المقتضى العلمي لخلقة سكّان المريخ

 

طالما صوّرت لنا أدبيات الخيال العلمي سكّان المريخ ككائنات خضراء −دوماً خضراء!− ذوات رؤوس كبيرة وخلق شائهة لكنها قريبة عموماً من خلقنا نحن البشر. ولكن لنتمعَّن في حقائق المريخ. ولنرَ إذا كان بوسع ذلك الكوكب أن يؤوي كائنات حية بأحجام وصفات تشبه البشر، أو بقدراتها الحركية، أو بتعقيد أجهزتها العصبيه والحسيّة.

كتلة المريخ تعادل عُشر كتلة كوكب الأرض تقريباً. وتتفاوت درجات الحرارة على سطحه ما بين الصفر والتسعين درجة مئوية تحت الصفر، وتعادل سنة المريخ سنتين أرضيتين (687 يوماً)، وغلافه الجوي مشبع بثاني أكسيد الكربون (بمعدل %95). وبُعد المريخ الكبير عن الشمس يؤثر سلباً على مستوى الإضاءة على الكوكب. كما وأن التفاوت الكبير في درجات الحرارة يولد فروقاً كبيرة في الضغط الجوي تؤدي إلى عواصف دائمة تحمل معها أطناناً من الأتربة، مما يزيد من قدرة الغلاف الجوي على حجب أشعة الشمس.

يتوفر الأوكسجين على المريخ بكثرة، ولكن معظم هذا الأوكسجين موجود كأكسيد حديد (صدأ الحديد) مما يعطي الكوكب لونه الأحمر. تحت قشرة المريخ توجد نواة معدنية مثل نواة الأرض، غير أنها فقدت جزءاً كبيراً من حرارتها وأصبحت صلبة. يكاد عنصر الهيدروجين أن ينعدم على المريخ إلا بكميات قليلة متمركزة في غاز الميثان الذي أسعد اكتشافه الباحثين عن الحياة في المريخ نظراً لأن المصدر الأعظم لهذا الغاز على الأرض هو التفاعلات الكيميائية في أمعاء الكائنات الحية!

ما يتبادر إلى الذهن بعد سرد كل تلك الحقائق هو أن مصادر الطاقة السهلة محدودة جداً على المريخ. فالشمس هي مصدر الطاقة الأساسية والأصل في كل مصادر الطاقة الأخرى التي نعرفها على الأرض. ولكن نصيب مساحة معينة على كوكب المريخ من هذا المصدر يعادل أقل من %30 من نصيب مساحة مماثلة من الأرض. وللنباتات على الأرض قدرة فائقة على استخلاص الطاقة الشمسيه وتركيزها في مركبات كيميائيه سهلة الهدم (السكريات والنشويات)، فيما لاتستهلك هذه النباتات إلا كمية ضئيلة من تلك الطاقة لأنها محدودة الحركة. ولو لم تكن هناك طاقة مركزة في ثمار النباتات لما استطاع الإنسان (ولا أي من الكائنات عديدة الخلايا) أن ينمو لحجمه الحالي، أو أن يطوّر قدرته الحركة والتفكير. بالمقارنة مع كوكب المريخ، فمن الصعب أن يتمكن أي كائن حي عديد الخلايا من استخراج الطاقة الموجودة في أشعة الشمس الضئيلة. فلكي تتمكن النباتات على المريخ من استخراج ما يكفي من الطاقة من الشمس، سيتحتم على هذه النباتات أن تكون مترامية الأطراف وذات أوراق هائلة الحجم. وكلما زاد حجم النبات فإن حاجتها للطاقة ستزداد كذلك بطبيعة الحال.

John Carter [Tars meets John]وهناك عائق مهم آخر يجعل الحياة، كما نعرفها، مستعصية على كوكب المريخ، وهو انعدام الماء السائل. الماء هو المذيب المثالي لجميع المحاليل القطبية. ولاتوجد أية عملية حيوية لأي كائن حي لا يلعب فيها الماء السائل دوراً أساسياً. هناك قطبان متجمدان في المريخ ولكن الجليد المتراكم بهما ماهو ألا غاز ثاني أكسيد الكربون المتجمد. وحتى لو وُجد ثلجٌ مائي على سطح المريخ، فإنه سيتسامى (ينتقل من الحالة الصلبة إلى الغازية) في الحال لقلة الضغط الجوي. وفي غياب الماء والأوكسجين الحُر فإن الطريقة الأساسية التي تستخلص بها جميع الكائنات الأرضية الطاقة من الغذاء بحرقه وتوزعها على الخلايا باستخدام الماء لن تكون ممكنة على المريخ.

أحد أهم العوامل التي تساعد على بقاء الكائنات الحية على الأرض هو وجود المجال المغناطيسي المحيط بالأرض، الذي يقيها من هبوب الجزيئات المشحونة من الشمس (ما يعرف بالرياح الشمسية). هذه الجزيئات بإمكانها أن تفكِّك وتحلِّل جميع المركّبات الحيوية، بما فيها الحمض النووي والبروتينات. ومثل هذه التفاعلات كفيلة بالفتك بالكائن الحي. ومن لطف الله تعالى بنا أن نواة كوكبنا لا تزال مكونة من معادن مصهورة يؤدي دورانها لتكوُّن المجال المغناطيسي وحمايتنا من الشمس. بينما لايتسنى لكائن في المريخ أن يحمي نفسه لفترة طويلة من ذلك التأثير المدمر لشمسنا.

مع ذلك، يعتقد البعض باحتمال وجود أشكال من الحياة، قد لا تتفق مع ما تميل إليه مخيلاتنا بخصوص المريخ. أحد هذه الاحتمالات يتمثل في كائنات مريخية صغيرة جداً (بحجم الكائنات وحيدة الخلية) مستقرة تحت طبقات من قشرة المريخ، حيث إن هذا الموقع سيخفف من تأثير الرياح الشمسية. ثم إن الحجم المجهري للكائنات المريخية المفترضة سيسمح لها بالتكاثر بمعدل أسرع من قدرة الشمس على الفتك بها، ما يضمن بقاء جنسها. كذلك، فإن الحجم الدقيق سيسمح لثمة كائنات بالاعتماد على مصادر طاقة متواضعة. لعل تلك الكائنات ستستخرج الطاقة من تحليل مركبات الحديد المتوافرة على الكوكب، مع أن هذا الأسلوب في التغذية سيتطلب أنزيمات شديدة التعقيد. كما أن هذه الأنزيمات لا بد أن تتكون من عناصر متوافرة على المريخ. ولذلك يسعنا أن نتخيل كائنات مريخية متشكلة بكليّتها من الحديد وبعض مركبات الكربون غير العضوية (وإن كانت ستصبح عضوية لو صحّ تخيلنا!). ولكن مع كل هذه التكهنات، فسيظلّ شحّ المذيب عائقاً كبيراً يحول دون قدرة هذه (الروبوتات) الصغيره على ممارسة عملياتها الحيوية.

إن البحث عن آثار وجود حياة ماضية على المريخ ربما يكون أصعب بحث جيولوجي قام به الإنسان إطلاقاً. لكنه يظل بحثاً في غاية الأهمية ولا بد أن يستمر. ولو حصل واكتشفنا بقايا كائن مريخي يتشابه معنا في التركيب العضوي أو الكيميائي، فلعله ينبغي علينا حينها أن ندرس بجديّة احتمالية كون هذا الكائن المريخي ذا أصل أرضي.. وتمكن من تطوير تقنية سمحت له بمغادرة الأرض قبل أن يورثها الله بني البشر!

ــــــــــــــــــــــــ

    i الرمز i هو الحرف الأول في الكلمة الإنجليزية «imaginary» وترجمتها العربية «تخيُّلي». عليه فإنه يسعنا أن نستخدم الحرف العربي (ت) للتعبير عن نفس القيمة. أية قيمة؟

إنها تلك التي سنحصل عليها لو أخذنا الجذر التربيعي للعدد السالب 1-. وهذه جملة صادمة في ظاهرها لأننا نعرف -كدارسين للرياضيات- أن العدد السالب ليس له جذر تربيعي. لأن وجود جذر تربيعي لعدد ما يقتضي أننا إذا ضربنا هذا الجذر في نفسه -أي ربعّناه- فسنحصل على العدد السالب المزعوم. وهذا غير ممكن لأن ضرب أي عدد موجب في نفسه سيعطي دائماً قيمة موجبة 2×2=4. ونفس الشيء بالنسبة لضرب أي عدد سالب في نفسه 2-×2- =4. النتيجة دوماً ستكون موجبة. لكن الرقم التخيلي i جاء ليغيّر قواعد الرياضيات وليحفز أحدنا على أن يقول التالي: «تخيّل أنه يوجد رقم i، بحيث أن: i-×i = 1”.
هكذا جاء الرقم التخيلي ليفتح أبواباً في مستغلقات الرياضيات النظرية. لأننا صار بوسعنا أن نجيب عن أسئلة كان طرحها في البدء غير ممكن. صار يمكننا مثلاً أن نسأل: ما الجذر التربيعي للرقم 9-؟ والجواب -طبعاً- هو أن 9- ليست إلا 9 مضروبة في 1-. والجذر التربيعي لـ 9 هو 3، أما الجذر التربيعي لـ 1- فليس إلا i. وهكذا فإن جواب سؤالنا هو ببساطة 3i.
لقد خرج الرمز التخيلي «i» أو «ت» من رحم الخيال المحض وعوالم الـ «ماذا لو»، كفكرة داعبت خيال (هيرو السكندري) في القرن الميلادي الأول إلى أن تم اعتمادها حسابياً في القرن السادس عشر كقيمة يستحيل تمثيلها مادياً. إذ لا يمكنك أن تدفع مبلغاً يساوي «ت» من الريالات ولا أن تخسر «ت» كيلوغراماً من وزنك. لكن الأرقام التخيلية جاءت لتسد ثغرة في الرياضيات ولتسم الأعداد التي ليست بتخيلية بوسم نستخدمه كلنا اليوم: (الأعداد الحقيقية – Real Numbers) وتلك أيضاً لها رمزها اللاتيني «R». ولأن الرياضيات هي لغة الفكرة والعوالم اللامرئية، فإن القيمة المتخيلة -أو المستحيلة- «ت» ما لبثت أن وجدت لها أهمية قصوى في عديد من التطبيقات النظرية المعاصرة.
ففي مجال الهندسة الكهربائية مثلاً، فإن التيار المتردد (AC) يتذبذب بين الإيجابية والسلبية بشكل موجة جيبية. وإذا تم الجمع بين تيارين مترددين فإنهما قد لايتطابقان بشكل كلّي، وقد يصير من الصعب جداً تحديد القيمة الدقيقة للتيار الجديد على الورق. ولكن باستخدام أرقام تخيلية جنباً إلى جنب مع الأرقام الحقيقية، فإن مثل هذه الحسابات باتت ممكنة.. والنتيجة قد تمثل تياراً «تخيلياً» في قيمته، لكنه يظل موجوداً وستحس به لو اعترضت طريقه!.

المصدر: http://qafilah.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AA%D8%B6%D9%89-%D8%A7%...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك