النوازل

عداد: د. محمود محمد الكبش

عضو هيئة تدريس

جامعة أم القرى - مكة المكرمة
 

 

لعظيم شأن الفتوى في النوازل المعاصرة، وتقريبا للعلم والاستفادة منه؛ استحدثت هذه الصفحة المباركة - في كل عدد - من أجل عرض نازلة معينة، بالوقوف على مصادرها، ومظانها المختلفة، وتجلية صورها، وبيان أحكامها، وأدلتها.

إ
الأدوية المشتملة على محرم

الخلاصة الحكمية

1- لا يجوز استعمال الخمرة الصرفة دواء بحال من الأحوال؛ إلا أنه يجوز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها، بشرط أن يصفها طبيب عدل، كما يجوز استعمال الكحول مطهرا خارجيا للجروح.

2- إذا حصل تغير أو استحالة للمواد والأعيان النجسة إلى مادة أخرى، فإن بعض المذاهب الإسلامية يعتبر هذه الاستحالة مطهرة لها، فتصبح المادة النجسة طاهرة، ويحل أكلها والانتفاع بها. وهذا ما تأخذ به هيئة الفتوى «الكويتية» تيسيرا على الناس.

3- أجاز مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التداوي بالهيبارين الجديد ذي الوزن الجزيئي المنخفض عند عدم وجود البديل المباح الذي يغني عنه في العلاج، أو إذا كان البديل يطيل أمد العلاج. مع الأخذ في الاعتبار عدم التوسع في استعماله إلا بالقدر الذي يحتاج إليه.

4- لا يجوز تناول الأغذية والأشربة والأدوية المشتملة على الجيلاتين المستخرج من جلود الخنزير والأعيان النجسة، خصوصا مع وجود البديل في الأنعام التي أحلها الله.

< القرارات، والتوصيات، والبحوث الصادرة من المجامع واللجان الفقهية، والهيئات الشرعية بخصوص هذا الموضوع:

> أولا: قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لـ «رابطة العالم الإسلامي» في دورته السادسة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، فــي المــدة من:

21-26/10/1422هـ، التي توافق 5-10/1/2002م، وبعد النظر في الأبحاث المقدمة عن الأدوية المشتملة على الكحول والمخدرات، والمداولات التي جرت حولها، وبناء على ما اشتملت عليه الشريعة من رفع الحرج، ودفع المشقة، ودفع الضرر بقدره، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وارتكاب أخف الضررين لدرء أعلاهما، قرر ما يلي:

1- لا يجوز استعمال الخمرة الصرفة دواء بحــــال من الأحــــوال؛ لقــول رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» (رواه البخاري في الصحيح). ولقوله: «إن الله أنزل الداء وجعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تتداووا بحرام» (رواه أبو داود في السنن، وابن السني، وأبونعيم). وقال لطارق بن سويد، لما سأله عن الخمر تجعل في الدواء: «إن ذلك ليس بشفاء، ولكنه داء» (رواه ابن ماجه في سننه، وأبونعيم).

2- يجوز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها، بشرط أن يصفها طبيب عدل، كما يجوز استعمال الكحول مطهرا خارجيا للجــروح، وقاتلا للجراثيم، وفي الكريمات والدهون الخارجية.

3- يوصي المجمع الفقهي الإسلامـــي شـركات تصنيع الأدويــــة، والصيادلة، فــي الدول الإسلامية، ومستوردي الأدويــة، بأن يعملوا جهــدهم في استبعاد الكحول من الأدوية، واستــخدام غـيره من البـدائـــل.

4- كما يــوصــي المجمـع الفقــهي الإسلامـــي الأطبـــاء بالابتعاد عن وصف الأدوية المشتملة على الكحول مــــا أمـكـن.

انتهى القرار.

< التعليق:

الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن هذه النسبة القليلة من الكحول المسكر في الأدوية لا يحرمها على مستعملها، ولا يحكم بنجاستها لأجلها؛ وذلك أن المسكر إذا خلط بنسبة قليلة مع الماء، أو الدواء، فإنه يستهلك ولا يبقى له أثر، فلا يصير الشراب المشتمل على نسبة كحول 5 في المئة مثلا مسكرا، والإسكار هو علة التحريم في الخمر، فإذا انتفت عن ذلك المخلوط: لم يأخذ حكم التحريم الوارد في الخمر؛ لا من حيث حرمة تناوله، ولا من حيث نجاسته.

يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: «محل الخلاف في التداوي بها -يعني بالخمر- بصرفها، أما الترياق المعجون بها ونحوه مما تستهلك فيه؛ فيجوز التداوي به عند فقد ما يقوم مقامه، مما يحصل به التداوي من الطاهرات، كالتداوي بنجس، كلحم حية، وبول، ولو كان التداوي بذلك لتعجيل شفاء، بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك، أو معرفته للتداوي به»؛ انتهى. (مغني المحتاج، 5/518).

> ثانيا: ما عرض على لجنة الفتوى الكويتية (ج20/ص343/ف6505)؛ حول «إدخال مواد محرمة في الأطعمة»؛ وبيان الحكم الشرعي في موضوع الأغذية التي تدخل في تصنيعها مشتقات من حيوان الخنزير، ومن المواد المضرة بصحة الإنسان، والتي يرمز لها على غلاف السلع «E100 – E181» على سبيل المثال لا الحصر؛ ومما أجابت به:

كل مطعوم أو مشروب يكون حلالا للإنسان إذا لم يكن محرما شرعا أو لم يوجد فيه محرم، ومن المحرمات في الطعام والشراب: المسكرات والنجاسات، وما فيه إضرار بالصحة كالسموم وغيرها من المواد المضرة، فإذا ثبت قطعا أو بظن غالب أن في مطعوم أو مشروب مادة مسكرة أو نجسة أو مضرة بالصحة حرم، وإلا فلا يحرم، ومدار ثبوت ذلك على المختصين والمسؤولين عن الشؤون الصحية.

كما ترى اللجنة أنه إذا حصل تغير أو استحالة للمواد والأعيان النجسة إلى مادة أخرى، فإن بعض المذاهب الإسلامية يعتبر هذه الاستحالة مطهرة لها، فتصبح المادة النجسة طاهرة، ويحل أكلها والانتفاع بها. وهذا ما تأخذ به هيئة الفتوى تيسيرا على الناس.

أما إذا لم تتحول إلى مادة أخرى، فإنها تبقى نجسة محرمة إلا في حال الاضطرار، ومنه استعمال الأدوية التي لا يقوم مقامها شيء من الأدوية الحلال، ولا تعارض بين حكم الضرورة وبين أصالة تحريم التداوي بالمحرمات في حال السعة والاختيار. والله أعلم.

وتوصي اللجنة الجهات المسؤولة بمتابعة جميع الأغذية من مطعومات أو مشروبات للتأكد من خلوها من كل المحرمات والمواد المضرة بصحة الإنسان، ومنع تناول أو تداول ما كان غير خـال منها، حفاظا على صحة الأمة.

> ثالثا: قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لـ «رابطة العالم الإسلامي» في دورته السادسة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من: 19-23/10/1424هـ التي توافق 13-17/12/2003م، قد نظر في موضوع: «حكم استعمال الدواء المشتمل على شيء من نجس العين، كالخنـزير، وله بديل أقل منه فائدة؛ كالهيبارين الجديد ذي الـوزن الجزيئـي المنخفـض»، وقدمت فيه بحوث قيمة، وكان مما اشتملت عليه هذه البحوث ما يلي:

1 - يراد بالهيبارين: مادة تنتجها خلايا معينة في الجسم، وتستخلص عادة من أكباد ورئات وأمعاء الحيوانات، ومنها البقر والخنـزير. أما الهيبارين ذو الوزن الجزيئي المنخفض فيهيأ من الهيبارين العادي بالطرق الكيميائية المختلفة. وهما يستخدمان في علاج أمراض مختلفة، كأمراض القلب والذبحة الصدرية، وإزالة الخثرات الدموية، وغيرها.

2 - إن عملية استخلاص الهيبارين ذي الوزن الجزيئي المنخفض من الهيبارين العادي تتم بطرق كيميائية تنتج عنها مركبات جديدة مختلفة في خواصها، وصفاتها الفيزيائية، والكيميائية، عن الهيبارينات العادية، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بالاستحالة.

3 - إن استحالة النجاسة إلى مادة أخرى مختلفة عنها في صفاتها وخواصها؛ كتحول الزيت إلى صابون ونحو ذلك، أو استهلاك المادة بالتصنيع وتغير الصفات والذات، تعد وسيلة مقبولة في الفقه الإسلامي للحكم بالطهارة وإباحة الانتفاع بها شرعا.

وبعد المناقشات المستفيضة من المجلس للموضوع، وما تقرر عند أهل العلم، وما تقتضيه القواعد الشرعية من رفع الحرج ودفع المشقة، ودفع الضرر بقدره، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وارتكاب أخف الضررين لدرء أعلاهما مشروع، قرر المجلس ما يأتي:

1- يباح التداوي بالهيبارين الجديد ذي الوزن الجزيئي المنخفض عند عدم وجود البديل المباح الذي يغني عنه في العلاج، أو إذا كان البديل يطيل أمد العلاج.

2- عدم التوسع في استعماله إلا بالقدر الذي يحتاج إليه، فإذا وجد البديل الطاهر يقينا يصار إليه؛ عملا بالأصل، ومراعاة للخلاف.

3- يوصي المجلس وزراء الصحة في الدول الإسلامية بالتنسيق مع شركات الأدوية المصنعة للهيبارين، والهيبارين الجديد ذي الوزن الجزيئي المنخفض، على تصنيعه من مصدر بقري سليم.

< تعليق وبيان:

أما بالنسبة إلى الجيلاتين إذا كان محضرا من محرم؛ فقد سئلت اللجنة الدائمة: هل الجيلاتين حرام؟

فأجابت: «الجيلاتين إذا كان محضرا من شيء محرم؛ كالخنزير، أو بعض أجزائه؛ كجلده، وعظامه، ونحوهما؛ فهو حرام، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (المائدة:3)، وقد أجمع العلماء على أن شحم الخنزير داخل في التحريم، وإن لم يكن داخلا في تكوين الجيلاتين، ومادته شيء من المحرمات فلا بأس به». (فتاوى اللجنة الدائمة، 22/260).

والحاصل:

أنه لا يجوز تناول الأغذية والأشربة والأدوية المشتملة على الجيلاتين المستخرج من جلود الخنزير والأعيان النجسة، خصوصا مع وجود البديل في الأنعام التي أحلها الله، فمن الممكن أن تتم صناعة الجيلاتين من هذه الأنعام المذكاة، وهي تؤدي الغرض نفسه في صناعة الدواء أو الغذاء.

وللاستزادة ينظر: (النوازل في الأشربة؛ لزين العابدين الإدريسي، ص:287).

http://alwaei.gov.kw/Site/Pages/ChildDetails.aspx?PageId=873&Vol=607

الأكثر مشاركة في الفيس بوك