إرادة وتخطيط أم وراثة وقدر؟

 

فهد عامر الأحمدي

    سبق وكتبت مقالا عن تقنيات الحظ السعيد ركزت فيه على الجانب الذي يمكننا صنعه والتحكم فيه لخلق الإنسان المحظوظ.. مثلا.. كلما اتسعت دائرة معارفك ارتفعت نسبة حظوظك والعروض الإيجابية المقدمة إليك، فتصبح محظوظا مقارنة برجل مجهول أو منعزل لا يملك عددا كبيرا من المعارف..

لم أتحدث حينها عن دور القدر (والتأثير الوراثي) في هذا الموضوع، ولكن يكفي أن تنظر حولك لتكتشف أن هناك أشخاصا ورثوا عن آبائهم المال والجاة والمنصب والشهرة، وآخرين ورثوا عنهم الفقر والقلب والسكر و"كوم عيال"!.

المحير فعلا هو كيف نقيس دور "القدر" أو العوامل الوراثية في موضوع كهذا؟

أذكر أن علماء الاجتماع في جامعة بريستول قاموا بدراسة طويلة شملت 14000 طفل هدفها النهائي معرفة ما إن كانت حياتنا تسير حسب قوانين القدر أم بسبب الإرادة والفرص الجيدة التي نخلقها لأنفسنا..؟!

ما لم أفهمه فعلا هي طبيعة المعايير التي سيعتمدونها لاحقا (حين يدخل الأطفال سوق العمل أو يتجاوزون سن الأربعين) لتحديد ما إن كانت إنجازاتهم السابقة أتت نتيجة القضاء والقدر، أم الإرادة والتخطيط السليم!

.. فالمشكلة الأزلية (في تحديد ما إن كنا مسيرين أو مخيرين) هي أن الإرادة والتخطيط من جهة ، والقضاء والقدر من جهة أخرى، يمثلان وجهين لعملة واحدة.. فحين يصبح أحد هؤلاء الأطفال "مليونيرا" في المستقبل يمكن حينها الادعاء أنه وصل لهذه المرحلة بسبب جهده وإصراره، كما يمكنه إعادة ذلك لحظه الجيد وقدره السعيد!

.. أما الأكثر غرابة من دراسة بريستول فهو تأكيد علماء النفس (في جامعة ويلز في كارديف) أن البعض يولد "منحوساً" بشكل وراثي وبطريقة خارجة عن إرادته.. فمن خلال مراجعة الانجازات الشخصية لبعض الأفراد اكتشف العلماء أن "سوء الحظ" ارتبط وراثيا بعائلات معينة، وأن "حسن الحظ" ارتبط بعائلات أخرى.. وهذا الفارق تم اكتشافه بمعزل عن ثروة العائلة أو مستوى تعليمها أو مركزها الاجتماعي، رغم أهمية هذه الأدوار في رفع أو خفض نسبة الحظوظ المتاحة..

وفهم السبب الحقيقي لهذه الدراسة قد يمنحنا تفسيرا منطقيا لنتائجها.. فقد نظمت أساسا لاكتشاف أسباب تفشي حالات الكآبة في عائلات دون غيرها. ثم لاحظ العلماء أن حالات الكآبة المستمرة تقود إلى الانعزالية وهرب الناس من حوله الأمر الذي يحرم صاحبها من فرص كثيرة قد يحظى بها شخص آخر أكثر انفتاحا ومتابعة لأحوال الناس.. ويضرب بيتر ماكجمان منسق فريق البحث مثلا بالمصابين بالكآبة الوراثية وكيف يعرضون أنفسهم لمواقف غير ملائمة تبعدهم عن الفرص والأحداث الجيدة.. كما يضرب مثلا بحالات الخجل الوراثي الذي يبعد أفراد عائلات معينة عن فعاليات المجتمع، ويقلل من نسبة تواجدهم في مواقع الفرص الملائمة!

.. نعود إلى أول فقرة في المقال ونقول: كلما اتسعت دائرة معارفك ارتفعت نسبة حظوظك والعروض الإيجابية المقدمة إليك..

http://www.alriyadh.com/1123901

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك