السيكوجينيالوجيا علم في صراع مع التَّاريخ الأسريّ

بقلم: يوسف عدنان 

 

لم يحظ مبحث السّيكوجينيالوجيا “psycho généalogie” بالاهتمام اللاَّئق به في معظم الأبحاث والدّراسات النَّفسانيَّة العربيَّة والممارسات الطبيَّة العلاجيَّة إلى جانب التَّرجمات والاجتهادات الفكريَّة المعرفيَّة الخاصَّة بمجال علم النَّفس وفروعه المتناسلة (...). لذلك، وسعيا منَّا لتقريب القارئ العربيّ من هذا المبحث المهمل واللاَّمفكر فيه، ارتأيت أن أقدّم هذه الورقة الَّتي ترصد السّياقات التَّاريخيَّة لنشأة علم النَّفس الجينيالوجي وتطوّره، وترسم الخطوط العريضة للمناولات النَّظريَّة والعمليَّة الَّتي أخذ بناصيتها لتبليغ رسالته المنبعثة عبر الأجيال. فما الحاجة إذن لعلم النَّفس الجينيالوجيّ؟ كيف انبثق إلى الوجود؟ من هم أهمُّ روَّاده وأتباعه؟ ما طبيعة الخلفيات النَّظريَّة والأسس المنهجيَّة الَّتي ينهض عليها؟ وفيما تكمن جدَّة الجهاز المفاهيميّ الَّذي ابتكره لتشخيص الأعراض والباتولوجيات النَّفسيَّة؟ ثمَّ إلى أيّ حد نجد صدى لهذا المنهج في حياة الإنسان المعاصر؟



علم النَّفس الجينيالوجيّ أو علم نفس الأنساب كما يدلُّ عليه اللَّفظ هو ائتلاف إيتيمولوجي بين كلمة نفس “psychè” وكلمة جينيالوجيا “généalogie”. أمَّا من النَّاحية العلميَّة فيحيل هذا الدَّمج إلى تكامل نظريّ يؤسّس لتوافق إبستيمولوجيّ حاصل بين التَّخصُّصين. يمارس هذا المنهج من طرف معالجين نفسيين متخصّصين، ويستخدم قواعد البحث الجينيالوجيّ في المجال النَّفسي. أساس هذا المنهج اكتشاف ما تعبّر عنه الوقائع من معاني ولما ترمز له عند أسلافنا، وهل من الممكن أن يكون لهذه الأحداث الَّتي مرَّت رباط خفيّ مع مشاكلنا الخاصَّة. فالسيكوجينيالوجيا علم في صراع مع التَّاريخ العائليّ والجماعيّ الَّذي ينزل بكلّ ثقله على معيش الأفراد، ويظلُّ ’مخفيًّا’ إمَّا بفعل التَّجاهل أو تحت وطأة السّر العائليّ. لذلك، عادة ما يطرح السّيكوجينيالوجي بعض التَّساؤلات القلقة نجملها على النَّحو التَّالي: وقوع هذا الحدث أو ذاك في حياتنا، أيمكن أن تكون له ارتدادات وعواقب وخيمة على بعض الأجيال اللاَّحقة؟ هل يترك فينا أجدادنا بصمات نفسيَّة عميقة؟ وهل للاَّشعور العائليّ وجود حقًّا في الحياة النَّفسيَّة الباطنيَّة؟



نعلم مبدئيًّا أنَّ الجينيالوجيا النَّفسيَّة تنطلق من معطى سانكروني نحدّده كالتَّالي: الفرد هو نتاج لسلسة جيليَّة طويلة تقضُّ مضجعه، وتشمل كلّ من تزامن تواريخ الميلاد، الزَّواج، الطَّلاق، هجرة، حادثة أو مرض وأيضا تكرار الأسماء في العائلة، جذور اللُّغة، أسطورة الأسلاف، الأحداث التَّاريخيَّة للمجتمع (...) إلخ، كلُّ هذه الوقائع هي محرّكات لمعرفة الذَّات وأبواب للولوج إلى اللاَّشعور العائليّ والجماعيّ (1). إنطلاقا من هذه الفكرة يتَّضح أنَّ علم النَّفس الجينيالوجي يدرس الوقائع المتكرّرة عند أجيال متعاقبة قصد اكتشاف ما يوجد من ألغاز في حياة أسلافنا. هذه الأحداث يمكن أن تفيق فينا الشُّعور بالألم والمعاناة، إنَّها أقرب ما تكون “بمخيال جماعيّ” خاصّ بالعائلة. بالموازاة مع ذلك، تهتمُّ السيكوجينيالوجيا بالنَّقل العابر للأجيال “Transmission transgénérationnelle” الَّذي يتمُّ أساسا بشكل لاواعٍ ما بين أفراد عائلة معينة.



السيكوجينيالوجيا كبراديغم نفسي – احتضن بيضه داخل رحم التَّحليل النَّفسي- قد ظهر بشكل مشوَّش نوعا مَّا في بداياته، فمنذ سنين مضت والمحلّلون النَّفسيون إلى جانب المعالجين النَّفسيين وباحثين آخرين يدرسون تناقل المشاكل النَّفسيَّة عبر الأجيال. ولكن، يبدو أنَّهم كانوا يشتغلون بطريقة منعزلة دون تعارف ودون تبادل التَّصورات فيما بينهم. من حسن الحظّ، نجدهم قد استقرُّوا نظريًّا عند خلاصات تحليليَّة مكثَّفة استجمعت وتكاملت فيما بينها بشكل خلاَّق، طرقوا من خلالها أبواب ظواهر نفسيَّة غامضة لإثبات حقيقة وجود لاشعور عائليّ متَّصل مع اللاَّشعور الفرديّ والَّذي يسمّيه “يونغ” اللاَّشعور الجمعي. ليتمُّ الانتقال - بموجب هذه الاهتمامات المرتكزة على تاريخانيَّة الأحداث النَّفسيَّة الموسومة بالتّكرار والتَّناقل وديمومة اضطراب الزَّمن النَّفسيّ- من بناءات مفهوميَّة متناثرة إلى تشيد أنساق نفسيَّة مفترضة، كأن يجري الحديث فيما بعد عن “بنية نفسيَّة جيليَّة للاَّشعور العائليّ”.



من الملحوظ منذ كتاب “الطوطم والتابو” أنّ فرويد طرح إمكانيَّة قيام نفس جماعيَّة أو سيكولوجيا جماعيَّة في محاولة منه تفسير“التَّحويل” الَّذي يحدث من لاشعور فرد معين، إلى لاشعور فرد آخر. لكن في الحقيقة يبقى كارل غوستاف يونغ من أنار الطريق للمقاربة العابرة للأجيال من خلال نظريته حول اللاَّشعور الجمعيّ، والَّذي من الممكن أن يلجه كلّ واحد منَّا*. وفيما بعد نجد إسهامات كلّ من يعقوب مورينو مبدع السيكودراما* وفرنسواز دولتو المحلّلة النَّفسيَّة ذات الطروح النَّفسيَّة الشَّائكة حول الصُّورة اللاَّواعية للجسد، معتبرة تاريخ العلاقة الأسريَّة هو خطاب موشوم على جسد الطفل، وأنَّ لهذا الجسد لغته الخاصَّة في تبليغ رسائله المطلسمة الَّتي تظلّ محط إصغاء بالغ من طرف المحلّل النَّفسيّ (2). ولا ننسى هنا بالذكر ’ نيكولاس أبراهام’ Nicolas abraham و’ماريا توروك’ Maria torok وأيضا ’ديديي دوماس’ Didier Dumas (...)، وكلّهم من السيكولوجيين الأوائل الَّذين طوَّروا نظريات ناجحة ومكمّلة لما يمكن أن ندعوه “بالدّيناميات اللاَّواعية للعائلة”. إذن، يبدو أنَّ هذا الزَّخم المتعدّد من الرَّوافد هو ما يجعل من السيكوجينيالوجيا قادرة على دمج نظريات متنوّعة ومدارس فكريَّة مختلفة (3).



إلى غضون اللَّحظة وبالرَّغم من تنوُّع المقاربات وتقاطعاتها المثمرة لم يحدث أن تمّ التَّنظير للسيكوجينيالوجيا كمبحث قائم بذاته، ويتَّضح من خلال الاضطلاع على بعض المؤلّفات المؤرّخة لعلم النَّفس، أن الفضل الوفير في التَّطوير العلميّ المحكم والمتماسك لهذا المنهج يعود إلى المعالجة النَّفسيَّة الطَّاعنة في السّن ’آن انسلين شوتنزبارغ’ Anne Ancelin Schutzenberger. لنقل أنَّ السيكوجينيالوجيا كمنهج قد استغرقت مدَّة طويلة لتثبت جدارتها في ساحة العلوم النَّفسيَّة خاصَّة بعد أن نظر لها بشكل منهجي ودقيق تحديدا في سنوات 1980 على يد الباحثة المذكورة للتَّو، والَّتي وجهت أبحاثها على نحو غير مسبوق إلى ما تدعوه ميكانيزم النَّقل اللاَّمرئي، بمعنى تلك الصَّدمات المتناقلة بين الأجيال بشكل مضمر وأيضا ذلك الإرث العائلي الَّذي لا ينكف عن الاستشباح والاستيطان القسري للحاضر. في هذا الصَّدد تقول هذه الأيقونة عبارات قوَّية جدًّا بعد أن أخبرت سنين طويلة في هذا التَّخصص اللاَّمعروف وقتها: « ما لا يعبر عنه بكلمات يكبت ويعبر عنه بآلام « (4).



في سبيل الكشف عن ماضي الأفراد لقد ابتكرت انسلين شوتنزبارغ “الجينوسوسيوغرام” “génocosiograme” من أجل تشفير تلك الخيوط اللاَّمرئية، وهو عبارة عن عدَّة متغيّرات لشجرة جينيالوجيَّة/نسبيَّة مستعلمة في تكنيكات التَّقصي السيكوجينيالوجيَّة، كتقنية بالغة الأهميَّة في تحديد التَّسلسل النّسبيّ، الخريطة العائليَّة، الرَّوابط النَّفسيَّة المؤثرة في أجداد الشَّخصيَّة قيد العلاج، الاضطلاع على الأحداث السَّابقة والرَّوابط الوجدانيَّة المنسوجة في دائرة جهنميَّة من التّكرارات. كما تقحم في التَّقصي الأحداث العامَّة الَّتي طبعت الحياة العائليَّة والشَّخصيَّة من قبيل: ولادة، وفاة، زواج، طلاق أو هجران، حوادث، ترحال، فقدان الجنين (...)إلخ، وتطبق هذه الوسيلة على ثلاث أو أربع أجيال ((5، وهي بالمناسبة طريقة أساسيَّة لبعض التَّقنيات السيكو علاجيَّة مثل “المقاربة العابرة للأجيال” “approche transgénérationnelle”.



اشتغلت هذه الأخيرة فترة طويلة رفقة المرضى الَّذين يعانون من السّلطان، ونقبت في تاريخهم العائليّ المرتقب الوقوع عن أي “تكرارٍ” أو تماهٍ مع أشخاص يكنون لهم تقديرا ومودة بالغة. ومع تراكم الحالات على مقرّ اشتغالها قد استطاعت هذه المعالجة النَّفسيَّة أن تستنتج بحدس منقطع النَّظير أنّ داء السَّرطان الَّذي أصابهم قد بدأ بالضَّبط في سنّ حدث فيه أنّ أمّا، أو أبا، ابن العمّ، أو خالا، أو جدّة (...)، قد مات جرَّاء نفس المرض المزمن ما أو بسبب حادث مفجع. إنَّها اللَّعنة تطارد أفراد العائلة وتدعوهم لأن يعيشوا نفس المآسي والفواجع والصَّدمات الَّتي سبق أن وقعت لأسلافهم أو حدث أن جايلوها. فالعرض لا يفتأ عن التّكرار ما لم يتم الكشف عنه والوعي بوجوده، ونضرب المثل هنا بطفل أو طفلة قضى طفولته متنقلا بين أبوين مطلقين غالبا ما ينتهي زواجه هو الآخر بفشل عاطفي يتلوه طلاق، أو يتمّ تأجيل الصَّدمة ليعيشها ابنه كدين غير مسدد لا يزال في عنقه. لذلك تدعونا السيكوجينيالوجيا وكما أكّدت عليه بإلحاح Ancelin Schutzenberger إلى اكتشاف الماضي العائلي الحيّ دائما، قصد تجنب تكرار الأحداث المؤلمة والمحزنة (6).



أمَّا المرضى فيلجؤون إلى العلاج السيكوجينيالوجي من أجل تنظيف الماضي، إعادة بناء التَّاريخ العائليّ وهيكلة عالمهم الدَّاخليّ المضطرب والهائج بأفكار، مشاعر قديمة، أشباح، هوامات، أحلام، صراعات(...) إلخ، تعكّر عليهم صفو الحياة وتقودهم في بعض الأحيان إلى نهايات دراماتيكيَّة من الممكن تجنُّبها أو التَّعايش معها على الأقلّ إذا ما اطَّلع الفرد على شجرته الجينيالوجيَّة ودخل في حوار مع الأشباح الَّتي تستعمر مساحة واسعة من عالمه الدَّاخليَّ اللاَّواعي. السيكوجينيالوجيا بهذا المعنى تفتح بوابة الزَّمن وتمنحنا فرصة أخرى لنعيد إلى قبور أجدادنا معاناة لا تعود إلينا ولا نتحمل فيها أيَّة مسؤوليَّة البتَّة (7).



منذ زمن والمعالجون النَّفسيون يحاولون اقتحام هذه المناطق الظّليّة ومعرفة تداعيات العواقب النَّاجمة عن أسرار العائلة – نسمي هذا بالعلاجات السيكوجينيالوجيَّة – الَّتي تتَّخذ لها كأهداف تسليط الضَّوء على أحداث نفسيَّة تسمّم الوجود وتفقد الحياة معناها. إنَّها تضع في الصُّورة ما يدعوه السيكولوجيون اللاَّشعور العائليّ أو العابر للأجيال: إنَّنا قد ندفن أسرارا يمكن أن تكون أصل الإخفاقات الشَّخصيَّة أو العاطفيَّة الَّتي تسجّل في شيمات تكراريَّة. لذلك، عندما يتعلّق الأمر بأسرار العائلة، علينا أن نعلم تماما ماذا نقول، ومتى نقول. فالسّر العائليُّ لا ينشأ عن استمتاع أو نيَّة مبيّتة لإحداث ضرر، وإنّما هو مدون في الزَّمن من خلال العار الَّذي يجلبه. ولهذا هو قادر على تخطي واختراق عدَّة أجيال بشكل رهيب ومفزع. لا يمكننا رفع الحجاب على سرّ عائلي ما وقتما نشاء، أو أن نبوح به لأيّ كان. الكلّ يتوقَّف على الحامل لسرّه، إلى الرَّابط الضئيل على كلّ حال الَّذي يربطه بالشَّخص الآخر وصلابته النَّفسيَّة. يجب إذن تكييف الخطاب مع خصوصيَّة السّن ودرجة النُّضج النَّفسيّ، وهذه من بين أهمّ الوصايا الَّتي تضعها السيكوجينيالوجيا في سلم النَّصائح الوالدية. فالطفل مثلا ليس في حاجة معرفة تبنيه من قبل والديه أو عن الماضي السّجني لخاله الَّذي سبق أن اغتصب أخته في الطفولة، وقس على ذلك مجموعة من الأحداث الحسَّاسة والمسكوت عنها*. فقبل إظهار سرّ معين، يجب أخذ الوقت الكافي لتقييم العواقب المصاحبة لهذا الاعتراف confession ، لأنَّ هذا الأخير قد يتسبَّب في انعكاسات مدمرة على المهتمّ بالأمر. فإزالة الحجاب عن سرّ عائلي مكتوم يتطلَّب إذن نوعا من الشَّجاعة، الحكمة، والتَّفكير المعمَّق. إذ يجب الأخذ بالحسبان أنَّه إذا ما انقشعت الحقيقة في يوم من الأيَّام، جميع المشاكل لن تختفي بتصفيقة يد. الحقيقة إذن ما هي سوى فعل بداية لصيرورة طويلة من الإصلاح (8).



إنَّه لمن العسير على المرء النَّبش في هذه الأمور لكن وكما سبق وقال بول ريكور “أنَّه ليس من العدالة أن يتمَّ طمر ذاكرة معينة، حتَّى لو كانت مأساويَّة”. فحتَّى ’الاسم’ هو حامل للسرّ العائليّ في إطار المقاربة السيكوجينيالوجيَّة، ونستدل على ذلك بحالة نادرة صادفت المعالجة انسلين شوتنزبارغ (9). إحدى مريضاتها كانت تعاني من انهيار/اكتئاب بسبب أخيها الأصغر، لوك Luck، الميّت جرَّاء جرعة زائدة overdose. عند وضع الشَّجرة الجينيالوجيَّة أو شجرة الأنساب، قد استنتجت أنَّ 14 من أبناء عمّها سموا إمَّا لوك، لوكيان أو لوسي، لوسيان (...)، 9 منهم قد توفوا في حادثة! لقد اكتشفت أيضا أنَّه بعد قرن مضى أنَّ جدها القديم تمَّ تبنيه ومعه فتاة صغيرة تدعى ماريا. ولكن العائلة الفقيرة جدًّا الَّتي تبنتهم قد فصلته عن الفتاة. بعد مرور مدّة من الزَّمن عثر لوسيان على ماريا وتزوَّجها. وهنا قد نتساءل: لماذا إذن كلُّ هذه الخيبات؟ كما لو أنَّ العائلة أرادت أن تعاقب نفسها إثر زنى المحارم هذا الجينيالوجي طبعا وليس الحقيقي بين الإخوة، تؤكّد ذلك شوتنزبارغ شارحة هذا النَّوع من التّكرار في أصل نظريّة “syndrome d’anniversaire”.



تساوقا مع نفس النَّهج التَّحليلي، لقد افترضت فرونسواز دولتو سنة 1970، أنَّ الأطفال يرثون اضطرابات لم تحل من قبل آبائهم، وأيضا ديّنهم اللاَّشعوري تجاه الأجيال السَّابقة 10)). نسجّل أيضا تصوّر سيرج تيسرون محلّل نفسي بارع درس من ناحية مسألة تناقل الصُّور الذّهنيَّة بين الأجيال وقد طوَّر في هذا َّنظما تحليلية داعمة للسيكوجينيالوجيا. وقد أكَّد تيسرون من جهته أنَّه ينبغي الأخذ الماضي العائلي بعين الاعتبار من أجل تحليل صعوبات الحاضر. فالسيكوجينيالوجيون في نظره يحفرون على أصول الاضطرابات الحاضرة في ماضي العائلة (11). نحيل كذلك القارئ على أعمال الطبيب النّفسي الهنغاري المرموق ’Ivan boszormeny’ وهو يعدُّ من بين آباء العلاج العائليّ، بحيث قد أقحم هو الآخر مفهوما هامًّا يدعى الولاء العائليُّ اللاَّمرئيُّ (12).



بالعودة قليلا إلى الوراء نجد أنَّ المعالجين النَّفسيين منذ عهد فرنزي يزعمون أنَّ التَّحليل النَّفسيَّ الفرويديَّ لم يحط بالطوبولوجيا النَّفسيَّة على نحو شامل ونهائيّ. فالمقاربة السيكوجينيالوجيَّة تكشف عن صيغة تشكليَّة أخرى للاَّشعور، كأن نتحدَّث عن وجود لاشعور عائليّ وجماعيّ. لذلك وضعت كفرضيَّة لها أنَّ مشاكلنا قد تكون لها أصول جدُّ قديمة تأتينا من عند الآباء أو الأجداد أو السّر العائليّ*. فرصد مكامن العقد النَّفسيَّة يتطلَّب اجتياز مجمل إشارات التَّاريخ الفردي كي يكتشف خلفه بقايا وترسبات مازال صمغها يتدفَّق في جذور التربة النَّفسيَّة المنغرسة في صلبها شجرة الأنساب المرجى الشّفاء منها، وقد يتطلَّب تشخيصها ووقف امتدادات غصونها الضَّارة فترة عصيبة من التَّنقيب في مناطق مجهولة من الذَّات والوقوف على أحداث شكَّلت منعرجات حاسمة في مسار حياة الفرد.



في هذه النُّقطة بالذَّات يختلف علم النَّفس الجينيالوجي مبدئيًّا مع التَّحليل النَّفسيّ الَّذي لا يعير اهتمامه لغير فترة الطُّفولة. في حين ينبش الآخر عن أصول المشاكل ومركّبات العقد في الماضي السَّحيق للفرد، تلك الذّهانات المنحدرة من الوالدين أو الأجداد أو حتَّى تقفز إلى أجيال قبلهم بكثير، شيء من الوراثة النَّفسيَّة للصَّدمات، للأمزجة، للعصابات بين أفراد الأسرة على امتداد جذورها في التَّاريخ العائليذ. غير أنَّ هذا لا ينكر قطُّ وجود نقط تماس أخرى بين التَّحليل النَّفسيّ وعلم النَّفس الجينيالوجي لعلَّ أبرزها البحث المضني عن تاريخ الموضوع، لكن كلٌّ بطريقته المختلفة. كما يصدم كلٌّ منهم بنفس البنيات المتَّصلة بالآليات الدّفاعيَّة النَّفسيَّة مثال اللاَّوعي، الإسقاط، التَّماهي، التَّقمص، الاجتياف، التَّهويمات(...) خاصَّة وأنَّ ’العرض يتنقل بذكاء من موضوع لآخر’ ويحاول إخفاء آثاره عبر مسيرته الصَّامتة عبر الأجيال.



بعد التَّعمُّق في الموضوع إلى هذا الحدّ، نقف في هذا المستوى عند أطروحات اتَّسمت بغموض المبنى واستغلاق المعنى على غير المحلّلين المختصّين بل حتَّى بالنّسبة لأولئك المنتمين إلى مدراس أخرى في علم النّفس، نحن بصدد الحديث عن نيكولا أبراهام (1975-1919) وصديقته ماريا توروك (1998-1925) وهما محلّلين نفسانيين من أصول هنغاريَّة قد ساهموا في إثراء التَّحليل النَّفسيّ باكتشافهم حقل الصَّدمات العابرة للأجيال*. لكن قوَّتهم النَّظريَّة قد أحجبت Eclipsée طويلا في فرنسا حيث هيمنة الفكر اللاَّكاني. علينا أوَّلا أن نعلم أنَّه إذا كان البعض قد قرؤوا فرويد مبكّرا، فأبراهام وتوروك يتموقعان في صفّ فرنزي Ferenczi والمدرسة الهنغاريَّة للتَّحليل النَّفسيّ، انتماء تعزّزه خاصَّة تلك البصمة الَّتي يضعونها أو يتركونها على الحالات العياديَّة، مدَّخرة على أهميَّة غريزة الموت “instinct de mort”. الَّتي تعتبر بالمناسبة من قبل الفرويديين كقوَّة نفسيَّة غير قابلة للتَّقليص. لقد كانت لهم قناعة راسخة نقيضة تلك الَّتي ترى الحياة النَّفسيَّة تطوّرا ذاتيًّا متكرّرا ومتَّسما بآلاف الأحداث والنُّقلات الموجعة أحيانا والمفرحة أحيانا أخرى والَّتي تتطلَّب مساهمة فعَّالة للفرد.



في نفس السّياق لا يعتقدون بأنَّ كلّ شيء يتمُّ ويحبك في السَّنوات الأولى المبكّرة من الطفولة. فإذا كان مريض مَّا في طور العلاج في حالة معاناة، فليس بالضَّرورة كما اعتقد فرويد، أي أنَّ كلّ الاحتقانات والآلام تنتظم وفق منطق الصّراعات الغرائزيَّة والمكبوتات الطفليَّة. فالرَّاشد هو أيضا يواجه مصادر متنوّعة تتسبَّب له في نشوء صدمات يجب عليه أن يجابهها (13). ماريا توروك وأبراهام قد موقعوا أعمالهما في منظور فرنزي كما سبق وأشرنا ملحّين على مكانة الصَّدمة في الممارسة والتَّأمُّل التَّحليليّ النَّفسيّ. وقد استطاعوا في هذا الصَّدد إحراز تقدُّم ملموس فيما يخصُّ تشفير إشكاليَّة الحداد المرضي والتَّأثيرات المتناقلة بين الأجيال.



المؤلّفان الاثنان كارل أبراهام وماريا توروك عملا على تسليط أضواء كاشفة على ميكانيزم الاستدماج “Introjection”* وهو يحدّد بالنّسبة إليهم كملكة استشراب ومحاكاة أحداث الحياة من خلال العمل، الإبداع، اللَّعب، الفنتازم، الفكر، اللُّغة(...) إلخ. هذه القدرات على الاستدماج تسمح بمواجهة أحداث صدميَّة وافتقادات مؤلمة. فهم إذن قد ركَّزوا أعمالهم على ما قد يشكّل حاجزا أو عائقا أمام بلوغ عتبة هذه الاضطرابات والتَّنفيس عنها. لذلك فقد ذهبوا إلى قياس الوقع المدمّر للسّر المكتوم “Le non dit” على الأفراد، وكيف ومتى يمكن البوح به كحقيقة مخزية يجب أن تخرج من حيز الكتمان والتَّستر. قد أثَّروا أبراهام وتوروك بشكل مباشر في كتاب من قبيل Serge tisseron في عمله الرَّائع حول إبداع الصُّور وClaude nachin الَّذي نشر له عدَّة كتب من ضمنها “باثولوجيا الحداد” ومؤلف آخر معنون بـ“أشباح الرُّوح – فيما يتعلَّق بالموروثات النَّفسيَّة” والَّذي بدت فيه نزعة ميتاسيكولوجيَّة فريدة في مقاربته للظَّواهر النَّفسيَّة. في نفس الوقت، اشتهرت أطاريحهم من طرف الإعلام، واستجمعت وطوّرت في أساليب علاجيَّة متنوّعة. السّر العائليَّ والتَّناقل بين الأجيال قد أصبحا من المفاهيم لا نظير لها (14).



سيعمل كارل أبراهام وماريا توروك على تقعيد مفاهيم جوهريَّة تحوَّلت فيما بعد إلى كلمات مفاتيح، من بينها: مفهوم الشَّبح “le fantôme” الَّذي يرمز إلى ثقل السّر العائليّ، ويمرَّر بشكل لا إراديّ من جيل لآخر. فالشَّبح هو تشكُّل للاَّشعور، وهو بالأساس ذو طبيعة لاواعية، ولهذا السَّبب، وخلال هذه المسيرة الَّتي يجب تحديدها يحدث أن ينتقل لاوعي الأب إلى لاوعي الابن. فللشبح بالتَّأكيد وظيفة مختلفة عن المكبوت الدّيناميّ، إذ أنَّ عودته المرحليَّة قهريَّة ومنفلتة إلى حدّ الوصول إلى تكوين الأعراض “Les symptômes”. وبمعنى عودة المكبوت يعمل بشكل يخنق الأنفاس ويظلُّ من جهة غريبا عن الإطار النَّظريّ الممثّل للّحظات المختلفة للنَّشاط النَّفسيّ - الخاصّ بالموضوع نفسه (15). ففي حين أنَّ“La crypte” هي شكل خاصٌّ لانشطار نفسيّ حادّ، يتَّضح أنَّ الشَّبح ينهض على صيرورة مختلفة جذريًّا. فالشَّبح لديه مقدرة على اختراق أرواح الأشخاص المقرَّبين من بعضهم البعض، كما لو الأمر أشبه ما يكون بأشباح الأساطير القروسطيَّة الَّتي كانت لها القدرة على اختراق الجدران والحلول ضيوفا على النَّاس. مع الأسف توفي كارل أبراهام وهو لا يزال شابا ولم يتح له الوقت ليشرح بالكامل هذا الميكانيزم (16). “La crypte” منطقة عمياء في اللاَّشعور، حيث يسكن ذلك المعيش اللاَّمباح، المجهول من طرف صاحبه، والمثير لهواجس ومخاوف كتيمة. وهي على وجه الخصوص أشكال دراماتيكيَّة للفقدان تتَّصل بظرفين: الموضوع المفقود الَّذي كان لا غنى عنه نرجسيًّا بالنّسبة للمعنيّ بالأمر، وكذلك من حيث هو سرٌّ مكتوم يربط فردا بالآخر على نطاق عريض من العائلة (17).



الاستجساد “L’incorporation” هذا التَّماهي السّريُّ سواء كان عابرا أو شاملا مع أحد آخر، غريب عن الذَّات. وهناك أيضا ما ينعت بالمكبوت المحافظ “Refoulement Conservatrice” هذا الأخير على خلاف المكبوت الدّينامي “Refoulement Dynamique” عند فرويد، لا يبحث عن كبت الرَّغبات، لكنَّه يعيق ويكبح إمكانيَّة الولوج إلى حدث صدميّ مَّا، لم يحدث بالمرَّة أن انمحى من الذَّاكرة اللاَّشعوريَّة (18).



لتقريب الصُّورة أكثر من القارئ نسرد في هذا الصَّدد قصَّة واقعيَّة لفتى كان ضحيَّة حياة مأساويَّة لوالديه وتاريخ أسريّ غامض يجسّد بامتياز هذه المعطيات المتنوّعة الَّتي تعرضنا لها. الرَّجل الَّذي أمضى سنوات عديدة في البحث عن الألوهيّ معانيا من مشاكل متنوّعة في ما يخصُّ الخوف من أن يصبح عاجزا أو موهن القوى. فأمُّه بالنّسبة إليه كانت باردة المشاعر، أخته ظلَّت مسجونة في مستشفى للأمراض العقليَّة، أمَّا أبوه فقد انتحر عندما أصيب بالعمى ورفض العلاج. هو نفسه يتخيّل العيش في قبر “Tombe” متماهيًّا مع هذا الأب الشَّبح الميّت (19). لقد انتهى أبراهام وتوروك من خلال تحليل هذه الحالة إلى اكتشاف كيف استشرب الفتى في لاشعوره المشوَّش سرًّا عائليًّا يمنعه على الدَّوام من عيش حياته في سكينة وسلام. تماما كما فطنت إليه كلاين –رغم اختلاف السّجلات- فالشَّيء الدَّاخليُّ يخلق قاعدة تاريخيَّة وعميقة للعلاقة مع الذَّات من خلالها يمكن للطّفل التَّوحُّد مع الأشياء الدَّاخليَّة. فالأشياء الدَّاخليَّة هي الأشباح، صورة متجسّدة في أشباح، الَّتي من خلالها نتصرَّف كما لو كانت حقيقيَّة “réels” إنعكاس عقليٌّ للنَّزوة يجعل من الهوام يوجد في قاعدة تكوين الأشياء (20).



لا يفوتني في هذا الصَّدد تسليط الإضاءة ولو بشكل موجز على مفهوم الزَّمن النَّفسيّ لما له من علاقة وطيدة بالمنهج السيكوجينيالوجيَّّ. والمقصود هنا بالمفهوم هو الإحساس الذاتيُّ بالزَّمن الخاصّ بالنَّفس وانفعالاتها الجوانيَّة، علاقته كاملة مع الشُّعور والرُّوحانيات والمجالات الذَّاتيَّة، وليس مع المقاييس، والأحداث الكونيَّة، والمجالات الموضوعيَّة. هذا الزَّمن النَّفسيُّ الَّذي تحاول أن تقبض عليه الجينيالوجيا النَّفسيَّة لا يحتكم إلى دقَّات عقارب السَّاعة ويبعثر بانزلاقاته glissement معايير القياسات الكرونولوجيَّة، وهو التَّصوُّر الَّذي يعمّقه المنظور الفلسفيُّ.. فالزَّمن شيء منفلت يتعذَّر الإمساك به “فنحن آتون من ماض لم يعد، وصائرون إلى مستقبل لم يكن بعد، وليس لنا إلاَّ حاضر زائل دائما لا نستطيع الإمساك به، أو الإبقاء عليه، لذلك فلسنا نملك بشأن الزَّمان أيَّ شيء حقيقيّ، إنَّه يبدو كما لو كان خاصَّة حلميَّة لوجودنا، ولا يبدو أمامنا ملاذا إلاَّ بالالتجاء إلى الأبديَّة الكائنة أبدا”. (القديس أوغسطين، الاعترافات).



من الجليّ أنَّ بعض الجنود المصابين بصدمات الحرب قد يتوقَّف عندهم الزَّمن ويعيشون طول الوقت وكأنَّهم في أرض المعركة حتَّى لو عادوا إلى بيوتهم، إحساسهم بالزَّمن يتوقَّف ويصيرون أسرى لشظايا الذَّاكرة العابثة وقتما شاءت بإيقاعات الزَّمن النَّفسيّ. تجسّد شخصيَّة ’مارلون براندو’ بطل الفيلم السّينمائيّ الشَّهير “Apocalypse now” هذه الأزمة الوجوديَّة من خلال سيناريو يحكي عن ضابط بالجيش الأمريكيّ في وقت حرب فيتنام، يتمُّ إرساله في مهمَّة لاغتيال أحد ضباط الجيش الأمريكيّ أيضا، الضَّابط المُكلَّف بالمهمَّة تطارده أحداث الحرب، الهلاوس تلازمه، وعيه وأحلامه تملؤها صور الدّماء والجثث، لا يمكنه الخروج منها حتَّى يبدأ بمعاودة الكرة في ذاكرته.



يحتضن الزَّمن النَّفسيُّ الوساوس، المخاوف المستقبليَّة، آثار الصَّدمات المنعكسة على الحاضر المتسبّبة في استعادة الأجواء الَّتي سبَّب تعاستنا، بحيث لا يتسنَّى عيش عمق الحياة والاستمتاع باللَّحظة. فنحن نعيش في الزَّمن النَّفسيّ، أي الزَّمن الخاصُّ بالنَّفس الَّذي وراء تفكيرنا في الماضي والمستقبل لأنَّه في الأخير ما يعمّق إحساسنا وشعورنا، هي ذاكرة تجرُّ الماضي بقوَّة لتمزجه بالحاضر، فهي امتداد لا منقطع لحاضرنا، إنَّها ديمومة متواصلة للزَّمن النَّفسيّ (21). وقد عالجت فلسفة “هايدغر” هذا البعد سؤالا وبحثا عن الزَّمن الوجوديّ الخاصّ بالإنسان ذاك الزَّمن الَّذي يتعارض مع زمن الفلك، وزمن الوجود الخارجيّ، وزمن السَّاعة، هذا الزَّمن الخاصُّ بالإنسان – الزَّمن الدَّاخليُّ- صار أحد جوانب الموضوعات الأساسيَّة في الفلسفات الأنطولوجيَّة.
رغم ما حقَّقه هذا التَّوجه من نجاح ونتائج عمليَّة مبهرة لم يسلم هو الآخر من سهام النَّقد، حيث تبدو السيكوجينيالوجيا في غالب الأحيان كنزعة جبريَّة سببيَّة (22) تصوّر لنا الذَّات كذاكرة مسكونة بالأشباح، بالأزمنة، بالتَّواريخ، بالأسماء، بالهويَّات، بالرُّموز، بالأسلاف، بالأزمات (...) إلخ، وهي تقضي العمر بأكمله في صراع وكفاح سيزيفي للتَّخلص من هذا الثّقل التَّاريخيّ الَّذي يمزّق صورة الأنا الرَّازح تحت رحمة القدر العائليّ والمتقلّب بين ثنايا نوستالجيا متناثرة الأزمنة. ويضيف النُّقاد على ذلك أنَّ علم النَّفس الجينيالوجي مبحث يلفُّه الغموض والإبهام، بخاصَّة تلك المفاهيم غير القابلة للقياس الَّتي يتمُّ إبداعها لتشخيص الأعراض وترميز تمظهرات لغة اللاَّشعور. غير أنَّ هذا لا يعني أنَّها ممارسة سحريَّة، وإنّما هي نشاط بحثيٌّ لا يكلُّ من التَّقصي وربط مسارات الأفراد والأحداث الَّتي تلتحم في نهاية المطاف ببعضها البعض وتعطي دلالة معيَّنة.



تجدر الإشارة هنا أنَّ المنهج النَّفسيَّ الجينيالوجيَّ لا يقتصر فقط على الحالات العلاجيَّة العياديَّة بل يتوغَّل في قطاعات عريضة وتستثمر اكتشافاته بشكل خلاَّق في الرواية، المسرح، السير الذَّاتيَّة، السينما، علم الإجرام (...) إلخ. فالسيكوجينيالوجيا سفر لا بدَّ منه في تخوم المناطق المهجورة من النَّفس، نوع من الحفريات في ذاكرة الجسد وفي الموروث الجيليّ واللاَّشعور العائليّ، حيث تنطلق الذَّات في رحلة البحث عن تاريخها المشترك في لاشعور الآخر وخارج قيود الزَّمان والمكان. وبهذا نخلص إلى القول بأنَّ علاقة الإنسان المعاصر مع هذا العلم ليست على ما يرام، لأنَّه في سعي دائم إلى طمر ماضيه والاستغراق في نسيان وجوده الحقيقيّ ضمن عالم زائف الأحوال ومتغافلا عن أنَّ الحقيقة غالبا ما توجد وراءنا وليس أمامنا.



كلمات مفاتيح: السّر العائليُّ / اللاَّشعور العائليُّ / النُّقلات العابرة للأجيال / مخيال جماعيٌّ / الديناميات اللاَّواعية للعائلة / بنية نفسيَّة جيليَّة / المقاربة العابرة للأجيال / الولاء العائليُّ اللاَّمرئيُّ / الزَّمن النَّفسيُّ / الشَّبح.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. Paola Del Castillo ; Le grand livre de psychogénéalogie au cœur des mots des mots de A à Z ; éditions Quintessence Holoconcept, 2OO5 , p 5.
* يمثّل مفهوم اللاَّشعور الجمعيّ عند كارل غوستاف يونغ طبقة عميقة من العقل الباطن أعمق جذورًا، وأكثر كمونا في النَّفس من اللاَّشعور الشَّخصيّ.
*السيكودراما “psychodrame” طريقة اختباريَّة أنشأها العالم النَّفسانيُّ الأمريكيُّ، النّمساويُّ الأصل، جاكوب مورينو (1892-1974)، بهدف تشخيص ومعالجة مشاكل الشَّخصيَّة الاجتماعيَّة. ففي السيكودراما يطلب من المريض النَّفسيّ أن يلعب أمام الجمهور حالة قد مرَّ بها في السَّابق ولم يتمكَّن من استيعابها وهضمها إذا صحَّ التَّعبير. وفي السيكودراما تدخل شخصيات أخرى، تمثّل أدوارا افتراضيَّة تساعد المريض على تطويق مشكلته النَّفسيَّة (الأب – الأم – الأخت – الأخ، إلخ).
أنظر: معجم العلوم الاجتماعيَّة، إنجليزي-فرنسي-عربي، د.فريدريك معتوق، مراجعة وإشراف د. محمد دبس، أكاديميا انترناشيونال / الفرع العلمي من دار الكتاب العربي، ط 1، 1993، ص 275.
2. بالنّسبة لدولتو من الضَّروريّ “مفهمة الوعي بالصُّورة اللاَّواعية للجسد”. فصورة الجسد مرتبطة بتاريخ الموضوع “le sujet”، وهي على خلاف الخطاطة الجسديَّة “schéma corporel” الَّتي تعود إلى التَّجربة الرَّاهنية الَّتي يفعلها الطفل بجسده“.
En savoir plus : Francoise dolto, l’image inconsciente du corps, « schéma corporel et image du corps » c. seuil, 1984.
3. http://www.psychologies.com/Therapies/Developpement-personnel/Methodes/Articles-et-Dossiers/La-psychogenealogie.

* المفاهيم ذات الصّناعة السوسيولوجيَّة قد أثَّرت بشكل ضمني في تخصيب آفاق علم النَّفس الجينيالوجيّ، ولعلَّ أبرزها: مفهوم العقل الجمعي لصاحبه جوستاف لوبون، ومفهوم الذَّاكرة الجماعيَّة عند هالبواش واللاَّشعور الجمعيّ عند يونع وأيضا اللاَّشعور الاجتماعيّ كما تبلور في الحقبة المعاصرة على يد إيريك فروم. حيث شكَّلت منطلقا للتَّفكير بالنّسبة لعلم النَّفس في التَّأثير الَّذي يمارسه الجماعيّ على الفرديّ. فإذا كان فرويد قد ركَّز كثيرا على الوعيّ في جانبه الفرديّ، فإنَّ هؤلاء قد انكبوا على دراسة الجانب الجماعيّ المتجذّر في السيكولوجيَّة البشريَّة. نجد مثلا غوستاف لوبون يحدّثنا عن لاوعي جماعيّ يهيمن على الحياة النَّفسيَّة أكثر من الوعي. ويتَّخذ هذا اللاَّوعي أو اللاَّشعور طابعا جماعيًّا من خلال ارتباطه بروح العرق، أي بماضي الجماعة الثَّقافيّ والفكريّ الَّذي يتوارث جيل عن جيل ويتحكَّم في الأفراد بشكل لاواعي، ويتمظهر في سلوكاتهم وطقوسهم الإجتماعيَّة. إنَّ أفعال الإنسان حسب غوستاف لوبون صادرة عن دوافع لاشعوريَّة تتكوَّن من عناصر وراثيَّة تعود إلى ماضي السلاسة والعرق، وهي عناصر وراثيَّة ثقافيَّة تترسَّخ لدى الأفراد مع مرور الزَّمن من خلال التربية والتَّنشئة الاجتماعيَّة و الاشراطات الثَّقافيَّة.

4. « Ce qui ne s’exprime pas en mots s’imprime et s’exprime alors en maux ».
*نشر لهم للمرَّة الأولى سنة 1978 كتابهم العميق الحامل لعنوان: الكورسيكيون والنَّواة L’écorce et le noyau ، قدّم على شاكلة مقالات حرّرت ما بين (1975-1959) وهي عصارة خمسة عشرة سنة من الخبرة الإكلينيكيَّة والتَّقدم النَّظريّ.
En savoir plus : L’écorce et le noyau, avec Nicolas Abraham, Paris, Flammarion, 1987, 480 p.
5. Anne Ancelin Schützenberger, Le Genosociogramme. Introduction à la psychologie transgénérationnelle in”le Genogramme, n° spécial des “Cahiers Critiques de Thérapie familiale et pratique de réseaux” , Bruxelles, 2000, no 25, p. 61–83.
6. Anne Ancelin Schützenberger, Aïe, mes aïeux ! Liens transgénérationnels, secrets de famille, syndrome d’anniversaire, transmission des traumatismes et pratique du génosociogramme Paris, Desclée de Brouwer, 1988.
7. Savoir se libérer des maux de ses ancêtres ; article ; Le Monde , 17.09.2012 Par Christine Angiolini.

* يعمل السيكوجينيالوجيّ على سبيل التَّشبيه بحدس المحقّق الانجليزيّ المشهور شالوك هومز الَّذي يلاحق خيوط الأدلَّة في القضايا الَّتي يتحرَّى عنها ولا يستثني أحدا من لائحة المشتبه بهم.
8. Serge tisseron ; maria torok les fantômes de l’inconscient ; le coq-héron. 2006 )° n186( p 29 – 30.
9. Ces enfants malades de leurs parents ; Anne Ancelin Schützenberger et Ghislain Devroede , Editions Payot, 2005.
1O. la cause des enfants ; 1985.
11. psychologie, tombé par terre, la faute à grand pére sur rue 89 consulté le 18 février 2014. http : //rue 89.nouvelobs.com.
12. Point références ; la psychanalyse après Freud ; le poids du secret de la famille, septembre-octobre 2013 ; page 60.
*الأسرار العائليَّة تضرب بأطنانها في حقب مضت. مثال على ذلك: في سنوات 1950 كان من العار في المجتمع الغربيّ أن تكون المرأة أمّا عازبة، فعندما تلد تضطر إلى إخفاء الحقيقة على المحيط القريب وخاصَّة على المولود الجديد الَّذي يربَّى على أنَّه ابن جدته فيما تلعب أمُّه الفعليَّة دور أخته الكبيرة. هذا بدون أن نتحدَّث عن طابوهات أخرى كمنع الحمل، الخيانة الزَّوجيَّة، المثليَّة الجنسيَّة. في سنوات 1990 قد كان شبح العطالة يدفع بالعديدين إلى الكذب حول وضعيتهم. ولكن القيم قد تطوَّرت وإذا كان اليوم بعض الطابوهات قد رفع عنها الحرج، فقد ظهرت من جديد طابوهات أخرى كالسيدا، الانتحار، زنى المحارم، البيدوفيليا (...) إلخ. ماذا في وسعنا أخيرا القول، على العموم تظلُّ هذه الأحداث المنبوذة بمثابة قاعدة ومنطلق لكلّ سرّ أسريّ مرتحل بين الذَّاكرات والأجساد.
* ورد مفهوم الاستدماج كذلك في أبحاث ميلاني كلاين حيث نكاد نلمس نفس الخطّ التَّحليليّ يحرّك ، لا سيَّما وأنَّ المنعطف الحاسم في مسار ميلاني كلاين قد كان بعد الدّراسة الَّتي أجرتها مع ’s. ferenczi ’ وأخرى مع ’ k. abraham’ والَّتي كان فيها للوضعيات النَّظريَّة والعمليَّة الَّتي تلقتها على أيديهم تأثيرا بالغا على تكوينها. من بين أهمّ الميكانيزمات النَّفسيَّة الَّتي توصَّلت إليها كلاين في مشوارها التَّحليلي النَّفسي، نذكر: الإسقاط وعمليَّة إعادة الغرس Introjection - Projection، التَّقمُّص الإسقاطي Projective indentification، انفصام الشَّخصيَّة Clivage de le personnalité، العلاقات الشَّيئيَّة Objet relations العالم الدَّاخليُّ Le monde intérieure .
13. le Point références ; la psychanalyse après Freud ; le poids du secret de la famille, septembre-octobre 2013 ; page 60.
14. le Point références ; la psychanalyse après Freud ; le poids du secret de la famille, septembre-octobre 2013 page 61.
15. Op. cit. p 60.
16. Serge tisseron ; maria torok les fantômes de l’inconscient ; le coq-héron. 2006 )° n186( p 29 – 30.
17. Op. cit. p 29 – 30.
18. L’objet perdu-moi ; in le Point références ; la psychanalyse après Freud, page 61.
19. Op. cit. p 60. 

20. كان مفهوم كلاين عن العالم الدَّاخليّ عميقا بشكل يفوق التَّوقُّع. فقد اكتشفت حياة غنيَّة جدًّا مليئة بالشَّخصيات والأشكال المستشربة، كما لو أنَّ الاطفال يلعبون بهذا الأشياء ’هم’ داخل أنفسهم، بطريقة قلقة ولكن خلاَّقة من أجل تأكيد ذاتهم، مواقفهم، تمثلاتهم. حتَّى أنَّه أصبح يسود اعتقاد في أوساط التَّحليل النَّفسي تترجمه القناعة التَّالية: إذا كان فرويد قد إكتشف الطّفل حتَّى سنّ البلوغ، فميلاني كلاين قد اكتشفته مبكّرا في سنّ الطفولة. أمَّا بخصوص التَّجديد في حقل النَّظريَّة فقد أضافت كلاين إشباعا آخرا غير إشباع السَّعادة واللَّذة عند فرويد إنَّه إشباع الكفاح في حلّ الصّراعات.

راجع: مدخل إلى ميلاني كلاين: مؤلَّف جماعي من تأليف روبرت هتشل وود وسوزان روبنسون واوسكار زايت، ترجمة حمدى الجابري، مراجعة وإشراف وتقديم إمام عبد الفتاح إمام، المجلس الاعلى للثقافة، 2003.
21. هنري برغسون، التطور الخلاق.ت. محمد محمود قاسم. سلسلة نصوص فلسفيَّة، الهيئة المصريَّة للكتاب، 1984، ص 14.

22.http://www.lexpress.fr/styles/psycho/psychogenealogie-quand-la-memoire-familiale-empeche-d-avancer_1661065.html#7jD7yIgmEKXVZcgy.99

 
 

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك