المجتمع المؤدلج والنقد

 

د. محمد ناهض القويز

    ليس هناك مجتمع مثالي ولا مجتمع كامل ومن يدعي ذلك فليس له من الحقيقة نصيب.

واقع المجتمعات الإنسانية يُكذِّب ادعاءاتهم وبالذات المجتمعات المؤدلجة بغض النظر عن أيديولوجيتهم. ولئن كان نقد المجتمعات غير المؤدلجة خياراً متاحاً لمن شاء وكيفما شاء، فإن نقد المجتمع المؤدلج يعتبر خطيئة بغض النظر عن صدق النقد أو تجنيه.

ولهذا لا تستغرب أن يُغفل المجتمع النقد المطروح ويطرح بدلًا منه مروق الناقد وتمرده وزندقته. سيسهل رمي من يتجرأ على النقد بكل ماتحمله قواميسهم من أوصاف تخوينية وتكفيرية. وسيقوم الرعاع بكيل الشتائم بشكل لا يستقيم مع أي ملة أو نحلة.

أما إن كان النقد من خارج المجتمع المؤدلج فسيعمد إلى طرح نظرية المؤامرة وتكالب أعداء أيديولوجيته عليه. وقد يُتهم كتّاب أو صحفيون بالعمالة لجهات خارجية مهمتها زعزعة ذلك الكيان الأيديولوجي بزعمهم.

المجتمع المؤدلج لا يقبل النقد ولا التقويم إلا من قبل النخبة المؤدلِجة أو من ينضوي تحت رايتها. واستمر هذا النهج في كل المجتمعات المؤدلجة على الرغم من الذم الصريح من الخالق سبحانه لهذا السلوك "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً"التوبة 31

كم من الكتّاب والمفكرين حوربوا وكفروا لرأي مخالف للشائع رغم أن هذا الرأي قد يكون تبناه من السابقين الأولين من هم خير من الفريقين. حتى عندما بلغ السيل الزبى وأُطلِقت صفارات الإنذار الأولى محذرة من مستقبل مخيف كما جاء في "كي لا تكون فتة" تعرض الكاتب وكل كاتب آخر شاركه الرأي لحرب شعواء تناولته المحاضرات والدروس وخطب الجوامع. وسنكتفي بالاستشهاد بهذا المشهد من محكمة مصرية:

سأل القاضي قاتل فرج فودة لماذا قتلت فرج فودة؟

رد القاتل لأنه كافر.

فقال القاضي ومن أي كتبه استنتجتَ أنه كافر؟

فردّ المجرم لم أقرأ كتبه فأنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة.

هذا السلوك كان شاذاً في السابق أما الآن فهو شائع جدا وهذا ينذر بخطر كبير.

إذا كان المجتمع المؤدلج منعزلاً لن يكتوي بالنار إلا من يصلاها من أفراده.

أما إن كان مجتمعاً فاعلاً على الساحة الدولية فستتسع دوائر النقد لتشمل الآخر.

للأسف صفارات الإنذار لم تعد حكراً على كُتاب ومفكري المجتمع المؤدلج، بل أصبحت نهجاً سياسياً قد يستغلونه لابتزازه وقد تستخدم القنوات العدلية الأممية للوصول للهدف المنشود.

ولأن ذلك يتم خارج إطار المجتمع المؤدلج وبعيداً عن سيطرة مؤَدلجيه، وفي غفلة منه فقد انطوى على مغالطات لا تمت للواقع بصلة ولكنها التبست حتى على مناصري المجتمع من خارج دائرته فوجدوا صعوبة في الدفاع عنه من التهم الموجهة إليه.

http://www.alriyadh.com/1122291

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك