلع على سيرته يرى أنه ذو فكر مضطرب, فبينما يحمل على المجتمع وتقاليده كما في كتابه (أصل التفاوت) الذي نشره عام 1755م يقدس الجماعة ويسودها كما في كتابه (العقد الاجتماعي) الذي نشر عام 1762م.

وما يهمنا من فكره هو كتابه الأخير (العقد الاجتماعي) (DU CONTRAL OU PRINCIPES DU DROIT POLITIGUES) هذا المؤلف تضمن أربعة كتب عالج في الأول منها العقد الاجتماعي والثاني حقوق السيادة وحدودها والثالث دراسة عامة للحكومة وأشكالها والرابع معالجة بعض الجوانب المعينة بالحكومة.

الملاحظ أن روسو لا تتسم أفكاره بالأصالة بل إنه بنى أفكاره تقريبا على فلسفة (لوك) وانتقاده لها، كما بيّن الدكتور حورية توفيق.

في تصوره لمفهوم العقد السياسي انطلق روسو من افتراض عقلي، وهو أن الأفراد في «الحالة الطبيعية الأولى» قد توصلوا إلى نقطة مفادها أن هذه الحالة التي لا تعرف السياسة والمجتمع ستفني البشرية لو استمرت وهنا كان (العقد الاجتماعي) حلاً يراه كل فرد لحماية ممتلكاته، حيث يتحد الفرد بالكل وبنفس الوقت لا يخضع الفرد إلا لنفسه ليبقى حراً كما كان من قبل. والفرد إذ يعطي نفسه للكل بمقتضى هذا العقد لا يعطيها في الواقع لأحد فكل فرد يضع نفسه وكل ما أوتي من قوة مشتركة تحت إدارة (الإرادة العامة)، فيلتقون بهيئتهم تلك على أساس أن كل عضو جزء من كل لا يتجزأ فالسلطة بحسب روسو غير مشخصة في فرد معين فيتمتع الفرد في إطارها بحريته ويتولد عن العقد شخص معنوي وجماعي هو (الكل).

سيادة هذا الشخص المعنوي (الدولة) عند روسو غير قابلة للتصرف ولا للتجزئة فلا يمكن أبداً أن يمثل مجموعة من البرلمانيين كل الشعب وهنا رفض روسو فكرة (التمثيل) وأبدلها بـ (التفويض) أو (التوكيل)، فالبرلمان يقر القوانين والشعب بعد ذلك يرفضها أو يعدلها أو يقبلها .

وعند روسو أن (الكل) أي الأفراد والإرادة العامة ينبثق عنهم مؤسسات كثيرة, وهذا (الكل) أعضاؤه مجتمعون (الشعب) ومتفرقون أيضاً (المواطنون)، ثم يأتي الشعب ليوكل عنه (الحكومة) والتي ليست طرفاً بالعقد , بل مجرد وسيط بين الشعب والمواطنين ومن حق الشعب عزل هذا الوسيط متى ما شاء ولهذا يرى الدكتور محمد طه البدوي أن عقد لوك يصلح أساسا للفلسفة الشمولية وإن كان يسعى لمجتمع حر فردي النزعة .

وهكذا يلتقي المفكرون الثلاثة على رد نشأة المجتمع السياسي إلى عقد (اتفاق)، ومن ثم رد نشأة المجتمع إلى إرادة أفراده واختلفوا في مضمون وضمانات عقدهم السياسي إلى الحد الذي يصح معه القول بأن أهدافهم جاءت متناقضة. فـ(هوبز) استخدم فكرة العقد السياسي كسند عقلي لتأييد السلطة الملكية المطلقة. و(لوك) استهدف الإقناع بأن الأصل في السلطة السياسية أنها مقيدة فأرسى بذلك حجر الأساس في فلسفة الدولة الغربية الفردية النزعة بملامحها المعاصرة. أما (روسو) فقد استند في فلسفته الفردية النزعة لتقديم فلسفة مناهضة لكل من سلفيه.

كان هذا ملخص موجز عرضت فيه أهم مفاهيم فكرة العقد السياسي عند كبار ومراجع فلاسفة الغرب, وأعتذر إن كان هناك قفزات فكرية لضرورة حبكة المقال، ولأن هذا المقال مخاطب به فئة من القراء، وربما تمل عين معظم القارئين متابعته، ولا بد أن نأتي على مقارنة سريعة ومقابلة لمضمون وضمانات وغايات فكرة (العقد السياسي) بين مفكرينا وبين مفكري الغرب الحديث لتوضح الصورة أكثر، ويتبين لنا قوة ثقافتنا وتراثنا الفلسفي والسياسي والفكري الحضاري البشري وذلك يحتاج لمقال آخر وأخير بإذن الله.

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك