حسن اختيار القائد

نظرات في قصة طالوت

د. عامر منير غضبان

الآية التي ذكر فيها كيف تم اختيار القائد في قصة طالوت هي قوله تعالى:

(وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم)

كان اختيار القائد في هذه القصة من خلال العلم النبوي الذي بلغه النبي عليه السلام للمجتمع، فعلم الناس أن هذا القائد اختاره الله تعالى، وبعد المجادلة في حكمة الاختيار أقر المجتمع لطالوت بالملك، وقاد طالوت هذا المجتمع للنصر بالقصة التي نعرفها.

ونحن في عصر ختمت فيه النبوات، ويبقى علينا الاجتهاد في التعرف إلى القائد الصالح واختياره والالتزام معه، وسنحاول في هذا المقال التعرف إلى بعض المعالم الأساسية في هذه العملية.

1) المجتمع في قصة طالوت كان مجتمعا مهدداً، والتحديات التي مر بها أشعرته بحاجته لتغيير واقعه والنصر على ضعفه الداخلي وعدوه الخارجي. لكن هذا الشعور الجمعي لم يكن لوحده كافياً لتشخيص مشكلات المجتمع، ولم يكن المجتمع بتلك المرحلة قد غير في قيمه ومعاييره التغير الكافي ليتمكن من اختيار القائد المناسب، فظهرت التساؤلات التي عبرت عن الاستغراب من هذا الاختيار.

وفي كثير من الأحيان يفشل المجتمع في اختيار قائده وتحقيقه نهضته لأنه لم يبحث في ضوء المشعل المناسب، ولم يضع الصفات الملائمة للواقع والمرحلة.

2) النصر الذي تحقق لقوم طالوت لم يكن فقط بقدرات القائد المتميزة، إنما بالالتزام من قبل المجتمع، أو الفئة الثابتة منه، وهذا يشير إلى أنه قد يظهر قادة مؤهلون، لا ينالون الإقرار والإجماع والالتزام من أقوامهم، فلا يكمل القائد تجربته ولا يحقق النصر في معركته.

ولعل هذا يؤيد النظرية التي تعتبر العلاقة السليمة بين المجتمع والقائد علاقة تعاقدية، والنهضة المنشودة في المجتمع تتم بالوفاء بالتعاقد بين مجتمع أحسن اختيار قائده، وقائد ناصح لأمته، صادق في إرادة إصلاحها ونصرها.

3) عندما يلاحظ المجتمع ضعف قدراته في مواجهة التحديات، أو عندما يكتشف خطأ اختياره للقائد، يصبح عليه مراجعة تجربته ومحاولة التوصل للنظام القيمي الملائم، أو تفعيل القيم من خلال آليات عملية ملائمة، فالخطأ قد يكون بسبب غياب القيم المناسبة للمجتمع وواقعه، أو غياب الآليات العملية التي تختبر فيها هذه القيم على أرض الواقع.

4) الصفات التي يجب أن نبحث عنها في القائد كثيرة، وتختلف من حالة لأخرى، لكن الآية ذكرت عن طالوت أن الله اصطفاه في (العلم والجسم)، وأحسب أن هذا يدلنا أن صفات القائد الصالح مهما كثرت واختلفت لا بد أن تلحق بإحدى فتئين، هما «المعرفة» و»القوة»، ويشير إلى هذا أيضا قول يوسف عليه السلام حين رشح نفسه ليكون على خزائن الأرض (إني حفيظ عليم).

ختاماً، ومجتمعنا يعيش تجارب إفراز قادته وزعمائه في ظل تراجع تأثير الدولة المستبدة الشمولية، تظهر أمامنا مشكلة القيادة مشكلة جوهرية، يحتاج مجتمعنا أن يتخلص فيها من نموذج «القائد الخارق الملهم»، كما يحتاج أن يتجنب الوقوع في فخ القبول بقائد جاهل أو عاجز (عديم المعرفة، أو ضعيف القوة)، ليقطع معه هذه المرحلة فقط، على اعتبار أنها مرحلة مؤقتة، فنحن في هذه المرحلة نعيد فهم أنفسنا، وبناء ثقافتنا، وتشكيل واقعنا، ونصنع تاريخنا. والله هو الموفق، وما النصر إلا من عند الله.

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك