التطوير الإداري للأفراد ضمانة تغيير الواقع

أ. د. محمد المحمدي: التطوير الإداري للأفراد ضمانة تغيير الواقع

بقلم الكاتب: سالي مشالي
التقدم والانطلاق إلى الأمام هو حلم كل إنسان وكل مجتمع ودولة، وهذا التقدم يحتاج إلى خطط وآليات لتحقيقه، ويُعتبر علم الإدارة من أهم العلوم التي ترسم لكل إنسان أو مؤسسة أو مجتمع خط السير الصحيح من أجل تحقيق خططه وأهدافه، والدكتور محمد المحمدي الماضي، قد تميز في هذا العلم منذ تخرجه في كلية تجارة جامعة القاهرة سنة 1976، ثم حصوله على الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1989، وقام بالتدريس في عدد من الجامعات بالدول العربية، كما أنه قام بوضع خطط التطوير الإداري لمنظمات وشركات عالمية، وقد حصل على جائزة الجامعة التقديرية في العلوم الاجتماعية والإنسانية فرع العلوم الإدارية.

في البداية هل ترى أن علم الإدارة هو علم موجه لكل الأشخاص أم أن دراسته وتطبيقه قاصر على العلماء والقيادات المختصة؟

ـ أبسط وجه من وجوه الإدارة في حياة كل منا هو إدارة الإنسان لذاته ولحياته، وبالرغم من أن بعض الناس ينجح في إدارة ذاته بشكل جيد دون أن يدرس علم الإدارة، إلا أن هذا الشخص ذاته سيكون أكثر نجاحاً وتميزاً لو أنه ادار حياته وفق مناهج علمية، وكانت دراسته لهذا العلم ستوفر عليه كثيراً من التجربة والخطأ والمحاولة حتى يحقق ما حققه، كما أن البعض تكون إمكاناته عالية ويدمرها بجهله للإدارة، وآخرون ذوي إمكانات محدودة يحققون نجاحات مُرضية بالتخطيط والتدرج.

هل يعني هذا أن كل إنسان ينبغي عليه دراسة علم الإدارة أياً كان تخصصه أو مجاله؟

ـ بل إن كل طفل ينبغي أن تتم تربيته على أساس الأسس العلمية لعلم الإدارة، فكل طفل ينبغي أن يتم تدريبه على التخطيط والتنظيم ووضع الأهداف وإتخاذ القرار وتحديد الأولويات والاختيار بين البدائل والعمل من خلال فريق والثقة بالآخرين وتحمل المسؤولية والتفويض، حتى ألعاب الأطفال تحتمل أن تُنمى فيها كل هذه المهارات في شكل لعب وأسلوب حياة يومي، وليس نظريات ومسائل علمية.

وكيف يمكن أن يقوم الكبار بتربية الصغار على هذه المعاني؟

ـ في الواقع أن المشكلة الأكثر تعقيداً هي أين نجد في عالمنا العربي الكبار الذين يملكون هذه المهارات فضلاً عن أن ينقلوها لغيرهم؟ للأسف لم يتم تربيتنا منذ الصغر على هذه المعاني، والنهضة التي نتمناها ونرنو إليها تحتاج أن يتم تدريب الأفراد بالتدريج وتعويدهم على هذه المعاني وعلى أسس الإدارة وأساليبها العلمية حتى لو لم يتعلموها كعلم إدارة، فالإدارة علم تطبيقي ليس بالضرورة أن يتعلمه كل الناس بصورته النظرية، ولكن الأهم أن يتعلموا الجانب التطبيقي منه لتغيير الواقع حولنا بشكل علمي يعتمد على العقل وليس العضلات.

انتشرت في الآونة الأخيرة مراكز تدريب التنمية البشرية، فهل ترى أنها تعمل على تحقيق هذا التدريب والتغيير الذي تأمله؟

ـ هناك برامج تدريبية لا بأس بها في عدد من هذه المراكز، وإن كان أكثرها يقوم على تنمية الذات والمهارات الشخصية، ولكن تكمن الخطورة في قيام أشخاص غير مؤهلين بتدريب علوم أعلى من إمكاناتهم، وهنا يكون ضررهم أكثر من نفعهم فهم إما يعلمون خطأ أو يعلمون مقدار صغيراً جداً من العلم الذي ينبغي نقله، فيظن الناس أنهم ألموا بهذا العلم ويتعاملوا مع الحياة والعمل على هذا الأساس وهم في واقع الأمر لم يتعلموا إلا النزر اليسير فيصبح الأمر كالهاوي الذي يحاول أن يستثمر فيتسبب في تدمير الإقتصاد.

فكيف يختار الإنسان من المطروح والمتاح من هذه البرامج التدريبية ما ينفعه بصورة أكبر؟

على الإنسان أن يُحدد في البداية نقاط قوته وضعفه الشخصية والمهنية، ثم يُحدد ما يريد أن يتدرب عليه، فعلى المستوى الإنساني والشخصي أي مهارة لدى الإنسان ينميها هي إضافة إيجابية بالتأكيد بالنسبة له، ولكن لا يصح لكل من يأخذ بضع دروس في الرسم مثلاً أن يظن أنه أصبح فناناً، والدورات التدريبية المتاحة الآن كفن الاستماع أو التواصل أو الذكاء الوجداني تسد لدينا ثغرات حقيقية كنا نحتاج إليها.

وعلى المستوى المهني والدولة؟

أنا أنصح بالنسبة لكل ما هو مهني ألا يتعلمه الإنسان بعيداً عن الشهادات الدولية والأكاديميات العلمية الرسمية المعترف بها، وعلينا أن نعترف أن وضع علم الإدارة كعلم على مستوى العالم يُعتبر حديثا، وقد وصل إلينا متأخراً والممارسة له أكثر تأخراً، ومازلنا حتى الآن نعاني من عدم وجود قواعد تنظم مهنة الإدارة كما في مهنة المحاسبة أو المحاماة، وعلى مستوى الدولة أرى من الأهمية بمكان عدم تصعيد أي فرد لأي مستوى إداري إلا بعد أن يتم تدريبه في برنامج تدريبي إداري مكثف، ولابد أن نُعيد النظر في تولية الأشخاص ذوي الكفاءة الفنية المناصب الإدارية، فالمهندس الناجح في مجاله ليس بالضرورة ناجحاً كمدير، ولكن الأهم أن يملك من المهارات الإدارية ما يُساعد مرؤوسيه ومؤسسته على تحقيق أهدافهم.

وكيف يدير شخص مؤسسة لا يعلم تفاصيل العمل بها؟ فكيف ترد عليهم؟

ـ بعد أن عملت في عدد كبير من المؤسسات وجدت أن الأشخاص ذوي الدراية الفنية يكونون قيادات أضعف لأنهم يدققون في تفاصيل لا ينبغي أن تهتم بها القيادة العليا، وكلما ارتفع المستوى الإداري قلت الحاجة للمهارات الفنية، فمدير المستشفى حتى لو كان طبيباً فهو بالتأكيد غير مُلم بكل التخصصات، وبالتالي فهو قد يكون مديرا ناجحا طالما أنه يملك مهارات إدارية حتى لو لم ير كلية الطب في حياته، لأن المطلوب توظيف كل الإمكانات المادية والبشرية لتحسين الأحوال المحيطة من خلال التفكير المنطقي العلمي والتمكن من أدوات التخطيط والتنظيم والتوجيه والإدارة والتقييم، وهو ما لا يشترط أي تخصص آخر غير الإدارة.

وهل هذا النجاح المنهجي والإداري هو ما ميز الحضارة الإسلامية؟

أهم ما ميز الحضارة الإسلامية هو وضوح الرؤية وسمو الهدف، فأغلب فرسان الإسلام في الجاهلية يتمتعون بذات المهارات التي تفوقت في الإسلام ولكنهم كانت تنقصهم الرؤية والهدف، وقد استفاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) من نقاط القوة في أصحابه ووجههم إلى أفضل طريقة للاستفادة من هذه المهارات مع مراعاة الظروف المحيطة، فالخطط والطريقة قبل الهجرة تختلف عما بعد الهجرة، وظرف الحرب تُراعي فيه أشياء تختلف عن وقت السلم، ومراعاة هذه المتغيرات هو من صميم الإدارة.

بماذا تنصح كل شاب وفتاة لينجحوا في إدارة حياتهم؟

لا ينبغي أن يصل أي شاب أو فتاة إلى المرحلة الثانوية بغير أن يُحددوا جدولا لنقاط القوة والضعف التي يرونها في أنفسهم والفرص والمخاطر المحيطة بهم، ومن خلال هذا الجدول ينبغي أن يضعوا لأنفسهم بعد تحديد الهدف خطط التغلب على نقاط الضعف وتحسين فرصهم وتجنب المخاطر، وليعلموا أن النجاح ليس ضربة حظ ولكنه تخطيط وجهد ومثابرة.
المصدر: http://www.almohamady.com/marticles/marticle.php?id=13&back=aW5kZXgucGhw

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك