داروين ليس قضيتنا

 

فهد عامر الأحمدي

    نشرت يوم الأحد الماضي مقالا بعنوان (وبدأ خلق الانسان من طين)..

ورغم أن العنوان يؤكد انحياز المقال للمفهوم القرآني في الخلق إلا أنه استدعى انتقادات كثيرة، ليس لها علاقة بما ذكره الكاتب.. فهناك مثلا من اتهم تشارلز داروين بالإلحاد (وكأني ادعيت أنه من أهل السنة والجماعة)، وأن النظرية تطعن في الخلق (في حين ذكرت صراحة أن أي تطور لا يخرج عن مشيئة الخالق عز وجل)، وقسم ثالث نبهني لادعائه بأن أصل الانسان قرد (ولكنها مغالطة شهيرة لم يدّعها داروين؛ وأقرب شيء وجدته في كتابه أصل الأنواع قوله بأن الانسان والرئيسيات العليا تطورا من فرع واحد)، أما القسم الرابع فأكد أن الهدف من نظرية داروين إنكار قضية الخلق والبعث (وإن كان هذا مقصد الدارونية فقد أتعبوا أنفسهم فعلا كون الفهم الصحيح لعمليات النشوء والارتقاء سينتهي لعكس ذلك تماما)...

قضيتنا الأساسية هي البحث في كيفية بدء الخلق وليس عقيدة ونوايا داروين (فنحن لم نعرف الرجل في الدنيا ولا يهمنا مصيره في الآخرة).. أما ثانيا فعلينا التفكير بذهنية مفتوحة والقناعة بأن تطور الخلائق (المشاهد واقعا والمثبت حفريا) لا يخرج عن المشيئة الإلهية..

علينا البحث في آليات التطور الملاحظة في بعض المخلوقات (كسبب وجود أصابع في زعنفة الحوت، ووجود أجنحة منقرضة لدى البطاريق، واشتراك بعض المخلوقات في هياكل أحفورية قديمة، ووجود علاقات وراثية بين مخلوقات تعيش بيننا حاليا)..

الحقيقة هي أن علم الأحياء يصبح مشوها وبغيضا حين يختلط بالايدلوجيا.. فنظرية داروين (حين ظهرت لأول مرة) وقفت ضدها كنائس أوروبا خوفا من تبني الناس لها كبديل لفكرة الخلق في الانجيل.. وللأسف نسخنا نحن هذا الموقف (بحذافيره) رغم أننا نملك قرآنا يؤكد إمكانية حدوث ذلك.. بل ويدعونا للبحث في كيفية حدوثه (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)..

هذا من جهة..

ومن جهة أخرى لا ننسى أن الهدف من المقال السابق (كما يتضح من سياقه) هو تأكيد مسألة التطور من خلال الآيات الواردة في القرآن الكريم وليس العكس.. ولكن لايبدو أن أحدا ممن انتقد المقال توقف لتأمل معنى كلمة (سلالة) أو البحث عن تفسير قوله تعالى (بدأ خلق الانسان من طين) التي استشهدت بها في مقالي السابق..

ففي ذلك المقال طلبت من القراء ملاحظة أن القرآن الكريم لم يتحدث عن خلق الانسان (دفعة واحدة) بل على عدة مراحل زمنية في قوله تعالى:

(وبدأ خلق الإنسان من طين/

ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين/

ثم سواه ونفخ فيه من روحه/

وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون)..

.. وجميعها مراحل زمنية طويلة يؤكدها قوله تعالى (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا).. والدهر في اللغة هو الحقبة الزمنية الطويلة جدا (وَقالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَياتُنا الدُّنْيا نَموتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ)..

من يراجع كتب التفاسير يكتشف أن علماءنا الأوائل تحدثوا في مسألة تفرع الخلق وانتشار الكائنات قبل نظرية داروين بكثير.. فبالإضافة لتفسيرهم الجميل للآيات السابقة (والذي منه استنبطت مقالي السابق) هناك أيضا قوله تعالى (يزيد في الخلق ما يشاء)، و(فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة).. تأمل كلمة (يزيد) في الآية الأولى، وكيف تحدث تفسير الجلالين عن كلمة (بث) في الآية الثانية بمعنى فرق ونشر.. أما الجامع لأحكام القرآن فتحدث عن كلمة (بث) بمعنى فرق ونشر وال(دابة) معنى يجمع الحيوان كله.. أما ابن كثير فقال: أي ذرأ في الأرض من أصناف الحيوانات ما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها!

.. وبناء عليه أرى أن أقل ما يمكننا فعله هو تجزئه الموقف الإسلامي من نظرية داروين بحيث لا نتجاهل تضمنها لدلائل حقيقية مشاهدة ووقائع أحفورية مثبتة (وعدم خروجها في نفس الوقت عن قدرة الخالق عز وجل)..

.. ولاحظ رحمك الله أنني كررت الجملة الأخيرة خمس مرات حتى الآن...

http://www.alriyadh.com/1127356

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك