إصلاح الفكر العقدي من منظور ابن رشد

 

يوسف بن عبد العزيز أبا الخيل

    ماذا سيحدث لعالمنا العربي والإسلامي لو أتيح لفلسفة ابن رشد، خاصة في مجال الإصلاح العقدي والفقهي، أن تسود فيه؟

هل كان هذا العالم سيشهد نشوء تلك الجماعات التكفيرية العنيفة التي تقتل الرجال وتسبي النساء والأطفال على الهوية؟

وهل كان سيشهد كل هذه الكوارث التي شوهت سمعته شرقا وغربا؟

الجواب لا، وألف لا. لكن ما هو مشروع ابن رشد في جانب الإصلاح الديني عقيدة وفقها، والذي كان سيحمي العالم الإسلامي من أدوائه، لو أتيح له أن ينتشر ويتكرس؟

سنتطرق اليوم إلى المشروع الرشدي في جانبه العقدي.

لقد ظللنا إلى اليوم على ما تركنا عليه فيلسوفنا الكبير، فمع غياب التعددية ظللنا نكفّر بعضنا بعضا ونجعلهم مستباحي الدم، لمجرد الاختلاف على تأويل بعض النصوص الدينية

إن مشروع ابن رشد، في جانبه العقدي، إنما يقوم بشكل خاص على التأكيد أن أصول العقائد المطالب بها المسلم هي فقط أصول الإيمان الستة التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهي (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره). أما غيرها مما يطلق عليه (فروع العقائد) فهي، كما يقول في (فصل المقال): "تأويلات أوقعت الناس في شنآن وتباغض وحروب ومزقت الشرع كل التمزيق".

ثم يشير ابن رشد إلى ان هناك سببا خفيا يقع خلف هذه التأويلات التي جانبت الصواب المتمثل في أصول العقائد وهو: "غياب المقصد الشرعي في فكر هذه الفرق، إما لعدولهم عنه مقابل تشبثهم باعتقادات ومقاصد خاصة بهم، وإما لعدم فهمهم المقصد الشرعي الذي يتشوف الشارع لتحقيقه على أرض الواقع".

وبعد ذلك، يشن فيلسوف قرطبة حملة شعواء على الفرق وأصحاب المذهب الذين غفلوا عن مقصد الشرع، واتبعوا أهواءهم وشهواتهم في تصدير التمذهب بوصفه مقصد الإسلام، والإسلام منه براء، فيقول في كتابه (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة): "نشأت فرق الإسلام حتى كفّر بعضها بعضا، وبدّع بعضها بعضا. فأوقعوا الناس في شنآن وتباغض وحروب، ومزقوا الشرع، وفرقوا الناس كل التفريق". ويقول في موضع آخر من الكتاب:" إن الناس اضطربوا في هذا المعنى كل الاضطراب حتى حدثت فرق ضالة، واصناف مختلفة، كل واحد منهم يرى أنه على الشريعة الأولى، وأن من خالفه إما مبتدع، وإما كافر مستباح الدم والمال. وهذا كله عدول عن مقصد الشارع، وسببه ما عرض لهم من الضلال عن مقصد الشريعة".

هنا نجد ابن رشد يركز على أزمة الفكر الإسلامي التي بدأت منذ أفول شمس الحضارة العربية الإسلامية واستمرت إلى اليوم، ألا وهي غياب التعددية: فكريا ومذهبيا وسياسيا.

غياب التعددية، والذي ينعاه ابن رشد بوصفه سبب الأزمة وبؤرتها، لا يعني غيابها بنيويا، بل يعني تغييبها بواسطة الفاعلين الاجتماعيين؛ حيث إن كل واحد منه، جماعة أو مذهبا أو حزبا أو فردا، يرى" أنه على الشريعة الأولى، ومخالفه إما مبتدع أو ضال حلال الدم والمال".

غياب مقاصد الشرع عن فكر الفرق أحد أهم الأسباب التي أدت إلى استفحال المذهبية، وخفوت الروح الإسلامية الحقيقية. ذلك أن الإسلام نزل رحمة للعالمين، وبالتالي فإن اختلاف تأويلات النصوص بين الفرق كان يجب ألا يكون على حساب مقصد الشرع الأساسي، ألا وهو السلم وخصوبة الاجتماع البشري، وعدم اللجوء إلى الاحتراب لحل الخلافات المذهبية!

لقد ظللنا إلى اليوم على ما تركنا عليه فيلسوفنا الكبير، فمع غياب التعددية ظللنا نكفّر بعضنا بعضا ونجعلهم مستباحي الدم، لمجرد الاختلاف على تأويل بعض النصوص الدينية. بل زدنا على ما كان في عصره، بأن جند أناس أنفسهم للتنبيش في ثنايا الكتب أو المقالات أو الدواوين بغية العثور على كلمة أو عبارة مجازية ليطيروا بها فرحين فيكفروا صاحبها، ويدعوا إلى إقامة حد الردة عليه!.

http://www.alriyadh.com/1114560

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك