إنسانوية الإنسان!

سعد الحميدين

    "الكتابة ليست قراري بل قدري. لم اخترها بل اختارتني. حتى أني أشعر في بعض اللحظات، على غرار كل الكتّاب، ان ما أقوم به بلا جدوى. لكني دائما أعود لأدرك أن الجمال والفن وقوته يكمنان تحديدا في لا جدواه هذه"

(بول أوستر)

***

في رحلة طويلة ممتعة مع الأدب بداية بالشعر، ثم المقالة، والسيرة، وحوارات مع كبار الكتاب العالميين قطعت الكاتبة/الشاعرة، جمانة حداد مسافات قرائية وكتابية، وتنقلات جغرافية شملت الكثير من دول العالم، والهدف البحث واقتناص مواضيع لكي تكتب عنها متخذة من حبها وشغفها للقراءة منطلقا لكي تضاعف المخزون في مخيلتها وتضيف إليه ما يتماهى معه في عملية بنائية ثقافية متنوعة، كتبت في الشعر (دعوة إلى عشاء سري، ويدان إلى الهاوية، وعودة ليليت) وفي مجال الحوارات الأدبية والفكرية أصدرت كتاب (في صحبة لصوص النار) وفي الأبحاث والترجمات كتبت عن الكتاب والمبدعين المنتحرين في العالم كان كتابها(سيجيء الموت وتكون له عيناك) ثم جاء كتاب شبيه بالسيرة الذاتية (كيف قتلت شهرزاد)، والحقته بكتاب (سوبرمان عربي).

في كتابها الأخير الصادر حديثا تحت عنوان (الجنس الثالث) ليس على غرار كتاب الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار (الجنس الآخر)، حيث تؤكد على أن هذا الكتاب يكمل اللوحة ثلاثية الأبعاد التي تتخيلها، ومكانه وسط اللوحة بين (شهرزاد، السوبرمان) فهي تتوجه بمقالاتها الشبيهة بالمذكرات، والسيرة، والتجارب، في إحساس بأن الإنسان واحد في هذه المعمورة مهما كان جنسه أو لونه، أو معتقده، وأن الإنسان بطبعه إنسانوي، وتعريف الإنسانوي عندها تلخصه في: "بحثت طويلاً وعميقاً عن التعريف المصطلح الوصفي الشامل الذي يسعه أن يتضمن كل الخصائص التي كنت أريد لهذا الإنسان أن يمثلها، فظلت صفة واحدة تلتمع في الرأس اتّضح لي أنها تختصر في كنهها، الجلي والعسير معا، اللائحة الكاملة للصفات التي كنت أحاول القبض عليها: الإنسان (الإنسانوي) لماذا الإنسان الإنسانوي؟ لأن إنسانويتنا وحدها تستطيع أن تقارب بيننا، وحدها تستطيع توحيد عائلتنا الإنسانية المشتتة والمقسومة.." وفي المقالات التي ضمها الكتاب تحت أقسام جاءت كما يلى: رحلة المحارب، رحلة الصادق، رحلة المفكر، رحلة المنصت، رحلة المتعاطف، رحلة الأبي، رحلة المتمردة، محاورة الوداع) وكل قسم يتطرق بالتّفصيل للموضوع الذي يعالجه ومؤداه دفع الإنسان للعمل من أجل الإسهام في ما يسعد الإنسان عن طريق الوعي والتوجيه، ورسم النماذج التي يمكن أن تكون مساندة لتلك المساهمات، وتمثل في نماذج مستمدة من تجار خاصة/ عامة . تعمل في الطريق ذاته مجسمة مسيرة متخيلة لو طبقت على الواقع كان من شأنها أن ترسخ مفهوم البناء والتطور وتوسيع الإطار الذي يستوعب المفاهيم النافعة والدافعة إلى الخلق والإبداع، والتعايش في تبادل المنافع والمصالح. مع امكانية الاحتفاظ بالخصائص البيئية، والفروقات الفردية الطبيعية، إنما الهدف (إنسانوية الإنسان) في دائرة كبيرة تحيط بالكل وتزداد اتساعاً كلما حتَّم الوقت، وفرض الزَّمن بما يضيفه بتتابع وتيرة الحياة وحركتها الدؤبة. فالانسانوية كوحدة بناء، الإنسان الإنسانوي كمحور كل ما عداهما إكسسوارات وملاحق، حب واحترام للإنسان من الجنسين، فالحياة مشاركة وجدانية وعملية، والصورة بارزة لا تحتاج إلى بحث، فوسائل التواصل الحديثة قربت البعيد، ولم يبق إلاّ أن يدرك الإنسان معنى إنسانيته وما تحتاجه من اعمال يرى فيها أن ما يحبه لنفسه يتوجب أن يحبه لأخيه الإنسان، وفي موضع ترى جمانة: "ما ينبغي لنا أن نفعله إذاً بدلاً من محاولة طمس الاختلافات بين الناس أو نكرانها، في المقاربة إيجاد وحدة قياس مشتركة جديرة بالاحترام، تُوجد تقارباً فطرياً غير مفتعل بينهم، وما وحدة القياس هذه سوى إنسانويِّة كل واحد منّا"

الكاتبة كانت واضحة مع نفسها والآخر، وتحدثت عن حياتها والإحباطات التي واجهتها بداية، والنجاحات التي تحققت تاليا، والعوز الذي صورته في شبه مذكرة عن الذات الخيار بين أن تشتري والدتها فستانا كانت الأم متعلقة به ولكنها تجنبت الطريق التي تمر بها لكي لا ترى الفستان، لأنها (= الأم) آثرت أن تدفع قيمة الأقساط المدرسية لكي تتعلم ابنتها، وتحرم نفسها من شيء أعجبها، حيث ظلت تختار تأمينا تعليميا على حساب رغباتها الخاصة، كما قالت وهي تتحسر، ولكنها عوضت والدتها بالعلم والمعرفة والشهرة وحققت ومنحت أمها أكثر مما كانت ترغب.

في نص بعنوان (أن تنحسر أو أن ترحبي) ترسم التوق الحيوي للمبدع / المبدعة:

هل تعرفين الحصاة الصغيرة /التي ترمى في بحيرة/توقظها من غفوتها؟/

كوني تلك الحصاة /كوني اليد التي تقذفها/كوني البحيرة التي تستقبلها/

والمياه التي تتراقص معها جميعها في آن واحد/.

http://www.alriyadh.com/1111329

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك