أيها العلماء الرسميون.. أنقذوا الإسلام من داعش بتجديده

د. عبدالله بن موسى الطاير

 

يرى ابن تيمية أن أهل السنة هم الفرقة الناجية، وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم. وهذا يعني أن المذاهب السنية الأربعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) مشمولة بهذا الوعد، أي أنه لا مجال للمزايدة التي أدت إلى افتراق المسلمين السنة.

وبينما هم مشتتون، اجتمع عليهم العالم في هجمة دولية شرسة تعمل على شيطنة أكثر من 85% من المسلمين باعتبارهم إرهابيين وأعداء للحضارة والتعايش. وما يجري للسنة العرب في العراق وسوريا لم يعد خافيًا على أحد، بل إن الكتاب الغربيين المنصفين وفي الصحافة الإسرائيلية المعادية، أصبحوا يكتبون بوضوح عن هذا الاستهداف تحت مبررات الإرهاب وداعش والقاعدة تحديدًا.

علماء المسلمين السنة مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الاجتماع والحوار وتقديم مشروع ينقذ الأمة من الظروف التي تكالبت عليها. جاهل بالحقيقة أو متعال عليها من يظن أن الأمور بخير. وكيف تكون الأمة بخير وقد خرج نفر من المسلمين على جماعتهم وأمعنوا في الأرض فسادًا يقتلون المسلمين في مساجدهم، ويستهدفون أمن ما بقي من الدول العربية متماسكًا، وينحرون الأبرياء باسم الإسلام؟!

صحيح أنهم خوارج، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حذر منهم، لكن قبل أن نستسلم للقدر، علينا أن نسأل: ما إذا كنا قد قمنا بكل ما علينا تجاه ديننا وشبابنا وهذا العالم الذي نعيش فيه؟! أم أننا اكتفينا بتصدير المشكلة تحت بند الخوارج وتفرغنا للحوقلة والحوسبة؟! شباب المسلمين ينفرون من تونس والمغرب العربي ومن الخليج ومن تركيا ومن ماليزيا وغيرها من الدول الإسلامية السنية ويلتحقون بداعش في سوريا، ويهددون أمن أوطانهم، في وقت يصطف فيه الشباب الشيعة بجانب مراجعهم وولاية الفقيه ويحاربون من أجل مصالح إيران في المنطقة متطوعين بجانب جيشها النظامي وجيوش حلفائها في العراق وسوريا واليمن؛ فلماذا نجح الفكر الديني الشيعي في احتواء شبابه وأخفق السنة؟ هذا سؤال مطروح، إسلاميًّا وعالميًّا.

ذهب وقت الرفاهية الذي كان المفكرون يقدمون فيه المشروع تلو الآخر لتجديد الدين، وفي الذهن الوصول إلى توافق ومناطق التقاء مع الحضارة الغربية، بما في ذلك بعض الاعتساف والتأويل؛ فاليوم نحن أمام تحدٍّ جديد وخطير يستدعي تجديد الإسلام ليفهم المسلمون حقيقة هذا الدين الوسط بعيدًا عن الغلو، إفراطًا أو تفريطًا. وليس تجديد الدين لهذا الغرض طارئًا أو غريبًا؛ فالشافعي -رحمه الله- أطفأ فتنة بين أهل الرأي وأهل الحديث واعتبر مجدد المئة الثانية، وألّف كتابه ذائع الصيت (الرسالة) الذي ضبط فيه العلاقة بين الطرفين.

عامة الناس اليوم يسألون: أين تقف داعش والقاعدة من الإسلام؟ ولماذا يجتمع العالم كله ضد المسلمين السنة وبخاصة العرب منهم؟ وهل الإرهاب والتطرف هو سمة مسجلة باسم السنة وحدهم؟ ومَن مِن الشعوب الإسلامية السنية، عربًا وعجمًا، على حق؟ ومن منهم على باطل؟ وهي أسئلة يصعب الإجابة عنها، وهي فخاخ يمكن لأي مجتهد فرد أن يقع في دائرة التكفير، أو الإقصاء، أو التجهيل أو التفسيق، إن هو استبد برأيه في عالم أصبح اليوم أكثر ترابطًا وأسرع تواصلًا. والبديل المقبول هو أن يجتمع نخبة من العلماء الراسخين في العلم انتصارًا لدين الله، وجمع كلمة المسلمين السنة من المذاهب الأربعة التي لا خلاف حولها، ونبذ ما عداها والبراءة من شططه وتصحيح أخطائه، ومن ثم دراسة وضع المسلمين وجمع كلمتهم.

اجتماع هيئة كبار العلماء في المملكة، والأزهر في مصر، والمجلس العلمي الأعلى في المغرب؛ مطلب عربي وإسلامي ودولي في هذه المرحلة من التاريخ. وتخلف هذه المجمّعات الثلاثة عن واجبها ليس أقل خطرًا على الإسلام من أعدائه في الداخل والخارج.

الأجهزة الأمنية في البلدان الإسلامية تواجه أبناء المسلمين الذين يدمرون أوطانهم، وينحرون الأبرياء باسم الإسلام، والساسة يواجهون العالم الذي يزعم أن الإسلام وأهل السنة تحديدًا هم موئل الإرهاب. الجيوش الإسلامية تجمع شتاتها لتدخل في حرب ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، في تحالف لكل دولة من دوله هدفان: خاص وعام. والمتنطعون والصحويون والحزبيون احتلوا الميادين الافتراضية، وأصبحت لهم الكلمة الفصل في شأن الدين والدولة، فيما انكفأت المؤسسات الرسمية الكبرى على نفسها، وانحسر تأثيرها في عامة الناس، ولم يعد لها القدرة على ضبط الشباب الذين تفخخهم أيديولوجيات حركية هدفها في الأخير الوصول إلى السلطة، أو ضرب الإسلام بالإسلام، باعتبارها واجهات مخابراتية لدول أخرى.

موقف الساسة حرج، وسيكون أكثر حرجًا فيما لو فرضوا التغيير والتجديد على المتخصصين بالشرع، وأجزم بأن الدول الثلاث التي تتبعها هذه المؤسسات الإسلامية الضخمة، سترحب بأي توجه لتجديد الدين ومناقشة قضايا جوهرية يتطلبها هذا العصر ويتوقف على مراجعات كهذه بقاء دول بوحدتها الجغرافية الحالية، وذهاب أخرى برمتها أو بأجزاء منها.

يا علماء السنة، أتوجه إليكم، وأسألكم: ماذا قدمتم لدولكم في هذا الوقت الحرج؟! خطباء الجمعة، كفاكم دعاءً على الكفار والمنافقين والرافضة وغيرهم من الملل والنحل، ونجوم الإنترنت استفردوا بالمسلمين تصنيفًا وتفريقًا لكلمتهم وتحريضًا على الإرهاب والغلو والتطرف والفتنة؛ فماذا أنتم فاعلون؟!

واجبكم -أيها العلماء في المؤسسات الرسمية- أن تواصلوا الليل بالنهار لإنقاذ الإسلام من داعش وأخواتها، وأن تجمعوا شتات الفرقة الناجية، وأن تثبتوا لعامة المسلمين أن الإسلام واحد، وأن ترسلوا رسالة إلى الغرب المسيحي والشرق الوثني أن هذا الدين يقبل التعايش، وأنه حضاري بطبعه، وأن الحرية والعدالة والمساواة هي من مقاصد الدين العظيمة، مثلها في ذلك مثل الضرورات الخمس المتمثلة في الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وإذا كان المؤمن كيّس فطن، فإنه ليس من الإيمان ولا الفطنة التصلبُ للرأي، وإغفال المصالح المرسلة للبلاد والعباد. المسلمون في حيرة من أمرهم، ونأمل أن نسمع عن اجتماع تستضيفه المملكة يشارك فيه علماء من المؤسسة الدينية الرسمية في مصر والمغرب مبدئيًّا، وأن يخضع كل ما هو دون القرآن والسنة للنقاش العلمي، وأن يكون الحق هو الهدف لا التعصب لرأي بذاته.

المصدر: http://www.ajel.sa/opinions/1704996

الأكثر مشاركة في الفيس بوك